الثلاثاء 03 ديسمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

محمد فرج.. خطط طويلة الأجل

محمد فرج
محمد فرج

- مش مشغول خالص بـ إنه يبقى قاعد على المنصة والميكروفون قدامه وعمال يطخ تنظيراته

لو سألتنى: إيه أفظع آفات البشر؟ وأنا عارف إنك ما سألتنيش، بس «لو» سألتنى، فـ الإجابة هى: الادعاء.

والادعاء، حفظك الله، يكاد يكون القاسم المشترك الأعظم بين بنى البشر جميعًا، بـ درجات طبعًا، إنما الكل بـ يسعى لـ إخفاء ما فيه من عيوب، وتضخيم ما فيه من إيجابيات، بل وإلصاق ما ليس فيه أساسًا من صفات واعتبارات وأخلاقيات لها تقدير عند المجتمع. لـ درجة إنك لو سألت حد بـ شكل مباشر عن عيب فيه، هـ يقول لك ميزة، زى: عيبى الوحيد إنى قلبى طيب، مش بـ أعرف أكدب، جدع بـ زيادة، عيبى الوحيد إنى ماليش عيوب.

علشان كدا، الناس فى قرارة نفسها لا تجد حرجًا فى الادعاء، بل تحس إننا داخلين سباق، فـ العادى والطبيعى إنه الناس تقدم بـ اعتبارات لا تمتلك أدنى مقوماتها، فـ دا شاعر ودا أديب ودى ناقدة ودا مؤرخ ودا خبير ودا عالم ودى كاتبة ودا دكتور جامعة ودى فنانة والكل تقريبًا محللين.

فى هذا العالم المجنون، الواحد بـ يلاقى نفسه منزعج كتير من هذا، وبـ أدعى ربنا كل يوم إنى ما أكونش واحد من هؤلاء، لكن الأهم هو حرصى الشديد وتقديرى ومحبتى لـ الأشخاص غير المدعين، أو خلينا نقول الادعاء عندهم فى درجاته الأدنى، ومن هؤلاء محمد فرج الكاتب السكندرى الفايز بـ جايزة ساويرس لـ القصة ٢٠٢١ عن مجموعة «خطط طويلة الأجل».

عرفت فرج من حوالى عشرين سنة فى بدايات رحلته من الإسكندرية، وشغله فى الصحافة الثقافية، وانتقاله بين التجارب: البديل، وأخبار الأدب والسفير وغيرها، وفى وسط الشبان اللى كان فرج واحد منهم، كان الأقل فى طرح نفسه دايمًا، لـ درجة إننا كنا أصدقاء مقربين لكن ما كنتش أعرف أساسًا إنه بـ يكتب، وفضلت كدا فترة طويلة.

عدم طرح فرج نفسه كـ كاتب وقصاص وروائى كان ناتج من إنه أولًا بـ يدور على امتلاك ما يجعله مؤهلًا لـ الكتابة، والإمساك بـ الطريق والطريقة اللى هـ يضيف بيهم لـ المنتج المصرى والعربى والبشرى، هو مش مشغول خالص بـ إنه يبقى قاعد على المنصة، والميكروفون قدامه وعمال يطخ تنظيراته، لأ، هو مشغول بـ إنه يبقى أديب مش بـ تقديم نفسه كـ أديب.

لـ ذلك، لما كتب محمد فرج، قدم لنا عددًا من الأعمال المهمة، مقياس الأهمية هنا هو الاشتباك مع الواقع، مش النقل منه على نحو عشوائى، أو إعادة إنتاج تجارب سابقة، أو تقديم تجارب ذاتية على أنها أدب، لأ، فى عالم محمد فرج «الصغير» تقدر تشوف عوالم كبيرة، وتفكر فى أسئلة وتحليلات تخص التوهة والمدينة ومفهوم العالم ومعنى الوجود.

فى مجموعته خطط طويلة الأجل مثلًا، تلاقى جوانب كتير تتعلق بـ العنف، العنف كـ مفهوم وكـ ممارسة، ودوافع ونتايج وتأثيرات ومستويات، وبـ النسبة لى هذا العمل هو أنضج ما تناول العنف فى مجتمعاتنا، وكل قصة منه تحتاج يتفرد لها مقالات نقدية، دا لو كنت أنا ناقد.

الظريف فى تجربة محمد فرج أنها لا تنقطع، لـ إنه ما دمت مش منتظر مكاسب من مشروعك، فـ مفيش فرصة لـ الإحباط، بـ هدوء تعمل، بـ هدوء تستعد، بـ هدوء تكتب، وبـ هدوء تبقى، حتى لما كسب الجايزة يمكن هو الوحيد اللى ما صاحبش فوزه بيها صخب أو ضجة، أو افترض إنه دا له معنى أكبر من الحدث ومن حجمه.

اللى زى محمد فرج، فيه حاجات كتير مش بـ يحققها، لكنه بـ يحقق كل حاجة.