السبت 05 أكتوبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

كافكا.. هل شوه المسلسل الألمانى سيرة صاحب «المحاكمة»؟

Kafka
Kafka

لقد أصبحت كلمة «كافكا» تصف الإحساس بالعجز عند التعامل مع الأنظمة البيروقراطية، أن تضيع فى متاهات إدارية متشابكة، وأن تُستبعد من قِبل مسئولين مجهولى الهوية، أو يتم تهميشك، ويخنق الروتين آمالك. لكن ««Kafka هذا المسلسل يقدم سيرة ذاتية، للرجل الحقيقى الذى حمل هذا الاسم، وولد فى براغ.

فى مسلسل تليفزيونى من ٦ حلقات يُعرض على قناة «ARD» الألمانية، لا يظهر فرانز كافكا كضحية بقدر ما يظهر كسيد داخل النظام البيروقراطى، بل يظهر وكأنه أحد داعمى هذا النظام. تُظهر الحلقة الرابعة من المسلسل أن مبتكر الأعمال الكلاسيكية الكئيبة مثل «المحاكمة»، كان يعرف كيف يتعامل مع الأنظمة البيروقراطية المعقدة، أفضل من معظم الناس.

بصفته موظفًا فى مؤسسة التأمين ضد حوادث العمل، فى إقليم «بوهيميا» التشيكى، يظهر «كافكا»، الذى يؤدى دوره الممثل السويسرى جويل باسمان، متفوقًا فى وظيفته الروتينية، فهو يسحق المحامين المتخاصمين فى المحاكم، من خلال التلاعب بالقانون والتحايل عليه. يقول أحد رؤسائه متحمسًا: «إذا كان من الممكن كسب القضية، فإن كافكا يستطيع أن يفوز بها».

قال دانيال كيلمان، الروائى النمساوى الألمانى، الذى كتب سيناريو المسلسل الذى أخرجه ديفيد شالكو: «كان كافكا من أوائل الكتّاب فى القرن العشرين الذين أدركوا أن البيروقراطية ظاهرة ذات خطورة وجودية تقريبًا، لقد رأى أن حياتنا أصبحت متشابكة فى نظام لم نعد نفهمه. لكنه فهم ذلك لأنه كان هو نفسه بيروقراطيًا».

ويقع الأفراد الذين لا حول لهم ولا قوة ويحاولون شق طريقهم عبر دهاليز السلطة وأسرارها الشبيهة بالمتاهات فى قلب أشهر أعمال «كافكا». فى رواية «المحاكمة» (١٩٢٥) مثلًا، يُعتقل بطل الرواية «جوزيف. ك»، ويُحاكم من قبل سلطة لا يمكن الوصول إليها، بسبب جريمة لم يتم تفسيرها له أبدًا. وفى رواية «القلعة» (١٩٢٦)، يكافح العامل فى التنقل بين الطبقات الإدارية لقلعة غامضة.

لقد حاول كثيرون من صانعى الأفلام، بما فى ذلك أورسون ويلز ومايكل هانيكى وستيفن سودربيرغ، تحويل حكايات «كافكا» الغامضة إلى الشاشة الكبيرة. وعلى طول الطريق، لم يتمكن سوى القليل منهم من مقاومة إغراء الربط بين أعماله القمعية، وسيرة الكاتب الذاتية.

عُرض فى ألمانيا خلال ربيع هذا العام فيلم رومانسى شاعرى مبنى على علاقة «كافكا» الأخيرة المفترضة، قبل وفاته بمرض «السل» فى سن الأربعين، بعنوان: «مجد الحياة». ويقال إن المخرجة البولندية أنيسكا هولاند بدأت العمل هذا العام على فيلم سيرة ذاتية آخر، يحمل عنوان «فرانز».

وعلى النقيض من ذلك، يكشف ما قدمه «شالكو» و«كيلمان» عن «كافكا»، الذى يستند إلى حد كبير على سيرة حياة راينر ستاتش، المكونة من ٣ مجلدات، ونُشرت بالألمانية بين عامى ٢٠٠٢ و٢٠١٤، الفجوات بين كتاباته وحياته، فأحدهما مضطرب وجوديًا، والآخر مضطرب فى بعض الأحيان لكن بلا حدود.

ينقسم العمل إلى ٦ حلقات، ويدرس ظاهرة «كافكا» من وجهة نظر صديقه المقرب ومنفذ أعماله الأدبية بعد وفاته، ماكس برود، وعائلته البرجوازية، وزملائه فى المكتب، والنساء الثلاث اللاتى أقام معهن علاقات جدية: فيليس باور وميلينا جيسينسكا ودورا ديامانت.

الشخص الذى يظهر فى هذا المسلسل بعيد كل البعد عن أسطورة الفنان الغريب المعذب المنفصل عن عائلته وأصدقائه ووظيفته.. هذا المبدع غريب الأطوار الذى ابتلى بالشك الذاتى والاكتئاب الشديد، لكنه مع ذلك تمتع بحياة متميزة نسبيًا، مع وجود أبطال متفانين فى أعماله، بين دائرة ضيقة من الأصدقاء وفى الأوساط الأدبية الرفيعة.

قال «كيلمان»: «جاء كافكا من تقليد الأدب الحداثى الأوروبى الشرقى. ولكن كان الميل إلى قراءته كنبى يهودى تنبأ بأهوال القرن العشرين فى عزلة تامة، منعزلًا عن دائرته الاجتماعية».

فى المسلسل، كان بعض من أكثر المعجبين المتحمسين لـ«كافكا» هم رؤساؤه فى معهد التأمين ضد حوادث العمل، حيث كانوا يعملون ككتاب فى العمل الإضافى. يقول «كيلمان»: «كان زملاء كافكا يعتبرونه نوعًا من الأسلحة السرية لحل النزاعات القانونية، وكانوا يحرصون على أن يعرفوا مدى تقديرهم لعمله المهنى والأدبى».

وقد بلغ إعجاب رؤساء «كافكا» بموظفهم النجم درجة أنه عندما قرر الكاتب- لأسباب لا يزال من الصعب فهمها- أن يتطوع فى الجبهة خلال الحرب العالمية الأولى، أعفاه رؤساؤه من الخدمة، مصرين على أنه لا غنى عنه لاستمرار عملهم، وهو ما جعلهم يعفونه من الخدمة.

تنتهى رواية «المحاكمة» بإعدام بطل الرواية «كالكلب»، بسبب جرائمه غير المبررة. يقول «كيلمان»: «أكبر مفارقة فى حياة كافكا هى أن العكس هو ما حدث. لقد أنقذ البيروقراطيون حياته».

وسلمان رشدى: تجسيد درامى مذهل لأحد عمالقة الأدب الحقيقيين

أشاد الكاتب والروائى البريطانى الأمريكى سلمان رشدى بمسلسل ««Kafka، معتبرًا أنه نجح فى تقديم تجسيد درامى مذهل لأحد عمالقة الأدب الحقيقيين. 

قال «رشدى»، فى مداخلة عبر الإذاعة الألمانية: «فى هذا المسلسل، يختبر المشاهدون فرانز كافكا من خلال عيون رفاقه وزملائه، وتحديدًا المؤلف ماكس برود، الذى لعب دوره ديفيد كروس، وهو صديق «كافكا» منذ أيام دراسته، والذى لم يدعمه فحسب، بل أنقذ عمله من الدمار.

سلمان رشدي

وأضاف «كما أن نيكولاس أوفكزاريك لا يقل دقة عن والد كافكا، صاحب القرار المطلق، ونساء كافكا، اللاتى جسدهن ليا فون بلارير وليف ليزا فرايز وتمارا روميرا جينيس، علاوة على روبرت ستادلوبر وكريستيان فريدل وتوبياس بامبورشكى، الأصدقاء الأدبيين لكافكا».

وواصل: «لذلك، فى الذكرى السنوية لفرانز كافكا، سيكون مسلسل Kafka بمثابة احتفال بالقصص الطموحة التى نأمل أن تأسر عشاق الأدب، وكذلك عشاق المسلسلات التليفزيونية الحديثة».

وأتم بقوله: «هذا هو أفضل تصوير درامى لحياة كافكا العظيم يمكن للمرء أن يتخيله. طاقم عمل مثالى، تمثيل مذهل. وأعمال كافكا منسوجة فى حياته بمهارة غير عادية، ضمن المسلسل الذى يعرفنا بأحد عمالقة الأدب الحقيقيين فى القرن العشرين».