الثلاثاء 03 ديسمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

الناقد الأمريكى جيمس إنجلش: الجوائز الأدبية تكشف آلية إنتاج القيمة الأدبية

حرف

يشغل الناقد الأمريكى جيمس إنجلش منصب أستاذ الأدب الإنجليزى فى جامعة بنسلفانيا. وفى كتابه «اقتصاد المكانة: الجوائز، والمكافآت، وتداول القيمة الثقافية»، الصادر باللغة الإنجليزية عام 2005، قدّم إنجلش دراسة شاملة حول دور الجوائز الأدبية والثقافية فى تشكيل القيم الثقافية، واستعرض كيف أصبحت هذه الجوائز، التى بدأت رحلتها مع تأسيس جائزة نوبل عام 1901، أداة رئيسية لتعزيز المكانة والقيمة فى المجال الأدبى والفنى.

فحص إنجلش فى كتابه كيفية توزيع القيمة الأدبية وتأثير الجوائز على الشهرة والمكانة الثقافية للكتاب والفنانين، عبر تسليط الضوء على التناقضات المرتبطة بهذه الجوائز.

فى هذا الحوار، نناقش مع الناقد الأمريكى تأثير الجوائز على المشهد الأدبى، ونتعرف على رؤيته فى ما يتعلق بالتحديات الحالية التى تواجه الأدب والثقافة فى وقت يشهد تزايد التعقيدات العالمية.

■ هل يمكننا تحديد معايير أساسية يمكن من خلالها الحكم على جودة النص الأدبى؟ وإلى أى مدى تختلف هذه المعايير بين الثقافات والعصور المختلفة؟

- برأيى، القيمة الأدبية لا تأتى بشكل جاهز أو متأصل فى أى عمل أو شخص معين، بل يجب إنتاجها ووضعها فى إطار للتداول، بحيث تُمنح لأشخاص أو أعمال معينة وتُحجب عن غيرها. ومع ذلك، غالبًا ما تُخفى هذه الحقيقة، حتى نتمكن من الاستمرار فى الإيمان بالعظمة المتأصلة لبعض الفنانين أو الأعمال. تكشف الجوائز الأدبية هذا الجانب بوضوح، لأنها آلية صريحة لإنتاج وتوزيع القيمة الأدبية، مما يجعلها أحيانًا تثير الإحراج، لأننا نحب أن نعتقد أن العظمة الحقيقية لا تُصنع بهذه الطريقة.

■ هل تعتقد أن الجوائز والقوائم التى تقدمها المؤسسات المختلفة تلعب دورًا فى تشكيل «الذوق الأدبى» للجمهور؟ أم ترى أن وسائل التواصل الاجتماعى أصبحت أكثر تأثيرًا بتحديدها «ترند الكتب» بما يعيد تشكيل معايير تقييم الأدب؟

- أعتقد أن الجوائز الأدبية لا تزال تلعب دورًا مهمًا فى تعزيز مبيعات الكتب، خصوصًا فى مجال الأدب «الرفيع» وبعض الأنواع الأخرى مثل أدب الأطفال. لكن عندما نتحدث عن الكتب الشهيرة مثل «ألعاب الجوع»، نجد أن تأثير الجوائز يكون غائبًا تمامًا.

فى الواقع، وسائل التواصل الاجتماعى، حيث تتداول التوصيات بين الناس مع تأثير الخوارزميات، أصبحت لها الكلمة العليا. غالبًا ما تأتى الجوائز الأدبية رد فعل على التوجهات الاجتماعية بدلًا من أن تكون فى صدارة تلك التوجهات، مما يقلل من وضوح تأثيرها فى ظل هذه التغيرات.

■ هل تظن أن زيادة عدد الجوائز قد قلل من أهميتها؟ أم زادها أهمية؟

- أرى أن أهمية الجوائز الأدبية قد تراجعت بشكل ملحوظ خلال العقدين الأخيرين. كانت الجوائز فى السابق تثير نقاشات جماعية أوسع. لا أعتقد أن هذا التراجع يعود إلى كثرة الجوائز، بل ربما يتعلق بتلاشى الوهم الذى يعزز فكرة العظمة الفنية ويضعها فى مرتبة عالية.

■ الكثير من الجوائز الأدبية اليوم تُمنح لأعمال تعالج القضايا الاجتماعية والسياسية. هل تعتقد أن هذا التوجه قد يؤدى إلى منح جوائز لأعمال قد لا تكون الأفضل من الناحية الفنية؟

- على مدار معظم تاريخها، منحت الجوائز الأدبية الكبرى فى الولايات المتحدة الكتّاب البيض احتكارًا شبه كامل للهيبة. لكن هذا الوضع تغير فجأة منذ حوالى ست أو ثمانى سنوات، حيث بدأت الجوائز تُمنح بشكل غير متناسب للكتّاب من ذوى البشرة الملونة. يطرح هذا الوضع سؤالين: هل أسهم ذلك فى تغيير الميل العام نحو البيض فى مجال النشر والقراءة فى أمريكا؟ وهل ستعود الجوائز ببساطة إلى نمطها السابق بعد عقد من تكريم التنوع؟ لا أملك الإجابة، لكننى أعتقد أن هناك تحولًا أوسع يحدث يؤثر على طريقة تفكير النخبة المثقفة، خاصة الشريحة الأكاديمية منهم، فى الأدب وطريقة حديثهم عنه. أصبح التركيب الديموجرافى للمؤلفين يلعب دورًا أكبر فى كيفية استقبال هذه الفئة الصغيرة ذات التأثير الثقافى الكبير للكتب.

■ فى كتابك، تناولت تأثير العولمة على الجوائز الثقافية. كيف أثرت العولمة على الاعتراف والمكانة فى الأدب؟

- بشكل عام، أرى أن الجوائز الأدبية لا تزال مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالثقافات الوطنية. ومع ذلك، فى العالم الناطق بالإنجليزية، كان هناك تحول نحو ما أسميه الرواية «الأنجلوفونية العالمية». على سبيل المثال، لقد وسعت جائزة بوكر نطاق المشاركة ليشمل الكتّاب الأمريكيين، وهو ما أعتقد أنه لم يحقق النجاح المتوقع للجائزة.

عندما تفقد الجوائز خصوصيتها الوطنية، فإنها تدفع ثمنًا لذلك. فى النهاية، أعتقد أن الأنواع المختلفة من العولمة التى ناقشتها فى كتابى «اقتصاد المكانة» بدأت تتراجع. ونحن الآن فى عصر يشهد عودة النزعات القومية بقوة، حيث تزداد أهمية القيم الوطنية مقارنة بالقيم العالمية.

■ فى السنوات الأخيرة، أثارت جائزة نوبل للأدب جدلًا حول معايير اختيارها. كيف ترى هذه الاختيارات فى ضوء التغيرات المتعلقة بالمكانة والقيمة الثقافية التى ناقشتها فى كتابك؟

- بدت جائزة نوبل وكأنها ستشهد إعادة هيكلة كبيرة وتوجهًا جديدًا بعد فضيحتها وتوقفها فى عامى ٢٠١٧/ ٢٠١٨. ومع ذلك، يمكننى القول إن الأكاديمية انتهت إلى احتضان تقاليدها واستمراريتها بشكل أكبر من التغيير. قد يكون هناك تغييرات تجرى، لكن هذه التغييرات تحدث ببطء للحفاظ على خصوصية «العلامة التجارية» وما تمثله من تباينات أوروبية.

أخبرنى بعض الأشخاص المقربين من الأكاديمية بأن هناك تغييرًا حقيقيًا يحدث داخل المؤسسة. اختيار هان كانج هذا العام قد يدعم وجهة نظرهم؛ منح الجائزة لامرأة شابة «حسب معايير نوبل» من شرق آسيا ذات إنجازات أدبية محدودة كان غير قابل للتصور قبل عقد من الزمن.

بينما أعتقد أننا بحاجة إلى مزيد من البيانات لتقييم هذا التحول، فإننى أتوقع أن تظل جائزة نوبل بشكل عام «متأخرة» أو «خارج المسار» عند مقارنتها بالمعايير العالمية الحالية، مع تجاهل للتوجهات السائدة فى الأدب.