الأربعاء 04 ديسمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

رشا عدلى: كتبت «جزء ناقص من الحكاية» إشباعًا لشغفى بأدب الحروب

رشا عدلى
رشا عدلى

- الرواية تعبر عن معاناة المصابين بأزمات وإصابات نفسية خلال المعارك

رغم قدرتها على تحقيق عامل التنوع والاختلاف فى موضوعات روايتها، إلا أنها تتعمد إصباغ أعمالها بمسحة تاريخية تضيف إليها نوعًا من الوهج والجمال الخاص الذى يجذب القراء من جميع الشرائح والاتجاهات.

الروائية رشا عدلى التى أصدرت مؤخرًا روايتها الجديدة «جزء ناقص من الحكاية» عن الدار العربية للعلوم فى بيروت، والتى تمزج فيها بين مجموعة من الأحداث والشخصيات التى تتلاقى مع بعضها فى كيان روائى يخطف انتباه القارئ من أول سطر.

عن روايتها الجديدة وكواليس كتابتها وصناعة حبكتها الدرامية، أجرت «حرف» مع رشا عدلى الحوار التالى: 

■ بداية.. ماذا عن رحلتك مع «جزء ناقص من الحكاية» وفيم تدور أحداثها؟

- هى رواية أصوات متعددة، وأحداث متلاحقة وكثيرة ومتغيرة، وهى فى المقام الأول تعبر عن معاناة الأشخاص الذين يصابون بأزمات وإصابات نفسية، وعن كيفية التعامل مع المجتمع والبيئة المحيطة ومحاولة الخروج من هذه الأزمات.

يمكننا أيضًا أن نعتبرها ضمن أدب الحروب لأنها عن معركة مهمة جدًا فى التاريخ العربى، وكان لها تأثير كبير سياسيًا ومجتمعيًا وثقافيًا، ويمكن أن نقول إن آثارها موجودة حتى وقتنا هذا، وهى حرب يونيو ١٩٧٦.

وهى تضم جانبًا فنيًا مهمًا جدًا ومختلفًا عن باقى أعمالى التى كنت أقدم فيها سياقات فنية تشكيلية، ولكن هذه المرة يدور السياق حول فن الفوتوغرافيا وقصة حياة واحدة من أشهر فنانى القرن العشرين «فيفيان ماير»، وتدور أحداثها فى مدن متعددة مثل القاهرة، والإسكندرية، ونيويورك، وباريس.

■ «جزء ناقص من الحكاية».. لماذا هذا العنوان؟ 

- فى حياة كل منا حكاية وعندما تضطرنا الظروف لحكيها دائمًا ما نحتفظ لأنفسنا بجزء منها، سواء عن قصد أو بدون وهذا الجزء تحديدًا غالبًا ما يكون هو أساس الحكاية وتتشابك مع حكايات أخرى، تمامًا كلعبة الأحجية التى علينا أن نجمعها حتى يكتمل المشهد فى النهاية.

■ فى أعمالك الأدبية تجرين عملية مزج ما بين الفن والأدب والحياة والتاريخ.. كيف تفعلين ذلك؟

- الأعمال التاريخية تتطلب إعدادًا ودراسة قبل البدء فى كتابتها، وخاصة إذا كانت المرحلة الزمنية غير معروفة بالنسبة لى، لأننى أحب عندما أكتب عن مرحلة معينة أن أقدمها للقارئ بالتفصيل، أو بمعنى آخر أحب أن أنقله إليها رأسًا فأهتم بالعادات والتقاليد والطقوس الخاصة بالناس فى هذه الأزمنة.

مثلا رواية «أنت تشرق» عن فترة الحكم الرومانى وتفاصيلها بالنسبة لى لم تكن معروفة فى سياق المظاهر الاجتماعية فأخذت منى وقتًا كبيرًا لدراستها، وكذلك رواية «شواطئ الرحيل» عن سقوط الأندلس وتطلبت منى قراءات كثيرة، يمكننى القول إن كل عمل له طريقة إعداد خاصة حسبما يتطلبه العمل نفسه.

رشا عدلى

■ نظرت للحرب من زاوية مختلفة أو دعينا نقول تأثير ما بعد الحرب من خلال ضابط يواجه صراعات نفسية كبيرة.. وبالتأكيد للتحضير لرواية من هذه تتطلب الحبكة والبناء الكثير من البحث.. حدثينا عن رحلتك فى هذا الصدد؟

- طالما كنت مفتونة بأدب الحروب وكتبت عنها فى الكثير من أعمالى سواء حروبًا أو ثورات، ولكن فى هذا العمل بجانب الكتابة عن عملية حربية مهمة وشرح تفاصيلها وخططها، كان هناك أيضا جزء مهم لا ينال حقه فى الكتابة عنه، وهو معاق الحرب ومدى تأثير هذه الإعاقة عليه سواء جسديًا ونفسيًا، وكيفية التعامل معها وهل يمكن التغلب عليها.

ومن أجل تقديم صورة واضحة ومشهد مكتمل للقارئ كان علىّ قبل الشروع فى الكتابة أن أبدأ فى البحث والدراسة، لا يمكن تكوين صورة ورأى خاص إلا بقراءات وأبحاث متعددة ومعرفة الكثير من وجهات النظر لأن نكسة يونيو تحديدًا، هناك الكثير من الآراء والمفاهيم والحقائق والأكاذيب أيضًا التى تدور حولها، وكان يلزمنى أيضًا بجانب القراءات عن الخطط والمعارك وأسباب الهزيمة، أن أقرأ عما تركته هذه الهزيمة نفسيًا ومعنويًا فى المجتمع وقتها، ومن ناحية أخرى كانت هناك الكثير من القراءات عن الإصابات فى الحروب وخاصة عندما يتعلق الأمر بفقد جزء مهم من جسدك والحالة النفسية المدمرة التى تصاحب ذلك.

■ هل نستطيع القول إنك تنبشين فى الماضى للتدليل على الحاضر من خلال شخوص وأحداث حقيقية؟

- هذه الرواية تستعرض حياة واحدة من أشهر فنانى التصوير وكانت لها قصة غريبة وغامضة وقد فتنت بها حتى قبل مجرد التفكير فى كتابة رواية عنها، كانت مربية أطفال ولم تكتشف أعمالها الإبداعية إلا عن طريق الصدفة بعد وفاتها، كانت لها رحلة إلى الشرق ومن ضمنها زارت مصر فى توقيت حرج.

ومن خلال هذه الزيارة كانت الشرارة التى ألهمتنى لكتابة رواية، فى كل عمل هناك شىء ما يدفعنى للكتابة عنه، أنا لا أقصد إسقاط وتحليل وربط الماضى بالحاضر، وأن هذا حدثا يكون دون قصد منى، ولكن تسلسل الأحداث هو الذى يقود إلى ذلك، فالماضى قد حدث بالفعل ولكن يمكننا فهمه بشكل مختلف عما حكى لنا عنه، فى ظل الظروف والأحداث التى تبعته والتى جعلتنا نراه بشكل ورؤية مختلفة، فكلما مر الزمن تتضح الرؤية، وهذا دور الأدب أن يكون حرًا ويقدم صورًا وأفكارًا متجددة.

■ أنت باحثة فى تاريخ الفن ولك كتابين فى الفن التشكيلى.. ومن الواضح أن القراءة والاشتغال فى الفن كان لهما دور بارز فى أعمالك الأدبية؟

- دراسة تاريخ الفن أفادنى وأثقل موهبتى، بجانب أنه جعلنى أهتم أكثر بالتفصيل والتحليل ورسم المشهد بشكل وافٍ وتقديمه للمشاهد كما لو أنه أمام لوحة فنية، وألهمنى أيضًا بالكثير من الأفكار لأهم أعمالى مثل رواية «شغف» و«آخر أيام الباشا» و«أنت تشرق أنت تضىء».

رشا عدلى

■ للمرأة حضور قوى فى أعمالك الأدبية.. لماذا؟

- أهتم دائمًا بتقديم المرأة بأدوارها وأشكالها المختلفة، ليس ذلك لأننى امرأة بقدر ما أنا معنية بهذا الكيان الذى عاش لسنوات طويلة مهمشًا وخاصة فى مجتمعاتنا، بجانب أنى أقدم مشاكلها ومعاناتها فأنا أيضًا أحتفى فى أعمالى بها وبإنجازاتها، حيث يمكن اعتبار ذلك تعويضًا عما تعرضت له فى تاريخها.

■ هل هناك بذور لأعمال أخرى فى مخيلتك أو أعمال لم تكتمل وربما تعودين إليها؟

- هناك العديد من الأفكار ولكنى لم أستقر بعد، يجب أن تلح الفكرة كثيرًا بشكل يدفعنى للكتابة عنها.

رشا عدلى

■ ما السر فى أن معظم أعمالك تدور حول قاهرة القرن التاسع عشر؟

- القرن التاسع عشر قرن غنى بالأحداث المهمة التى أثرت فى التاريخ والبشرية وبجانب ذلك كان زمن حكم الأسرة العلوية فى مصر وفترة حكم محمد على باشا والخديو إسماعيل، هى مرحلة زمنية مهمة جدًا فى حكم مصر وغنية بالأحداث، بالإضافة لذلك فهى مرحلة مهمة فى فن الاستشراق وتعتبر العصر الذهبى للاستشراق، وكتاب «القاهرة مدينة الذكريات» يجمع ما بين التاريخ والفن تحديدًا فى هذا القرن. 

وهناك أعمال لى تدور فى أزمنة أخرى مختلفة، فـ«أنت تشرق أنت تضىء» تدور أحداثها فى الحكم الرومانى، و«شواطئ الرحيل» خلال حكم المسلمين فى الأندلس، و«قطار الليل» تدور فى أزمنة متعددة أيضًا.