السبت 27 يوليه 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

سيد الوكيل: الرواية أصبحت «ملطشة لكل من هب ودب»

الرواية
الرواية

مبدئيًا شريف صالح كاتب متميز لا يستهان به، سواء فى قصصه أو رواياته، لكن ظروف عيشه خارج مصر جعلته لم يُقرأ جيدًا فى بلده. ويبدو أنه عندما عاد إلى مصر، وانهمك فى واقعها الثقافى، عانى صدمة الواقع المترهل وربما الاغتراب.

أنا أتفق معه على أن الثقافة كلها وليست الرواية وحدها، وصلت إلى طابع شعبوى، وهو ما أنتجته التكنولوجيا، فبدلًا من أن تكون مصدرًا للمعرفة والوعى، كما هى الحال فى كثير من بلدان العالم، أصبحت «ملطشة لكل من هب ودب»، يمكنه أن ينشر عليها، وأن يتحول إلى «ترند»، يتكسب ويصبح نجمًا.

المشكلة أن مثل هذه الظواهر طالت بعض المثقفين، فمنهم من يطلق على نفسه «إله النقد» أو «إله السرد»، ومنهم متنطعون، كل وظيفتهم تصيد الأخطاء والاحتجاج والسخرية والتشويه لشخصيات جادة، فتشعر بالقهر وقد تنزوى...إلخ. وظنى أن كثيرًا من دور النشر ولجان الجوائز أسهمت فى تمرير بعض الأعمال الأدبية المتواضعة، يحدث هذا وفق ترتيبات من قبيل «يا بخت من نفع واستنفع». 

لقد عاش المسار الروائى خطيئة كبرى بسبب مقولة «زمن الرواية» المستعارة. والذى يبحث على شبكة الإنترنت سيجد عشرات المقالات التى تؤكد أن زمن الرواية هو زمن انحطاطها. لكن الكارثة الأكبر تكمن فى فهمنا الضيق للمقولة، فرحنا ننوه بموت القصة، حتى أننا حجبنا جائزة الدولة التشجيعية فى القصة عام ٢٠٠٧، التى تقدم لها ١٨ كاتبًا من أنضج الكتاب، منهم الكاتب السكندرى المرحوم أحمد حميدة، وهو تلميذ محمد حافظ رجب. كما احتوت المسابقة على شخصيات تمثل الآن بؤرًا ثقافية مهمة، منهم الدكتورة صفاء النجار، والعبد لله. ومن خلال تعرفى على بعض من لجنة التحكيم، عرفت أن الحظر جاء بأوامر عليا، لتأكيد مقولة «زمن الرواية» ليس إلا. 

كما أن المقولة أفضت إلى تجاهل الشعر، الذى كان وقتها فى قمة نضجه متأثرًا بقصيدة النثر، حدث هذا رغم أن القاعدة المؤسسة للفنون منذ أرسطو هى «وحدة الفنون». صحيح أن فن الرواية قديم منذ العصر الرومانسى، لكنه عبر تاريخه أفاد من الفنون الحديثة، حتى أن الرواية كانت بمثابة مصدر الإلهام للسينما فى بدايتها، فكثير من الروايات العالمية كانت تتحول إلى أفلام، مثل «آنا كارنينا» و«الأخوة كارامازوف» و«نوتردام دى باريس».

وحتى الآن يمكن للرواية الحديثة أن تستفيد من المفهوم البصرى للسينما، وكذلك تقنيات المونتاج، لكننا بدلًا من ذلك، أصبحنا نأخذ مصادرنا السردية من كتب التاريخ والسينما الأمريكية، فكثير من الروايات هى إعادة إنتاج لـ«ثيمات» سينمائية مشهورة، منها روايات حول لعنات الفراعنة التى تطارد علماء الآثار، وأخرى عن البئر الملعونة، وأشباح تسكن البيوت المهجورة، وهى مجرد معالجة متواضعة مأخوذة عن فيلم «The others» لنيكول كيدمان. هذا فضلًا عن روايات الخيال العلمى والألغاز و«الفامباير»، وشخصيات حية منذ عصر الديناصورات، وكثير من هذا «الهرى» الذى لا يليق بالسرد الروائى، ولكنه شعبوى وشائع من قبيل التسلية. 

فى إحدى لجان التحكيم نبهت إلى رواية مستعارة من فيلم «قطار ليل لشبونة»، لكن أحدًا لم ينتبه، وفازت الرواية بالمركز الأول، وظنى أن ظاهرة إعادة الإنتاج الروائى لأعمال سابقة بدأت مع «عمارة يعقوبيان»، التى كانت مستعارة بشكل واضح من «ميرامار» نجيب محفوظ، لكن نقادنا لم ينتبهوا. 

أما عن «ثيمات» الموضة فى الرواية فحدث ولا حرج، فانزلاق الرواية إلى التاريخ وضعها فى أفق محدود. لكنه سهل ومتاح لأى شخص، فيمكننى أن أقرأ كتابًا عن أفندينا محمد على، وأجعله بطلًا لرواية تحظى بالتقدير لمجرد أنها تاريخية. هذه الظاهرة نجدها فى عشرات الروايات عن المماليك و«المورسكيين» والأقباط والمتصوفة.. إلخ، تتشابه فيما بينها حد الملل. وهذا التشابه يحرمنا من التجريب الذى هو بمثابة الوقود النووى للسرد. 

لكن هذا لا يعنى غيابًا كاملًا لروايات ناضجة فى مصر، بل وقيمة. أقول هذا عن ثقة، وفقًا لمهمتى كرئيس تحرير لسلسلة «إبداعات قصصية»، التابعة للهيئة العامة للكتاب. ما زالت الرواية المصرية تحتفظ بنضجها، رغم ما يحيطها من ترهل واضمحلال، منها على سبيل المثال: «إثر حادث أليم، والأيبس، وباب كرم، وعنكبوت فى القلب»، ورواية صدرت مؤخرًا بعنوان «ترنيمة إيزيس»، وهى رواية تتسم بطابع معرفى للتاريخ الفرعونى، وهى جديرة بجائزة عالمية.