الأربعاء 30 أبريل 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

أنا وبليغ..العالم الخاص لـ«سالم الشهبانى»

سالم الشهباني
سالم الشهباني

- أعمل حاليًا على روايتى الثانية «التلغيمة»

- أكتب ولست مشغولًا بفوضى وزحام الإنتاج الروائى

- كتبت «سحر خاص» عن قصة حقيقية

- أنا البدوى الذى لم تبهره أضواء المدينة

الشاعر سالم الشهبانى، واحد من أبرز الأصوات الشعرية المعاصرة، وخاض مشوارًا إبداعيًا حافلًا امتد لسنوات طويلة وأثمر عن 16 ديوانًا شعريًا، تمثل صوتًا مغايرًا فى شعر العامية المصرية، ليكون امتدادًا لفكرة «الشاعر النجم»، التى انقطعت مع رحيل شعراء العامية الكبار من جيلى الستينيات والسبعينيات.

وخاض سالم الشهبانى مؤخرًا مغامرة جديدة فى عالم السرد، من خلال روايته الأولى «سحر خاص»، التى صدرت حديثًا وطرحت فى معرض القاهرة الدولى للكتاب، لتضيف بعدًا جديدًا لمسيرته الأدبية الثرية.

«الشهبانى» لم يكتفِ فقط بالشعر بمفهومه المعروف، بل اقتحم عالم الأغنية ببراعة وكتب للعديد من المطربين النجوم مثل على الحجار وغيره، كما برع فى كتابة كلمات آخر لحن صنعه الموسيقار الكبير بليغ حمدى قبل رحيله، معتمدًا على أسلوبه البسيط والعذب الذى يجمع بين عمق الفكرة ورقة التعبير وكخاطبة وجدان الجمهور.

خلال حواره مع «حرف»، يحدثنا «الشهبانى» عن تجربته الأولى فى كتابة الرواية، والتحديات التى واجهها فى الانتقال من عالم الشعر إلى السرد، إلى جانب رؤيته لمستقبل الشعر والرواية فى ظل توجهات الجوائز والمتغيرات التى تحيط بالأدب بشكل عام.

■ أنت شاعر غزير الإنتاج وحققت نجاحًا على مستوى الأغنية لم يحققه أحد من أبناء جيلك وهناك مطربون كبار غنوا من كلماتك.. ما الذى دفعك لكتابة الرواية وهى ليست مجالك؟

- أنا ابن بيئة تحتفى بالشعر وتحتفى أيضًا بالحكاية، وفى لحظة من اللحظات شعرت بأن هناك ما يجب قوله، ولا يتسع له الشعر، فكان لابد من لغة سردية تكون بمثابة الجسر الذى يعبر من خلاله القارئ إلى هذه المجتمعات التى عانت الكثير من التهميش والتعتيم على قضاياها. فأصدرت مجموعتى القصصية «غرب الجسر» فى العام السابق وهى عن بلادى وأهلى الذين أتشرف بالانتماء لهم بكل ميراثهم الثقافى والإنسانى. 

وأعمل حاليًا على روايتى الثانية «التلغيمة» بعد صدور روايتى الأولى «سحر خاص» هذا العام.

■ البعض صار يسخر ويقول إن الناس قريبًا سيُعرِّفون أنفسهم لبعضهم قائلين «أنا مواطن مصرى وروائى» لضخامة وعشوائية الإنتاج الروائى على الساحة.. ألم تخش من هذه الفوضى وأنت تأخذ قرار النشر؟ وألم تتخوف من أن يقال إنك اخترت المجال الرائج الذى يتهافت الجميع عليه لكثرة الجوائز المرصودة له؟

- فى الحقيقة من بدايتى وأنا لا ألتفت إلى ما يقال أو ما يحدث من زحام وفوضى حول نوع أدبى، كل ما يشغلنى هو ما سوف أنتجه وأقدمه، وأنا أرى أن كل زحام حول أى نوع أدبى مرهون بالاستمرارية وجودة ما يقدمه الكاتب. 

وأتذكر هنا قولًا سمعته ذات مرة من أبى عندما كنت أجرى أمامه حتى أسبقه قال لى بابتسامة: «الخيل العبيطة اللى بتجرى فى أول السبق».

■ لاحظت خلال مطالعتى لأحد فصول روايتك أن هناك أحداثًا تدور فى فرنسا.. هل هذه الحكايات تجربة شخصية تجسدها أم وحى خيال ومجاز؟ وهل تتفق مع الاتجاه النقدى الحالى بأن الأدب الجيد الذى يحصد الجوائز هو المُغرق فى المحلية أو الذى يتناول المجتمعات المهمشة.. أم ترى أن ذلك مجرد «موضة»؟

- هى تجربة شخصية مررت بها مع أحد الأصدقاء الذى عانوا هذا المرض النادر الذى تعرض له بطل رواية «سحر خاص». وظلت الحكاية تطاردنى لسنوات حتى استطعت أن أفرغ من كتابتها هذا العام. وأظن أن القارئ سوف يدهشه هذه الحكاية لهذا البطل الذى حدثت بحياته أشياء كانت من الممكن أن تقضى عليه لكنه اجتازها بروح شجاعة وقلب جسور.

كلمة «جيد» هى كلمة نسبية تختلف من شخص لآخر، فكل شخص يتلقى الأدب حسب كم من المعرفة الإنسانية والتراكم الثقافى لديه، وهذه الأشياء هى التى تحدد ذائقته وما يراه جيدًا أو غير ذلك. وأعتقد أنه احتياجنا لكتابة تنتصر للمحلية والمهمشين هو نفس احتياجنا لكتابة تنتصر لكل ما هو جديد ومدهش لا نعرفه. 

■ من واقع رصدك للمشهد.. ما هو موقع القصيدة النبطية من خريطة الشعر فى مصر أم أنها حكر على الخليج؟ ومن هم أبرز شعرائها الآن؟ ولماذا يغيبون عن المحافل.. وما الجماليات الخاصة التى يحملها ذلك النوع؟ وكم يبلغ حجم جمهورها.. وما حجم الإنتاج الأدبى فى المجتمعات البدوية بشكل عام؟

- فى البداية وجب التوضيح فقط أن بدو مصر ليسوا أنباطًا إنما قبائل عاشت واستوطنت مصر منذ آلاف السنين، وأخذت من الطبيعة المصرية ما يميزها عن غيرها من قبائل عاشت واستقرت فى شبه الجزيرة العربية. 

وما يكتب من شعر باللهجة البدوية يختلف من حيث الشكل والمضمون والغرض عن القصيدة النبطية، وهناك شعراء كثر. لكن المساحة الإعلامية لا تغطى وجودهم، ولا أعرف السبب فى الحقيقة من عدم تواجدهم فى المحافل.

غير أنه من الممكن أن يكون من ضمن الأسباب هو عدم معرفتهم إعلاميًا. أما الجماليات فهى تتعدد من حيث الشكل مثلًا، فهى قصيدة لها موسيقاها المختلفة، والتى لا تشبه غيرها من القصائد الأخرى، فمثلًا تجد ما يعرف بالدحية، والسامر، والمجرودة، والكف، كل شكل من هذه الأشكال له إيقاعه الذى لا يشبه نظيره من الأشكال الأخرى، ومن حيث الموضوعات فهى تحتفى بالموضوعات التى تقوم أغلبها على الارتجال ومحاكاة قضية أو حدث قائم فى نفس وقت ارتجال القصيدة. 

وحجم جمهورها أعتقد ليس كبيرًا، أما حجم الإنتاج الأدبى فهو جيد لكنه غير مطروق بسبب عدم معرفة أغلب القراء بهذه البيئات، وأعتقد أن هذا السبب هو ما دفعنى لنقل هذه البيئة عن طريق لغة عامية مصرية محملة بالميراث البدوى ومفرداته ومواضيعه وعادته وتقاليده دون الإغراق فى اللهجة البدوية، التى من الممكن أن تكن عائقًا عند بعض القراء.

■ ..حدثنا عن تجربتك مع المطرب الكبير على الحجار.. كيف تتعامل معه؟ وهل تكتب له خصيصًا أم يختار هو من شعرك؟ وما الذى يميز هذا الرجل ويجعل أغانيه تخلد فى وجدان الناس؟

- الفنان الكبير على الحجار هو فنان مثقف يدرك قيمة الكلمة فيختارها بعناية شديدة كما أنى أحد السميعة الذين تربوا على صوته العظيم وفنه الذى لم يخذل المستمع ذات مرة من بداية عمله مع بليغ حمدى وحتى الآن. فهو عمل مع الكبار من الشعراء والملحنين، والعمل معه كان حلما بالنسبة لى ولقد أسعدنى الحظ بكتابة ما يزيد على عشرين أغنية. أعتبرها إنجازًا كبيرًا مع فنان كبير. أكتب له خصيصًا ساعات، وساعات أخرى يختار من قصائدى ما يتناسب معه.

وما يميزه عن غيره هذا التاريخ الكبير من الجودة والحفاظ على تقديم فن يحترم المتلقى مهما تغيرت الموجات حوله وزاد الضجيج وكثرت الظواهر الفنية التى لا تقدم شيئًا ذا قيمة. 

■ بمناسبة الحديث عن بليغ حمدى.. ما كواليس طرح آخر لحن له فى أغنية من كلماتك؟

- بدأت الحكاية عندما وجد المهندس أسامة فهمى، أحد ورثة الملحن الكبير والموسيقار العظيم بليغ حمدى، آخر لحن كان قد لحنه الراحل قبل وفاته بأيام. 

وقرر المهندس أسامة إهداء اللحن للفنان الكبير على الحجار ورحب الأخير بذلك، خصوصا أن من قدم الأستاذ على الحجار فى بدايته ومن أنتج له سنة ١٩٧٧ هو الموسيقار العظيم بليغ حمدى.

وبالفعل فى شهر مايو ٢٠٢٣ بدأ الأستاذ على فى تنفيذ اللحن على أساس عرضه فى شهر أكتوبر احتفالًا بانتصارات أكتوبر المجيدة، خصوصا أن اللحن كان يميل إلى الصبغة الوطنية.

فى الجهة المقابلة كنت قد قرأت أنا خبرًا عن هذا الاكتشاف العظيم. وتمنيت لو أن يكون هذا الإنجاز العظيم من نصيبى، بحيث يتم تنفيذ اللحن على أغنية من كلماتى.

لكن الأمور سارت فى اتجاه آخر بعيدًا عما كنت أتمناه، ولم أكن على علم بها إلا لاحقًا. فقد قام الفنان الكبير على الحجار بتلحين أغنية وقدم اللحن لعدد من كبار الشعراء لكتابة كلمات تناسب التيمة الموسيقية والجمل اللحنية الموجودة فى اللحن، كما أبدت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية حماسها لإنتاج الفيديو الخاص بالأغنية. 

لكن الشعراء الكبار الذين حاولوا الكتابة على اللحن لم يوفقوا فى ذلك، وتدخلت الأقدار بتوفيق من الله لتحقيق أمنيتى، حيث اتصل بى الفنان الكبير على الحجار وأخبرنى بالأمر، ولا أخفى أن تلك اللحظة كانت من أكثر اللحظات فرحًا وتحديًا بالنسبة لى.

وأرسل لى الفنان على الحجار اللحن، الذى كان عبارة عن جمل موسيقية خالية من الكلمات، وبدأت العمل عليه. استغرقت عملية الكتابة أربعة أيام لصياغة المذهب ويومين لكتابة الكوبليهات. 

وبعد الانتهاء، استقبل الفنان على الحجار الأغنية بإعجاب كبير، معتبرًا أنها ما كان يبحث عنه تمامًا، واختار لها عنوان «يا أرضنا». ثم قام الفنان طارق حسيب بتوزيعها موسيقيًا. 

غير أن الأغنية بقيت حبيسة الأدراج لمدة عام، حتى قدمها الفنان على الحجار فى حفل «١٠٠ سنة غناء» فى أكتوبر ٢٠٢٤، والذى كان تكريمًا للموسيقار العظيم بليغ حمدى. وبعد الحفل، طرح الفنان على الحجار الأغنية عبر منصات التواصل الاجتماعى، وحققت انتشارًا واسعًا فى أيام قليلة.

وبهذا أصبحت الشاعر الوحيد من أبناء جيلى الذى اقترن اسمه بالموسيقار العظيم بليغ حمدى والفنان الكبير على الحجار فى عمل مشترك، فى حدث نادر أعتقد أنه لن يتكرر، وهو تكريم أفتخر به وأعتز به كثيرًا.

■ أنت من جنوب سيناء ونشأت فى مجتمع يغلب عليه الطابع البدوى.. كيف أثرت تلك البيئة عليك وعلى شعرك؟

- ما زلت ذلك البدوى الذى يحمل بين ضلوعه بلاده ولهجته وموروثه وعادته البدوية التى لم تؤثر المدينة عليها، وأظن أن هذا الموروث الكبير كان المعين الأول لمشروعى الشعرى الذى امتد لستة عشر ديوانًا شعريًا. انتصرت فيها لبيئتى البدوية.