الإثنين 02 ديسمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

وقائع موت دنجوان القرن.. قصة 36 صورة لرشدى أباظة على سرير الغيبوبة الأخيرة (2)

عدسة آمال العمدة
عدسة آمال العمدة

- لولا عائلة أمانى ناشد الموجودة فى لندن ما عرف الناس أن رشدى أباظة مريض

- آمال العمدة مدافعة عن نفسها: لم أتعمد الإساءة له.. وبدا وسيمًا رغم الغيبوبة فى اللقطات التى أخذتها له

- هل احتفظ فريد شوقى بصور صديقه ضمن أوراقه قبل حرق الفيلم الذى صورته آمال

- هل يعقل أن يترك مفيد فوزى زوجته تسلم أهم سبق فى حياتها المهنية لكى يحرقه فكرى أباظة بسهولة دون أن يحتفظ بنسخة

على ما يبدو أن قصة رشدى أباظة لم تكتفِ بالدراما التى حملتها حياته الزاخرة، ولا رحلة مرضه المليئة بالأحداث، فكان لا بد أن تكتمل بدراما أخرى بعد الموت.

نشرت «آخر ساعة»، فى عددها الصادر يوم ٦ أغسطس ١٩٨٠، قصة مثيرة فى الوسط الصحفى، على حد تعبيرها، وكان عنوان القصة كما نشر بالمجلة «أنا الممرضة التى التقطت صور رشدى أباظة فى غرفة الإنعاش.. الصحفية آمال العمدة تروى التفاصيل كاملة»، وأرفقت صورة كبيرة لآمال العمدة الإذاعية الشابة وقتها وزوجة الصحفى بـ«صباح الخير» مفيد فوزى، وهى تحمل كاميرا.

أين أختفت صور أمال العمدة لرشدى على فراش الموت

القصة باختصار كما حكاها تحقيق «آخر ساعة» أن ممرضة دخلت غرفة الإنعاش فى مستشفى العجوزة، حيث يرقد الفنان الكبير بين الحياة والموت.. ارتدت الممرضة ملابس التمريض كاملة، وبدا التأثر واضحًا على وجهها.. كان الفنان فى غيبوبة.. لاحظ أفراد أسرة رشدى أباظة أن الممرضة ترتدى حذاء.. له كعب عالٍ.. ولا يمكن أن ترتدى الممرضة مثل هذا الحذاء الذى يعوق حركتها وعملها.

وفجأة تكهرب الجو فى غرفة الفنان الراحل.. وكانت قصة مغامرة صحفية مثيرة.. أو محاولة من صحفية أن تسجل بالكاميرا اللحظات الأخيرة لفنان عظيم.. أحبته الجماهير.

وقصة المحاولة التى كانت حديث الوسط الصحفى حينها بدأت بموافقة الفنان الراحل رشدى أباظة على أن تسجل له المذيعة الصحفية آمال العمدة آخر حديث إذاعى- موجود على الإنترنت الآن- ولكن الحاسة الصحفية عند آمال، وربما بإيعاز من زوجها مفيد فوزى، دفعتها إلى أن تسجل صورًا مع هذا الحديث، وهو الأمر الذى أصر رشدى أباظة على رفضه قائلًا إنه لا يريد لجمهوره أن يراه وهو فى هذه الحالة، ولكن آمال العمدة لم تقتنع بوجهة نظر رشدى.. وكانت المحاولة المثيرة!

واتجهت المذيعة إلى غرفة الإنعاش التى يرقد فيها رشدى أباظة، وأخذت معها عدساتها، كى تبدأ التنفيذ!

وكانت تشعر بالإصرار على إكمال التجربة، خصوصًا أن علاقتها بالفنان الكبير رشدى أباظة كانت قائمة على الثقة المتبادلة، التى انعكست على موافقة رشدى أباظة على إجراء آخر حديث إذاعى معها.

وعلى مدى ثلاثة أيام تمكنت من التقاط ٣٦ صورة لرشدى أباظة.. وتعكس اللحظات الأخيرة لرشدى أباظة وهو يرقد على فراش الموت غائبًا عن الوعى فى حجرة الإنعاش، إلا أن القدر تدخل فى اللحظة الأخيرة.

واكتشفت إحدى ممرضات المستشفى المحاولة، وعلى الفور اتصلت بأسرة رشدى أباظة وأبلغتهم!

كان ذلك يحدث قبل ساعات من الوفاة، ورشدى غارق فى غيبوبته الأخيرة.. وثارت الأسرة الأباظية على المذيعة واتهموها بالخداع وعدم الأمانة، وتوسط كثيرون لتقريب وجهات النظر بين الطرفين.

وبعد مفاوضات كبيرة وافقت آمال العمدة على تسليم الفيلم لطرف محايد، ووقع الاختيار على فريد شوقى، الذى تسلم الفيلم، وقام بدوره بتسليمه إلى عائلة رشدى أباظة.. بعد تحميضه.

وانتقل أطراف النزاع إلى فيلا وحش الشاشة.. وقام فكرى أباظة، شقيق الفنان الراحل، بعرض لقطات الفيلم، ثم أعدم الفيلم حرقًا أمام الجميع، وانتهت المشكلة نظريًا، لكن بقيت المناقشات مستمرة بين مؤيد ومعارض.

الأطراف المؤيدة قالت إن سلوك المذيعة لم يكن الأول أو الأخير، فقد سبق تصوير رموز داخل غرفة الإنعاش، وكذلك التقطت صورة لنجيب الريحانى وفريد الأطرش وعبدالحليم حافظ فى اللحظات الأخيرة.

أما المعارضون فقالوا إن ما قامت به المذيعة عمل غير إنسانى، حتى لو كان سبقًا صحفيًا، فالإنسان فوق فراش الموت يصبح فى حالة غير طبيعية، ويجب أن تكون نظرتنا للموت والمرض نظرة احترام.. لا أن نسعى إلى انتهاز هذه اللحظات لتحقيق كسب صحفى!

أما بطلة القصة آمال العمدة، فكانت لديها وجهة نظرها التى دافعت عنها، وكانت لها مبرراتها، فحكت قائلة: «كنت أسعى إلى تسجيل اللحظات الأخيرة من حياته، خصوصًا أنه اختارنى لكى أسجل معه الحديث الأخير». 

وتضيف آمال العمدة: لم أحاول كما يقول البعض أن أحصل على لقطات مسيئة للفنان الكبير.. بالعكس.. فقد كان- رحمه الله- فى غيبوبته وسيمًا والابتسامة لا تفارق وجهه، رغم شراسة المرض الذى ينهش جسده، لذلك كنت أشعر بأنه من حق الجمهور أن يلقى نظرة أخيرة على الفنان الذى أعطى حياته للفن والناس.. وكنت أود أن أنقل للقراء الجانب الآخر فى حياة رشدى أباظة، الجانب الذى يعكس الإنسان الطيب، الملتزم الذى يتعامل مع نفسه والآخرين كممثل كبير، شريف فى كلمته، عادى فى سلوكه.. كل هذه المعانى حاولت أن أنقلها فى هذه الصور، ولم تكن الصور بأى حال لى تسىء للفنان، ومع ذلك فقد سلمت الفيلم لأسرة «رشدى أباظة» بعد أن قالوا إن الفنان الكبير لم يكن يرغب فى أن يراه أحد فى أيامه الأخيرة.. وقد وافقت على تسليم الفيلم، احترامًا لرغبته الأخيرة.

واستطردت آمال العمدة فى دفاعها عن موقفها قائلة: لقد كان شيخ العائلة الأباظية فكرى أباظة أستاذًا لى، وكان يشجعنى فى عملى. كما أن علاقتى وثيقة مع أسرة الأستاذ ثروت أباظة، وهناك روابط وثيقة تجمعنى مع السيدة عفاف، ابنة الشاعر الراحل عزيز أباظة، وزوجة الأستاذ ثروت أباظة.

معنى هذا أنه لا يمكن أن أسعى إلى الإساءة للفنان الكبير، لأن علاقتى برشدى أباظة وبالأسرة الأباظية أقوى من أى كسب صحفى؛ لذلك وافق الفنان رشدى أباظة بنفسه على أن أقوم بالتقاط صور له، عقب عودته من لندن، وهى آخر صور له فى أرشيف الصحافة المصرية.

وتبين هذه الصورة الأخيرة الفنان الكبير رشدى أباظة وقد حلق شعره، بعد أن أجرى عملية جراحية فى رأسه لاستئصال المرض، وقد وافق الفنان على أن أقوم بتصويره.

هذا ما قالته آمال العمدة، إلا أن المناقشات فى هذه القضية ظلت مستمرة فترة طويلة داخل شارع الصحافة، لكن بعد مرور تلك السنوات الطويلة من وفاة رشدى أباظة وتبعه كل أطراف القضية إلى دار الحق من أول فريد شوقى ١٩٩٨ وآمال العمدة ٢٠٠١ وفكرى أباظة ٢٠٠٤، بقى السؤال الوجيه: هل بالفعل الـ٣٦ صورة التى التقطتها آمال العمدة لرشدى فى غيبوبته كان مصيرها الحرق كأن لم تكن؟

الحقيقة أن منطق الأمور قد يقول عكس تلك الحقيقة، التى نشرت فى الصحافة عن حرق فكرى أباظة الفيلم أمام الحضور فريد شوقى وآمال العمدة وأفراد من العائلة الأباظية، بعد أن سلمته آمال إلى فريد احترامًا لغضبة الأسرة الشديدة، لأن الشيطان الصحفى الذى يكمن داخل آمال لا يمكن إلا أن يدفعها إلى الاحتفاظ بنسخة قبل تسليمها لفريد شوقى الوسيط، خاصة أن الأمر أخذ أيامًا من المفاوضات حتى وصلوا إلى إقناع آمال العمدة بالتخلى عن سبقها الصحفى الذى قد لا يأتى فى العمر غير مرة واحدة.

ولو سلمنا جدلًا أن آمال العمدة قد استجابت فعلًا للضغوط وسلمت الفيلم إلى فريد والعائلة الأباظية هل كان الأمر يفوت على زوجها الصحفى المخضرم ابن صباح الخير وتلميذ الكبير مفيد فوزى، لا أعتقد أن مفيد صديق عبدالحليم الذى عاصر ونشر صورًا له على فراش مرضه وفى رحلته الأخيرة قبل ثلاث سنوات من واقعة زوجته مع رشدى، يمكن أن يترك زوجته تتخلى عن سبق صحفى قيم مثل هذا بهذه السهولة، لِمَ لا نفترض أن مفيد قد يكون أخذ نسخة من تلك الصور واحتفظ بها قبل أن تسلمها زوجته للعائلة الأباظية.

رشدي أباظة يحاول إخفاء المرض بالنظارة السوداء

هذا بخلاف أن الرواية المتداولة لوساطة فريد شوقى فى الأمر، كما نشرتها «آخر ساعة» تقول إن فريد شوقى تسلم الفيلم ومعه الـ٣٦ صورة بعد تحميضها، وفى تكملة الرواية أن فكرى أباظة حرق الفيلم أمام الجميع إنهاء للمشكلة من جذورها، ولم يذكر التحقيق الصحفى شيئًا عن الصور التى تم تحميضها، لذلك من الوارد جدًا أن تلك الصور قد وجدت طريقها إلى إحدى خزائن مكتب وحش الشاشة فى فيلته، وهو المعروف عنه دقته ونظامه الدقيق، حيث كان فريد مؤسسة فنية متكاملة، منتجًا ومؤلفًا ومخرجًا وممثلًا، وهى صفات اكتسبها من صديقه القديم أنور وجدى الذى غدر به الموت فى ريعان شبابه منتصف الخمسينيات.

لكن يبقى اللغز الحقيقى هو: لماذا لم تظهر تلك الصور حتى الآن بواسطة فريد أو فكرى أو آمال أو مفيد بعد أن مرت السنوات وهدأت وتيرة الحزن المقيم على دنجوان القرن رشدى أباظة؟، والسؤال الآخر: هل نفقد الأمل فعلًا فى ظهور تلك الصور المفقودة، أم أن الأمل ما زال موجوًدا بطريقة أو بأخرى عن طريق أحد الأشخاص فى بيت وحش الشاشة أو بيت مفيد فوزى وآمال العمدة أو حتى بيت من بيوت الأباظية نفسهم؟، والذى قد ينظر للصور نظرة أخرى إذا وقعت تحت يديه ويراها لا تحمل إهانة له بل تكريمًا أخيرًا ليرى أحبابه كم المعاناة التى لاقاها الرجل الذى طالما أمتعهم بأدوار مفعمة بالفرح والسعادة الإنطلاق. وربما يراها إكمالًا لحكاية رجل مر على الفن المصرى ليس ككل الرجال اسمه رشدى أباظة.

ربما يحدث ذلك وحينها سيزداد أرشيف الدنجوان المصور عدد ٣٦ صورة نادرة لم تنشر من قبل.. وإنا ها هنا لمنتظرون.

صورة قديمة مع أخيه فكرى الذى أحرق فيلم آمال