ماهر زهدى: الجمود فى الشكل والمضمون سبب التراجع
تحدث الكاتب والسيناريست ماهر زهدى عن رؤيته لقناة النيل الثقافية، متأملًا مسارها بين البدايات الواعدة والواقع الراهن الذى يصفه بأنه مثقل بالقيود وضعف الإمكانيات.
يرى زهدى أن القناة، رغم بدايتها الطموحة، تعانى اليوم من فجوة واسعة بينها وبين التطورات التكنولوجية الهائلة التى يشهدها العالم، مشيرًا إلى أن الثقافة لا تعنى فقر الصورة، وليس من المنطقى أن يُقدَّم المحتوى الثقافى فى ثوب بصرى فقير أو بديكور باهت وإضاءة ضعيفة، لأن المشاهد الآن لا يكتفى بالاستماع، بل يتلقى بعينيه أولًا، وبالتالى، لم يعد كافيًا الاعتماد على «أبسط الأدوات المتاحة» لتقديم محتوى ثقافى ينافس فى زمن الصورة، لأن المشاهد اليوم معتاد على مستويات عالية من الجودة البصرية حتى من صُناع المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعى، الذين يحرصون رغم إمكانياتهم المحدودة على خلق نوع من الإبهار يجذب المتلقى. لذلك يرى أن نجاح قناة النيل الثقافية لا يمكن أن يتحقق من خلال الاكتفاء بالمضمون وحده، بل بضرورة التكامل بين الصورة والمحتوى.
ويشير إلى أن لكل عصر لغته وأدواته. فمضمون القناة فى بداياتها ربما كان مناسبًا لزمنه، أما الآن فقد تغيّر المشهد، وأصبح العالم مفتوحًا على مصراعيه أمام ثقافات متعددة وأفكار متجددة. ومن ثم، فالتحدى الحقيقى اليوم يتمثل فى مجاراة هذا الانفتاح وفى خلق محتوى يستطيع منافسة ما يقدمه الذكاء الصناعى من بدائل معرفية وترفيهية. ولهذا يؤكد أهمية أن يضم فريق الإعداد فى القناة مجموعة من المثقفين ذوى الوعى الواسع والمتنوع، لأن الإعداد لا يمكن أن يقتصر على دائرة ضيقة من الأصدقاء والمعارف فى الوسط الثقافى، ممن تتكرر وجوههم على الشاشة، فهناك ضرورة لانفتاح القناة على تنوع الأصوات والاتجاهات الفكرية، سواء فى الأدب أو الشعر أو الفنون أو السياسة.
ويرى زهدى أن محتوى القناة يحتاج إلى تجديد فى الأفكار والوجوه والرسالة الثقافية نفسها. فالمشكلة ليست فى الإمكانيات المادية فقط، بل فى فقر الأفكار أيضًا، كما أن البرامج الحوارية التقليدية التى تقوم على جلوس شخصين أمام بعضهما أصبحت شكلًا تجاوزه الزمن، بينما العالم من حولنا يبتكر صيغًا جديدة أكثر جذبًا وتفاعلًا، تقدم الفكرة برؤية مغايرة تجمع بين العمق والمتعة البصرية.
ويستحضر زهدى أسماءً مثل رتيبة الحفنى التى كانت تشرح ببساطة للمشاهدين الأعمال الموسيقية الكلاسيكية، وعمار الشريعى الذى قدم فى برنامجه «غواص فى بحر النغم» نموذجًا فريدًا لتبسيط الموسيقى وتحليلها بأسلوب شيق. ويرى أن مثل هذه النماذج كانت تقدم الثقافة بمعناها الواسع، لا بوصفها حوارًا مع شاعر عن ديوانه أو روائى عن روايته فقط، بل كانت مساحة مفتوحة لكل الفنون التى تصقل الذائقة العامة وتبسط الجمال للناس.
ويؤكد أن القناة الثقافية بحاجة إلى إعادة اكتشاف دورها الحقيقى فى تقديم الثقافة بوصفها حياة كاملة، تشمل الأدب والفنون والموسيقى والسينما وكل أشكال الإبداع، وأن تهتم بالمبدعين فى الأقاليم، مشيرًا إلى أن الجمود فى الشكل والمضمون معًا أسهم فى تراجعها بعد أن كانت أول قناة ثقافية فى المنطقة العربية.