حافظ المغربى: «أنصاف الأدباء وأرباع الشعراء» يحكمون الثقافة الآن
- «عصابات وشلل معدومى الثقافة» تسيطر على المشهد الثقافى الحالى
«بكل صراحة، الساحة الثقافية الآن تعج بالشللية»، و«مَن يحكم المشهد الثقافى الحالى هم مجموعة من العصابات، بعضهم من أنصاف الأدباء وأرباع الشعراء ومعدومى الثقافة».. رؤية صادمة وصف بها الدكتور حافظ المغربى، أستاذ البلاغة والنقد الأدبى بكلية دار العلوم جامعة المنيا، المشهد الثقافى فى مصر الآن. أهمية هذه الرواية لا تنبع من كونها للفائز بجائزة اتحاد الكتاب فى فرع «النقد الأدبى» لهذا العام، عن كتابه «غواية السرد وترويض النقد: دراسات تحليلية لأجناس سردية»، بل لكون الرجل من أهم النقاد الأدبيين، ليس فى مصر فحسب، بل على مستوى الوطن العربى.
عن الجائزة و«الساحة الثقافية التى تحكمها عصابات معدومى الثقافة»، وما آل إليه النقد الأدبى، وغيرها من الموضوعات المهمة الأخرى، يدور حوار «حرف» التالى مع الدكتور حافظ المغربى.
■ ما تفاصيل كتابك الذى نلت عنه الجائزة؟
- من حسن الحظ أن هذا أول كتاب لى فى السرد، بعد ١١ كتابًا فى نقد الشعر. تناولت فى هذا الكتاب الأجناس الثلاثة المهمة فى السرد. كان الفصل الأول عن الرواية، «النوفيلا» تحديدًا، ووقفت عند رواية أحمد فضل شبلول المعنونة بـ«رئيس التحرير»، وهى رواية إشكالية، لأنها من روايات السيرة الذاتية.
فى الفصل الثانى تناولت جنسى القصة القصيرة والقصة القصيرة جدًا، من خلال دراسة مجموعة «الرقصة المباحة» للكاتب يحيى الطاهر عبدالله، إلى جانب القاص المغربى حسن الوراكلى فى مجموعته المهمة «الريح والجذوة».
وفى الفصل الثالث تناولت السيرة الذاتية «بين منزلتين» للدكتور عبدالمحسن القحطانى. بذلك أكون وفيت بالأنواع الثلاثة الموجودة فى السرد.
■ بم تصف المشهد الثقافى المصرى من واقع متابعتك له؟
- بكل صراحة، الساحة الثقافية تعج بـ«الشللية» الآن، كأن الذى يحكم المشهد مجموعة من العصابات، بعضهم من «أنصاف الأدباء» و«أرباع الشعراء» و«معدومى الثقافة». للأسف الشديد أقول هذا على مصر التى علمت العالم. عندنا مثلًا مؤسستان يضرب فيهما الخراب: الثقافة والتعليم العالى... «شيلنى وأشيلك»، وهذه آفة تؤخر مصر العظيمة ثقافيًا.
لكم أن تتخيلوا أننى لم أُدعَ فى بلدى مصر مرة واحدة فى معرض القاهرة للكتاب الدولى لأُلقى محاضرة، وأنا الذى أُدعى لمعارض عديدة على مستوى الوطن العربى، وأنال هناك كل الاحترام، حتى أننى كُرمت فى عمان مؤخرًا من وزير البروتوكولات، وبلدى لا يعرف شيئًا عن هذا. كما أستعد للذهاب إلى التكريم فى الكويت من مؤسسة «البابطين»، وإلى العراق لإلقاء مجموعة محاضرات فى الجامعات المختلفة.
■ ما رأيك فيما يمكن وصفه بـ«موضات» الكتابة الحالية، خاصة فى الرواية؟
- «موضات» الكتابة أفسدت على الكتابة الروائية رونقها، وجعلتها تتخذ اتجاهًا وحيدًا شائعًا فى الفترة الأخيرة، وهذه كارثة، خاصة روايات «البورنو» التى تكتبها روائيات أكثر مما يكتبها روائيون، وهى ما تسمى أحيانًا بـ«الروايات الرائجة»، والرواج بالمفهوم الأدبى الذى نعرفه منها براء، فهناك فارق بين أن تكتب روايات جنسية قحة، وبين أن يُوظَف الجنس كآلية من آليات السرد.
■ هل للجوائز دور فى توجيه الكتّاب والقراء لهذه «الموضات» دون غيرها؟
- الجوائز الثقافية بدأ يشوبها بعض «المحاصصة» فى بعض الجوائز الكبرى، دون أن أسميها. يغيب اسم مصر وتحضر الأسماء المغاربية، ويحكم هذا أحيانًا «الشللية». أنا وصلت إلى القائمة القصيرة فى جائزة «كتارا»، وفجأة يبدو أن «المحاصصة» حرمتنى من أن أصل إلى الجائزة، رغم أننى جئت بنظرية جديدة عن السرد، وذلك لأن مصر فازت فى دورتين سابقتين.
■ هل يتابع النقد الكتابات الجديدة أو المبدعين غير المعروفين؟
- النقد حركته كسيحة بالنسبة لحركة الإبداع، فالإبداع يسبق النقد، خاصة فى ظل غياب النقاد أصحاب القيمة العالية، والذين تواروا بعدما ظهر ما يُسمى بـ«دكاكين النقد» أو «نقد السبوبة». فكل ناقد فاشل رسب فى الترقية يريد أن يظهر فينفق من ماله وينشأ صالونات، هذه الصالونات ليست قادرة بنقادها الفقراء علميًا على متابعة الكتابات الجديدة، خاصة إذا كانت كتابات باذخة، فهم يقفون على القشور وأنصاف المبدعين.
■ لماذا يتوارى النقد العلمى النظرى خلف أسوار الجامعة دون اشتباك مع المنتج الإبداعى المطروح؟
- النقد العلمى حتى داخل أسوار الجامعات توارى، فى ظل الفساد الذى ينخر فى بعض الجامعات، حيث نمنح من لا يستحق أطروحات الماجستير والدكتوراه من نتاج هزيل، بل وصل الأمر إلى أن تُمنح رسائل الدكتوراه ليست فقط بمرتبة الشرف الأولى فى بعض الأقسام، لكن مع التوصية بالطباعة، وزادت الآفة أننا نمنح من يستحقون المراتب الثانية.
ظاهرة أخرى فاسدة هى التوصية بالطباعة وتبادل الرسائل مع الجامعات الأخرى. فمن أين يشتبك المنتج الإبداعى المطروح؟ طبعً الصورة ليست قاتمة بالكامل، وهناك نقاد من الأساتذة الأكاديميين يراعون الله فى تلاميذهم. لكن لو أن الأمر بيدى لراجعت الكثير من الرسائل التى تُمنح فى الماجستير والدكتوراه. وفى هذا يتهموننى أحيانًا بأننى جلاد إذا ناقشت وجلاد إذا منحت.
■ إذن هل يعانى النقد أزمة فى الوقت الراهن.. وهل لذلك علاقة بما تطرحه المطابع؟
- نعم، النقد يعانى أزمة فى الوقت الراهن على عدة أصعدة. أظن أننى أجبت عن بعضها، وأزيد فى ذلك أن حركة الإبداع تفوق حركة النقد، والناقد غير المثقف إحدى الآفات. الناقد حاليًا يريد أن يتخذ بُعدًا أحاديًا، ونحن نتكلم الآن عن العلوم البينية، والعلوم البينية داخل حقل الإنسانيات والعلوم البيولوجية. «العقاد» كان يقرأ فى علم الحشرات والبيولوجيا حين يريد أن يكتب. المراجعات الصحفية هذه آفة أخرى، فإن لم يكن الصحفى بالذكاء الكافى تكون آفة كبيرة. والقراء آفة أخرى، ولا يسد هذا الفراغ غير النقد القائم على منهجيات وأسس.