الكاتبة البولندية أولجا توكارتشوك: الرعب الحديث مبتذل وملىء بالكليشيهات
نالت الكاتبة البولندية أولجا توكارتشوك، البالغة من العمر 62 عامًا، جائزة نوبل فى الأدب عام 2018، وهو نفس العام الذى فازت فيه بجائزة بوكر الدولية عن روايتها المتشظية «رحلات»، التى أشاد بها الحكام واصفين إياها بـ«الذكاء والمرح». قارنت آنى برولكس توكارتشوك بالكاتب الألمانى دبليو جى سيبالد، فى مراجعتها لملحمتها التاريخية المكونة من 900 صفحة؛ رواية «كتب يعقوب» «التى ترجمتها جينيفر كروفت فى عام 2021»، واصفة إياها بأنها تقف بجانب الروايات الكبرى لما بعد الحداثة لتوماس بينشون أو جورج بيرك أو روبرتو بولانيو أو جابرييل جارسيا ماركيز.
فى هذا الحوار مع صحيفة «الجارديان»، تتحدث توكارتشوك، عبر المترجمة مارتا دزيروس، من فروتسواف فى بولندا عن روايتها الجديدة «الإمبوسيوم: قصة رعب فى منتجع صحى»، التى تدور أحداثها فى مصحة قبل الحرب العالمية الأولى وسط أحداث غامضة.
■ من أين جاءتك فكرة هذا الكتاب؟
-خطرت لى الفكرة منذ سنوات عديدة، لكننى كنت مشغولة جدًا فى رواية «كتب يعقوب». وكان علىّ أن أنتظر حتى أتمكن من العمل على هذا النوع الطريف من الروايات ذات الطابع التوليفى، على الرغم من أننى غالبًا ما أعمل على كتب مختلفة فى نفس الوقت، وكنت أكتب أيضًا «جر محراثك فوق عظام الموتى» «٢٠٠٩»، بالإضافة إلى كل شىء آخر.
ما ساعد بالفعل فى كتابة «الإمبوسيوم» كان الجائحة؛ فبعد كل سفرياتى بسبب جائزة نوبل، أتيحت لى الفرصة للعودة إلى منزلى فى ريف سيليزيا السفلى.
■ ما الذى دفعك فى هذه الرواية للاستناد إلى رواية توماس مان «الجبل السحرى» التى صدرت عام ١٩٢٤؟
- لدىّ علاقة حب وكراهية مع تلك الرواية. لقد قرأتها خمس أو ست مرات منذ أن كنت مراهقة، وكل مرة أقرأها أشعر بأنها مختلفة؛ إنها تنمو مع القارئ. ما أثار اهتمامى هو شعورى بالاستبعاد، بصفتى قارئة وإنسانة، من الأسئلة التى طرحتها الرواية والأجوبة التى قدمتها. جعلنى هذا أدرك أنه عندما كنت أقف أمام رفوف كتب والدى بصفتى فتاة، حيث كان والدى هو من يتعامل مع الكتب فى المنزل، كانت الأغلبية الساحقة من الروايات الكلاسيكية التى أراها تتناول قضايا تتعلق بالرجال فقط. أعتقد أن هذه التجربة شائعة إلى حد كبير: الفتيات يتعين عليهن مواجهة غيابهن فى الأدب. كتبت «الإمبوسيوم» بدافع من الغضب والضغينة، أعتقد.
■ عند أى نقطة دخل عنصر الرعب إلى الرواية؟
- أحب الرعب. لكننى أدركت أيضًا أن الأدوات الوحيدة التى يمكن أن تُجسِّد الموضوع الذى أرغب فى طرحه هى أدوات هذا النوع الأدبى؛ العنف الكامن، والتمييز ضد النساء الذى ينخر فى ثقافتنا بشكل عام، والذى نعيش معه كأنه مرض دائم، مثل مفترس حاضر دائمًا ويظهر من حين لآخر ليهاجمنا.
■ هل أحدث فوزك بجائزة نوبل فارقًا فى عملك؟
- كانت ردة فعلى الأولى على الفوز هى الشعور بالتوتر والقلق. وجاءت كتابتى لرواية «الإمبوسيوم» نوعًا من العلاج؛ الكتابة مهمة لكنها أيضًا ممتعة ويمكن أن تكون جامحة. أنوى أن أظل متمسكة بهذا الاتجاه؛ لا أريد أن أُنجرف نحو مراسم توزيع الجوائز والاحتفالات.
■ هل من المفاجئ أن تكون أعمالك أكثر الكتب مبيعًا لدى ناشرك فى المملكة المتحدة؟
- نعم، لكن أنطونيا لويد- جونز «المترجمة» تقول إن لدى حس دعابة بريطانيًا جدًا، وهى تقول إنه لا يُفهم بشكل جيد فى بولندا كما هو الحال فى المملكة المتحدة!
■ قبل أن تصبحين كاتبة، كنتِ معالجة نفسية.. هل شكّل ذلك نهجك فى الكتابة الخيالية؟
- أعتقد ذلك. العمل العلاجى جعلنى منفتحة على غرابة الوجود البشرى. تعلمت أن كل شخص هو كتاب يمشى، وأن أنصت جيدًا بمعزل عن القصة التى تدور فى رأسى.
■ لقد عشتِ أيضًا فى المملكة المتحدة لفترة. ماذا تتذكرينه حول ذلك؟
- كان ذلك فى عام ١٩٨٧. كنت قد أنهيت لتوى الجامعة وجئت إلى لندن لتعلم اللغة الإنجليزية والعمل قليلًا، كما فعل الكثير من البولنديين. عملت فى فندق خلف هارودز «متجر شهير فى لندن». كنت أعيش فى منطقة فولهام وأذهب إلى كامدن تاون مع مجموعة بالغة التنوع لشرب النبيذ. ولأننى قادمة من بولندا الشيوعية، كانت هذا العالم صدمة كبيرة بالنسبة لى؛ رؤية المكتبات ومحلات التسجيلات المجهزة بشكل رائع كان أشبه بالصعود فورًا إلى الطابق السابع. لقد زرت لندن عدة مرات فى السنوات العشر الماضية؛ لكننى ما زلت أبحث عن لندن الثمانينيات، تلك التى لا تزال تظهر فى أحلامى، لكننى لم أتمكن من العثور عليها.
■ هل لديكِ كاتب رعب مفضل؟
- أجد أن الرعب الحديث مبتذل وملىء بالكليشيهات. أحب الرعب من أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين: إدغار آلان بو، وقصص الشاعر جيرار دو نيرفال، ودوستويفسكى الذى كتب أعمال رعب رائعة. فى بولندا، كان لدينا ستيفان غرابينسكى، كاتب عظيم من فترة ما بين الحربين يجمع بين الرعب القديم وآلية المجتمع الصناعى. إذا كنت تحب الرعب، أوصى بقصة قصيرة لدينو بوزاتى بعنوان «سبعة طوابق» «١٩٥٤»، فهى مرعبة كليًا.
■ ماذا قرأتِ مؤخرًا؟
- عدت فى هذا الخريف إلى القصص القصيرة. رجعت إلى تشيخوف عبر كتاب جورج سوندرز «سباحة فى بركة تحت المطر»، وقصص جون شيفر التى هى عبقرية بالتأكيد؛ شعرت بالحزن عندما انتهيت من قراءة الكتاب، وهو شعور لم ينتابنى منذ فترة.
■ هل لديك مشروع جديد؟
- نعم، رواية كبيرة جدًا وعدت نفسى بكتابتها منذ سنوات؛ نوع من التكريم لسكان سيليزيا السفلى، هذه المنطقة الرائعة فى وسط أوروبا التى أُخليت تمامًا ثم أُعيد توطينها. إنها قريبة جدًا من قلبى، لأننى واحدة من هؤلاء الناس. من حيث الشكل، الكتاب مشابه لكتابى «رحلات»، لكن رؤيته الشاملة تتطلب جهدًا فكريًا كبيرًا، وأنا أشعر بالتعب الشديد.
■ ما الشىء الأساسى الذى تحتاجينه للكتابة؟
- الهدوء أساسى لأسمع الحوار فى رأسى. أشعر بسعادة هائلة عندما أفكر وأكتب؛ إنها آلية دفاع رائعة طورتها ضد صعوبات الحياة اليومية. لكن القصة التى أكتبها الآن قد تكون آخر كتاب كبير لى، لأننى أعانى من مشاكل رهيبة فى عمودى الفقرى. جسدى يقول: «توكارتشوك، هذه الوضعية التى تتخذينها أثناء الكتابة لم تعد تناسبك، يجب أن تتقاعدى»، وأعتقد أن هذا ما سأفعله.