الإثنين 20 مايو 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

فضح أساطير وكرامات حسن الصباح

حسن الصباح
حسن الصباح

«يُقال إنه عند موت حسن الصباح، اهتزت الجبال المحيطة بقلعة «آلموت»، و زُلزلت القلعة من أساسها، وأمطرت السماء دمًا حزنًا عليه، مصحوبة ببرق ورعد يصل إلى حد الصواعق».

فرقة الحشاشين أو الفرقة النزارية، من أكثر الفرق المنسوبة للإسلام، التى أشيع حولها الأساطير والحكايات، والتى تحولت مع الوقت إلى كرامات مقدسة، صدقها أتباع الباطنية، وأشاعوها بين الناس بوصفها حقائق لا تقبل الشك، خاصة ما يتعلق بشخص مؤسس الجماعة «حسن الصباح»، الذى تحول من مجرد مؤسس لجماعة دينية منشقة، إلى ظل لله على الأرض، المتصرف فى شئون أتباعه بتكليف من الإمام نزار بن الخليفة المستنصر، الإمام غائب، يصطفى من يريد ليوصل رسالته إلى العامة.

ونتيجة لغياب الكتابات التاريخية المنضبطة عن شخص حسن، بعد حرق وتخريب قلعة ألموت على يد المغول، لم يتبق إلا بعض الكتب الفارسية التى ظهرت بعد وفاته بمائة عام على الأقل، والتى تناقلت أخبار غير موثقة عن حياته ونهايته. ولأن حسن بن الصباح تحول إلى ما يشبه البطل الشعبى فى إيران فى ذلك العهد، رغم أن أصوله يُقال إنها عربية، ولكن الفرس تعاملوا معه بوصفه المقاوم للحكم التركى المتمثل فى دولة السلاجقة الأتراك، أشيعت حوله العديد من الأساطير التى ما زال لها أثر إلى الآن.

فقد قيل عنه، إنه قبل وفاته بساعات، جمع أتابعه فى قلعة ألموت، وخطب فيهم خطبة الوداع، مطالبًا إياهم بألا يستخدموا اللغة العربية فى المخاطبات أو الحديث، بوصفها لغة الخلافاء العباسيين الكفار «من وجهة نظر الحشاشين»، ولا اللغة التركية، لغة السلاجقة أتباع الخليفة العباسى. وأن اللغة الوحيدة المباح استخدامها هى اللغة الفارسية..

فقد تحول الأمر من خلاف مذهبى بين السنة والشيعة من جانب، والشيعة الإثنا عشرية والباطنية الإسماعيلية من جانب آخر، وكذلك بين النزارية والمستعلية، إلى صراع عرقى بين الفرس والعرب والأتراك، مما انعكس على المخيلة الشعبية فى إيران، بحيث يُظهر حسن بن الصباح بوصفه المخلص الفارسى من البطش العربى أو التركى.

وبعد هدم قلعة ألموت على يد المغول، قرر من تبقى من أتباع الحشاشين، أن يدخلوا بالدعوة ثانية مرحلة الخفاء والتقية، ونشروا حكايات وكرامات عن شخص مؤسس الجماعة حسن الصباح، على أمل إعادة إحياء الجماعة من جديد، فأشاعوا عن حسن أنه كان بهى الطلعة، جميل الملامح، كثير الزواج، فهو قادر على جذب أنظار النساء له بشخصيته وحضوره الطاغى، وأنه أعطى حق التمتع بالنساء دون حدود لكل أتباعه، وأنه يملك كل أسرار المعرفة الروحية والجسدية، بل منحه البعض القدرة على شفاء المرضى، بمجرد لمسهم، بوصفه الداعى الأكبر، والناطق باسم الإمام.

ومن ضمن ما كُتب عنه فى كتابات المستشرقين، خاصة كتاب «إله ألموت» المستشرق الفرنسى «بول أمير»، وهو من الكتب غير الموثقة تاريخيًا، ولكن له انتشار كبير فى أوساط المهتمين بتاريخ الحشاشين، لأنه جمع العديد من الحكايات والأساطير التى أُشيعت عن حسن الصباح، ومنها مثلًا أنه قام بإسقاط الفرائض، مثل الصلاة أو الصوم أو غيرهما، بوصفه مالك الحق الوحيد من قِبل الإمام، فى تحديد من يحق له دخول الجنة أو الجحيم، ويكفى أن تكون من أتباع الصباح المخلصين حتى يوعدك بجنة الخلد، بشرط أن تقدم نفس وروحك وجسدك فى خدمة الإمام.تلك الفكرة وردت بإلحاح فى كتبات الفرق الإسلامية المعادية للحشاشين، مثل السنة بفرقهم المخلتفة، وكذلك بعض كتابات الإثناعشرية، بل وردت إشارة لها فى كتاب تاريخى مهم، وهو كتاب «فاتح العالم» للكاتب الفارسى والوزير فى دولة المغول «عطا ملك الجوينى»، الذى كتبه بعد قضاء هولاكو على الحشاشين فى منطقة الديلم فى إيران، الإقليم الذى به قلعة ألموت.

وأشيع عنه كذلك أنه كان قدارًا على إلقاء تعليماته لأتباعه عن طريق الأحلام، فمن رأى منهم حسن الصباح فى منامه، فهو قد رآه فعلًا، وعليه اتباع ما جاءه به منام حسن. الأمر لا يتوقف عند ذلك، فقد ورد فى بعض النصوص الشعبية المرتبطة بالحشاشين، أن حسن الصباح كان يملك قدرة الظهور فى أكثر من مكان فى ذات الوقت، فقيل أنه ظهر للوزير نظام الملك وتحدث معه، وأنذره بنهاية دولة السلاجقة على يد الحشاشين، وهو فى ذات الوقت يجلس بين أتباعه فى «ألموت».

وتضاربت الأقوال حول موته، فرغم أن المثبت تاريخيًا أنه مات متأثرًا بمرض أصابه، ولكن قيل بين أتباعه، إنه فى خلوة مع الإمام نزار، وأنه سوف يعود فى آخر الزمان مع الإمام لنصرة المظلوم، وأنه بينهم يراهم ولا يرونه، يتابع أتباعه ومناصريه إلى يوم العودة. وفى رواية أخرى أنه قرر حال علمه باقتراب لحظة موته، فحسن كانت لديه قدرة معرفة الغيب وما سيحدث فى المستقبل كما أشاع الحشاشين، فقرر إخفاء مكان قبره، حتى لا يُمثل به بواسطة أعدائه، فاصطفى أحد شباب الجماعة وأخبره بميعاد موته، وأمره أن يدفنه فى مكان مجهول، ويدفن جثمان آخر لأحد فدائيى الحشاشين فى مكان يعلمه الجميع، ويعلنه للملأ، بوصفه جثمان حسن الصباح، ثم ينتحر فى مكان ثالث بعيد، حتى يلحق به فى الجنة، ويموت السر معه، وبالفعل تم ما أراد، ولم يعلم أحد من مريدى قلعة ألموت بخطة حسن، فجأة لم يجدوه بينهم، فظنوا أنه فى غيبة مع الإمام.

حسن الصباح من أكثر الشخصيات التاريخية التى نسجت حولها الأساطير والكرامات، سواء بين أتباعه ومتبعى الفرقة النزارية الباطنية من بعده، أو حتى بين أعدائه من أتراك ومغول وعرب، أو أتباع المذاهب المغايرة. بل إن طائفة الحشاشين بأكلمها كان لها حضور كبير فى عالم الكرامات والحكايات، فقد قيل عنهم فى الكتابات العربية والفارسية القديمة، أن الحشاشين كان لديهم القدرة على تسخير الجان، وأنهم على علم بعلوم النجوم والرصد، وعلوم السحر، مما منحهم قدرات غير عادية فى تنفيذ عمليات الاغتيال التى تمت على مدار تاريخهم، وقدرتهم الفائقة على التخفى والظهرو المباغت. كما ورد عنهم أنهم كانوا يستقطبون الشباب من سن الطفولة عشر سنوات إلى سن عشرين عامًا، ويمنحون أهلهم المال فى مقابل تسليمهم لأطفالهم ليتربوا فى قلعة ألموت، وبعد مرحلة من التدريب الدقيق والصعب، يأمرونهم بقتل ذويهم، بحجة الكفر أو الوعد بمفتاح الجنة.

فالحشاشين جماعة تأسست على جملة من الأساطير والحكاية عن كرامات حسن ومن تلاه من أئمة للدعوة، خاصة ما أشاعوه عن أنفسهم بين عامة الناس، لينسجوا عالمًا سريًا منغلقًا على ذاته، لا يتعدى أسوار قلعة ألموت، له نظامه وأفكاره المعقدة، التى كانت هى النواة الأولى فى التاريخ الإسلامى للعديد من الجماعات الدينية بعد ذلك، وصولًا إلى العصر الحديث.