الخميس 09 مايو 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

حرب ثقافية.. ترويج أكاذيب إسرائيل وتبرير العنف بكتابين جديدين

الحرب الإسرائيلية
الحرب الإسرائيلية الشرسة الدائرة فى قطاع غزة

لم تعد الحرب الإسرائيلية الشرسة الدائرة فى قطاع غزة لأكثر من 5 أشهر تقتصر على الميادين العسكرية والسياسية فقط، ولم يقف تأثيرها على الجانب الاجتماعى أو الاقتصادى فحسب، بل إن تل أبيب فتحت ميدانًا جديدًا لها، فى الثقافة على وجه التحديد، عبر مجموعة من الكتب الجديدة.

وخلال جولة للبحث عن أحدث إصدارات الكتب فى إسرائيل، كان لافتًا بدء طرح كتب تتحدث عن الحرب الحالية فى غزة، كلها يدور فى فلك الأكاذيب التى اعتادت عليها تل أبيب، منذ نشأتها وإلى هذه اللحظة.

«حرف» رصدت كتابين فى هذا الإطار، الأول يتحدث كذبًا عن أرض فلسطين التاريخية، ويقلب الحقائق حول الضفة الغربية والقدس وغزة، والثانى يدعو إلى ترسيخ القوة الضاربة ضد كل ما هو فلسطينى، لمنع تكرار هجمات السابع من أكتوبر.

غزة

الأرض الموعودة

الكتاب الأول يحمل اسم «من وُعد بالأرض الموعودة؟»، صدر فى ديسمبر الماضى، للكاتب الإسرائيلى أفراهام صهيون، وهو أستاذ فخرى فى جامعة أريئيل، وسبق أن ترأس «مركز القانون والاتصالات» لأكثر من ١٠ سنوات.

عكف «صهيون» على دراسة الصراع العربى الإسرائيلى لعقود، بما فيها الجوانب القانونية لهذا الصراع، منطلقًا فى ذلك من اشتغاله بمهنة المحاماة، وتوليه منصب نائب المدعى العام الإسرائيلى فى وقت سابق.

استغل الكاتب مسيرته العملية وما اكتسبه منها فى كتابه الجديد، الذى تعمد خلاله التشكيك فى قرارات مجلس الأمن، ومحكمة العدل الدولية فى لاهاى، وكذلك قرارات الدول والهيئات الدولية الأخرى، بشأن حقيقة أن فلسطين أرض مُحتَلة من قبل إسرائيل.

ومما جاء من ادعاءات فى الكتاب، تحديدًا فى فصله الأول:

- كثيرًا ما يُزعم أن أراضى يهودا والسامرة «الضفة الغربية» والقدس الشرقية وقطاع غزة هى أراضٍ فلسطينية محتلة، وقد أصبح هذا الرأى شبه بديهى فى خطاب المنظمات الدولية، مثل مجلس الأمن، والجمعية العامة للأمم المتحدة، ومحكمة العدل الدولية فى لاهاى، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومعظم المنظمات الدولية، علماء القانون.

الاحتلال يقصف غزة 

- نتيجة لذلك فإن المجتمع الدولى يعتبر إقامة المستوطنات الإسرائيلية فى هذه المناطق عملًا غير قانونى، وفقا للقانون الدولى، باعتباره يشكل انتهاكًا للمادة «٤٩» من «اتفاقية جنيف الرابعة» لعام ١٩٤٩.

- جميع هذه الهيئات أكدت بالإجماع أن «اتفاقية جنيف الرابعة» تنطبق على يهودا والسامرة، وهذا ما فعله ممثلو الدول الموقعة على الاتفاقية، الذين اجتمعوا مرة أخرى عام ٢٠١٤، وأعلنوا أن المستوطنات غير قانونية، وكذلك فعلت محكمة العدل الدولية فى لاهاى، والصليب الأحمر.

- بعد وقت قصير من حرب الأيام الستة «١٩٦٧»، اعتمد مجلس الأمن والجمعية العامة قرارات كان هدفها ردع الحكومة الإسرائيلية عن اتخاذ خطوات نحو توحيد القدس وضم الأجزاء الشرقية من المدينة لاحقًا.

- كما عارضوا إنشاء المستوطنات اليهودية فى يهودا والسامرة، والتى تم إنشاء بعضها فى المناطق التى كان يسكنها اليهود قبل عام ١٩٤٨، وجرى التخلى عنها بعد الغزو العربى لفلسطين، ولهذا الغرض كرروا وأعلنوا ذلك ضمن قراراتهم، إن الاستيلاء على الأراضى من خلال الاحتلال العسكرى هو عمل غير مقبول.

- وقال مجلس الأمن والجمعية العامة إن جميع التدابير أو الإجراءات، على المستوى التشريعى أو الإدارى، التى تهدف إلى تغيير الوضع القانونى للقدس، باطلة وليس لها أى غرض فى تغيير هذا الوضع.

- وبحسب رأيهم، فإن اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين وقت الحرب تنطبق على الأراضى العربية المحتلة منذ عام ١٩٦٧، بما فيها القدس، وبالتالى فإن إقامة المستوطنات فى هذه الأراضى لا أساس لها من الصحة.

وجاء فى جزء لاحق من الفصل الأول بالكتاب أيضًا:

- الأمر اللافت للنظر هو أن أيًا من هذه المنظمات الدولية لم تشر إلى المعاهدات والقرارات الأصلية التى شكلت البنية القانونية للشرق الأوسط فى بداية القرن العشرين، وهى: «تعهد مكماهون، وعد بلفور، مؤتمر سان ريمو، ومعاهدة سيفر»، وأولًا وقبل كل شىء، الانتداب البريطانى على فلسطين، الذى كلف بريطانيا بمهمة إنشاء وطن قومى للشعب اليهودى فى أرض إسرائيل.

- الحقوق الناشئة عن هذه الالتزامات الدولية الملزمة، والتى أعطيت للشعب اليهودى، كانت لا تزال سارية عندما احتلت إسرائيل الضفة الغربية، وفقًا للمادة ٨٠ من ميثاق الأمم المتحدة التى تنص على: «لا يجوز تفسير أى شىء فى هذا الفصل فى حد ذاته أو فى حد ذاته بطريقة تؤدى بأى شكل من الأشكال إلى تعديل أى حقوق للدول أو الشعوب أو شروط الاتفاقيات الدولية القائمة التى قد تكون أى من الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة عضوًا فيها».

الاحتلال يقصف غزة 

احتلال فرقة غزة

أما الكتاب الثانى فعنوانه «احتلال فرقة غزة»، وصدر خلال مارس الجارى، للصحفى الإسرائيلى إيلان كافير، وهو كاتب وباحث معروف فى الحروب التى مرت على إسرائيل.

وعمد «كافير» فى كتابه إلى إعادة ترويج السردية الإسرائيلية بشأن ما حدث من هجمات فلسطينية ضد إسرائيل، يوم ٧ أكتوبر الماضى، وترسيخ مفهوم أن الحرب الدائرة حاليًا هى «حرب وجودية» لإسرائيل، فى ظل «وجود خطر ضخم يهدد أمنها».

وحرص الصحفى الإسرائيلى على تغليف هدفه من الكتاب، عبر إبراز الصدمة العسكرية التى تلقاها جيش الاحتلال الإسرائيلى، خاصة «فرقة غزة» فى «اللواء الجنوبى»، قائلًا إن الأوضاع كانت أشبه بمعاناة من «عمى استخباراتى»، و«إخفاقات عملياتية»، ثم لحق بهما «الفشل السياسى لنتنياهو وحكومته».

وبدأ الكتاب بقصة لأحد الضباط الإسرائيليين الذين قتلوا فى الأيام الأولى للحرب الحالية، فى محاولة جديدة لاعتماد منهج «أنسنة» ما يحدث، فبالتأكيد فقد شخص ما لروحه، وسرد قصته المليئة بالطموحات والأحلام، والتى تنتهى فجأة، يخلق نوعًا من التعاطف مع الرواية، لكنه نسى أن ينظر إلى الجانب الآخر، حيث استشهد أكثر من ٣٠ ألف فلسطينى عُزل غالبيتهم من الأطفال والنساء فى غزة.

ومما جاء فى الفصل الأول من الكتاب:

- كيف أغمضنا أعيننا عن النظر إلى مصيرنا ورؤية مصير جيلنا بكل قسوته؟ ما نسيناه هو أن هذه المجموعة من الصبية الجالسين فى ناحال عوز يحملون على أكتافهم بوابات غزة الثقيلة، بوابات يتزاحم خلفها مئات الآلاف من العيون والأيدى، يصلون من أجل أن يأتى ضعفنا حتى يتمكنوا من تمزيقنا.. هل نسينا ذلك؟ علينا أن نكون، صباحًا ومساءً، مسلحين ومستعدين.

- نحن جيل الاستيطان، وبدون الجدار الفولاذى والمدافع لن نتمكن من زرع شجرة وبناء منزل، لن يكون لأطفالنا حياة إذا لم نبنى الملاجئ المحمية، وبدون سياج أمنى شائك وأسلحة لن نتمكن من تمهيد طريق للحياة، هذا هو مقدور جيلنا، هذا هو خيار حياتنا، أن نكون صادقين ومسلحين أقوياء، وإلا سيسقط السيف من قبضاتنا وتنقطع حياتنا.