الثلاثاء 03 ديسمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

عازف الكلمات.. هاروكى موراكامى يطلق روايته الجديدة على أنغام «البيتلز»

هاروكى موراكامى
هاروكى موراكامى

تشهد 9 ولايات أمريكية، فى العاشرة مساء الإثنين المقبل 18 نوفمبر الجارى، إطلاق الرواية الجديدة للكاتب اليابانى الكبير هاروكى موراكامى، والتى تحمل اسم «المدينة وجدرانها غير المؤكدة».

وسيكون إطلاق الرواية فى وقت متزامن، على أنغام أغان عديدة من ضمنها «Yellow Submarine» لـ«البيتلز»، باعتبارها الأغنية التى ألهمت الروائى اليابانى كثيرًا. و«المدينة وجدرانها غير المؤكدة» ليست مجرد قصة كغيرها، بل رحلة فى أعماق اللاوعى البشرى، تدور أحداثها فى مدينة غامضة، حيث يلتقى الواقع بالحلم فى نسيج سريالى، ويتتبع البطل مجهول الهوية رحلة بحثه عن المعنى والذات.

محور القصة هو بحث البطل عن حبيبته المفقودة. ورغم شخصية رحلته تلك، تعكس البحث الإنسانى الأعمق عن المعنى والانتماء، مع مزج «موراكامى» ببراعة بين الأسطورة والفولكلور والتاريخ الشخصى لخلق سرد غنى ومتعدد الطبقات، فضلًا عن استشكاف قوة الذاكرة.

الأسلوب السردى لـ«موراكامى» بسيط وأنيق، ومع ذلك يتحلى بالعمق. صفاته للمدينة وسكانها والعالم الداخلى للبطل حية ومثيرة. كما تسمح وتيرة الرواية المتعمدة للقارئ بالانغماس الكامل فى الأجواء السريالية.

«المدينة وجدرانها غير المؤكدة» ليست مجرد رواية، بل تمثل دعوة لاستكشاف أعماق النفس البشرية، خاصة فيما يتعلق بموضوعات مثل الهوية والخسارة والبحث عن المعنى، ما يجعلها تجربة قراءة عميقة ومؤثرة.

ومن خلال خلق عالم مألوف وغريب فى نفس الوقت، يدعونا «موراكامى» إلى التشكيك فى تصوراتنا الخاصة للواقع، مع تركيز أسلوبه على السريالية، التى تخلق جوًا أشبه بالحلم، يصبح فيه العادى غير عادى، كما تركز الرواية على الوجودية عبر التعمق فى أسئلة حول معنى الحياة وطبيعة الواقع والحالة الإنسانية. وكعادته يتطرق «موراكامى» إلى العزلة والوحدة، من خلال تجارب البطل التى تعكس التجربة الإنسانية العالمية المتمثلة فى الشعور بالوحدة والانفصال.

ولأنه يكتب أدبًا إنسانيًا، لم يغفل الروائى الكبير عناصر مثل الذاكرة والهوية، مع استخدام مجموعة غنية من الرموز، مثل المدينة والبئر وغياب الظلال، لنقل معانٍ أعمق.

يمكن وصف «المدينة وجدرانها غير المؤكدة» بأنها رواية مقنعة ومثيرة للتفكير، تعرض براعة «موراكامى» فى السريالية، وتمثل شهادة على قدراته فى استكشاف أعماق النفس البشرية، وخلق تجارب أدبية لا تُنسى.

وهاروكى موراكامى يعد واحدًا من أكثر الروائيين اليابانيين قراءة على نطاق واسع فى العالم. له أكثر من ٣٠ رواية. فاز تقريبًا بكل جائزة تقدمها اليابان، بما فى ذلك جائزة «يوميورى» الأدبية العظيمة، وهو دائمًا على قائمة المرشحين المحتملين لجائزة «نوبل» فى الأدب.

كتب «هاروكى» روايته الأولى «اسمع أغنية الريح» فى سن الـ٢٩. فاز بجائزة «جونزو» الأدبية المرموقة. قبل أن ينشر رواية «الغابة النرويجية» عام ١٩٨٧، التى باع منها ما لا يقل عن ١٠ ملايين نسخة فى اليابان وحدها. كما أنه مُترجِم نشط، ويُنسب إليه الفضل فى تقديم أعمال لكُتاب مثل رايموند كارفر وفرنسيس فيتسجيرالد إلى القُراء اليابانيين.

درس هاروكى موراكامى الدراما اليونانية فى جامعة «واسيدا» بالعاصمة طوكيو. ومع ذلك، طغى شغفه بالموسيقى والأدب والفنون على مساعيه الأكاديمية، مع تأثره بشكل خاص بالأدب الغربى، خاصة الكُتاب الأمريكيين مثل رايموند تشاندلر وجاك كرواك.

فى أواخر الستينيات، التقى طالب الجامعة هاروكى موراكامى زوجته المستقبلية يوكو تاكاهاشى، جمعهما شغف مشترك بالموسيقى والرغبة فى حياة مختلفة عن الروتين اليومى. لذا، بعد زواجهما، قررا افتتاح مقهى للجاز فى طوكيو سمياه «بيتر كات»، عام ١٩٧٤، وهو عام حافل بالتحديات الاقتصادية.

واختيار هذا الاسم دال على التحديات الأولى للزوجين. قبل افتتاح المقهى تراكمت الديون عليهما، لدرجة أنهما لم يستطيعا تحمل تكاليف التدفئة فى الشتاء القارس. يتذكر «موراكامى» كيف كانا يتدفآن بجوار قطهما «بيتر»، الذى أصبح فيما بعد اسمًا لمقهى أحلامهما. و«بيتر كات» أكثر من مجرد مقهى عادى، بل مثّل واحةً للروح، يتجمع فيها عشاق موسيقى الجاز للاستمتاع بأصوات «الساكسفون» العذب والبيانو الرقيق. كما أن رائحة القهوة وأضواء الشموع كانت تخلق جوًا دافئًا حميميًا، يشجع على الحوارات العميقة والاستماع الموسيقى المتأمل.

يقدم المكان القهوة خلال النهار، والمشروبات والطعام فى الليل. وفى عطلات نهاية الأسبوع، كان يستضيف عروضًا حية للجاز. فى غرفة مدخنة بلا نوافذ، كان «موراكامى» يغسل الأطباق ويخلط المشروبات، ويكنس ويحجز الموسيقيين. عندما لم تكن هناك فرق موسيقية، كان يدور الأسطوانات، من مجموعة تضم ٣٠٠٠ تسجيل.

وهذا التأثير الموسيقى واضح فى روايات «موراكامى»، من خلال المزج بين الواقع والخيال، والواقعية والسريالية. تمامًا كما يمزج عازفو الجاز بين الألحان. كما أن تفاعله اليومى مع مختلف الشخصيات، من الموسيقيين إلى الزبائن العاديين، زوده بمجموعة غنية من التجارب الإنسانية التى أثرى بها شخصيات وأحداث رواياته.

وفى ذلك المقهى الصغير، حيث كانت رائحة القهوة تختلط بأصوات الجاز، ولدت العديد من الأفكار التى أصبحت فيما بعد روايات عالمية، بعدما كوّن رؤى قيمة حول السلوك البشرى من خلاله، وأتاح له فرصًا للتفاعل الاجتماعى والتحفيز الفكرى، رغم أسلوب حياته الانعزالى.

ومن صالون دراسة الأدب اليابانى إلى نوادى الجاز فى طوكيو، سارت رحلة هاروكى موراكامى الأدبية فى مسار متعرج، وأضاف شغفه بالموسيقى الغربية والأدب الأمريكى بعدًا جديدًا إلى رؤيته للعالم. هذا التنوع فى التأثيرات شكل أساسًا لأسلوبه الأدبى المميز، الذى يجمع بين الواقعية السحرية والتفاصيل الدقيقة.