الخميس 10 أكتوبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

وجه الكونجرس.. ماذا يوجد فى أكبر مكتبة بالعالم الآن؟

مكتبة الكونجرس
مكتبة الكونجرس

- أكثر من 178 مليون عمل أنتجها البشر من كتب وأفلام وفيديوهات ومخطوطات وصور وتسجيلات صوتية و184 بيتابايت من المعلومات الرقمية

- اتفاقيات مكتبة الكونجرس لتبادل المواد مع مكتبات العالم ومنها مكتبة الإسكندرية فى مصر لضمان تدفقات الاقتناء

- مخاوف من عدم وجود مساحة كافية فى المستقبل لحفظ المواد المعرفية ومحاولات لتطوير إمكانية الوصول الرقمى

عندما يفكر أى شخص فى مكتبة الكونجرس التى تعد الأكبر فى العالم الآن، فأول ما يتبادر إلى ذهنه هو الكتب، لكن هناك ما هو أكثر من ذلك، فكل أداة استخدمها البشر لتسجيل وتوثيق معرفتهم وإبداعهم، مثل المخطوطات والخرائط والألواح والأفلام والأقراص والأسطوانات والفيديو والشرائط وغيرها من الأدوات، موجودة على رفوف مكتبة الكونجرس التى جمعتها بعدة طرق مختلفة منذ تأسيسها فى أوائل القرن التاسع عشر. 

وعلى الرغم من أنها مكتبة الكونجرس فإنها مفتوحة للجمهور وتخدم أكثر من 750 ألف زائر فى الموقع و150 مليون زائر عبر الإنترنت سنويًا، وفق ما كشفت عنه مجلة «ساينتفك أمريكان» العريقة وذلك عبر حوار أقامته مع كل من جاكوب نادال، مدير الحفاظ على التراث بالمكتبة، وجوزيف بوتشيو، مسئول التطوير السابق بالمكتبة.

جولة فى الداخل

أولًا يعترف المسئولان الأمريكيان بأنه قبل تأسيس مكتبة الكونجرس كانت أقدم مكتبات عرفها العالم مكتبة آشور بانيبال الملكية التى تم إنشاؤها فى القرن السابع قبل الميلاد لتخزين الألواح الطينية المستخدمة فى حفظ السجلات. احتفظ أمناء المكتبة بثلاثين ألفًا منها بما فى ذلك ملحمة جلجامش التى يبلغ عمرها أربعة آلاف عام، ومكتبة الأسكندرية فى مصر التى تأسست فى القرن الثالث قبل الميلاد التى تضمنت مجموعة هائلة، حيث كان القانون يطلب من المسافرين الذين يصلون إلى ميناء المدينة المزدحم تسليم أى كتب بحوزتهم إلى المكتبة، حيث كان الأمناء يعيدون نسخة من الكتاب إلى المالك ويحتفظون بالأصل، وساعدت مثل هذه النصوص فى جعل المكتبة منارة للمعرفة والتعلم فى العالم القديم.

وقال كل من نادال وبوتشيو إن مكتبة الكونجرس الأمريكية تواصل تقليد مكتبة آشور بانيبال ومكتبة الإسكندرية، فى الحفاظ على المعرفة من خلال واحدة من أكبر مجموعات المكتبات التى تم تجميعها على الإطلاق. 

وكشفا عن أنه اعتبارًا من العام الجارى أصبحت مكتبة الكونجرس موطنًا لأكثر من ١٧٨ مليون عمل أنتجها البشر من كتب وأفلام وفيديوهات ومخطوطات وصور وتسجيلات صوتية، وإلى جانب الوسائط المادية، فهى تحتوى على حوالى ١٨٤ بيتابايت من المعلومات الرقمية، وعند تحويلها إلى أقراص «دى فى دى»، سيكون ذلك حوالى ٣٩ مليون قرص، وإذا تم تكديس هذه الأقراص فوق بعضها البعض، فسوف يبلغ ارتفاعها ٢٩ ميلًا وهو ما يعادل حوالى ١٠٦ مرات «مبنى إمباير ستيت» ناطحة السحاب الشهيرة فى مدينة نيويورك التى يصل ارتفاعها إلى ١٢٥٠ قدمًا.

وأوضحا أن دور المكتبة، كذراع بحثية للكونجرس الأمريكى وحافظة للمصادر الأساسية فى التاريخ الأمريكى، يعنى أنها تحتوى على بعض أهم وثائق الولايات المتحدة، بما فى ذلك مسودة أولية لإعلان الاستقلال والمسودة الأولى لإعلان تحرير العبيد لإبراهام لينكولن، لكن نطاقها يمتد إلى ما هو أبعد من حدود البلاد، فهى تتضمن أيضًا عناصر مثل الألواح الطينية التى يعود تاريخها إلى آلاف السنين ومخطوطات قديمة إلى جانب ألعاب الفيديو «أتارى» حديثة فى بداية صدورها، مضيفين أن ما يقرب من نصف مجموعتها ليست باللغة الإنجليزية.

وكشف المسئولان عن وجود الكثير من المواد التى تحتفظ بها مكتبة الكونجرس من أماكن مختلفة من العالم، منها على سبيل المثال مخطوطة فارسية طويلة تمت كتابتها فى إيران فى القرن الثامن عشر أو التاسع عشر، وهى مكتوبة على ورق مصنوع من جلد الغزلان، ويطلق عليها تعويذة «الحجاب»، التى توفر الحماية من الشر حسب المعتقدات القديمة.

وحول الاحتفاظ بالأعمال التى دوّنها البشر عبر العصور حول العالم، قالا إن سياسة الجمع الأساسية فى مكتبة الكونجرس هى قواعد الاختيار التى صدرت فى عام ١٩٤٠، والمبنية على ثلاثة مبادئ: الأول هو أنه ينبغى امتلاك كل ما يحتاجه الكونجرس للقيام بعمله، والثانى هو امتلاك المواد التى تغطى حياة وإنجازات الولايات المتحدة، والثالث هو أن أمريكا لا تعيش فى الفضاء، لذلك مكتبة الكونجرس بحاجة إلى مواد من بقية العالم، فالأمناء يجمعون باستمرار المواد والمصادر من العالم. 

ويشير المسئولان إلى أن هناك شعورًا دائمًا بالقلق عندما لا تتمكن إدارة مكتبة الكونجرس لأسباب تتعلق بالميزانية من جمع المواد فى منطقة معينة من العالم، لأنه فى بعض الأحيان لا يمكن العودة وملء هذه الفجوات، وربما مع التطور الرقمى، سيكون الأمر مختلفًا فى المستقبل، ولكن فى الوقت الحالى إذا فات مكتبة الكونجرس جمع المواد فقد لا تحصل على نسخة بعد خمس سنوات.

اتفاقيات تبادل المواد

كشف المسئولان عن أن مكتبة الكونجرس لديها تدفقات اقتناء مختلفة، مثل ودائع حقوق الطبع والنشر، ولديها موظفون يقومون باختيار المواد المطلوبة وموظفون آخرون يطبقون سياسات الجمع عند النظر فى تدفق المواد، وتتلقى المكتبة أيضًا الكثير من مواد الهدايا، مضيفين أنه فى بعض الأحيان يخرج موظفون معنيون من المكتبة لإقناع شخص ما بإعطاء مجموعته من المخطوطات أو الصور الفوتوغرافية، وهناك أيضًا طريقة الشراء والاستحواذ. 

وفى كل عام يخصص الكونجرس أموالًا للمكتبة لاقتناء المواد، يُستخدم معظمها لاقتناء الموارد والمواد الإلكترونية من خارج الولايات المتحدة، ويقدم الأمناء لتجار الكتب فى البلدان الأخرى أوصافًا لأنواع الكتب التى تريد المكتبة الاحتفاظ بها، مثل الكتب الفائزة بالجوائز، وهناك أيضًا ستة مكاتب ميدانية لمكتبة الكونجرس، فى القاهرة «مصر»، وإسلام أباد «باكستان»، ونيودلهى «الهند»، وجاكرتا «إندونيسيا»، وريو دى جانيرو «البرازيل».

وأكدا المسئولان أنه عند اقتناء شىء ما فى مكتبة الكونجرس يكون ذلك بفكرة الاحتفاظ به إلى الأبد، مضيفين أنه يتم ترتيب تلك المقتنيات المعرفية حسب الموضوع، التى تتراوح من القانون إلى أدب الأطفال إلى الدراسات فى المجالات المختلفة، وكجزء من برنامج التقييم العام للمكتبة، والذى يبحث عن فجوات فى المجموعات، وُجد أن هناك عددًا من البلدان، مثل المغرب، لم تتلق منها مكتبة الكونجرس أى كتب أطفال لعدة عقود، على الرغم من أن بيان سياسة مجموعات أدب الأطفال بالمكتبة يهدف إلى جمع هذه الأنواع من الكتب من خارج الولايات المتحدة، لكنها تعمل الآن على سد تلك الفجوات حيثما أمكن.

وأوضح «نادال» و«بوتشيو» فى حوارهما مع المجلة أن هناك حوالى ٢٠٠ موظف توصية فى مكتبة الكونجرس مسئولون عن مجالات موضوعية مختلفة، وهم يعرفون ما يحتاجه الباحثون الآن، على أمل أن يتمكنوا من رؤية المستقبل لمحاولة فهم ما سيحتاجه الباحث بعد ١٠٠ عام، ولكن مع حجم المواد، ليس لديهم الوقت لإلقاء نظرة فاحصة على كل عنصر، حيث إن الجمع الشامل مستحيل.

وكشف المسئولان عن أن الاختيار الذى تقوم به مكتبة الكونجرس يهدف إلى ضمان توفر العنصر للباحثين بعد مئات السنين من الآن، ولكن حتى مكتبة بهذا الحجم لا يمكنها أن تحافظ إلا على جزء ضئيل من الكتب التى تُنشر سنويًا فى جميع أنحاء العالم، بالإضافة إلى المقالات العلمية والمواد القانونية والتقارير الدولية والصحف والأغانى والمسلسلات التليفزيونية وألعاب الفيديو.

وأشارا إلى أن هناك ثلاثة مبانٍ بالمكتبة هى: مبنى توماس جيفرسون، بسعة سبعة ملايين عنصر، ومبنى جون آدامز، الذى يحتوى على كتلة ضخمة من الكتب وحوالى ١٢ مليون مجلد، ومبنى جيمس ماديسون التذكارى، الذى يحتوى على عدد من وحدات التنسيق الخاصة، مثل المخطوطات والخرائط والمطبوعات والصور وشرائط الموسيقى، وهناك أيضًا منشأة فى فورت ميد فى ولاية ماريلاند، على مساحة ١٠٠ فدان تقريبًا تابعة لمكتبة الكونجرس، حيث يتم التخطيط لبناء مبنى جديد، بالإضافة إلى المركز الوطنى لحفظ المواد السمعية والبصرية فى كولبيبر، فى ولاية فيرجينيا.

ويقول المسئولان إنه رغم كل تلك المبانى والمنشآت التابعة لمكتبة الكونجرس فإنه لا توجد مساحة كافية، ولم تكن هناك مساحة كافية أبدًا، ليس منذ عام ١٨٧٠، عندما أصبح مكتب حقوق الطبع والنشر جزءًا من مكتبة الكونجرس، فى ذلك الوقت كانت الكتب فى كل مكان، ولا تزال هناك كتب على الأرض فى «كابيتول هيل»، فعند شراء شىء ما فهذا يعنى الحفاظ عليه وإيجاد مكان لتخزينه، لذا، فالأمر لا يقتصر على دفع ٧٥ دولارًا مقابل كتاب، أما على الجانب الرقمى، من الأسهل شراء التخزين الرقمى من بناء مستودع، والتحدى الرئيسى هو عدم امتلاك ما يكفى من المال للحصول على كل ما تريده المكتبة، وهناك الكثير من المناقشات حول التكلفة التى ستتحملها مكتبة الكونجرس على مدار ١٠٠ عام من الآن. 

إمكانية الوصول الرقمى 

يضم قسم الكتب النادرة والمجموعات الخاصة أكبر مجموعة من الكتب النادرة فى أمريكا الشمالية، وبصفتها رئيسة القسم تتحمل «ستيفانى ستيلو» مسئولية تطوير القسم والترويج له، ويشمل ذلك عناصر تتراوح من مخطوطات البردى إلى كتب الفنانين المعاصرين، ويركز دورها على الحفاظ على المواد مع تعزيز إمكانية الوصول إليها أيضًا، وتماشيًا مع أهداف إمكانية الوصول الرقمى للمكتبة، يقوم قسم الكتب النادرة برقمنة العديد من الموارد لمشاركة المواد والحفاظ عليها.

ويتم إعطاء الأولوية لتحويل المجموعات الأكثر ضعفًا إلى شكل رقمى وذلك لضمان أنه إذا كان هناك شىء لا يمكن تقديمه فى شكل مادى، فهناك بديل رقمى يمكن للمستخدمين الوصول إليه.

وتقوم ويلا أرمسترونج، مهندسة إمكانية الوصول الرقمى فى مكتبة الكونجرس، أيضًا بالمساعدة فى توسيع ودعم إمكانية الوصول الرقمى فى مكتبة الكونجرس، حيث يتضمن هذا كل شىء من تصميم التدريب والتوثيق للنشر على وسائل التواصل الاجتماعى إلى البحث فى تحديات التصميم المحددة، ويتم التركيز حاليًا على توسيع نطاق أبحاث المستخدمين لجمع البيانات من الجماهير ذوى الإعاقة للمستخدمين المكفوفين أو ضعاف البصر.

وحول حماية كل الكتب والمخطوطات فى المكتبة من الحريق على سبيل المثال، أكد المسئولان أن هناك فريقين للاستجابة لحالات الطوارئ فى مجال الحفظ على أهبة الاستعداد على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، وعندما يتعلق الأمر بالرقمنة، فالأمناء يتبعون قاعدة «ثلاثة- اثنين-واحد»: أى ثلاث نسخ بتنسيقين مختلفين فى منطقة جغرافية أخرى، وهناك الكثير من الجهد فى التفكير فى المواد التى توجد فى المكتبة إذا فقدت أو تضررت بأى شكل من الأشكال، فسيؤدى ذلك إلى الإضرار بالسجل البشرى، ولذلك هناك العديد من طبقات الحماية حول هذه المواد لجعلها بعيدة عن متناول الحوادث.