الإثنين 20 مايو 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

سلمان رشدى يتذكر محاولة اغتياله: عينى تدلت على وجهى كبيضة مسلوقة

سلمان رشدى 
سلمان رشدى 

تذكر الكاتب البريطانى الأمريكى، سلمان رشدى، تفاصيل الهجوم الذى تعرّض له قبل نحو عامين، وكاد أن يُقتل فيه، بعد تعرضه للطعن على المسرح، حينما كان يستعد لإلقاء محاضرة داخل أحد المعاهد التعليمية بولاية نيويورك، فى أغسطس 2022.

وقال الكاتب المولود فى الهند، ويبلغ من العمر 76 عامًا، فى حوار مع شبكة «بى بى سى» البريطانية، إن المعتدى جاء راكضًا على السلالم، وطعنه 12 طعنة، بما فى ذلك فى رقبته وبطنه، ضمن هجوم استمر 27 ثانية.

وأضاف «رشدى»: «لم أستطع مقاومته، ولم يكن بإمكانى الهرب منه، وفى النهاية سقطت وحولى كمية مذهلة من الدماء. خرجت عينى من محِجرها، وتدلت على وجهى مثل البيضة المسلوقة»، مشددًا على أن فقدان البصر فى هذه العين «يزعجه كل يوم».

وواصل الكاتب الذى نُقل إلى المستشفى بطائرة هليكوبتر، بعد الحادث سالف الذكر، حيث أمضى ٦ أسابيع للتعافى: «لطالما كنت أعتقد أن شخصًا ما قد يقفز من بين الجمهور ذات يوم ليقتلنى».

محاولة اغتيال سلمان رشدى 

وأكمل: «من الواضح أنه كان من السخف ألا يخطر ببالى ذلك. كان لدىّ كابوس حول الهجوم، أخذ يراودنى قبل يومين من الفعالية التى وقعت فيها الحادثة بالفعل، حتى إننى لم أكن أرغب فى الذهاب، ثم فكرت وقلت إن الكابوس مجرد حلم، بالإضافة إلى أن المؤسسة المنظمة دفعت لى أجرًا جيدًا، وقد اشترى الجميع التذاكر، وبالتالى يجب أن أذهب».

وألحق الهجوم أضرارًا بكبد «سلمان» ويديه، وأتلف أعصاب عينه اليمنى. يقول: «عينى بدت منتفخة ومتورمة للغاية.. فقدان إحدى عينى يزعجنى كل يوم، أصبح علىّ توخى الحذر عند نزول السلالم، أو عند عبور الطريق، أو حتى عند صب الماء فى الكوب.. إلخ». لكنه يعتبر نفسه محظوظًا، لأنه لم يُصب بأشياء أكبر فى الدماغ أو الأعصاب، «وهذا يعنى أننى ما زلت قادرًا على أن أكون على طبيعتى».

ويتذكر «سلمان» كيف أنه عندما كان مستلقيًا فى بركة من الدماء، وجد نفسه «يفكر بحماقة» فى متعلقاته الشخصية، مشيرًا إلى أنه كان قلقًا من أن تتلف البدلة التى كان يرتديها، والتى كانت من ماركة «رالف لورين»، أو أن مفاتيح منزله وبطاقاته الائتمانية قد تسقط من جيبه. 

ويضيف: «فى ذلك الوقت بالطبع، كان الأمر مثيرًا للسخرية. ولكن بالنظر إلى الوراء، ما يخبرنى به هذا الأمر أنه كان هناك جزء منى لم يكن ينوى الموت. كان هناك جزء منى يقول: (سأحتاج إلى مفاتيح المنزل هذه، وسأحتاج إلى بطاقات الائتمان هذه).. غريزة البقاء على قيد الحياة هى التى كانت تقول لى: (ستعيش. عش.. عش)».

كتاب السكين

وقرر سلمان رشدى استخدام كتابه الجديد «السكين» كوسيلة للرد على ما حدث. ويبدو امتنانه للأشخاص الذين ساعدوه فى ذلك اليوم، بما فى ذلك مُنظم الفعالية، والأطباء الذين اعتنوا به، واضحًا منذ الصفحة الأولى فى الكتاب، الذى أهداه إلى «الرجال والنساء الذين أنقذوا حياتى».

سلمان رشدى 

ولأول مرة، كشف «رشدى» عما يود أن يقوله لمن هاجمه، وهو هادى مطر، البالغ من العمر ٢٦ عامًا، والمقيم فى نيوجيرسى، والذى قال إنه لم يخطئ، وإنه محتجز بلا سبب حقيقى. وفى مقابلة مع صحيفة «نيويورك بوست»، من السجن، قال «مطر» إنه شاهد مقاطع فيديو لـ«سلمان» على موقع «يوتيوب»، مضيفًا: «أنا لا أحب الأشخاص الذين يخدعون الناس بهذا الشكل».

ولم يقابل سلمان رشدى الشخص الذى حاول اغتياله قط. ولكن من المرجح أن يقابله وجهًا لوجه فى المحكمة عندما تبدأ المحاكمة. ويقول موجهًا حديثه له: «فى أمريكا، يتظاهر الكثير من الناس بالصدق، لكنهم يرتدون أقنعة ويكذبون. وهل سيكون ذلك سببًا لقتلهم جميعًا؟».

ويتابع: «الكثير من الناس، بما فى ذلك الكثير من الشباب، يؤسفنى أن أقول، قد شكلوا رأيًا مفاده أن القيود المفروضة على حرية التعبير، غالبًا ما تكون فكرة جيدة، فى حين أن الهدف الأساسى من حرية التعبير هو أن تسمع الكلام الذى لا تتفق معه».

وقبل عام من الهجوم، تزوج سلمان رشدى من زوجته الخامسة، الشاعرة والروائية الأمريكية راشيل إليزا غريفيث، والتى قالت إنها عندما سمعت بالهجوم «بدأت بالصراخ.. كان هذا أسوأ يوم فى حياتى».

سلمان رشدى فى شبابه

وقال «سلمان» عن وقوف زوجته بجانبه، بينما كان الأطباء يخيطون جفنيه معًا: «كانت هناك قوتان متصادمتان هنا. إحداهما كانت قوة العنف والتعصب والكراهية، والأخرى كانت قوة الحب.. وبالطبع، تجسدت قوة الحب فى شخصية زوجتى راشيل.. وفى النهاية، الطريقة التى أفهم بها ما حدث هى أن قوة الحب أثبتت أنها أقوى من قوى الكراهية».

وأكد أنه سيشارك فى المناسبات العامة مرة أخرى، لكنه سيكون «أكثر حذرًا» فى المستقبل، مضيفًا: «ستكون المسألة الأمنية هى السؤال الأول. ولو لم أكن راضيّا عن المستوى الأمنى فلن أذهب». قبل أن يستدرك: «أنا شخص عنيد للغاية، لا أريد حياة مقيدة أو محصورة.. سأستمتع بحياتى».

بينما قالت «راشيل»: «أحب عينيه، وقد غادر المنزل بعينين اثنتين، ثم تغير عالمنا بعد ذلك، والآن أنا أحب عينه الواحدة أكثر، بسبب الطريقة المختلفة التى يرى بها العالم».

ولطالما كان سلمان رشدى، الذى ولد لأبوين مسلمين غير ملتزمين، وهو ملحد، مدافعًا قويًا عن حرية التعبير، لكنه أصبح أكثر حذرًا الآن، لأن «الأمر أصبح أكثر صعوبة بكثير».

سلمان رشدى 

سلمان رشدي

ويُعد سلمان رشدى أحد أكثر الكتاب تأثيرًا فى العصر الحديث، ولذلك هيمنت تلك الحادثة على عناوين مختلف الصحف فى جميع أنحاء العالم عند وقوعها. وقضى عدة سنوات مختبئًا، بعد أن أثار نشر روايته «آيات شيطانية»، فى عام ١٩٨٨، الكثير من الجدل، إلى حد تلقيه أكثر من تهديد بالقتل. 

وعرف سلمان رشدى الشهرة بعد نشر رواية «أطفال منتصف الليل»، فى عام ١٩٨١، والتى بيع منها أكثر من مليون نسخة فى المملكة المتحدة وحدها. لكن روايته الرابعة «آيات شيطانية»، رأى البعض أنه يتحدث فيها عن النبى محمد بشكل لا يليق، وكذلك عن الدين الإسلامى، معتبرين أن الرواية مجرد «تجديف»، ولذلك مُنعت من التداول فى عدد من البلاد التى بها غالبية مسلمة.

وأصدر الزعيم الإيرانى آنذاك، آية الله الخمينى، فتوى دعا فيها إلى اغتيال «رشدى»، ووضع مكافأة قدرها ٣ ملايين دولار، يحصل عليها من يقتله. ولم يتم إلغاء أو التراجع عن هذه الفتوى حتى الآن. ونتيجة لذلك، أجبر «رشدى» على الاختباء لما يقرب من عقد من الزمن، وكان بحاجة إلى حارس شخصى مسلح، بسبب عدد التهديدات بالقتل التى تلقاها.

وفى الأخير يقول سلمان رشدى إن واقعة وكتاب «السكين»، إذا تحول إلى فيلم، سيكون معبرًا عن «قصة حب»، أكثر مما يعبر عن قصة مرعبة.