السبت 27 يوليه 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

أسئلة مشروعة فى أزمة السينما العبثية

سينما مصر
سينما مصر

بعد مداخلة مهمة السبت الفائت، ٤ مايو، للكاتب المحترم أيمن الحكيم مع المذيع والصحفى اللامع خيرى رمضان فى برنامجه اليومى الجاد «مع خيرى» ناقش فيها ما كتبه الزميل أيمن فى مقاله الذى نشر فى جريدة «حرف» التى فتحت ملف السينما على اتساعه بلا حسابات أو وجل أعلن الأستاذ خيرى عن اتصال الدكتور خالد عبدالجليل به بعد يوم كامل من محاولات الوصول له، وأنه سيكون ضيفه السبت القادم، وأنه يقر بأن الأفلام وعددها ما يقرب من ثلاثة آلاف فيلم بيعت خلال الحكومات السابقة، وأنه لا دخل لها فيما مضى، وأن ما تبقى لدينا ٢١٨ فيلمًا ليست ذات قيمة.

اكتشفنا فى غفلة ثقيلة من الزمن أن هناك نخرًا فى كل أساس بقطاع السينما جدرانها تتصدع أمام أعيننا


ما معنى هذا الكلام، جميعنا يعلم معركة النيجاتيف الشرسة التى خاضها الدكتور القليوبى والتى أدت لإقالته من منصبه كرئيس للمركز القومى للسينما بشكل انتقامى فى عهد وزير الثقافة الأسبق فاروق حسنى، وأعلن القليوبى عن أنه سيقاتل لعمل أرشيف سينمائى قومى لآخر رمق، ولعل خطورة الأرشيف بجانب أهميته التوثيقية تكمن فى أنه سيكشف حجم المصيبة وعدد الأفلام الهائل الذى تم بيعه وسرقته، ومنها أفلام نادرة لم نشاهدها قط، ولا تقدر بثمن، وسيفتح أبواب الجحيم على كل من تواطأ فى هذه الجريمة، أو تلك الخيانة العظمى، سواء من نعرفهم بالاسم أو من لا نعرفهم من الأيدى السوداء المستترة، ليعود الناقد على أبوشادى لموقعه كرئيس للمركز فى جولة جديدة لرئاسته بعد إقالة القليوبى، محاولًا لملمة الفضيحة الكبرى، ويجهز ساعده الأيمن خالد عبدالجليل ليحل محله، الذى توسم فيه أشياء تجاوزها هذا الساعد بمسافات ضوئية وفاق كل خيال، ومنذ تولى السيد خالد عبدالجليل رئاسة المركز عام ٢٠٠٩ ظلت ملفات الأرشيف والسينماتيك المصرى ومشروع سجل التراث السينمائى، هى الملفات المعلقة التى بقى وجوده مرهونًا بإتمامها منذ جلوسه على كرسى رئاسة المركز، وقبل تمدده الذى اتخذ مع الوقت صفة المسئول الخالد الذى يضع ملفات السينما فى جيب الساعة، لا أحد يعلم مساراتها، لا أحد يدرك أولها من أوسطها من آخرها، ويأتى وزير للثقافة ويمضى آخر، ولا شىء يحدث على الإطلاق، أو هكذا ظننا، بيد أن الحقيقة أن هناك الكثير والكثير قد حدث، إذ إننا اكتشفنا فى غفلة ثقيلة من الزمن أن هناك نخرًا فى كل أساس بقطاع السينما، جدرانها تتصدع أمام أعيننا ويضيع صراخنا وكتاباتنا بلا جدوى تحت وطأة الاستهداف والتشويه الشخصى لكل من تسول له نفسه أن يكتب كلمة عن حال السينما والمسئول عن كل هذا، أو طى البعض تحت أجنحة المصالح، أو توريط البعض بقصد أو بدون قصد فى هذه المخططات فيجبر على الصمت، حتى وصلنا لمرحلة فساد وإفساد كل شىء.
وللحق فإن مقالًا واحدًا لن يكفى لحصر ما جرى وما كان وما زال يجرى، ولكننى سأطرح بعض العناوين التى يتحتم الإجابة عنها الآن قبل الغد:
- لماذا لم يتم عبر كل هذه السنوات التى قضاها هذا المسئول التواصل الحثيث مع من اشتروا أفلامنا «لو سلمنا بالأمر» لإيداع نسخ من هذه الأفلام لدينا والعمل بشكل متواز على إنشاء السينماتيك المصرى؟ 
- ماذا عن الجرد الذى حدث عام ١٩٩٧ للأفلام والنيجاتيفات التى تبقت فى حوزتنا والذى كشف عن كارثة كبرى، وهو ما حاول القليوبى تداركه واستصدار قانون للحفاظ على الأفلام وبناء أرشيف سينمائى، وهو ما لم يحدث، ثم آخر جرد حدث ٢٠١٩ إبان وجود الدكتورة إيناس عبدالدايم وزيرة للثقافة والذى يدعى مستشارها السينمائى أنه أسفر عن وجود ٢٠٧ أفلام، وفى رواية أخرى له ٢١٨ فيلمًا ليس لها قيمة كبيرة؟
-كيف خرجت وبأى قانون مقتنيات المخرج محمد كريم لحوزة شركة السينما التى يشرف عليها خالد عبدالجليل، والتى اشتراها المركز القومى وقت رئاسة الدكتور القليوبى والعهد المتحفية للمركز والأفلام التى أنتجها المركز التسجيلية والروائية القصيرة لكبار مخرجى مصر؟
- أين فيلم المومياء الذى رممته مؤسسة اسكورسيزى هدية لمصر وتحية واعترافًا بقيمة الفيلم ومخرجه الكبير عالميًا، المعلومات تقول إنه خارج مصر، لماذا وكيف ومن الذى أخرجه؟
- أين مشروع متحف السينما الذى مثّل حجة لكى يتم جمع مقتنيات كبار سينمائيى مصر، وهو ما تم بالفعل مع أسماء كبيرة كورثة الفنانة والمنتجة ماجدة الصباحى ومريم فخر الدين وعائلة ذوالفقار «عز الدين ومحمود وصلاح ذوالفقار» وأشرف وجيه رياض وبزيل بهنا مع حفظ الألقاب بالطبع، وهى مقتنيات تشمل أفلامًا ووثائق وأفيشات ومذكرات وكاميرات ومعدات.. إلخ، جميعها تمثل تاريخًا وتراثًا لا يقدر بثمن؟
- ما هى حقيقة الاتفاق الذى حدث مع بزيل بهنا، والمفاوضات التى تمت فى وجود هذا المسئول للاستحواذ على مقتنيات «بهنا فيلم»، وتوريط وزارة الثقافة فى فتح شقتين كانتا فى حوزة بنك ناصر، وإرجاعهما للوريث الوحيد بزيل، وعمل اتفاق ضمنى معه بعيدًا عن إشراف وزارة الثقافة أو أعين الدولة، ولا أحد يعلم مصير هذه المقتنيات النادرة التى خرجت من مصر بالفعل، وبالمناسبة بزيل بهنا توفى من ساعات قبل كتابة هذا المقال؟

السيد المسئول تارة يعلن عن أننا نملك أفلامنا ولدينا عدد ضخم منها وتارة يعلن عن أننا لا نملك سوى مائتين وبضعة أفلام لا قيمة له

-ما مصير مشروع سجل التراث السينمائى وارتباطه بملف قاعة ثروت عكاشة التى أغلقت بعد ترميمها من أجل هذا المشروع، وإنفاق مبالغ طائلة على مدى عدة سنوات من ميزانية المركز القومى للسينما ووزارة الثقافة، وتكليف السيد سامى رافع بهذا المشروع الذى بدوره لم يتم فيه شىء، ومنذ عامين تقريبًا مجموعة من شباب السينمائيين الواعد قرروا بمبادرة شخصية منهم جمع أرشيف «الأفلام القصيرة» ووجهتهم للمركز القومى للسينما والذى أغلق الباب فى وجوههم ولم يمدهم بأى عون ولا تقبل تطوعهم بأى شكل؟
السيد المسئول تارة يعلن عن أننا نملك أفلامنا ولدينا عدد ضخم منها، وتارة يعلن عن أننا لا نملك سوى مائتين وبضعة أفلام لا قيمة لها، حسب المزاج والظرف، وما معنى أفلام ليست بالقيمة، وعلى أى أساس وصفها بأنها غير ذى قيمة، وما معنى هذا الوصف وما يستتبعه من كوارث، وتارة يحكى قصة محاولة الحصول على قصر الأمير طوسون من قبل وزارة الثقافة ليكون مقرًا للأرشيف السينمائى المصرى، ثم بعد ٢٠١١ وانفصال وزارة الآثار عن الثقافة، رد وزير الآثار وقتها «روح خذ القصر من الأمير طوسون»؟
- ما معنى هذا العبث، وهل توثيق تراثنا السينمائى يتحمل هذا التهريج من قبل مسئول يتقلد كل المناصب ذات الصلة بصناعة ضخمة كالسينما؟
وإذا كنا لا نملك سوى هذا العدد الهزيل الذى بلا قيمة من الأفلام، هل ظل طوال كل هذه السنوات رئيسًا للمركز القومى للسينما، ثم مهيمنًا كمشرف عليه فى فترات لاحقة ترأس فيها عدد من المسئولين رئاسة المركز، ولم يتمكنوا من تحريك حجر نحو مشروع الأرشيف والسينماتيك وسجل التراث السينمائى والمتحف السينمائى، بجانب منصبه الغامض كمستشار وزراء الثقافة الذين تجاوز عددهم أصابع اليدين العشر، فضلًا عن رئاسته جهاز الرقابة على المصنفات الفنية ورئيسًا للجنة العليا للمهرجانات «والذى سيكون لهم حديث مفصل آخر أيضًا» هل كل هذه المواقع البالغة الخطورة والخالد الوجود فيها، والمرتبات التى يتقاضاها من الدولة، من أجل الـ ٢١٨ فيلمًا، ومن أجل أن يفسر الماء بعد الجهد بالماء، بأن أفلامنا بيعت لقنوات خليجية؟

الجميع يعلم أنه لا أفق ولا إصلاح للسينما فى وجود هذا المسئول وبطانة المؤتلفة مصالحهم التى تحيط به
 

وما الذى حدث لمشروع دعم الأفلام الذى انطلق فى عام ٢٠١٤ عندما انعقدت لجنة برئاسة السفيرة فايزة أبوالنجا، مستشار رئيس الجمهورية آنذاك لدعم السينما الفنية من قبل الدولة وتم تخصيص عشرين مليونًا كلبنة للمساهمة فى دعم الأفلام غير التجارية، وأعطت الأولية للشباب، أسوة ببلدان كثيرة أوروبية وعربية، وأوكل للمركز القومى للسينما وقتها هذا الملف باعتباره الجهة القومية الوحيدة التى تنتج أفلامًا، والذى كان يرأسه حينها المخرج أحمد عواض بعد إزاحة خالد عبدالجليل لفترة وترضيته بمنصب رئيس قطاع الإنتاج الثقافى، والذى استطاع بحكم وجوده كرئيس للقطاع أن يطيح بالمشروع، بل وبرئيس المركز شخصيًا الدكتور عواض، لينطفئ هذا الضوء للأبد؟
نافلة القول، الجميع يعلم أنه لا أفق ولا إصلاح للسينما فى وجود هذا المسئول وبطانة المؤتلفة مصالحهم التى تحيط به، والأمر لم يعد يحتمل مجرد السجال على شاشات التليفزيون، ولا الاكتفاء بالكتابة عبر صفحات الجرائد، الأمر بات أمنًا قوميًا، بات رغبة محمومة فى الكشف عن تفريط لئيم فى تاريخ سينما عظيمة بدأت مع العالم ومن أقدم السينمات القومية فى الدنيا، ولعل ملف أصول السينما المادية، ودور العرض وعموم الاستديوهات التى تدم تدميرها وبيعها ولا أحد يعلم مصيرها الغامض وآخرها واقعة حريق استديو الأهرام نكأت الجراح الملتهبة أصلًا، والتى ألهبها تعليق وزيرة الثقافة البارد الذى زاد الطين بلة، وهو أننا كنا ننوى نقل الاستديو أصلًا لوجوده داخل منطقة سكنية، فضلًا عن أننا لم تصلنا معلومة واضحة عن ملابسات الحادث الذى أودى بحارة لها تاريخ وأثر فى وجدان كل مصرى. 
وأخيرا وليس آخرًا، نحن لا نسعى سوى للصالح العام وصالح سينمانا المصرية العريقة، وصالح أجيال قادمة تحلم بأن تجد مكانًا آمنًا لها داخل مصنع الأحلام، ولن تغفر ولن تسامح تفريطنا أو هواننا على أنفسنا، ومن حقها أن تفخر بسينما عظيمة تنتمى إليها.
ومن ثم أطالب بأن توجه وزيرة الثقافة بفتح أبواب تلك الكيانات أمام الصحافة والإعلام، ويرينا السيد المسئول عن شركة السينما وما يتبعها على أرض الواقع ما نسأل عنه جميعًا، الأرشيف، المتحف، سجل التراث وتجهيزاته، أرشيف المركز القومى للسينما، ثلاجات الأفلام، وما بداخل العلب، السينماتيك المصرى.. إلخ.
وأضع أيضًا بين يدى الدولة المصرية ما يدافع به عبدالجليل دومًا عن وجوده السرمدى حتى بعد بلوغه سن التقاعد وتمسكه الغريب بمكانه كأنه ضد الزمن والمنطق، وما أوصلنا إليه على مدى ما يقرب من عشرين عامًا، بأنه يعمل ويعمل على طريقة الفنان الكبير عبدالمنعم مدبولى «وبينما كان يفكر ظل يفكر ويفكر»، فيما المسئول عن كل هذا الدمار والانهيار هو تقاعس مؤسسات الدولة المعنية، فى الوقت الذى تؤكد خطط النهوض التى يطلقها رئيس الجمهورية ويدعمها بنفسه ويدعم الكيانات المؤسسية التى توكل بها يشكل نفيًا قاطعًا لكل مزاعمه، وتؤكد على أنه أصل الأزمة طالما ظل يمسك عنق صناعة السينما بكلتا يديه.