السبت 27 يوليه 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

أحمد الطحان يكتب: مرثية جيل

الشاعر أحمد الطحان
الشاعر أحمد الطحان

كان الشاعر أحمد الطحان، الذى ولد فى شبين الكوم بمحافظة المنوفية، بسيطًا جدًا مثل شربة ماء، وكان شعره مثله بسيطًا جدًا، ليصل الاثنان، «أحمد» وشعره إلى قلوب الناس، ويسكناه بلا أى استئذان، ثم جاءت زينب.

كان «الطحان» واحدًا من جيل صنع ثورة، لكنه عرف أن الثورة سرقها «الإخوان»، فحاول الانتقام منهم وكتب عنهم وهم فى سدة الحكم، هؤلاء الذين سرقوا الثورة وحلم الشباب وتطلعهم إلى مستقبل بهتت ملامحه.

ولـ«أحمد الطحان»، الذى اشتهر بقصيدة «زينب»، عدد من الدواوين، كان قد بدأها بديوان «الضريبة ٤٠٪»، الذى فاز عنه بجائزة أحمد فؤاد نجم لشعر العامية، ثم أصدر ديوانًا آخر بعنوان «الشكمجية»، فى عام ٢٠٢٠، وصولًا إلى ديوانه الثالث بعنوان «مش أنا خالص»، فى عام ٢٠٢١، قبل أن يصدر آخر دواوينه بعنوان «كروت فكة»، فى ٢٠٢٢.

أما زينب المهدى فلم تكن حبيبة لـ«الطحان»، بل كانت شابة ككل شباب هذا الجيل، وانتحرت بعد يأس من صلاح الحال، فكان موتها ضربة قاسية على صدر الكثيرين، ومنهم «أحمد»، الذى اعتبرها رمزًا وكتب من أجلها قصيدة «زينب».

انتشرت القصيدة انتشار النار فى الهشيم، وأصبحت أيقونة، ومعها انتشرت شائعات حب «الطحان» لـ«زينب»، لكن «الطحان» لم يصرح يومًا بمحبتها، هو أحبها كحالة ثورية نسوية، كان انتحارها دليلًا على شجاعتها.

راحت «زينب» تكبر وتتحول إلى مرثية جيل بأكمله، تحولت إلى قصيدة من القصائد الخالدة، البعض سمعها على أنها حالة حب، والبعض سمعها على أنها حالة ثورية، لكن الجميع اتفق على محبتها.

لم تكن قصيدة «زينب» قوية بالنسبة للقراء وحدهم، لكنها أمسكت بـ«الطحان» وكبلته تمامًا، فأصبح يتحرك فى حدود «زينب» فقط، فى كل حفل تطلب «زينب»، وكلما ذكر «الطحان» ذكرت «زينب».

أصبحت القصيدة متعلقة به بشكل أو بآخر، وراحت تمحو ما حوله من قصائد ودواوين لتتشكل فى صورة قصيدة واحدة، وهنا أصبحت القصيدة عبئًا على صاحبها، فكلما كتب جديدة برزت «زينب»، وكلما وقع ديوان برزت «زينب»، وكلما وقف أمام جمهور ليقول الشعر، خرجت «زينب» على مقدمة اللسان ليعرف «الطحان» بـ«زينب» وتعرف «زينب» بـ«الطحان».

كانت «زينب» قصيدة بسيطة جدًا، وكان أحمد الطحان بسيطًا جدًا، كلاهما يشبه بعضه، كلامه العادى كان شعرًا، وشعره مثل شعر الأمهات فى البيوت حزنًا على الغائب، ومثل فرحة الرجال بالعودة، بسيط يتسرب من بين مسام الأصابع، لكنه قوى وممسوك ويخلب اللب... كان أحمد الطحان بسيطًا، وكان شعره بسيطًا، وكان حضوره على الدنيا يشبهه ويشبه شعره.. بسيطًا أيضًا.

يقول الطحان فى مقاطع من قصيدته:

لو كاره التمثيل

اقفل من الأول

لو شفت فيا جميل

ف أنا لسه هتحول

هو التراك دا طويل

ولا التراك طول

انى أراك بتميل

وأنا روحى بتنمل

أنا ابن هذا الجيل

يا قتيل يا متسول

هو التراك دا طويل ولا التراك طول!

الساعة تلاتة بالليل ف طلعت حرب

كنت تقريبا زى ما كنتى

طالل عليكى بغنوة من قلبى

وأنا قلبى بلكونتى

مقدرش

ميصحش.. ميصحش

اتعشم ف نشوة نصر تانية

مقدرش

غيابك رابع بلنتى يضيع ف نفس الماتش

الوقت اتأخر 

دلوقتى أنسب وقت 

تتمشى فيه عند المدافن

وتطل على ألواح الرخام تحت الأسامى

من بين فروق البوابات الحديد القديمة 

وتبتسم 

مش لأن مفيش راجل بيعيط لأ 

لأنك لو عيطت 

فى ناس فى قلبك مبتعرفش تعوم 

مالهاش ذنب

وده ميرضيش ربنا

ولا يرضيكى يا زينب 

لو قربنا مـ الشمس هنتحرق يا على

ولو وقفنا ف الضل هنبرد

وهنختفى لو وقفنا ف المسافات

أنا عارف إنت مكنتيش عاوزة تموتى

ولا عاوزة لباقى سنينى شقى

كنتى عاوزة تبقى ف حلاوة سعاد حسنى

وجسم هند رستم

ف تحلى من على حبل المشنقة

بتصحى كأن الشمس مستنية تاخد إذن

وبتغنى كأن الناس كلها حلوة

محدش غيره يعرف عن دموع الحضن

محدش غيرى يعرف حاجة عن علوه

بس إنتِ حلوة

إنت أحلى من شقوق الحيطة ف البيت القديم

ولو ع التخن ف عادى يعنى كلها شهرين ريجيم

صندوق ندور فاضى، مشقوق بلا تصنيف

منتاش ولى راضى، منتاش على الحريف

بقى كل دا عادى وبتبتسم يا خريف

صادقة بانفعالات أدرينالين

مش لوح إزاز

بسيطة وواضحة ومبتلجأيش للمجاز

يعنى مثلًا مثلًا.. مثلًا

مين دا يا زينب؟!

تبصى للصورة وبتبتسمى 

وتقوليلى

«واحد كان بيحبنى»

وتقلبى البرواز

عدى الجمايل يا حبيبتى

واذكرينى حينما

تضرب عينيكى ف السما

وتحسى بالوحدة

بتطيرى العصافير

وتطيرى وياهم

وتدمعى ف حزنهم

وتغنى ف غناهم

يصبح لقاكى مصير

للى بيهواهم

واللى بيهوى الهرب

يا طيبة يا زينب

هعرف أسامحك على كل حاجة

على آخر مشهد سبتيه اتعاد لبقية العمر

وحسرة الحنة على إيد البنات السُمر

ووحدة المسلسلات المملة

والمنجة اللى إنتِ شربتيها مع إنى كسبتك ف الطاولة

وكسر القلب الرخيصة والرخيص

والقهوة اللى لما زعلتك رمتيها على القميص

هعرف أسامحك على كل حاجة

حتى الغياب!

ﺧﻄﺄ ﻓﺎﺩﺡ ﻭﺧﻮﻑ ﻭﺍﺿﺢ ﻭﻛﺎﻡ ﺫﻛﺮﻯ ﻟﺤﺒﻴﺐ ﺭﺍﻳﺢ

هو التراك دا طويل ولا التراك طول!

لو شفت فيا جميل؛ ف أنا لسه هتحول

هو التراك دا طويل ولا التراك طول

وسطنينى ف ذكريات هشة

وطنينى ف لمسة أو رعشة

والطفى بيا، وارأفى بيا

دا السنين جاية وجايه بالغيبة والوحشة

اصطفينى مـ الجسد والروح

قلبى كان صابح، صبح مجروح

اخطفينى من سطوح لسطوح

نبنى نفس العيشة والعشة

ولا أقولك هاتى إيدك؛ قومى نتمشى

أنا آسف.. بس أنا عندى أكتر من عاهة

حضن، مبيطمنش حد، ورجلين مبتلمسش أرض

ونفس وما سواها!

كنت عارف بتخبى الحاجات فين

البسبوسة تحت السرير

والعسلية ف الدرج

ارقدى ف سلام يا زينب

دلوقتى الكل هيبكى عليكى

ويطير الحمام مـ البرج

يا أيتها النفس المطمئنة

يا أيتها النفس

ارجعى إلى ربك واقطعى فينا الونس

وسيبلنا الخرس والضلمة ف الأوضة

أوضتى اللى شبه الكنيسة أو جامع السلطان

هادية هدوء الفريسة، ضلمة كما النسيان

أبدأ طقوسى الرخيصة من غير جرس وأدان

وأدين لذاتى الخسيسة بالفضل والعرفان

أوقات بكون يحيى قدرى، دكتور طارق

وأوقات بكون عيان!

إخواتى سافروا دا قدرى

قبرى اتملى غربان

بتنامى يا أمى بدرى وأفضل أنا سهران

كلب الحراسة اللى شيلتيه تسع شهور

عشان فاكرة إن بنوتة جاية، دُفعة دفا وحنان

دفعت غلطة مين علشان أكون إنسان

رفعت إيدى سنين، أقبل دُعا السكران

لا جدوى مـ الأحزان، لا جدوى مـ العصيان

لا جدوى مـ الانتظار كان جاب نتيجة زمان

ما بين أول جريه من الدخان

عشان حق المظلوم وشق الظالم

لحد آخر محاولاتك البائسة للتعايش

بالفرجة على كاس العالم

يا دوب مافيش

كأنك كنتِ بتنزلى جرى على السلالم

فيه حاجات بتبتدى ف ثانية

وتنتهى ف سنين

وحاجات بتاخد سنين

وبتنتهى ف ثانية

يا هل ترى يا زحمة الفتارين

هتملوا امتى مـ البص ع الدنيا؟!

هتزعل عليكى القهاوى

وتشتاق لك الروايح

وتندم عليكى الكراسى الضيقة

وكل سواق تاكسى مرضيش يقف لك

وتغنى ليكى الموالد

ويبكى عليكى الشجر

ويستثمرك بابليك فيجر

عرفت معنى الخوف، وعرفت معنى الندم

عرفت معنى الشوف، وعرفت معنى العدم

إحنا ضيوف ف ضيوف، ماشيين نقدم قدم، ماشيين نأخر قدم

نردم ع اللى فات ونحفر ما اتردم

لسه ضحكتك بريئة، حتى وإنتِ بتحققى المأساة

كنت ضعيف عكس ما اتعودتى

ضعيف لدرجة إنى كنت بدور على أى حد ف الشارع

يقولى البقاء لله، كنت ضعيف يا زينب

و اللفظ دا بالذات قسوته ف معناه

حفظت ماء وجهك

ودلقت ماء وجهى

طلى على حجرك تلقى القماش مبلول

وتقولى إيه بكاه؟!

ما كنت جايلك أقول

الله يستهزأ بهم، الله يستهزأ بنا

ويمدهم ويمدنا

ومافيش فرار ومافيش بديل

اخترتى ليه أصعب طريقة للرحيل؟!

يا أُم العيون المؤمنة

انتقلت إلى رحمة الله تعالى

أُمال هى كانت فين؟!