أندريا كولاميديتشى: نعيش عصر «خصخصة الخيال» والكتاب وصف لمشروع التنويم المغناطيسى

- الاستخدام السلبى للذكاء الاصطناعى خطير جدًا ينذر بتفويض التفكير وفقدان معنى الحياة
- السيادة الإدراكية فكرة الكتاب الأساسية ونحتاج إلى ميثاق جديد بين الكاتب والقارئ
- اسم «جيانوى شون» مؤلف الكتاب له تفسيرات متعددة فى الصينية.. ومعناه الشخص الذى ينشئ المعلومات بسرعة
يبلغ من العمر 38 عامًا، وهو فيلسوف وكاتب، ومؤسس المدرسة الفلسفية ودار النشر والمكتبة المسرحية «تلون» فى روما إيطاليا، هو أندريا كولاميديتشى الأستاذ فى جامعة ميلان فى ميلانو بإيطاليا، ومعهد التصميم المعمارى فى روما، وزميل باحث فى جامعة فوجيا بإيطاليا.
كما إنه مقدم بودكاست «مدرسة الفلسفة» ومؤسس مهرجان ميلانو الفلسفى الثلاثى، والماراثون الإلكترونى «برنديامولا كون فيلوسوفيا»، وألّف عدة كتب منها «لعبة الفكر» و «فجر الآلهة الجديدة» و«مجتمع الأداء»، و«خوارزمية بابل: قصص وأساطير الذكاء الاصطناعى» الصادر عام 2024.
ويكتب أيضًا عمودًا أسبوعيًا فى مجلة «فانيتى فير» الشهرية الأمريكية باسم «خذها مع الفلسفة»، وتحدث فى منصة تيدكس روما حول العواقب الأخلاقية لأدوات الذكاء الاصطناعى عام 2023، بصفته خبيرًا فى فلسفة الذكاء الاصطناعى، وفى تيدكس عام 2022 تحدث حول العلاقة بين الفن والذكاء الاصطناعى.
وكان لـ«حرف» الحوار التالى مع المفكر الإيطالى أندريا كولاميديشى حول إصدار كتاب «التنويم المغناطيسى: ترامب، ماسك، والهندسة الجديدة للواقع»، بالتعاون مع أداتين للذكاء الاصطناعى هما «تلون» التابعة لمشروعه الثقافى الشخصى، و«كلود» التابع لشركة «أنتروبيك» الأمريكية، وأهم الأفكار التى تناولها.

■ فى البداية.. ما الذى دفعك لاستخدام الذكاء الاصطناعى فى تأليف الكتاب؟
- ما دفعنى لاستخدام الذكاء الاصطناعى فى عملية الكتابة كان قضيتين: الأولى هى الحاجة إلى تسليط الضوء على استخدام آخر محتمل للذكاء الاصطناعى. فإلى جانب المشكلات الأخلاقية والسياسية والبيئية والاجتماعية الناجمة عن الاستخدام المتهور للذكاء الاصطناعى، والتى بدأت تناقش بجدية، أُولى فى دراساتى اهتمامًا بالغًا بالتداعيات المعرفية- على المدى القصير والمتوسط والطويل- لاستخدام الذكاء الاصطناعى فى العمليات الإبداعية، والتى لا يزال ينظر إليها بشكل سيئ.
أنا مقتنع بأن الاستخدام السلبى لأدوات مثل ChatGPT خطير للغاية، وينذر بدفع الناس إلى تفويض ممارسة التفكير، وفقدان معنى الحياة والبحث. لذا، علينا أن نتعلم استخدام هذه الأدوات ليس كأدوات نفوض إليها العمل المعرفى، بل كدعامات تعزز التفكير، وتدفعنا إلى بذل الجهد، بدلًا من الكسل.
ثانيًا، كان من المهم بالنسبة لى أن أفكر فى الطرق التى تستخدم بها السلطة اليوم الذكاء الاصطناعى لنشر نفسها، من خلال الاستخدام الواعى له.
■ لماذا اخترت مفهوم «الهبنوقراطية» تحديدًا لتناوله فى الكتاب؟
- لأن من يعنى بالفكر، فى رأيى، ملزم بصياغة مفاهيم تفيد الناس فى مواجهة تأثير العالم واستيعاب تعقيداته. تعد الهبنوقراطية- والمفاهيم الأخرى ذات الصلة الواردة فى الكتاب- أداة لتفسير عصرنا.
اخترتها لأننى رأيت ضرورة إعطاء اسم دقيق لهذا الشكل الجديد من السلطة، الذى لا يقتصر على السيطرة على العقول والأجساد، بل يستخدم التكنولوجيا والاتصالات لتوليد حالات الوعى والتلاعب بها.
■ ما الفكرة أو الرسالة الرئيسية التى تريد إيصالها من خلال الكتاب؟
- بالنسبة لى، الفكرة المحورية هى استحضار ما نسميه فى الكتاب «السيادة الإدراكية»، أى القدرة على اجتياز هذه اللحظة التاريخية الخارجة عن السيطرة مع الحفاظ على صفاء الذهن والرغبة فى المعرفة.
يجب علينا، بل يمكننا، أن نرغب فى «تعلم التعلم»، وأن نقارن أنفسنا بأشياء العالم. لا نفوض ممارسة الفكر، بل نحتضن تحدى عصرنا من خلال «إثارة التعقيد» الحقيقية.
■ هل تؤكد من خلال كتابك أنه لا ينبغى لنا أن نثق بأى محتوى يعرض علينا، بغض النظر عن نوعه؟
- ليست الفكرة هى «عدم الثقة بأى شىء»: فهذا سيكون خطيرًا للغاية، وسيفتح الطريق أكثر أمام من يستغلون انعدام الثقة هذا. الفكرة هى أن نختار بعناية من نثق بهم، وألا نستسلم أبدًا لأفكار أو مواقف الآخرين. أن نبقى يقظين، منتبهين، حذرين، لدعم الصحافة الجيدة والبحث الجيد، مدركين أن كل شخص معرض للخطأ.
نحن بحاجة إلى ميثاق جديد بين الكاتب والقارئ، لا نتظاهر فيه بعد الآن بأن كل شىء بسيط وسهل التفسير. يجب ألا يكون الهدف النهائى من هذا الميثاق الجديد بأى حال من الأحوال تدمير الثقة الاجتماعية، بل تحويلها إلى شىء أكثر صلابة وملاءمة.
السيادة الإدراكية ليست القدرة على التمييز بدقة وحسم بين الصحيح والخطأ- وهى مهمة شاقة فى ظل النظام البيئى المعلوماتى المعاصر- بل هى القدرة على التنقل بوعى بين حقائق متعددة، مدركًا الطبيعة المصطنعة لكل حقيقة دون الوقوع فى النسبية أو السخرية. إنها القدرة على تجاوز العتبة الفاصلة بين الإيمان والشك، بين الانغماس والانفصال، مطورًا شكلًا من أشكال الانتباه لا يثق بسذاجة ولا يشك مرضيًا، بل يكون يقظًا.
■ هل يمكنك شرح خطوة بخطوة كيف أعددت الكتاب بمساعدة الذكاء الاصطناعى؟
- فى البداية، تساءلت عن تأمل قرأته فى مقال: نحن بحاجة إلى كلمات جديدة لتسمية هذه القوة الجديدة، لأن تعريفها بـ«الفاشية» يخاطر بعدم استيعاب خصوصياتها بالكامل.
عندها، كتبت سلسلة من التأملات حول الموضوع، وقدمتها إلى اثنين من أنظمة الذكاء الاصطناعى، كلود وتشات جى بى تى، ثم طلبت منهما تحليل أفكارى وتفكيكها، مع توضيح أى نقاط ضعف فى تفكيرى.
ثم شاركت مواقف أحد الذكاءين الاصطناعيين مع الآخر، وناقشت وجهات النظر الثلاثة. تابعت العمل فصلًا فصلًا، أكتب وأطلب من الذكاءين الاصطناعيين تحليل أطروحاتى وتأملاتى، مناقشًا الانتقادات التى بدت لى مفيدة لصقل مفاهيمى.
أخيرًا، أعدت كتابة كل شىء مرة أخرى، هذه المرة بالأسلوب الذى كنت أتخيله، أى أسلوب «جيانوى شون».
■ من أين جاء اسم «جيانوى شون»، مؤلف الكتاب؟
- للاسم فى اللغة الصينية تفسيرات متعددة، منها التفسير الذى دفعنى لاختياره: «الشخص الذى ينشئ المعلومات بسرعة».
■ كيف كان استخدام الذكاء الاصطناعى فى الكتاب، إيجابيًا أم سلبيًا؟
- الكتابة يجب أن تكون صعبة. استخدام الذكاء الاصطناعى لتسهيل الحياة وجعله يكتب بدلًا منك أمر محفوف بالمخاطر، لأنه على المدى البعيد يؤدى إلى نسيان الكتابة بمفردك.
قد يكون وجود الذكاء الاصطناعى مفيدًا أو خطيرًا، حسب كيفية استخدامه. ينبغى أن يكون الإنسان هو من يكتب دائمًا، مدعومًا بأداة تكنولوجية. الاستعانة بمصادر خارجية للكتابة كليًا للذكاء الاصطناعى تعنى التخلى عن التفكير. وهذا أمر سيئ، فى رأيى.
■ هل تعتقد أن الذكاء الاصطناعى سيحل محل الكاتب تمامًا، أم أن المستقبل يشير إلى ضرورة التعاون الحتمى بينهما؟
- لا أعتقد أننا سنستبدل. بل أخشى خطر انتشار انعدام المعنى: لماذا أكتب/ أرسم/ أُبدع إذا كانت الآلة قادرة على القيام بذلك بشكل أفضل بكثير، وفى وقت قصير؟ هذا سؤال يطرحه الكثيرون، ولكنه خطأ. المهم ليس النتيجة، بل المعنى. المهم هو ما ينتجه العمل الإبداعى فى نفوس من يبدعه ومن يختبره.
الذكاء الاصطناعى مخاطرة هائلة، ولكنه أيضًا فرصة للهروب من قلق المنافسة، ومن وهم كوننا الأكثر ذكاء فى هذا المجال. وهم يدفعنا باستمرار إلى إثبات أننا الأفضل، والتنافس، والافتراس، والطموح. إنها فرصة عظيمة لنتعلم كيف نسكن الهامش، وأن نتوقف عن اعتبار أنفسنا فى قمة جبل التطور.
■ ما المرحلة الجديدة التى دخلها مشروعك البحثى بعد الكشف عن الهوية الحقيقية للمؤلف؟
- دعى «جيانوى شون» لتدريس دورات فى أكاديميات ولتأليف كتب جديدة من ناشرين دوليين. أشعر بالغيرة تقريبًا! دعك من المزاح، فقد قررت «إطلاق» جيانوى شون، لأنه بدا الحل الأمثل: الآن أصبح اسمًا لمجموعة من الذكاء البشرى والاصطناعى، حيث لم أعد أنا الإنسان الوحيد. بدا الأمر وكأنه التطور الطبيعى للمشروع.
أما أنا، فأواصل تدريس التفكير الفورى فى المعهد الأوروبى للتصميم بروما، وأفكر فى كيفية رفع مستوى الوعى بالذكاء الاصطناعى وإساءة استخدامه من قبل مختلف الأوليجاركيين «حكم الأقلية» حول العالم.
■ هل يمكن لهذا النموذج أن يمهد الطريق لأسلوب جديد لممارسة الفلسفة؟
- إنها طريقة جديدة لممارسة الفلسفة، وهى فى الوقت نفسه قديمة جدًا. وكما كتب «بيير هادو»، كانت الفلسفة القديمة فى المقام الأول فن العيش، وبعد ذلك فقط فن التفكير. يجب أن نستعيد البعدين الأدائى والمدنى للفلسفة، ويجب أن نشكل استخدام التقنيات الجديدة، إذا كنا لا نريد استيعابها دون نقد، ما يلحق ضررًا مدمرًا بإطار حياتنا المشتركة.
■ تشير الصحف العالمية إلى أننا نعيش فى عصر حكم المليارديرات. فى كتابك، تناقش هندسة الواقع. هل تعتقد أن المال والسلطة يسيطران حاليًا بشكل كامل على نظرتنا للواقع؟
- بالتأكيد. نحن تحت رحمة مليارديرات بنوا بنية معرفية واسعة الانتشار، حيث يعتبر هذا التفاوت المثير للاشمئزاز مقبولًا، إن لم يكن مرغوبًا فيه. هذا غير مقبول. نحن بحاجة إلى إعادة تشكيل جذرية لكل من هياكلنا الاقتصادية وأطرنا المعرفية. إن التركيز المفرط للثروة الذى نشهده ليس مجرد مشكلة اقتصادية، بل مشكلة معرفية- فهو يشكل كيفية إدراكنا لما هو ممكن ومرغوب فيه فى المجتمع.
لقد أقنع النظام التنويمى الكثيرين بأن التفاوت الشديد أمر لا مفر منه أو حتى ضرورى للابتكار والتقدم. يجب تحدى هذه الرواية من خلال سياسات إعادة توزيع الدخل الجوهرية التى تعالج التركيز الفاحش للموارد فى أيدى القلة. نحن بحاجة إلى أنظمة ضريبية تصاعدية، وشبكات أمان اجتماعى قوية، ولوائح فعالة بشأن نفوذ الشركات. بالإضافة إلى هذه التدابير البراجماتية، نحتاج إلى استعادة خيالنا الجماعى حول ما يشكل مجتمعًا عادلًا.
■ ما الأهداف التى يحققها التلاعب بواقعنا عبر وسائل التواصل الاجتماعى والوسائط الرقمية؟
- تتعدد أهداف التلاعب بالواقع عبر الوسائط الرقمية. ففى أبسط صورها، هناك ربح اقتصادى: إذ يحول اقتصاد الانتباه وقت يقظتنا إلى بيانات قابلة للتحويل إلى أموال (أشير هنا إلى كتاب جوناثان كرارى الرائع «٢٤/٧: الرأسمالية المتأخرة ونهايات النوم»). لكن هذا ليس سوى غيض من فيض.
ما تسعى الهبنوقراطية إلى تحقيقه حقًا هو ما أسميه فى الكتاب «التحوط الخوارزمى»- وهى حالة من الترقب الدائم الذى لا يشبع أبدًا. الهدف ليس التحكم المباشر بالناس، بل تعديل حالاتهم الجماعية من الوعى لجعلها قابلة للتنبؤ والتلاعب.
يهدف هذا التلاعب إلى كبح جماح أى شكل من أشكال المقاومة الفعالة. ثم هناك هدف أكثر دقة: تحويل التجربة الإنسانية نفسها إلى شىء قابل للتحسين والقياس الكمى.
تسعى هندسة الواقع من خلال الأدوات الرقمية إلى إعادة تشكيل رغباتنا وعلاقاتنا وهويتنا ذاتها، وفقًا لمنطق يفضل التحكم والتنبؤ. والنتيجة هى خصخصة الخيال: إذ تتآكل القدرة على تخيل مستقبل بديل بشكل منهجى، وتستبدل بأحلام معدة مسبقًا تبدو خيارات شخصية، لكنها فى الواقع نتاج النظام البيئى المنوم. لا يمكننا السماح بذلك.
■ هل الأشخاص الثلاثة الذين كتبوا آراءهم حول الكتاب حقيقيون أم شخصيات مختلقة؟
- جميعهم أسماء وهمية، مثل كتبهم، وهى جزء مما نشرته لأظهر عدم وجود الشخصية لمن بحثوا عنها. الفصل الأول من الكتاب، على سبيل المثال، مخصص لتجربة برلين، حيث ابتكر أستاذ «ماركوس هايدمان» شخصية «هيروشى تاناكا» جلبت كتابًا وهميًا إلى العالم لدراسة رد فعل الجمهور. من الواضح أن لا هايدمان ولا تاناكا موجودان (كان على المرء فقط البحث عبر الإنترنت)، والتجربة ليست سوى وصف لمشروع التنويم المغناطيسى.