الثلاثاء 03 ديسمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

محمد نجيب: وقعت فى غرام هان كانج من أول رواية

محمد نجيب
محمد نجيب

- الذاكرة والعنف فى عوالم هان كانج الأدبية سرديات تتحدى النمطية

لعب الطبيب والمترجم المصرى محمد نجيب دورًا مهمًا فى تعريف القارئ العربى بأعمال هان كانج؛ الروائية الكورية الحاصلة مؤخرًا على جائزة نوبل فى الأدب، فعلاوة على ترجمته لأعمال مختلفة من الأدب الكورى، فقد اختص هان كانج بترجمة أربعة أعمال هى: «الكتاب الأبيض» و«أفعال بشرية»، الصادران عن «دار التنوير للنشر»، وصدر له بعد ذلك ترجمة لروايتها «دروس إغريقية» عن دار تشكيل، ويعمل الآن على ترجمة روايتها «الوداعات المستحيلة». 

فى هذا الحوار، يتحدث نجيب مع «حرف» عن ملاحظاته حول إبداع هان كانج وأهم ما يميزه، كما يتطرق إلى رحلته فى التعرف على الأدب الكورى وأسباب اهتمامه بكتابات أديبة نوبل، وكذلك الصعوبات التى واجهته فى نقل إبداع الكاتبة إلى العربية. 

■ بداية.. كيف بدأ اهتمامك بالأدب الكورى، لا سيما وأن اللغة الكورية لم تكن مجالك الأساسى؟

- على الرغم من أن دراستى كانت علمية حتى مرحلة التعليم الجامعى، فقد كنت شغوفًا منذ الصغر بالقراءة، وبعد قيام الثورة المصرية فى ٢٠١١، استعدت هذا الشغف وكنت أرغب فى الكتابة عن فترة الستينيات فى مصر، وأثناء بحثى عن تلك الفترة، اكتشفت انتشار الحركات الثورية بعد الحرب العالمية الثانية فى أنحاء مختلفة من العالم. حينها قرأت عن انتفاضة كوانج جو فى كوريا الجنوبية، التى طالبت بالحريات وواجهتها القوات بعنف، ما أسفر عن وفاة العديد من الأشخاص، ولفت انتباهى هذا الحدث وأردت التعمق فى القراءة عنه. كانت قراءتى عن انتفاضة كوانج جو نقطة تحوّل فى اهتمامى باللغة الكورية، فهذه الحادثة دفعتنى لتعلم اللغة بجدية، كى أتمكن من فهم الثقافة والتاريخ الكوريين بشكل أعمق.

بعد ذلك، زرت كوريا وسألت فى متجر كتب عن مؤلفات تتناول هذا الحدث، واقترح علىّ أحد العاملين هناك رواية «أفعال بشرية» لهان كانج. حصلت على الرواية عام ٢٠١٤، ولكن مستواى فى اللغة حينها لم يكن كافيًا لترجمتها. بدأت الترجمة فعليًا فى ٢٠١٨ بعد تحسن مستواى.

■ ما الانطباع الذى تركته قراءة رواية «أفعال بشرية» عندك عن الكاتبة فى بداية تعرفك على أعمالها؟

- «أفعال بشرية» ليست فقط رواية عن حادثة دموية شهيرة جدًا فى كوريا تناولتها أعمال أدبية وسينمائية مختلفة، لكنها توضح فرادة أسلوب هان كانج السردى فى التعاطى مع هذا الحدث المعروف، فالرواية تروى قصة طفل قُتل برصاصة طائشة فى هذه الانتفاضة، وعبر سبعة فصول، يروى فى كل فصل شخص مختلف الحادثة من وجهة نظره، وكانت هان كانج أحد الرواة فى الرواية إذ تحكى عن الحدث فى عام ٢٠١٣ بعد مرور عقود طويلة على حدوثه، وهو ما يخلق صورة متعددة الأبعاد للحدث. ما يميز هان كانج هو أسلوبها السردى الفريد، فهى تجعل الحادثة تبدو شخصية وحميمية.

بعد الانتهاء من ترجمة «أفعال بشرية»، عرضتها على دار التنوير، وأعجبوا بالترجمة، وطلبوا منى ترجمة «الكتاب الأبيض»، وهكذا بدأت شراكتنا. ترجمت أيضًا كتبًا أخرى معهم لكاتبة كورية أخرى وهى كيونج شوك شين، من أعمالها الشهيرة رواية «أرجوك اعتنِ بأمى».

■ تعكف حاليًا على الانتهاء من ترجمة رواية «وداعات مستحيلة» لهان كانج، كما صدرت ترجمة حديثة أنجزتها أيضًا لروايتها «دروس إغريقية»، ليصل ما ترجمته لها إلى أربع روايات.. هل باتت تجربة هان كانج تمثل شغفًا خاصًا بالنسبة لك؟

- بالطبع. عندما تترجم أكثر من كتاب لكاتب، فهذا يعنى أنك تعلّقت بأسلوبه، بالإضافة إلى أننى مؤمن بأن تعريف القارئ العربى بكاتب معين يحتاج إلى ترجمة أكثر من عمل له. هان كانج وكاتبتى الأخرى، كيونج شوك شين، تركتا بصمة خاصة علىّ. هان كانج تمتلك مشروعًا أدبيًا متماسكًا يتناول موضوعات العنف وتأثير الذاكرة على الإنسان. كل عمل لها يحاول استخدام بنية سردية مختلفة، ما يجعل أعمالها مميزة .

وروايتها التى أعمل على الانتهاء منها حاليًا؛ «وداعات مستحيلة»، كانت قد فازت ترجمتها الفرنسية فى العام الماضى بجائزة أفضل كتاب مترجم للفرنسية وهى جائزة مهمة، وأظن أن فوز أعمال مختلفة للكاتبة بعدة جوائز كان ما لفت انتباه لجنة البوكر إلى أعمالها. 

■ بناء على خبرتك فى ترجمة أعمال مختلفة لهان كانج.. ما الملاحظات الأساسية التى توصّلت إليها حول مشروعها الأدبى وتطوره، لا سيما وأنها دائمًا ما ترشح للقراءة فى حواراتها عملها الأحدث؟

- مشروع هان كانج الأدبى يتمحور حول العنف وتأثيره على الأفراد. هان كانج تهتم بفكرة الذاكرة، وتأثير حادثة واحدة على حياة الشخص، وكيف يمكن لهذا التأثير أن يمتد طوال حياته. يمكن القول إنها تحمل عقدة الناجى والشعور بالذنب. كل رواية لها تحمل هيكلًا سرديًا جديدًا، ما يجعل قراءتها تجربة مختلفة فى كل مرة، وهو ما قد يجعل التلقى لأعمالها مختلفًا، فبعض القراء قد يعجب بروايتها «النباتية» لكنه لا يستسيغ أعمالها الأخرى، البعض الآخر قد يتعلق بعمل مثل «الكتاب الأبيض» الذى يتعرض بأسلوب شاعرى لتجربة الفقد، فيما ينتقد جرعة العنف الكبيرة فى رواية «النباتية» التى تدفع الراوية إلى تقمص دور الشجرة، لأنها باتت تؤمن بأن النباتات هى الكائنات الوحيدة التى لا يمكن أن تؤذى أحدًا.

البناء الروائى فى كل عمل لهان كانج مختلف عن الآخر، فبينما نجد أن روايات مثل «أفعال بشرية» و«وداعات مستحيلة» تتعرض لأحداث تاريخية فى كوريا، وتعتمد على البناء السردى البسيط بعيدًا عن التعقيد، نجد أن أعمالًا أخرى مثل «النباتية» و«الكتاب الأبيض» تنطلق من البعد الذاتى ولا تقتصر على أحداث بعينها فى التاريخ الكورى. 

 

■ ثمة خصوصية فى كتابات هان كانج.. فأى من الصعوبات واجهتك فى ترجمة أعمالها؟

- اللغة الكورية بشكل عام تعد من أصعب اللغات، وفى أعمال هان كانج واجهت بشكل أساسى صعوبة فى نقل الشعرية التى تتميز بها لغة هان كانج. حاولت دائمًا الحفاظ على موسيقى الكلمات والاختيارات اللغوية الدقيقة. «الكتاب الأبيض» كان تحديًا خاصًا، لأنه يغلب عليه الطابع الشعرى، لكننى حرصت على أن تبقى الترجمة قريبة من الأصل قدر الإمكان.

■ إلى أى مدى يمكننا القول إن فوز هان كانج بجائزة نوبل للأدب هو جزء من الجهد الكبير للحكومة الكورية لنشر الثقافة الكورية فى مختلف البلدان؟

- بالتأكيد هو كذلك. كوريا الجنوبية لديها سياسة مدروسة منذ أواخر التسعينيات تهدف إلى تعزيز انتشار ثقافتها عالميًا، فقد أطلقت وزارة الثقافة الكورية العديد من المبادرات لدعم الأدب والفن الكوريين، بما فى ذلك افتتاح مراكز ثقافية فى عدة دول، وتقديم دورات مجانية لتعلم اللغة الكورية، تعلمت اللغة الكورية بفضل هذه المبادرة. هذه الجهود أسهمت فى تسهيل انتشار الأدب الكورى. فوز هان كانج بجائزة نوبل ليس مجرد انتصار شخصى لها، بل هو جزء من هذا الجهد المستمر لنشر الثقافة الكورية عالميًا.

الترجمة هى الجسر الذى يصل بين الثقافات. الأدب الكورى ازدهر بفضل جهود كوريا الجنوبية فى نشر ثقافتها عالميًا، خاصة بعد الألفية الجديدة. لديها سياسة ثقافية قوية تهدف لتعريف العالم بمنتجاتها الأدبية والفنية، وهذا ما تحقق فعليًا.

■ كيف ترى تأثير الترجمة على نجاح الأدب الكورى فى العالم؟

- الترجمة كانت عاملًا رئيسيًا فى نجاح الأدب الكورى. عندما نُشرت رواية «النباتية» فى كوريا، لم تحقق نجاحًا كبيرًا، لكن بعد ترجمتها إلى الإنجليزية وفوزها بجائزة «مان بوكر»، بدأت الرواية تكتسب شهرة دولية، حتى فى بلدها الأصلى. 

لعبت دور النشر الصغيرة دورًا حاسمًا فى نشر الأدب الكورى خارج حدود كوريا. دار النشر التى نشرت «النباتية» فى الغرب كانت صغيرة جدًا، لكنها أخذت المخاطرة وحققت نجاحًا كبيرًا. هذه المبادرات أسهمت فى نقل الأدب من لغات وثقافات نادرة إلى جمهور عالمى أوسع. نحن نفتقر إلى مثل هذه المبادرات فى العالم العربى، حيث يعانى الأدب العربى من قلة الترجمة والترويج العالمى، وهو ما يجعل الأدب العربى أقل شهرة على المستوى الدولى.