سيدة واشنطن القوية.. مذكرات نانسى بيلوسى: أطباء أخبرونى بأن ترامب «مجنون»
- دونالد «خطير وغير مستقر» وأطباء أكدوا «تدهور صحته العقلية»
- شاهدت الرئيس السابق يقدم لحم خنزير فى بطانية للسيناتور تشاك شومر
صدر كتاب «فن القوة: قصتى كأول رئيسة لمجلس النواب الأمريكى»، الأسبوع الماضى، لمؤلفته نانسى بيلوسى، الرئيس السابق لمجلس النواب الأمريكى، التى يصفها البعض بأنها «أقوى امرأة فى التاريخ السياسى للولايات المتحدة».
الكتاب الجديد صدر عن دار نشر «سيمون آند شوستر»، وسرعان ما وصل إلى المركز الأول فى قائمة «أفضل المبيعات للسير الذاتية النسائية» على منصة «أمازون»، خاصة أنه يعتبر المذكرات الشخصية للمثيرة للجدل دائمًا نانسى بيلوسى.
تروى «بيلوسى» فى الكتاب المكون من 352 صفحة، قصة تحولها من ربة منزل وأم لـ5 أطفال وجدة لـ10 أحفاد، إلى أول امرأة تترأس مجلس النواب الأمريكى، لتصبح شريكة رئيسية للقادة الأمريكيين، وزعيمة المعارضة الأكثر قوة أمام الرئيس الأسبق دونالد ترامب.
وحسب ما جاء فى الكتاب، رغبت نانسى بيلوسى فى الترشح لـ«الكونجرس»، فسألت ابنتها الصغرى «ألكسندرا» عن رأيها فى هذه الخطوة، فأجابتها على الفور: «أمى، احصلى على حياة!»، فكيف تحقق لها ذلك من واقع ما ذكرته فى الكتاب؟
هجوم بالمطرقة
قبل أن نعرج على تفاصيله، ينبغى الإشارة إلى أهمية الموعد الذى اختارته نانسى بيلوسى لإصدار الكتاب، الذى يأتى قبيل ٣ أشهر على الانتخابات الرئاسية الأمريكية، التى يتنافس فيها الرئيس السابق دونالد ترامب، عن الحزب الجمهورى، ضد كامالا هاريس، نائبة الرئيس الحالى جو بايدن، عن الحزب الديمقراطى، بعد انسحاب «بايدن».
ويُعتقد على نطاق واسع فى الأوساط السياسية الأمريكية أن «بيلوسى» كانت المحرك الرئيسى لقرار جو بايدن بالانسحاب من الانتخابات الرئاسية، مع الدفع بتيم والز، حاكم ولاية مينيسوتا، كمرشح لمنصب نائب الرئيس.
ووفقًا لوسائل إعلام عالمية، كتبت نانسى بيلوسى كتاب «فن القوة» قبل وقت من انسحاب «بايدن»، لذا يبدو الكتاب، فى بعض النواحى، متأخرًا وغير مناسب. لكن رغم ذلك، فإن الرئيس السابق لمجلس النواب «تُلقى بضع قنابل يدوية» فى اتجاه الانتخابات الرئاسية، تستهدف منع «ترامب» من الوصول إلى البيت الأبيض مجددًا.
وحمّلت «بيلوسى» دونالد ترامب ومساعديه المسئولية عن الهجوم على زوجها «بول» فى عام ٢٠٢٢، حين اقتحم يمينى متطرف يدعى «ديفيد دى بابى» منزلهما فى سان فرانسيسكو، قائلًا: «أين نانسى»، والتى كانت هدفه فى الأساس، قبل أن يضرب زوجها ٣ ضربات بمطرقة على رأسه بقوة، لدرجة أن الزوج أعرب لاحقًا عن دهشته من نجاته، قبل أن يحُكم على المتهم بالسجن لمدة ٣٠ عامًا، فى مايو الماضى.
وعبرت عن التأثير العميق الذى خلفه الهجوم عليها وعلى أسرتها، وكيف لا يزال أفراد الأسرة يتجنبون الدخول إلى أجزاء من المنزل حدثت فيها الواقعة، وكيف لم يتحدث «بول» أبدًا عما حدث مع أسرته، و«الضريبة الجسدية» التى لا يزال يدفعها، مؤكدة أن «بول لم يكن هو الهدف المقصود فى هذه الليلة، لكنه دفع الثمن ولا يزال يدفعه جسديًا، وعائلتنا بأكملها تدفع الثمن عاطفيًا، ولا تزال تعانى صدمة نفسية».
وأضافت فى الكتاب: «خلال السنوات الأخيرة، أنفق الجمهوريون ملايين الدولارات على إعلانات تهاجمنى شخصيًا»، مشيرة إلى أن ابن «ترامب»، بعد الهجوم على زوجها، نشر صورة لمطرقة على وسائل التواصل الاجتماعى الخاصة به، معلقًا عليها بقوله: «هل جهزت يا بول بيلوسى زى الهالوين؟».
وأفادت بأنه «فى غضون ٤ سنوات فقط، بين عامى ٢٠١٧ و٢٠٢١، تضاعف عدد التهديدات والتصريحات المثيرة للقلق ضد جميع أعضاء الكونجرس، إلى ما يقرب من عشرة آلاف، وفى العام الذى أعقب السادس من يناير، أفادت شرطة الكابيتول بأن التهديدات ضد المشرعين زادت بنسبة ١٠٧٪»، مضيفة: «يجب أن يتوقف مناخ التهديدات والهجمات الحالى».
أنت غبى!
تصف نانسى بيلوسى دونالد ترامب بأنه «خطير وغير مستقر»، مشيرة إلى أنها نشأت لتكون راهبة من قبل والدتها، لذا تبحث عن «شرارة الألوهية» فى كل إنسان تقابله، لكن فى حالة «ترامب»، فإن «شعلة النور السماوى» لديه انطفأت منذ زمن بعيد.
وأضافت: «التوقعات بشأن ما يمكن أن يفعله ترامب فى أى موقف لا يمكن أن تكون منخفضة بما فيه الكفاية، ففى المرة الأولى التى التقيت به، بعد انتخابه رئيسًا، قدم لحم الخنزير فى البطانيات إلى السيناتور تشاك شومر».
وكانت «بيلوسى» تعارض «ترامب» طوال فترة وجوده فى منصبه، وكان يعلم ذلك، ويميل إلى الاستماع «سرًا» إلى الاجتماعات التى عقدتها مع موظفيه، وإذا كان حاضرًا فيها بشخصه، غالبًا ما كان يغادر غاضبًا.
وروت رئيسة مجلس النواب السابقة أيضًا أنه «فى جنازة طبيب مرموق من معارفى، أخبرنى العديد من الأطباء، بأنهم قلقون للغاية من تدهور صحة ترامب العقلية والنفسية. وبعد ذلك بوقت طويل، فى ٨ يناير ٢٠٢١، أى بعد يومين من اقتحام الكونجرس، وجدت نفسى قلقة للغاية بشأن سلوك ترامب غير المستقر، وقررت عزله».
وواصلت: «قلقى وصل إلى درجة اتصالى برئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال مارك ميلى، سعيًا على ما يبدو للاطمئنان إلى أن الجيش، إذا أمره الرئيس بتنفيذ ضربة فى الخارج، بما فى ذلك ضربة نووية، لن يفعل أى شىء غير قانونى أو مجنون»، متابعة: «لقد أجريت الكثير من المحادثات مع هذا الرجل، وفى نهاية كل هذه المحادثات تقريبًا، فكرت: إما أنك غبى، أو أنك تعتقد أن بقيتنا أغبياء».
وشرحت «بيلوسى» سبب تمزيقها النسخة المطبوعة من خطاب «حالة الاتحاد»، على الهواء مباشرة أمام الكاميرا، والذى ألقاه «ترامب» فى عام ٢٠٢٠، قائلة: «كان التصرف المهذب بالنظر إلى البدائل الأخرى. لقد مزقته. كنت أحاول العثور على صفحة واحدة بها الحقيقة. لم أتمكن من ذلك».
وأشارت كذلك إلى افتقار «ترامب» المفترض للذكاء، مبينة أنه قبل إعلان الديمقراطيين فى مجلس النواب إطلاق تحقيق لعزل «ترامب»، بسبب مكالمته الهاتفية مع الرئيس الأوكرانى، اتصل بها هاتفيًا، وتحدث معها لمدة ٢٠ دقيقة، أصر فيها على أنه أجرى «مكالمة مثالية» مع الرئيس الأوكرانى، فولوديمير زيلينسكى، بشأن التعاملات التجارية لعائلة «بايدن» مع البلاد.
وأضافت: «خلال المكالمة، اشتكى ترامب من كيفية حدوث هذا الإعلان من قبل الديمقراطيين، فى اليوم الذى كان يتحدث فيه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة»، واصفة إياه بأنه «غبى».
وفى النهاية، شرع «الديمقراطيون» فى محاولة عزل «ترامب»، بتهمة «الضغط على قوة أجنبية للتحقيق مع خصم سياسى»، وهو «بايدن»، الذى كان من أبرز المرشحين للفوز بترشيح الحزب الديمقراطى للرئاسة لعام ٢٠٢٠. لكن لم تتم إدانة «ترامب» فى النهاية.
غزو العراق
لم يقتصر حديث نانسى بيلوسى على معركتها المثيرة مع «ترامب»، بل كشفت كواليس وأسرار العديد من الأحداث المحورية فى فترة رئاستها مجلس النواب، وتحديدًا ٤ معارك تشريعية كبرى، بدءًا من تمرير «خطة الإنقاذ المالى» فى ٢٠٠٨، وقانون الرعاية الصحية الميسرة فى ٢٠١٠، بجانب معارضة حرب العراق، وتشكيل السياسة الأمريكية تجاه الصين.
وتحدثت «بيلوسى» عن السباق لإنقاذ الاقتصاد الأمريكى خلال الأزمة المالية فى عام ٢٠٠٨، من خلال تشريع «برنامج إغاثة الأصول المتعثرة»، ملقية اللوم على «الجمهوريين»، لفشلهم فى توفير الأصوات المطلوبة لجعل البرنامج يحظى بتأييد الحزبين الديمقراطى والجمهورى.
واعتبرت أن «إغاثة الأصول المتعثرة»، وليس قانون الرعاية الصحية الميسرة، هو الذى كلف «الديمقراطيين» مجلس النواب، فى انتخابات التجديد النصفى لعام ٢٠١٠، مضيفة: «أدت ردود الأفعال على البرنامج إلى نشوء حركات مثل (احتلوا وول ستريت)، و(حزب الشاى)، ما أدى إلى هزيمة نكراء للديمقراطيين».
وبينت كيف هزمت جهود «الجمهوريين» لإلغاء قانون الرعاية الصحية الميسرة التاريخى، عندما استقال السيناتور الجمهورى جون ماكين من منصبه، مشيدة بالرئيس السابق باراك أوباما، على رؤيته وقيادته فيما يتصل بهذا القانون.
وأكدت أنها ومسئولى التخصصات ورؤساء اللجان فى مجلس النواب، وإلى حد ما هارى ريد، زعيم الأغلبية فى مجلس الشيوخ آنذاك- تولوا التعامل مع التفاصيل ومخاوف الأعضاء.
وتطرقت كذلك إلى معارضتها غزو العراق، بفضل معرفتها الواسعة بأمور الاستخبارات خلال خدمتها فى مجلس النواب، قائلة: «أدركت منذ البداية أن الاستخبارات لا تدعم التهديد المتمثل فى أسلحة الدمار الشامل».
وأضافت: «فى نهاية المطاف، أعتقد أن الإخفاقات التى أدت إلى أحداث الحادى عشر من سبتمبر كانت تنظيمية وغير مقصودة. لكن الإخفاقات الاستخباراتية التى أدت إلى غزو العراق كانت بيروقراطية ومتعمدة».
وواصلت: «وفى حين أن الفشل فى ربط النقاط ترك الولايات المتحدة عُرضة لهجمات الحادى عشر من سبتمبر، فى حالة العراق، كانت هناك جهود متضافرة لتجاهل وحتى حجب التحليلات غير الملائمة، وتضخيم أو رفع مستوى الاستخبارات التى دعمت الغزو بشكل مصطنع». ومع ذلك، رفضت التصويت لصالح قطع التمويل عن الحرب، معتبرة ذلك «فشلًا فى دعم القوات».
ووصفت «بيلوسى» غزو العراق فى كتابها بأنه «الخطأ الأكثر زعزعة للاستقرار فى التاريخ الأمريكى الحديث»، مضيفة: «لا يزال هناك العديد من الأسئلة التى لم تتم الإجابة عنها حول هذا الغزو، خاصة عندما يتعلق الأمر بأمور الاستخبارات».
وشددت على أنها خلال حياتها المهنية كانت على استعداد لمواجهة الرؤساء، وإيصال رسائل قاسية إليهم، بمن فيهم الديمقراطيان بيل كلينتون وباراك أوباما، إلى جانب الرئيس الحالى جو بايدن، وكذلك الجمهوريين جورج دبليو بوش ودونالد ترامب.
انسحاب بايدن
لا يفسر كتاب نانسى بيلوسى، ولو قليلًا، كيف تواصل امرأة تبلغ من العمر ٨٤ عامًا، ممارسة مثل هذا النفوذ على الحزب الديمقراطى، والذى كان آخر مشاهده الضغط لتنحية جو بايدن عن السباق الرئاسى المقبل.
وذكرت صحيفة «واشنطن بوست» أن نانسى بيلوسى تدخلت فى هذه المسـألة، وحثت الرئيس جو بايدن علنًا على اتخاذ قرار بشأن السباق الرئاسى، بعد أدائه السيئ فى مناظرته أمام دونالد ترامب، فى يونيو الماضى، بالتزامن مع تلقيها مكالمات من أعضاء بالحزب الديمقراطى قلقين بشأن انتخابات نوفمبر.
ورغم أنه فى الأسابيع التى تلت تنازل «بايدن» عن الترشيح لصالح نائبته كامالا هاريس، كانت «بيلوسى» حريصة على عدم أخذ الفضل المباشر فى هذا القرار، قالت فى لقاءات تليفزيونية متعددة للترويج لكتابها، إنها لم تكن تثق فى قدرة «بايدن» على الفوز فى نوفمبر، منتقدة مستشار حملته، مايك دونيلون.
ورغم إشادة «بيلوسى» بـ«بايدن»، ووصفها إياه بأنه «رئيس رائع حقًا للولايات المتحدة»، اعتبرت أن حملته لم تكن تأخذ فى الاعتبار الحالة الحقيقية للسباق، مضيفة: «لم أكن معجبة أبدًا بعمله السياسى، وكان يجب على الرئيس اتخاذ القرار».
وأكدت رئيس مجلس النواب السابقة أنها لم تجر أى مكالمات لـ«تسريع» انسحاب جو بايدن، لكنها تلقت مكالمات من آخرين فى حزبها. وخلال الحملة الإعلامية، بدت «بيلوسى» وكأنها تفكر فى علاقتها الشخصية الطويلة مع «بايدن»، والتى امتدت لعقود، طوال فترة وجودهما فى السياسة الديمقراطية و«الكونجرس».
وفى جلسة مع مجموعة صغيرة من الصحفيين فى واشنطن، حول إطلاق مذكراتها، رفضت نانسى بيلوسى مناقشة ما قالته للرئيس «بايدن» حول الخروج من سباق ٢٠٢٤، وما إذا كانت تحدثت إليه شخصيًا، أو حتى عدد المرات التى تحدثت معه، نافية بشكل قاطع التقارير التى تفيد بأنها أرادت تحدى معلومات استطلاعات الرأى التى قدمها مستشار الحملة، مايك دونيلون.
وأقرت «بيلوسى» بأنها طلبت من الأعضاء الاحتفاظ بالتعليقات بشأن «بايدن»، بعد مناظرته الكارثية، فى ٢٧ يونيو، حتى انتهاء قمة حلف شمال الأطلسى فى أوائل يوليو. ومع ذلك، أصرت على أنها لم تطلب من الأعضاء أبدًا أن يعلنوا مخاوفهم علنًا، على الرغم من أنها أخبرتهم بالتحدث مباشرة إلى «بايدن».
وأنكرت نانسى بيلوسى أن تكون مقابلتها الشهيرة على قناة «MSNBC» ، فى ١٠ يوليو، التى قالت فيها: «الأمر متروك للرئيس ليقرر ما إذا كان سيترشح»، كانت محاولة متعمدة لإعادة فتح المناقشة حول انسحاب «بايدن» من السباق.