الإثنين 20 مايو 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

اسمه صبرى فواز.. أكتب عن أستاذى الأول وأخويا الكبير أخيرًا

صبرى فواز
صبرى فواز

صبرى فواز ممثل كبير، لـ إنه مشخصاتى، التمثيل له أبواب كتير، وما تقدرش تحجر على أى حد دخله من أى باب، لكن كمان ما تقدرش تمنع نفسك من الانحياز لـ اللى دخله من باب «الشخصية»، هـ تعملها إزاى، دا موضوع تانى، إنما الأساس فى الشغلانة إنك مش بـ تقدم نفسك، ولا ريآكشنز بتاعتك إنت، ولا كل مرة هـ أشوفك، إنما إنت بـ تقدم لى «فلان»، فـ أنا عايز أشوف فلان، بـ يمشى إزاى، بـ يتكلم إزاى، بـ ينفعل إزاى، وصبرى من هؤلاء، من هؤلاء جدًا. 

ملمح كمان عند صبرى، وهو إنه وصل لـ أداء أدوار البطولة فى عدة أعمال، ولا راسمال له سوى قدراته كـ ممثل، مش قصدى بس دون الاعتماد على العلاقات الشخصية والعامة، لكن كمان من غير حاجة إضافية زى امتلاك جسد رياضى «عضلات» أو وش مسمسم بـ زيادة، أو قصص شخصية حراقة تخليه ترند، ما أعتقدش إنه حد يذكره إلا كـ ممثل، وهذا لو تعلمون أمر فى منتهى الصعوبة.

الحكاية مش بـ تمشى بـ إنك «موهوب»، أو عندك إمكانيات كبيرة، فـ أول ما يشوفك ذوو السلطة وأصحاب القرار يقولوا هو دا، لـ إنه أساسًا مفيش حاجة اسمها موهبة بـ المعنى الميتافيزيقى، إنما هى إمكانيات، والإمكانيات عادة مش بـ تبقى واضحة إلا لو فيه معايير متفق عليها، وزى ما حضرتك عارف المعايير عندنا بـ عافية شويتين، واللى بـ يشوفوا مش كتير، فضلًا عن احتياجنا دايمًا لـ مجال نتشاف فيه.

لـ ذلك، صبرى خاض رحلة كفاح كبيرة، وتدرج فيها واحدة واحدة، وفى كل مرحلة كان بـ يبقى فيه صعوبات، حسب المجال اللى إنت بـ تشتغل فيه، ولولا إنه مصدق تمامًا ما يمتلكه كان ممكن جدًا، بل كان الأقرب إنه يفكس لـ كل حاجة.

مثلًا، هو اشتغل إزاى كـ ممثل؟ كان فيه ممثل اسمه محمد الشرقاوى عليه رحمة الله، وكان الشرقاوى فى طريقه لـ النجومية، كان واخد المنطقة اللى مشى فيها بعدين علاء ولى الدين، وكان الشرقاوى المفروض يلعب دور فى «الوسية» مع الراحل إسماعيل عبدالحافظ، لكنه اعتذر عن الدور فجأة قبل ساعات من التصوير، فـ إسماعيل عبدالحافظ اختار مكانه صبرى.

عالم التمثيل، أعزك الله، إن لم تكن تعلم، فـ هو غابة، شغلك مش بـ يعتمد عليك إنت فقط، خصوصًا لو إنت مش من نجوم الصف الأول، زى ما كان صبرى وقتها، وأصعب حاجة فى عالم التمثيل هو إنه عادة ما يساء فهم تصرفاتك وقراراتك، البسيط منها قبل الكبير، ودا بـ يخليك دايمًا ماسك السلك عريان، ومش عارف: تقبل ولا ترفض، ولا تسمع الكلام وخلاص، ولا تطرح وجهة نظرك وأجرك على الله، فضلًا عن صعوبة التمثيل نفسه بدنيًا وذهنيًا، والواقع إنه صبرى خد سنين أطول بـ كتير مما كان يمكنه لو إنه المناخ يسود فيه الفن أولًا، ودا كان كفيل إنه يبطل الشغلانة، وطول الوقت الحقيقة كنت بـ أحسده على صبره، وإنه اسم على مسمى زى الكتاب ما بـ يقول.

الانفجار حصل فى السينما مع دكان شحاتة، وأنا تابعت العمل دا فى كواليسه، وشاركت فى بعض أعماله، وحضرت تصوير أيام كتير، وشفت بـ عينى، ويمكن صبرى ما يعرف دا، قدر الاهتمام بيه من ناس كتير فى الوسط «وربما قلقهم منه» إنما النتيجة النهائية كانت اجتيازه مرحلة مهمة ليه ولينا.

الفكرة هنا إنه لما جات، هو كان مستعد إزاى؟ ما هو لما كانت السنين بـ تعدى، لو ما كانش فيه قراية ومتابعة وتحصيل وتثقيف واكتساب خبرات ومحاولات لـ فهم الواقع، كانت هـ تصادف فراغ، إنما نحمد الله إنه صبرى كان واعى لـ الحكاية دى.

أفتكر مرة كان فى الإسكندرية، وراح يشترى كتب، فـ فضل يشترى يشترى، لـ حد ما فلوسه كلها خلصت، خلصت تمامًا، فـ بقى معاه كتب كتيرة ولا نقود حتى يشيل بيها الكتب دى، فـ كان ممكن يرجع بعضهم، إنما هو صعب عليه، فـ راح جاب عربية ودته مخصوص لـ بلدهم فى كفرالشيخ، ولا إنه يفقد كتاب لـ إنها كانت نوادر.

إنما يا أصدقائى، الممثل الكبير هو جانب واحد فقط عند صبرى، واللى ما عرفش الجوانب التانية فايته كتير.

مثلًا، هو صاحب أنضف ودن قابلتها فى حياتى، ودا مش بس حكمى، أنا عرفت موسيقيين كتير بـ يحسدوه على دقته فى استقبال المزيكا، وأى أداء صوتى زى قراءة القرآن والتواشيح، لـ ذلك هو بـ النسبة لى مرجع، فضلًا عن ثقافته الواسعة، مفيش مطرب أو ملحن مقرئ أو صييت شافته مصر، صبرى مش مطلع على ملفه، وقادر إنه ينبهك لـ مناطق عنده لا يلتفت إليها حتى الموسيقيين.

من أمتع اللحظات اللى الواحد طلع بيها من الحياة، لما يبقى فيه طرب من أى نوع، وصبرى موجود، تحس المزيكا بقى لها أبعاد تانية، وطعم تانى. 

ثم إنه شاعر مهم، صحيح ما عندوش إنتاج ضخم، أو حتى متوسط، لكن على الأقل عنده ديوان «حنين لـ الضى»، تقدر تعتبره حلقة مهمة فى الشعر بـ اللغة المصرية، الديوان كتبه فى التسعينيات، وبـ النسبة لى كان من الفتوح، لـ إنه كان فيه ملامح جديدة، استفاد فيها من المسرح «اللى درسه أكاديميًا» والدراما بـ شكل عام والمزيكا.

كان أهم حاجة فى الديوان دا، القدرة على خلق إيقاع مشدود لـ قصايد هدارة، إضافة لـ مجازات طازة ما كانتش مطروقة، مع جرأة فى طرحه موضوعات كان لسه بدرى على طرقها، بـ اختصار، كنت كل يوم فى الجامعة، كل يوم، يتلم حوالى عدد كبير من الطلبة، ويطلبوا يسمعوا أشعار بـ عينها، ومنها قصيدة صبرى «رجعنى عيل».

هل ممكن حد يكون سالك فى كل الشوارع دى، وبعيد عن المسرح؟ أكيد لأ، والفكرة إنه صبرى كمان مخرج مسرحى، مش ممثل، عنده رؤية، ورغم إنه تجاربه فى المسرح ما كانتش تجارية، إنما كان الطبيعى إنه الصالة تبقى كومبليت، ولـ فترات ممتدة، وهو أصلًا اتعرف فى الوسط الفنى من باب المسرح.

لـ ذلك، من نعم ربنا على الواحد إنى عرفت صبرى فواز من بدرى، من وإحنا صغيرين، وأتخيل إنى لو ما كنتش قابلته أول ما جيت من بلدنا، كنت هـ أفقد جزء كبير من الحصيلة اللى وجهنى ليها، ووجهنى من غير توجيه، بس إنت تشوفه منفعل بـ كذا، يتنقل الانفعال، وتروح تدور عليه فورًا.

ثم أهم حاجة أهم حاجة أهم حاجة فى صبرى فواز، إنه فى كل تلك الجوانب، صُنع فى مصر، ١٠٠٪ صنع فى مصر، ومن خلال معرفتى بيه أقدر أقول لك إنه الهوية المصرية شاغل مهم فى ذهن صبرى، وهو غذاها بـ كل الطرق اللى قدر عليها، وبـ تتبع مفردات الهوية دى، وتشربها والانحياز ليها ع الدوام.

يااااه، أخيرًا قدرت أكتب أى حاجة عن صبرى فواز! الحقيقة إنى طول الوقت كنت بـ أفشل فى دا، لـ إنه أستاذى الأول وأخويا الكبير، وصعب جدًا أكون موضوعى بـ شأنه، بس كان ضرورى أعمل كدا، ولو فى حدود المساحة المتاحة، أطال الله بقاءه وبهاءه.