الروائية البريطانية إيزابيلا حماد: إسرائيل تسجن الناس لمجرد الإعجاب بـ«بوستات» المعارضة
رغم صغر سنها اتخذت خطوات جادة وحقيقية فى عالم الكتابة الإبداعية المحترفة، ووظفت تجربتها وحالتها كبريطانية من أصول فلسطينية فى تسليط الضوء على الإبادة الجماعية التى يتعرض لها أهلها على يد الاحتلال الإسرائيلى من خلال كتاباتها القوية.
إنها إيزابيلا حماد، ابنة الـ33 عامًا، والتى ولدت فى لندن لأب فلسطينى وأم بريطانية أيرلندية، واختيرت العام الماضى كأفضل الروائيين البريطانيين الشباب فى قائمة المجلة العريقة «جرانتا»، وحققت روايتها «الباريسى»، والتى ترجمت إلى اللغة العربية عام 2022 عن دار التنوير زخمًا كبيرًا. وأصدرت «إيزابيلا» مؤخرًا كتابها الجديد «التعرف على الغريب» الذى كان فى البداية عبارة عن محاضرة ألقتها العام الماضى فى جامعة كولومبيا تكريمًا للباحث الفلسطينى الأمريكى إدوارد سعيد، وهو حدث سنوى سبق أن شارك فيه متحدثون مثل نعوم تشومسكى ودانييل بارينبويم، ليتحول بعد ذلك إلى كتاب تناولت فيه أحداث الإبادة الجماعية التى تحدث فى فلسطين.
■ أنتِ روائية مخضرمة.. لكن هل تترددين قبل الدخول فى كتابة غير روائية؟
- أحيانًا.. ولا أعتقد أننى كاتبة مقال، فأنا لم أكتب مقالات كثيرة. وعندما كتبت بعضها خرجت فى صورة محاضرة، خرجت كعمل إبداعى يتضمن نقدًا أدبيًا، وليس كصحافة مباشرة. أنا روائية وهذا ما يشعرنى بالراحة وأنا أعيش فى هذا العالم.
لكن فى بعض الأحيان، تحت تأثير الضغط والغضب، أكتب لمجرد أننى بحاجة إلى قول شىء ما، فالروايات، كما يعرف الجميع، عمل تشتغل عليه لسنوات وهى نوع مختلف من التعبير، الرواية لا تقدم البراهين ولا تحتاج للتعبير فيها عن آرائك الخاصة.
■ لماذا أصدرتِ «التعرف على الغريب»؟
- بسبب الإبادة الجماعية التى تحدث حاليًا، ولهذا السبب بدأت فى كتابة عمل غير روائى فقط كشخص وإنسان موجود فى هذا العالم يشعر بحاجته لهذا العمل.وضمنت تلك المحاضرة التى ألقيتها فى ٢٨ سبتمبر ٢٠٢٣ متبوعة بخاتمة طويلة كُتبت فى يناير، أى بعد ثلاثة أشهر من الهجوم الإسرائيلى على غزة، وبالنسبة للقارئ، سيكون تأثير النص مربكًا فى ضوء ما حدث منذ ذلك الحين.
لقد وجدت صعوبة كبيرة فى الكتابة، خاصة عندما استعرضت هذه الفظائع، وهى فظائع حدثت بالفعل، لكنها لا تقارن بأعداد الفلسطينيين الذين قُتلوا حتى الآن. المحاضرة نفسها حظيت بنبرة تأملية جدًا، الأمر الذى تغيّر بشكل كبير فى الخاتمة. عندما يحدث شىء رهيب إلى هذا الحد، فلن يكون الوقت مناسبًا للحديث عن التعقيد الأخلاقى.
■ وصفت إسرائيل بأنها مجتمع عسكرى تُعاقب فيه المعارضة وشبّهتِ ما حدث فى ٧ أكتوبر بأنه عملية هروب من سجن شديد العنف.. كيف رأيتِ ذلك؟
- كنت دقيقة فى كلامى. فكرة أن ما حدث فى ٧ أكتوبر كان غزوًا لإسرائيل هى فكرة مغلوطة كليًا. فنحن نتحدث عن سكان محتجزين فى «جيتو» بشكل رسمى. وممنوع عليهم الدفاع عن أنفسهم ضد شعب احتلهم عسكريًا. ثم ترى الـBBC تصيح فى وجه ضيف فلسطينى وتقول «لكن ليس هذا ما سيقوله الإسرائيليون»، بالتأكيد هذا ليس ما سيقوله الإسرائيليون، فهم يدافعون عن نظام فصل عنصرى ينفذ إبادة جماعية ضد سكان محاصرين.
والقول بأن إسرائيل دولة عسكرية يُعاقَب فيها على المعارضة هو تعبير دقيق. هم لا يسمحون للصحفيين بدخول قطاع غزة، يسجنون الأشخاص الذين يعجبون بمنشور على وسائل التواصل الاجتماعى من غزة. أنا فقط أحاول أن أكون دقيقة فى استخدام اللغة، وهذا أقل ما يمكننا فعله.
■ هل واجهتِ معارضة لطريقة صياغتك للكتاب؟
- لا، حظيت بدعم كبير من الأشخاص الذين أعمل معهم. عملنا على مراجعة النص وناقشنا العبارات المستخدمة، لكن هذا جزء من التحرير الجيد.
■ ألا تتذكرين أول لقاء لكِ مع إدوارد سعيد؟
- كلما أقيمت هذه المحاضرات التذكارية عن إدوارد سعيد، وهى المحاضرات التى بدأت تعقد فى كولومبيا بعد وفاته عام ٢٠٠٣، والتى تقام حاليًا فى برينستون ووارويك والقاهرة، تجد دائمًا أن من يحاضر يقول «كنت أعرف إدوارد سعيد» أو «كان إدوارد سعيد صديقى»، لكن بالنسبة لى فأنا أصغر سنًا منهم جميعًا، لكنى سمعت صوت «سعيد» مرة واحدة خلال مقابلة عندما كنت فى السابعة أو الثامنة من عمرى، وغفوت وسط هذه المقابلة.
■ متى بدأتِ قراءة أعماله؟
- بدأت قراءة أعمال إدوارد سعيد فى الجامعة، لكن أفكاره متجذرة فى الثقافة لدرجة أنى أفكر بأننى كنت على دراية بماهية الاستشراق قبل أن أقرأ نسخة أبى القديمة من كتاب «الاستشراق» مع ملاحظاته فى الهوامش من فترة مراهقته.
هناك بالتأكيد ثغرات فى بعض أفكار «سعيد»، لكنه عمل عليها طوال مسيرته، لقد كان له تأثير كبير لدرجة أننى أحيانًا أقلق من أن الناس يركزون أكثر على لغته وخطابه عند التحدث عن السلطة.
■ هل هناك كتاب معين دفعكِ للتأليف؟
- أذكر فى طفولتى كيف عثرت على مجموعة قديمة ومهترئة من قصائد سريالية، كانت المجموعة من إصدارات دار «بنجوين راندم هاوس» وكان غلاف الكتاب عبارة عن لوحة لامرأة زرقاء لديها فراشة على وجهها.
أتذكر أننى تأثرت جدًا بقصيدة تصف الأمواج وهى تتكسر على الشاطئ كقشور البيض. أما لو كنتِ تقصدين بداية «الرغبة فى الكتابة»، فأعتقد أن البداية كانت مع قراءة الكتب الأدبية للبالغين، التى قرأتها ولم أفهم إلا نصفها فقط، لكن هذه الكتب هى ما منحتنى الرغبة فى الكتابة من البداية.
■ ما الذى تعملين عليه حاليًا؟
- أعمل حاليًا على رواية يدور جزء من أحداثها فى مؤتمر آسيوى إفريقى عام ١٩٥٥ فى باندونج بإندونيسيا، والشخصية الرئيسية فى الرواية هى سكرتير ومصور.
■ حدثينا عن روتينك فى الكتابة؟
- فى اليوم المثالى أكتب فى الصباح وأقرأ خلال فترة ما بعد الظهر، وحاليًا بما أننى أتابع عدة كتابات بحثية فى الوقت نفسه، فغالبًا ما أقرأ أيضًا فى الصباح، وأحب دائمًا أن أتحدث مع أى شخص قبل أن أبدأ الكتابة، لكن واقعيًا هذا هدف لا يتحقق دائمًا.
■ كيف ترين المستقبل؟
- أنا لست عرافة. لكن العديد من الناس الذين لا علاقة لهم بفلسطين يشعرون بالانهيار مما يشاهدونه، وهذا حطم لديهم كل أنواع الأوهام التى يعتنقونها عن مجتمعاتهم وحكوماتهم وعما هو ممكن إنسانيًا من حيث التدمير.
لا أعلم إذا كان من التفاؤل القول إن المستقبل جيد، لكن لا عودة إلى الوراء بعد ما حدث.