الإثنين 17 فبراير 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

بيادق ونيشان.. يوسف حسين: «كتارا» حافز قوى لاستكمال المسيرة

يوسف حسين
يوسف حسين

- «بيادق ونيشان» دعوة لـ«مراجعة النفس» وربما «سبب لإرشاد الضالين»

- الفكرة الأساسية للرواية هى أن «صراع الخير والشر لم ينته بموت آدم»

- البطل يعبر عن كثير من أبناء جيلنا وتقمصت «نفسه الأمّارة بالسوء»

- الرواية مرآة للحياة الواقعية و‏انعكاس لكل ما يؤثر فى الكاتب

صدى واسع أثاره فوز الروائى يوسف حسين بجائزة «كتارا» فى دورتها العاشرة، فى فئة «الرواية العربية المنشورة»، بجانب علاء حليحل من فلسطين عن روايته «سبع رسائل إلى أم كلثوم»، ومحمد طرزى من لبنان عن روايته «ميكروفون كاتم صوت». هذا الصدى مرده أن «حسين» لم يكن فى صدارة المرشحين للفوز بالجائزة، إن صح التعبير، وكان الكثير من المتابعين يتوقعون أسماءً أخرى، ما يعكس تميز روايته الفائزة «بيادق ونيشان»، ونجاحها فى نيل ثقة المُحكمين. عن تأثير فوزه بالجائزة على مسيرته الإبداعية، ورؤيته للجوائز بالنسبة للكُتاب بصفة عامة، إلى جانب تفاصيل روايته الفائزة وقصتها وفكرتها الأساسية، يدور حوار «حرف» التالى مع الروائى يوسف حسين.

■ ما الذى تقوله عن فوزك بجائزة «كتارا»؟، وما الذى يعنيه لك هذا الفوز؟

- أفخر كثيرًا بهذه الجائزة، خاصة أنها تُكلل تعب وعناء وسعى طويل فى مجال الكتابة ‏والأدب، وأعتبرها بمثابة حافز تشجيعى قوى لاستكمال مسيرتى الأدبية بشغف، فأهم ما يرجوه ‏المرء فى حياته هو أن ينال التقدير الذى يستحقه، ما يساعده فى استعادة حبه لطموحه وتنميته بحيوية ‏متجددة. والجوائز هى حلم يسعى الكُتاب إلى تحقيقه بكل جد وصدق فى أداء رسالتهم.

■ كيف ترى تأثير الجوائز على المبدع؟، وهل يمكن أن تغيّر مسيرته؟ 

- الجوائز تقدم للكاتب التقدير الكبير لكتاباته، وتمنح القراء ثقة فيما يكتبه، وتدفعهم للإقبال عليه بقلب مطمئن، ‏موقنين بأن ما بين أيديهم حتمًا سيجدون فيه ما يروق لهم ويبغونه. تأثير الجائزة فى أى كاتب لا يُنسى، وسيكون دومًا نبراسًا ينير ‏صفحات طريقه، ويساعده فى استكمال رسالته فى رضا تام.‏ التكريم الأدبى للروائى له دور كبير فى دعم وصقل ما يقدمه من إبداع، وتشجيعه ‏على تطوير قلمه، ‏وتحديث أفكاره الدرامية لتعايش الواقع وتناسب أذواق ‏القراء. وأتمنى من الله أن تكون «كتارا» بداية خير لنجاح جديد، تصل من خلالها كتابتى ورسالتى إلى كل ‏قارئ ناضج ويجد فيه مبتغاه. ‏كما أتوجه بخالص الشكر والتقدير إلى المحترمين القائمين على جائزة «كتارا» فى ‏قطر ‏الحبيبة، على حسن اهتمامهم بالأعمال المشاركة فى المسابقة، وقراءتهم ‏المتفحصة لها، ودعمهم البناء لكل موهبة تستحق. والله تلك الجائزة وسام على صدر ‏كل كاتب يسعى لإيصال رسالته فيما ينفع ‏الإنسان، فى دنياه وأخراه.‏

■ ‏اللغة فى رواية «بيادق ونيشان» تعبر عن الفترة الزمنية لأحداثها، لكن ‏النص نفسه كأنه موجود منذ الإنسان الأول حتى الآن.. هل قصدت ذلك؟

- بالفعل، هذا ما أردت إيصاله، فالرواية تجمع بين أكثر من فترة زمنية، تقلب بينها بطل ‏الرواية، جارًا وراءه بقية الشخصيات المساهمة معه فى تشكيل قصته. ولو نظرنا إلى ‏أجيال عصرنا سنجد بينهم ألف «آدم»، وبصحبتهم مَن يشبهون رفقاءه أيضًا. مع ‏اختلاف الأزمنة منذ نشأة الإنسان إلى الآن، تظل النفس البشرية كما هى بصراعاتها ‏الداخلية، التى تدور بينها وبين ما يحيطها من شهوات وفتن وشياطين وملائكة، كساقية ‏هى وقودها حتى تقف عجلة الحياة.‏

■‏ آدم «بيادق ونيشان» يواجه «إبليس» وأعوانه أيضًا.. هل أردت من ذلك تأكيد أن الصراع بين الخير والشر مستمر، ولم ينته ‏بانتهاء «آدم الأول»؟

- نعم، هذا صحيح. الإنسان مفتون فى كل شىء إلى يوم الدين. كل يوم يتعرض لاختبار وبلاء جديدين، يختبر مبادئه وقيمه، ما يجعله متخبطًا بلا هدى، وعليه أن يختار، ‏إما طريق الغى أو طريق الرشاد، وهو ما مثلته تمامًا فى «آدم» بشكل درامى، ربما ‏غلبت فيه «الميلودراما» التى تجتذب مشاعر القارئ، وتجعله حائرًا بين الإشفاق على هذا الشخص، وبين استحقاقه لكل العذابات التى تعرض لها، فكل منا سيحكم عليه تبعًا لنظرته إلى الحياة وما اختبره منها.

حاولت عرض شخصية «آدم» على القارئ بكل جوانبها عرضًا واقعيًا، ‏تقمصت نفسه الأمّارة بالسوء، وكيف يخوض صراعًا شرسًا معها، تأمره ‏فيطيعها، مُطلقًا لها العنان دون لجام، حتى بدا كبهيمة لا عقل لها ولا مبدأ، فانساق ‏وراء كل ما لذ له وطاب من الآثام: سرقة تجارة آثار قتل وهلم جرا، ليحصل ‏على ثروة باهظة سريعة دون جهد أو سعى، فما استباحته النفس مرة، فُتحت له ‏الأبواب على مصراعيها ليُكرَّر ألفًا وألفًا. بعدها، يكتشف «آدم» فى نهاية المطاف أن ما به من عذاب، وسجنَه فى هذا السرداب الأشد ‏ظلمةً من أفعاله، هو حصاد ما اكتسبت يداه، فقد اجتمع ضحاياه عليه دفعةً واحدة ‏ليشفوا غليل انتقامهم منه بطريقتهم الخاصة!‏

■ هل يمكن إسقاط شخصية «آدم» على الكثير من أبناء جيلنا الحالى؟ 

- هذه الشخصية المتخبطة المضطربة، التى تارةً يجر شفقتك عليه، وأخرى ‏تستحل لعنه وقتله، تمثل الكثير من جيل هذا العصر، لا يدرى أى طريق ‏يسلك، خير أم شر، أيرضى نفسه أم ربه؟ تجره شهوات الدنيا وملذاتها فتنصب له ‏فخاخها، فيلهث وراءها بقوة، حتى يتبين له سرابها، ويهتف بعد أن يدرك ضلاله «يا ‏ليتنى كنتُ ترابًا»!‏ أردت من فكرة الرواية أن تكون هى الاختبار ذاته لكل من تتلقفها يداه، تحثه على ‏مراجعة نفسه وإدارتها بعين البصيرة، لربما تكون سببًا فى إرشاده إلى الصواب، أو ‏إبقائه على ما هو عليه.

■ هل ترى إذن أن واقع الرواية محقق فى مصر؟

- أراه محققا فعلًا وبشدة، بل الواقع الحالى أدهى وأمر، فهناك آلاف النسخ من شخصية «آدم»، ممن لا مبادئ لهم، تسوقهم الشهوات وحب المال إلى ارتكاب أى شىء دون التفات إلى دين أو قيم، ومن ثم يؤثر ذلك فى المجتمع بشكل كبير، فتخرج أجيال فاسدة، لا يعرفون بأى مبادئ يحتذون، فيصبح قدوتهم أراذل الخلق، من يمشون وراء «الترندات» والموضة الفارغة التى تسلب الإنسان قيمه وأخلاقه شيئًا فشيئًا فيصير بلا هوية، وكأنه مستند إلى بيت عنكبوت، ما يلبث أن يهوى به إلى قيعان الفشل والتخبط.

وكما سبق أن قلت، «آدم» شخصية تمثل كثيرًا من جيل هذا العصر، لا يدرى أى طريق يسلك، خير أم شر، أيرضى نفسه أم ربه؟! وتجره شهوات الدنيا وملذاتها فتنصب له فخاخها، فيلهث وراءها بقوة، حتى يتبين له سرابها.

الرواية تناقش كيف للنفس البشرية أن تلقى بصاحبها إلى المهالك إن لم يردعها، فكل شىء مباح إن لم يضع الإنسان حدًا له، يحكمه بدينه وتمسكه بشريعة الله فى الأرض. ومُوجَز ما يعبر عن ذلك ما جاء على لسان «آدم» نفسه بطل الرواية، حين قال: «من يُخرِج من أعماقى المتعبة كل ما أرهق روحى، وآل بها إلى الذبول؟ من يدخن ذنوبى ويمجها فى فمه بدلًا عنى؟ من يزرع لى بذرة نجاة فى أرض قلبى المقفرة ويضمن لى نموها؟ مَن يقنعنى بأننى ميت وأُحاسَب؟ من يثبت لى أننى لست لعبة فى أيادٍ قذرة تحركنى كيفما تشاء؟! مَن يا رب ينقذنى من جحيمى غيرك أنت الواحد القهار؟».

وفى كل الأحوال، أتمنى أن أجعل من أعمالى ولو نبراسًا خافتًا يهتدى به شباب هذا الجيل إلى حسن التفرقة بين الخطأ والصواب، وينصبون اهتماماتهم على معرفة أمور دينهم، ويحاولون اتباعها قدر استطاعتهم دون مغالاة، فلا أمل فى بناء مجتمعات سوية دون الارتكاز على مبادئ وأصول قويمة تتناقلها الأجيال جيلًا بعد جيل، فتنشأ أمة قوية تُعلى من شـأن مجتمعها ووطنها.

■ فى الرواية تستحضر وتوظف أعمالًا أدبية لنجيب محفوظ وكتب لديل ‏كارنيجى.. ما الذى عنيته من ذلك؟

- الرواية تعد مرآة للحياة الواقعية، عايشتها بكل تقلباتها، فشملت جوانب كثيرة، اجتماعيًا ‏وتاريخيًا وفلسفيًا. من هنا حاولت أن أدعم الجانب الأخير بإبراز ما أثر فىَّ كـ«يوسف»، ومن بينه ‏ قراءتى أعمال هذين الأديبين الكبيرين، بما يتناسب مع تفاصيل أحداث الرواية ‏وفكرتها. ‏الكاتب يعكس كل ما يؤثر فيه، فينتج خلاصة أفكاره وتجاربه ‏وقناعاته، دون أن ‏يفرضها على القارئ، بل يعرضها عليه فى حبكة درامية، وللقارئ ‏الحكم فى النهاية، إما ‏يتقبلها أو لا.

■ هل هذا يعنى أنك تتقمص شخصيات رواياتك؟

- لن يستطيع أى كاتب يحمل فكرة صادقة يريد تجسيدها بواقعية تحقيق ذلك دون ‏تقمصه أدوار شخصيات روايته، واستجلابه مشاعرهم وردود أفعالهم، فهو يقوم ‏مقامهم تمامًا، يعيش كل شخصية بما يلائم دورها فى بناء حبكة الرواية وإحكام ‏تفاصيلها، كى يُخرج عملًا حقيقيًا يثير تفاعل القارئ معه، كأنه يشاهد تجسيدًا لحياة ‏واقعية، تمامًا، حدودها بين يديه، وأثرها لا تسعه تلافيف عقله ووجدانه.‏ كل شخصية من هذه الشخصيات لها كادر خاص يسلب القارئ إلى محيطه، يعايش ‏حياتها بتفاصيلها المعقدة بخيرها وشرها، ثم يخرج منها إلى أخرى وهكذا، فيجد نفسه ‏أمام حياة كاملة متمثلة فى نفوس بشرية مختلفة الطباع والمبادئ والقيم، كالذى يواجهه ‏فى واقعه تمامًا. فالرواية دراما حية تشبه الواقع تمامًا. ومن استطاع أن يحقق ذلك ‏فتأكد أن القارئ لن يفلت من هذا العمل دون تأثير جلى يتركه فيه. وللأسف، الكثير من الأعمال الحالية تتسم بالنمطية والاستهلاكية، وقليل من يحاول ‏‏أن يبتكر أفكارًا جديدة تجذب انتباه القراء إليها، وتعايش الواقع وتقلباته المستمرة. لكن ‏‏فى الوقت ذاته هناك أقلام ذهبية لم يُكتب لها الميلاد بعد، طُمست كغيرها، ولا حياة ‏‏لمن تنادى.‏

■ أصدرت العديد من الأعمال الأدبية.. ما مشروعك الشخصى فى الروايات؟

- كل عمل يحمل رسالة مختلفة، لكنها تجتمع على هدف واحد، هو مناقشة ما يدور فى المجتمع من قضايا شائكة كثر اللغط حولها ومحاولة عرضها، ليس من خلال وجهة نظرى الشخصية. لكن من خلال أدوار الشخصيات المستعان بها فى بناء حبكة الرواية، كى أضع القارئ أمام حيرة الاختيار والحكم، إلى أى طرف يميل أو ينحاز، وبالطبع، كل منا سيصدر رؤيته وفقًا لمبادئه واتجاهاته.

■ أسست دار «اسكرايب» للنشر.. كيف توازن العلاقة بين الكتابة والنشر؟، وهل يمكن أن يؤثر هذا على إبداعك الشخصى؟

- كونى كاتبًا هو ما جعلنى أخوض غمار النشر، فقد كنت أواجه صعوبة كبيرة فى نشر أعمالى، نظرًا إلى أن السياسة المتبعة حاليًا هى ضرورة أن تكون مشهورًا ولديك عدد كبير من المتابعين لكى يتم النشر لك، دون الالتفات إلى قيمة عملك وإن كان يستحق النشر أم لا.

هذا نراه كثيرًا فى غالبية دور النشر لضمان الجانب التسويقى للمؤلف، دون اهتمام بأهمية وقيمة العمل. لذلك طمحت فى تأسيس دار نشر خاصة بى، حتى يمكننى من خلالها استقطاب المواهب الأدبية التى تستحق فعلًا، مع الاعتماد فى ذلك على معيار قبول يقوم على التقييم بنزاهة، دون حسبان لأى شىء سوى قيمة العمل واستحقاقه.

■ ما نصيحتك للكُتاب الشباب فى مصر والوطن العربى؟

- ينبغى أن يهتموا بالقراءة كثيرًا، أن تلتهم أعينهم كل ما يقع تحت أيديهم من أعمال بناءة ومفيدة، ليستخلصوا منها أفكارًا مبتكرة، تكون بمثابة عصارة لاتجاهاتهم وآرائهم الفكرية، فينتجون أعمالًا تستحق أن توضع بين أيدى القراء. هنالك الكثير من الأعمال، بعد عرضها على لجنة التقييم فى دار النشر الخاصة بـ«اسكرايب» للنشر والتوزيع، يتم رفضها، نظرًا إلى أنها لا تتضمن الحد الأدنى من معايير الفن الروائى. القراءة حبرُ القلم، ومداده التهامُ كل ما يقع تحت يدى الكاتب من مؤلفات ‏نافعة، تثرى خزينته اللغوية، وتنشط خلايا عقله الراكدة. هذا إلى جانب الاستعانة بالله أولًا وأخيرًا قبل ‏كل شىء، وأن يجعل الهدف من رسالته دومًا خدمة المجتمع والوطن.‏

■ تحرص على النشر للعديد من الشباب فى «اسكرايب».. لماذا؟

- «اسكرايب» للنشر والتوزيع هى دار نشر مصرية تهتم بنشر الإبداعات الأدبية بكل ألوانها ‏وأنواعها، فى مختلف الثقافات التى تدعو إلى الأخلاق والقيم، وتنير عقول الشباب ‏واليافعين. ‏

صدر عن الدار أكثر من ٥٠٠ إصدار ورقى فى مختلف المجالات الكتابية. كما لها باع ‏كبير فى نشر الكتب العلمية والدينية، والدراسات الأدبية والنقدية، والأدب العالمى ‏والترجمة.‏

انضم إليها العديد من الكُتَّاب من مختلف دول العالم: مصر، والمغرب وتونس ‏والجزائر وسوريا والبحرين والعراق، أقلام مبدعة شاركوا بفكرهم وثقافاتهم فى إثراء ‏خزينة «اسكرايب» الأدبية والعلمية. ‏

تمتلك «اسكرايب» خطة نشر ومشاركات فى المعارض المحلية والدولية، شاركت ‏فى معارض الكتاب الدولية التى أقيمت فى الجزائر وتونس والعراق والسعودية ‏والإمارات، وما زالت تتوسع فى مشاركاتها الدولية لتصل بأقلام كتابها إلى العالم ‏أجمع.

■ ما عملك المقبل الذى تعكف عليه الآن؟

- فى الحقيقة، لم أستجمع أفكارى بعد للعمل على رواية جديدة، خاصة أن «بيادق ونيشان» عملت عليها كثيرًا فأرهقتنى بشدة. لذا لم أخرج ‏بفكرة جديدة تليق بقرائى بعد حصادى هذه الجائزة العظيمة، وما خلفته من مسئولية ‏كبيرة على عاتقى تجاههم. أدعو الله- عز وجل- أن يوفقنى فيما هو قادم ويعيننى ‏عليه.‏