السبت 27 يوليه 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

هـل كتبت النساء التوراة؟.. كتاب إسرائيلى جديد يُنصف المرأة أمام «دواعش الكيباه»

التوراة
التوراة

«لا يجوز للنساء قراءة التوراة عند الحائط.. ولا يُسمح لهن بالمشاركة فى العبادة».. تلك واحدة من بين تعليمات وتفسيرات لرجال الدين اليهودى «الحاخامات» تجاه المرأة، مستندين فيها إلى فهمهم الخاص لـ«التوراة»، الذى تحظى بسببه المرأة بمكانة متدنية للغاية لدى «المتدينين اليهود»، إلى الدرجة التى أوصلتهم لتقييد حتى طقوس ديانتها.

فى فبراير الجارى، طرح يوسى كسنر، الكاتب الإسرائيلى، كتابًا جديدًا بعنوان «هل كتبت النساء التوراة؟.. الانفجار الاجتماعى الكبير»، فى محاولة جريئة للحديث عن مكانة المرأة وما تستحقه، وفق الكتاب المقدس لليهود.

و«كسنر» هو كاتب ومؤلف إسرائيلى، حاصل على درجة «الماجستير» فى التاريخ، ودرجة «البكالوريوس» فى المحاسبة والاقتصاد ويمتلك شركة أعمال خاصة.

وفى كتابه سالف الذكر تحدى «كسنر» التصور السائد بأن الرجال فقط هم من كتبوا «التوراة»، وبناء على مناقشة متعمقة للمصادر التى اعتمد عليها، يحاول إثبات وجهة نظره المثيرة تلك.

وأوضح أنه «يجب على كل من يتناول الموضوع أن يأخذ فى الاعتبار احتمال أن تكون النساء أيضًا قد كتبن أجزاء من التوراة، رغم الافتراض السائد بأن الرجال فقط هم الذين كتبوه، وهو الافتراض الذى لم يتلق النقد المناسب، ربما لأن التفسير التقليدى جعل من الصعب الانحراف عن خط الفكر المقبول».

ويبحث الكاتب الإسرائيلى هذه القضية بشجاعة ودقة، من خلال مناقشة ٩ قصص «دراسات حالة»، يُعرّفها بأنها «أنثوية»، ويقدم تفسيرًا بديلًا دينيًا ومستنيرًا ينفى مفهوم التفسير التقليدى المسىء للمرأة، ويغير قواعد اللعبة لصالح المساواة بين الجنسين.

ويتطرق أيضًا إلى ما وصفه بـ«الانفجار الاجتماعى الكبير للإنسانية»، وأساس «قانون كرامة الإنسان وحريته»، معتبرًا أن أحجار الزاوية فى هذا «الانفجار» هى: الحرية، والمساواة بين الجنسين، والمصير المشترك، وحرية الاختيار المستنير، والركائز الأساسية الداعمة له.

ويبرز المؤلف بقوة حضور المرأة فى التعبير عن الأفكار العالمية فى «التوراة»، وبالتالى يقدم عبر الكتاب مساهمة نظرية وعملية مهمة فى النضال من أجل مكانة المرأة، خاصة فى هذه الآونة.

وقال «كسنر»، فى مقدمة كتابه: «منذ فترة تشغلنى فكرتان فيما يتعلق بالنص الكتابى بشكل عام وأسفار التوراة بشكل خاص، الأولى: هل من الممكن أن تشارك النساء أيضًا فى كتابة النص الكتابى؟ والثانية: إن التمييز بين الجنسين، أى عدم المساواة وإقصاء المرأة، فى الوقت الحاضر، لا يعنيه بالضرورة النص الكتابى، بل هو نتيجة مباشرة للتفسير التقليدى، الذى تشكل على مدى الـ٢٠٠٠ سنة الماضية فى البيت البطريركى».

وأشار إلى تفسير «المدراش»، وهى شروح «الحاخامات» للأسفار القديمة، والذى ينص على أن «المرأة ليست موضوعًا قانونيًا فى حد ذاتها، لكنها تنتمى دائمًا إلى رجل معين»، مضيفًا: «تعديل الإقصاء النسائى لن تساعده حجج التيار الليبرالى، التى لا تملك القدرة على تقويض صحة التفسير التقليدى، بل تتطلب، أولًا وقبل كل شىء، نفى التفسير الصارم من الماضى، والمقدمة لبنية تحتية تفسيرية لاهوتية شاملة جديدة، يمثل بأمانة الجوهر الإنسانى والعالمى لـ(العهد الأخلاقى)، المعبر عنه فى التوراة، والذى ينشأ من الوصف السامى لخلق الإنسان على صورته... ( تكوين ١، ٢٠-٧)».

وأضاف المؤلف الإسرائيلى: «إن المناقشة المقدمة فى هذا الكتاب تستهدف إثارة شك معقول فيما يتعلق بالقاسم المشترك الوحيد حول (الحق الكتابى)، وهو التفسير التقليدى الإبداعى من نوعه، الذى يُمارس فى بيت المدراش اللاهوتى وتفسيراته، وبين علماء الكتاب المقدس، حول أن الكتاب المقدس نتاج خلق لذكر حصرًا وليس أنثى».

وواصل: «غالبًا ما يكون للتفسيرات الكارهة للنساء تأثير حاسم على تعريف عدم المساواة بين الجنسين واستبعاد المرأة، وطريقة تطبيق هذا عمليًا تعزز تصور تفوق الرجل ودونية المرأة، وهو مفهوم يشعر به العديد من أفراد المجتمع الدينى والتقليدى أيضًا».

وشدد على ضرورة «تغيير وضع المرأة، وتعزيز المساواة والمصير المشترك بين الجنسين، والاختيار الحر المستنير لكل بنى آدم، نتيجة لقوله (ذكرًا وأنثى خلقهم) (تك ١: ٢٧)»، معتبرًا أن «مثل هذا التغيير يتطلب إدخال بديل تفسيرى شامل، يقوض بشكل أساسى التفسير التقليدى، الذى يقلل من قيمة المرأة فيما يتعلق بمكانتها، ومن إنجيل المساواة بين الجنسين والمصير المشترك وحرية الاختيار المستنيرة، كما تم التعبير عنه فى (العهد الأخلاقى) المعبر عنه فى النص الكتابى».

وشرح: «جوهر هذا (العهد) ينعكس فى السبب المعطى باسم الله لاختيار إبراهيم: لأنه علم، لكى يوصى أولاده وأهل بيته من بعده، ويحفظون طريق الرب، ويصنعون برًا وعدلًا (تكوين ١٨، ١٩)، إن استبعاد نصف البشرية لا يمكن أن يكون طريقة الرب لفعل البر».

وتابع: «من الشائع أن يكون الإنجيل العظيم للعقيدة الإبراهيمية هو التوحيد، أى الإيمان بإله واحد له السيادة، لكن كان من الضرورى الاعتراف بأن البشارة بإله واحد لم تكن عاملًا لتغيير قواعد اللعبة، ولم تغير شيئًا فيما يتعلق بالرجل والذكر والأنثى»، مشيرًا إلى أنه «على أى حال، لم يكن إله إسرائيل هو الإله الوحيد أبدًا، حتى فى الكتاب المقدس، كان الكون القديم مليئًا بالآلهة والتسلسل الهرمى الوثنى، وكان اليهود على دراية بهذا الوضع مثل أى شخص فى العالم القديم، وكل الموحدين فى العصور القديمة كانوا فى الواقع مشركين بالمعايير الحديثة».

ونبّه إلى أن مجموعة الأناجيل الاجتماعية العالمية، المستمدة من مبادئ العدالة والقانون فى «التحالف الأخلاقى»، ومركزيته المساواة الطبقية والجنسانية، والدعوة المشتركة، وحرية الاختيار المستنير، وحق المرأة فى جسدها، وسيادة الأخلاق وحرية الضمير وعدالة المرأة-تقف فى تناقض واضح مع مفهوم «الهرمية الأبوية» بشكل عام، ومكانة المرأة خاصة، فى العالم القديم. 

وخلص إلى أن «هذه الخطوط كانت بمثابة عامل تغيير قواعد اللعبة للعالم الأبوى القديم، ووضعت فيما بعد الأساس القانونى للمفهوم الحديث لقانون كرامة الإنسان وحريته، ولأول مرة، قوضوا الطبقة والتقليد المناهض للمساواة، وبشروا بنظام اجتماعى جديد، وبالتالى ينبغى اعتبارهم الانفجار الاجتماعى الكبير للبشرية».

وقال الكاتب الإسرائيلى: «رغم أن التوراة غرست الإيمان الكتابى بإله، فقد حاولت إحداث ثورة إدراكية فى الفضاء السياسى والاجتماعى، من خلال الترويج للأناجيل الاجتماعية العالمية»، مضيفًا: «وأساس كل الأناجيل الأخرى هو خلق كل إنسان، ذكرًا وأنثى، على شبه الله وصورته، ذكرًا وأنثى خلقه خلقهما (تكوين ١: ٢٧)، لديهم مصير مشترك، أثمروا وأكثروا واملأوا الأرض وأطعموها وامتلئوا من سمك البحر وطير السماء وكل حيوان يدب على الأرض (تكوين ١: ٢٠)، وأولئك الذين لديهم القدرة على الاختيار الحر والمستنير- ليكونوا مثل الآلهة الذين يعرفون الله والله: والشجرة ترضى الحكماء (تكوين ٣: ٦)».

وأضاف: «هذه الأناجيل هى مغيرات اللعبة الرئيسية للعقيدة الإبراهيمية، وربما هذا هو السبب وراء ظهور هذه الأناجيل الثورية الليبرالية الثلاثة مباشرة عند الافتتاحية فى سفر التكوين ١ و٣»، مشددًا على أن «هذه الرسائل الفريدة ليست أقوالًا ميتافيزيقية مجردة، بل هى تصريحات سياسية تهز أسس العالم الأبوى القديم والحالى. إنها تثبت لأول مرة فى تاريخ البشرية، أن كل إنسان، ذكرًا وأنثى، مخلوق على صورة الله ومثاله، وأن كليهما يتقاسمان معًا المساواة بين الجنسين والمصير المشترك المستمد من حرية الاختيار المستنيرة التى وهبنا إياها».

وأوضح أن هذه الأناجيل تقع فى قلب «التحالف الأخلاقى»، وكان من المفترض أن تغير بشكل جذرى طرق الحياة التقليدية فى المجتمع الأبوى القديم، وتؤدى إلى مجتمع إنسانى تسود فيه المساواة بين الجنسين وحرية الاختيار للجميع، مضيفًا: «هذه الخطوط، اليوم، هى جوهر مفهوم فصل الدين عن الدولة، وحرية الدين والضمير، وقانون كرامة الإنسان وحريته فى الديمقراطية الغربية».