الرواية فى محكمة النقاد.. كيف تتحدد القيمة الأدبية اليوم؟ (ملف)
يواجه قارئ اليوم تحديات مركبة، ربما لم تكن على هذا القدر من التعقيد يومًا ما، فثمة سيل من الأعمال الروائية العربية يتدفق كل يوم بعد أن صارت الرواية ساحة رحبة للتعبير عن مختلف الأفكار ومساحة مرنة للاشتباك والتعاطى مع الراهن والتاريخ والمستقبل.
اجتذبت الرواية ليس فقط كتاب القصة القصيرة أو حتى الشعراء وإنما أيضًا الباحثون والصحفيون والمفكرون، وكذلك المؤثرون الذين وجدوا فى الرواية مساحة جديدة يمكن من خلالها تعزيز جماهيريتهم وانتشارهم.
فى ظل هذا الطوفان من الأعمال الروائية، يجتهد نقاد الأدب لمواكبة التغيرات السريعة فى حقل الرواية، وبينما تسعى أقلام جادة للكشف عن أعمال جيدة قد تضيع وسط الطوفان الكمى، فإن آخرين يشتركون مع وسائل التواصل الاجتماعى فى الترويج لأعمال قد تكون ضعيفة أو فى أحسن الأحوال عادية، لتصير هذه الأعمال العادية فى الواجهة بينما تتوارى أعمال أفضل تحت ضغط تسويق تدفعه حينًا ذائقة جماهيرية غير ناضجة، وحينًا آخر تواطؤ نقدى يضع العلاقات الشخصية فوق الاعتبارات النقدية.
لقد فرضت سطوة وسائل التواصل الاجتماعى معاييرها فى الترويج لأعمال أدبية ما إن تصدر حتى تحتل قوائم الأكثر مبيعًا، وفى الترويج لكُتاب بعينهم صار من السهل أن يحظوا بنجومية أهل السينما. وفى مقابل ما ترسيه هذه الوسائط من معايير جماهيرية لتقييم العمل الأدبى، ما زالت الجوائز الأدبية تضطلع بدورها فى الكشف عن روائيين وأعمال روائية أحيانًا ما تكون فى الظل، لتسهم الجائزة فى دفعها إلى واجهة الاهتمام النقدى والجماهيرى معًا.
فى ضوء هذا، باتت المعايير التى تحكم القيمة الأدبية أكثر تعقيدًا وتداخلًا من أى وقت مضى. فالجوائز الأدبية التى من المفترض أنها قائمة على معايير فنية وأدبية محددة، لا تزال محل استشكال كبير، فهى بالنهاية تعبر عن ذائقة لجنة تحكيم من بضعة أفراد، وهذه الذائقة لا يمكن أن تصير معيارًا عامًا، كما أنها على الجانب الآخر كثيرًا ما تكون عرضة لانحيازات القائمين عليها وتفضيلاتهم الأيديولوجية والفكرية، وبالتالى قد يُجرى العناية بالموقف الأيديولوجى للكاتب على حساب الاهتمام بفنية العمل، ومن ثم يجد القارئ نفسه أمام ترشيحات هائلة من الأعمال الروائية التى تفتقر إلى الفنية فيما هى مُجازة باعتبارها «الأفضل» وفق معايير ظاهرها العلمية وباطنها الاعتبارات الأيديولوجية.
وعلى الجانب الآخر، ثمة سيولة فى ترشيحات القراء على مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة، وهو ما بات يُستغل بفاعلية من الكُتاب ودور النشر، الذين أدركوا قواعد لعبة التسويق الجديدة، واندفعوا لاستخدامها لصالح انتشارهم وانتشار أعمالهم.
فى ظل كل هذا التعقيد أصبح السؤال اليوم: هل لا تزال الجوائز الأدبية تعكس القيمة الأدبية الحقيقية للأعمال، أم أن التأثيرات الخارجية قد غيّرت المشهد الأدبى بشكل جذرى؟ هل صارت التأثيرات الجديدة لوسائل التواصل بمقدورها تجاوز تأثير الجوائز وقوائم أفضل الكتب العربية والأجنبية على نحو إيجابى؟ وهل تتصارع الأطراف المختلفة لإعادة تشكيل معايير الذوق الأدبى؟ هل يمكننا بالأساس الاتفاق على معايير محددة وثابتة يمكن من خلالها تقييم جودة العمل الأدبى من عدمها؟
فى هذا الملف، نحاور الناقد الأمريكى جيمس إنجلش، الذى صدر له، قبل عقدين تقريبًا، واحد من الكتب التى أثارت مناقشات ثرية حول دور الجوائز المختلفة فى خلق المكانة الأدبية والاجتماعية، كما نفتح النقاش مع نقاد عرب حول كل هذه الأسئلة، لنستعرض تجاربهم ورؤاهم المتباينة حول تأثير الجوائز الأدبية، ووسائل التواصل الاجتماعى، ودور النقاد فى تشكيل الذائقة الأدبية، كما سنناقش كيف يمكن للنقد الأدبى أن يستجيب للتغيرات المستمرة فى المشهد الروائى؟، وما إذا كانت هناك معايير يمكن أن تساعد فى تقييم الأعمال الأدبية بشكل موضوعى، بعيدًا عن ضغوط التسويق أو الانحيازات الشخصية؟