عيد مصرى صميم

سنة بعد أخرى، يتضح أن معرض القاهرة الدولى للكتاب أهم حدث ثقافى فى العالم العربى والشرق الأوسط، فإذا كان عدد زائريه يبلغ عدة ملايين من أهل مصر، وفقًا للإحصاءات الرسمية، فإن عدد الذين يتدفقون عليه من جميع أنحاء المنطقة العربية والعالم لحضور فعالياته هو كم كبير أيضًا، لكن الإحصاء الكمى ليس الدليل الأوحد على أهمية هذا المعرض. فالأنشطة المتباينة فيه والمتعلقة بالندوات وحفلات توقيع الكتب، والعروض السينمائية والحفلات الغنائية والموسيقية وغير ذلك من فعاليات ثقافية وفنية ولقاءات مع شخصيات مرموقة مؤثرة فى الحياة العامة، كل ذلك يعبر عن زخم ثقافى مصرى غير موجود بأى بلد من البلدان الأخرى التى تقيم معارض للكتاب داخل الخريطة العربية، ومن خلال الهيئة المصرية العامة للكتاب، وهى الجهة المنظمة للمعرض، تتضح حقيقة أن دور هذه الهيئة فى صناعة النشر، يعد دورًا محوريًا، وبمثابة الصناعة الثقيلة فى النشر، فهذه الهيئة هى ترسانة نشر فى مجالات وحقول متعددة، بما تقدمه من إصدارات، قد لا تجسر دور النشر الخاصة على إصدارها، فهى تحتاج إلى ميزانيات كبيرة وقدرات خاصة تتعلق بصناعة نوعية من المعروف أن دورة رأس المال بها بطيئة ولا تحقق مردودًا سريعًا، يمكن إعادة تدويره، مع ملاحظة أن أسعار مطبوعات هيئة قصور الثقافة هى أسعار لا تقارن بما يُطرح من منتج فى سوق الكتاب، وهذا معناه أن الكتاب الصادر من وزارة الثقافة، إذا ما أضيفت جهات أخرى بها تنتشر مثل المركز القومى للترجمة والمجلس الأعلى للثقافة، إنما هو كتاب مدعوم كرغيف العيش تمامًا، وربما فى ذلك وحده رد وجيه على ما يردده البعض من ضرورة إلغاء وزارة الثقافة، لأن هناك ما يقوم بدورها من هيئات ودور نشر خاصة. الأهم فى إصدارات وزارة الثقافة المختلفة وأنشطتها خلال أيام معرض الكتاب، هو أن هناك محاولات جادة لتحقيق العدالة الثقافية، فأبناء الأقاليم المصرية المختلفة تتاح لهم خلال المعرض أنشطة ثقافية وفنية مجانية، قد لا تتاح لهم خلال العام، لذلك فالمعرض فرصة سانحة لتذوق فنون قد لا تصل إلى بعض المواقع المصرية، ولعل كل هذا وأمورًا أخرى كثيرة لا يتسع المجال لذكرها هنا، يؤكد أن الدولة المصرية تتعامل مع الثقافة باعتبارها بندًا من بنود الإنفاق الخدمى الضرورى، والذى يحتاج إلى ترشيد وإعادة نظر فى أدائه، ليأتى على أكمل وجه، ومعرض الكتاب فرصة حقيقية لمناقشة ذلك، وطرح إشكاليات الجدوى الثقافية باعتبار الثقافة استثمارًا حقيقيًا فى العنصر البشرى، والذى لا يقل أهمية عن أى استثمار آخر سواء فى الصناعة أو الزراعة أو غيرهما من فروع الاقتصاد القومى، وربما لا يتأتى ذلك إلا من خلال الحوار الجاد بين جماعة المثقفين والمعنيين بهموم الثقافة المصرية، وعقد لقاءات مع قيادات مختصة فى السلطة التنفيذية وأعضاء من مجلس الشعب، فلقاء القائمين على السلطة التنفيذية لا يقل أهمية عن لقاء المفكرين والأدباء، فمثلًا إبراز اسم الدكتور العالم الراحل أحمد مستجير فى المعرض يستدعى لقاء مفتوحًا مع وزير البحث العلمى، وإذا كانت لفتة تكريم الأستاذة فاطمة المعدول، لفتة جميلة، ولكن ألا يستدعى ذلك لقاء مع وزير التعليم وما يدور الآن من كلام عن الكتاتيب والبكالوريا وغير ذلك من مشاكل التعليم؟
إن معرض الكتاب فرح وعيد مصرى صميم وهو معبر بصدق عن الشخصية المصرية.