طالب الرفاعى: القصة القصيرة رفيقة درب الإنسان الصامدة فى كل العصور
وضع فن القصة القصيرة بدا متطورًا فى السنوات العشر الأخيرة. صارت دور النشر لا تتردد فى طبع مجاميع قصصية. وشهدت الساحة الإبداعية والثقافية العربية مزيدًا من الأسماء القصصية الشبابية الواعدة. كما صارت للقصة جائزة عربية رفيعة خاصة بها، وأعنى بذلك «جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية». لذا فإن فن كتابة القصة القصيرة العربية إلى تقدم.
القصة القصيرة رفيقة درب الإنسان، كانت وصمدت فى كل العصور التى عاشتها البشرية، لأنها جزء أساسى من واقع وحياة الإنسان، وبالتالى من المؤكد أنها ستصمد وتتطوّر وتتقدم أمام جحافل جوائز الرواية العربية. ألفت هنا النظر لموضوع خاص، وهو أن عددًا من كُتّاب الرواية صار يعود لكتابة القصة القصيرة. كما أن الدراسات النقدية فى أمريكا وأوروبا ترى أن المستقبل للقصة القصيرة وليس للرواية.
وبالنسبة لتأثير الذكاء الاصطناعى على القصة القصيرة، أرى أن الذكاء الاصطناعى شأن بشرى. مؤكد سيؤثر فى مختلف نواحى الحياة، بما فى ذلك الناحية الأدبية. لكن تأليف مجموعة قصصية كاملة عن طريق الذكاء الاصطناعى أراه أمرًا مستبعدًا.
ليس أسهل من كشف شخص متسلق كَتَب مجموعة عن طريق الذكاء الاصطناعى، فمقابلة واحدة قادرة على كشف عالمه السطحى، وأن ما هو مكتوب لا ينتمى لوعيه وقدراته الأدبية. لذا ستبقى القصة القصيرة المبدعة عصية على الذكاء الاصطناعى. ليس لأنه لا يستطيع كتابتها. لكن لأنه لا يستطيع أن يصنع من كاتب قليل الموهبة نجمًا ساطعًا.
وتأثير «السوشيال ميديا» على القصة القصيرة لا يختلف أبدًا عن تأثيرها على الرواية. فكما أن هناك كُتّابًا يعلنون عن رواياتهم، هناك كُتّاب قصة يعلنون عن مجاميعهم القصصية. ومثلما هناك «شِلل» تُطبّل لروائى ما، هناك أخرى تُطبّل لقاص ما، ومثلما يحضر أى شأن روائى للمناقشة على «السوشيال ميديا»، هكذا أيضًا الشأن القصصى. وأخيرًا لا فرق بين القصة القصيرة والرواية أو الشعر فى تعامل «السوشيال ميديا» معها، وليس من خطر على القصة.
أى تردى، اجتماعى أو سياسى أو اقتصادى أو ثقافى، يصيب فن القصة القصيرة كما يصيب باقى الأجناس الأدبية. ويمكن المحافظة على القصة مثلما يمكن المحافظة على باقى الأجناس، وذلك عبر الشغف الشخصى، وعبر ضرورة الفن التى لا مناص لأى مجتمع منها. كون الفن وحده يمنح الإنسان القدرة على تحمل الظروف الصعبة، ويمكّنه من عيش ضيق وعنف ووحشية اللحظة الإنسانية العابرة.
أما زيادة الدراسات النقدية للرواية مقابل القصة، فهذا ببساطة يعود إلى كون الرواية منتشرة أكثر من القصة. ولأن هناك جمهورًا يهتم بعوالم الرواية وما يتصل بها.
أسستُ جائزة «الملتقى للقصة القصيرة العربية»، وينتابنى اعتزاز بأننى صاحب فكرة هذه الجائزة، التى لاقت اهتمامًا كويتيًا وعربيًا كبيرين فى مرحلة تأسيسها، ولذا ولِدت كبيرة، ومعبرة عن هموم وتطلعات كاتب القصة القصيرة العربية. وليس أدل على ذلك من عدد المجاميع القصصية التى تتقدم للجائزة فى كل دورة. كما أن جميع المجاميع القصصية التى فازت بالجائزة ذهبت للترجمة، ونالت حظوظًا كبيرة فى الانتشار، حتى أصبحت «جائزة الملتقى» حلم كل كاتب عربى. ومن هنا أتمنى لها مستقبلًا زاهرًا تدعم فيه فن القصة القصيرة، مثلما تشجع وتُعلى من شأن كاتب القصة العربية.
على المستوى الشخصى، أنا عاشق مُتيَم بفن القصة القصيرة، وأمارس من خلالها شغفى بكتابة نص قصصى مبدع وقصير ومتجدد ومشوق وموحى. مثلما أعاشر الرواية، وكل رواية تأخذ من عمرى ما لا يقل عن سنتين. لذا فلا بأس من الجمع بين كتابة الجنسين، ولو أنهما مختلفان تمامًا، وليس كما يعتقد البعض أن الرواية قصة طويلة.
وبالنسبة لى أيضًا، التدريس جزء أساسى من مراجعاتى اليومية والمتجددة لأصول الكتابة الإبداعية فى القصة القصيرة والرواية، خاصة وأننى أكملت دراساتى العليا فى مجال الكتابة الإبداعية بجامعة «أيوا» الأمريكية، ثم جامعة «كنغستون» البريطانية. التدريس فى الجامعة يضعنى بمقابلة شباب متحمس وعاشق للكتابة، وهذا ما أخذنى لتأليف أكثر من كتاب أكاديمى، ومن بينها كتابى الجديد «كيف تكتب قصة قصيرة أو رواية؟.. منهج الكتابة الإبداعية».