السبت 27 يوليه 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

يرقص عريًا

لوحة لبوجا ديبانكر
لوحة لبوجا ديبانكر

أمام غرفة الإنعاش خلف النافذة الزجاجية أشاهده مستلقيًا على السرير وحوله كم هائل من الأجهزة والأنابيب، أترقب أنفاسه.. يكاد يتنفس بصعوبة بالغة.

رجل مسن أكل المرض جسده.

كيف لجابر عبدالكريم الرجل الغليظ القلب أن يصبح لا حول ولا قوة، الآن تحت رحمة قُمْع على وجه ليتنفس، وجهاز يستشعر نبضات قلبه! 

لم أحبك يومًا لكننى لم أكرهك؛ ليس لأنك لا تستحق الكره والبغض، لكنَّها صلة الرحم.

ها أنا الرجل ذو الشأن والمركز المرموق أمام المجتمع، ومن الداخل الطفل الممزق البأس..

هل تعلم يا جابر، ما فعلت بى أم تجهل.. أظن بأنك تتذكرهُ جيدًا!

هل تتذكر خضرا عبدالسميع الفتاة الصغيرة التى نزعتها من أهلها، وفرضت سطوتك عليها؛ «لم تكن أمى تستحق كل هذا»، لم يغب عن ذاكرتى شىء، فعند اختلائى بنفسى تلاحقنى كأنك شبح يطاردنى.

لا أزال أتذكر دموعها وأنين قلبها بعد تعنيفها، وضربها بقسوة.. تتوسل لك باكية: 

- أبوس إيدك يا جابر، اعتقنى لوجه الله.

لماذا كل هذا الجبروت؟ فهى المرأة النبيلة الوديعة التى شملتنا بعطفها، وشعرت معها بحنان لا ينضب.. أعطتنى الأمان كأب فكل ما أنا عليه هو فضلها، ولكن لا جدوى فالكل يُنسب لاسمك بالنهاية. 

هل تتذكر وهى تعانى المرض اللعين تصرخ تطلب الرحمة؟ 

لقد كنت طفلًا بلا حيلة ليس بوسعه سوى أن يربت على كتفيها ويحتضنها.. 

- آه يا أمى حضنك عالمى، مرَّ العمر وما زلت أستشعره بداخلى.

أسمع أنين وجعك يا خضرا

كان بإمكانك أن تعيشى ويموت هذا المستبد الذى سلبنى حياتى فعشت بلا روح..

لا أريد يا جابر أن أكون مثلك.

لا بأس ها هو القدر يأخذ حقك يا خضرا على أكمل وجه، على يد المرأة التى استبدلها بكِ 

لم يعلم بأنهُ لا يمكن استبدالك على الإطلاق.

دمرتهُ.. كان أشبه بجماد أمامها. 

حدثتنى يومًا وقالت:

- أنا أكره أمك؛ ليس لأنها ضرتى، بل لأنها هى من جعلت جابر فرعونًا بطيبتها، وطاعتها غير المبررة، فقضى عليها أبوك هو من اعترف بهذا.. تزوجها؛ حتى يستولى على أطيان جدك.

امرأة قوية يا خضرا يتملكها الشر استولت على كل ما يملكُ، وهربت.

بإمكان الرجل أن يقتل زوجته بقسوته وجحوده أما عن أبنائه.. هيا تكلم دافع ماذا تقول يا جابر؟

أما زلت تشير إلى نفسك قائلاً أنا الرجل الذى تعرَّى جُّده الكبير من ملابسه، ورقص احتفاءً بمجيئهِ للدنيا ذكرًا وسط حشد من بنات عائلته، لا أظنك يا جابر غافلًا؛ حينما أتيت أزفُّ إليك نجاحى صفعتنى على وجهى بلا رحمة لمجرد أنك تكسر قلب خضرا!

هيا دافع عن نفسك، فبقاؤك أو رحيلك لا يعنينى؛ كلاهما واحد.. لا تعتقد بأننى تكفلت بعلاجك لأجل العطف عليكَ، بل فعلتُها لكى لا يقال إن ابن خضرا عاق.

فأنت رحلت منذُ مرضت ورحلت أمى.

توقف جهاز النبض وتجمع حشد من الممرضين والأطباء حوله. 

ذرفت دمعةً من عينى.. قمت بمسحها مبتسمًا، واستدرت راحلًا..!