الأربعاء 04 ديسمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

نوبل الاقتصاد.. الفائزون يجيبون: لماذا تتقدم دولة وتتخلف أخرى؟

حرف

منحت الأكاديمية السويدية جائزة «نوبل» فى الاقتصاد هذا العام لكل من دارون أوغلو وسايمون جونسون وجيمس روبنسون، عن أبحاثهم المتعلقة بتأثير المؤسسات السياسية والاقتصادية على التفاوت فى الثروات بين الدول عبر التاريخ.

وطور الفائزون الثلاثة بـ«نوبل» فى الاقتصاد نظرية عن كيفية تشكيل المؤسسات وتأثيرها على التنمية الاقتصادية، مشيرين إلى أهمية المؤسسات التى تدعم الحقوق الاقتصادية والسياسية لتحقيق النمو على المدى البعيد. 

وقال رئيس لجنة جائزة «نوبل» فى الاقتصاد لعام ٢٠٢٤، جاكوب سفينسون، فى البيان الرسمى للجائزة، إن اختيار الثلاثة جاء تقديرًا لأبحاثهم حول تأثير المؤسسات على نجاح الدول اقتصاديًا.

وأضاف «سفينسون»: «التحدى الأكبر الذى نواجهه اليوم هو تقليص الفجوة الكبيرة فى مستويات الدخل بين الدول»، مشيرًا إلى أن «الفائزين أظهروا الدور الكبير للمؤسسات فى تعزيز ازدهار المجتمعات»، مع التنبيه إلى أن «الأنظمة التى تفتقر إلى سيادة القانون وتستغل السكان تفشل فى تحقيق النمو الاقتصادى، أو إحداث تغيير إيجابى».

وتناولت أبحاث الفائزين الثلاثة كيف أثرت المؤسسات الاستعمارية على تطور المجتمعات، وكيف كانت الأنظمة التى أسسها المستعمرون تعزز الازدهار طويل المدى، أو تقيد النمو إذا كانت تفتقر إلى الديمقراطية.

وركزت الأبحاث على دور المؤسسات الاقتصادية والسياسية فى تحقيق النمو والتنمية الاقتصادية، مع الإشارة إلى تحول مناطق معينة من الفقر المدقع إلى الازدهار نتيجة التغير فى طبيعة المؤسسات الحاكمة.

ووفقًا لتحليل «أوغلو» و«جونسون» و«روبنسون»، فإن المناطق التى كانت تعتبر فقيرة وغير متطورة خلال الحقبة الاستعمارية، أصبحت غنية بعد الاستقلال، بفعل تطوير مؤسسات تعمل على تعزيز العدالة وسيادة القانون. فى المقابل، استمرت المناطق التى ورثت المؤسسات الاستغلالية فى المعاناة من الفقر والفساد.

وتعتبر الحقبة الاستعمارية واحدة من أهم الفترات التى ركزت عليها أبحاث الفائزين، من خلال دراسة كيف أن المستعمرين الأوروبيين أنشأوا مؤسسات اقتصادية تختلف باختلاف المناطق التى استعمروها. 

وبينت هذه الأبحاث أنه «فى بعض الأماكن أنشأ الأوروبيون مؤسسات استغلالية تهدف إلى استخراج الثروات، دون الاهتمام بتطوير البنية التحتية، أو تعزيز حقوق السكان المحليين. بينما فى المناطق التى استقر بها المستعمرون، أُنشئت مؤسسات شبيهة بالمؤسسات الأوروبية التى تهتم بتعزيز حقوق الملكية وتطبيق القوانين».

على سبيل المثال، أظهرت دراسات الثلاثة أن المناطق التى شهدت مؤسسات استغلالية خلال الحقبة الاستعمارية، مثل معظم دول إفريقيا وأمريكا الجنوبية، ما زالت تعانى من الفقر المدقع والفساد. بينما استطاعت دول مثل الولايات المتحدة وكندا وأستراليا، التى أنشئت فيها مؤسسات تعزز التنمية، تحقيق مستويات عالية من الازدهار.

ويطرح الفائزون فى أبحاثهم فكرة أن الصراع على السلطة بين النخبة والسكان يمكن أن يؤثر بشكل كبير على تطور المؤسسات. فالمؤسسات التى تعزز حقوق النخبة فقط ولا تحقق المساواة تؤدى إلى استمرار الفقر والتفاوت الاجتماعى، بينما المؤسسات التى تسمح بتوزيع أكثر عدالة للثروات، وتمنح المزيد من الحقوق للسكان تؤدى إلى ازدهار اقتصادى شامل. 

أحد المفاهيم التى قدمها الباحثون فى أبحاثهم تشير إلى صعوبة تحقيق الإصلاحات فى ظل الأنظمة السياسية التى تفضل النخبة. ففى الأنظمة التى تعتمد على مؤسسات استغلالية، تجد النخبة صعوبة فى الالتزام بتعهدات الإصلاح، لأنها لا ترى أنها ستعوض خسائرها حال فقدانها الامتيازات. من هنا، يرى الباحثون أن إحدى الطرق الممكنة للتغلب على هذه المشكلة هى من خلال الديمقراطية، التى تسمح للسكان بمحاسبة النخبة، وتغييرها فى الانتخابات الحرة.

وأسهمت أبحاث الفائزين فى تغيير الطريقة التى نفهم بها أسباب الفروق الاقتصادية بين الدول. فعلى الرغم من أن المناخ والجغرافيا يلعبان دورًا فى تحديد مستوى التنمية، أثبت الفائزون أن المؤسسات الاقتصادية والسياسية هى العامل الأكثر تأثيرًا. 

ودارون أوغلو يعمل أستاذًا للاقتصاد فى معهد «ماساتشوستس» للتكنولوجيا بالولايات المتحدة. وُلد فى تركيا عام ١٩٦٧، وانتقل إلى الولايات المتحدة لمتابعة دراساته العليا فى الاقتصاد.

كذلك سايمون جونسون يعمل كأستاذ فى المعهد ذاته، ويركز على الاقتصاد الكلى والتنمية الدولية، وهو مولود فى بريطانيا، ودرس فى جامعتى «أوكسفورد» و«كامبريدج»، ثم تابع دراسته العليا المعهد.

أما جيمس روبنسون فهو أستاذ الاقتصاد السياسى فى جامعة «شيكاغو»، ويُعتبر خبيرًا فى تحليل الاقتصاد السياسى لتطور المؤسسات ودورها فى التنمية. وُلد فى بريطانيا، وأكمل دراسته فى جامعتى «ييل» و«أكسفورد».

ويتميز «روبنسون» بدراساته التاريخية حول نشأة وتطور المؤسسات السياسية والاقتصادية فى مختلف المجتمعات، وشارك فى تأليف كتاب «Why Nations Fail» مع دارون أوغلو، الذى يعتبر من أكثر الكتب تأثيرًا فى تفسير الفوارق الاقتصادية بين الدول.