الأربعاء 04 ديسمبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

بين الذائقة والنقد

السينما
السينما

فى عام ١٩٧٢ عُرض فيلم «الأب الروحى»، وهو واحد من أروع أفلام العصابات فى السينما الأمريكية حتى الآن، والحاصل على المركز الثانى فى قائمة أهم الأفلام فى تاريخ السينما الأمريكية بعد فيلم «المواطن كين». وحصل فيه مارلون براندو على جائزة أحسن ممثل، ورفض أن يستلم الجائزة وقاطع المهرجان كما قاطع جوائز الجولدن جلوب، وأرسل ساشين ليتلفيزر، وهى ناشطة أمريكية من أصول هندية، ليقدم اعتراضه على الصورة التى يتم تقديم الهنود الحمر بها.

بطل الفيلم آل باتشينو أعلن عن أنه شعر بالإهانة لأنه رُشّح لجائزة أحسن ممثل مساعد، فى حين أن فترة وجوده على الشاشة كانت الأطول من كل الممثلين، ولكنه رغم ذلك لم ينلها.

يأتى الجزء الثانى من «الأب الروحى» فى عام ١٩٧٤، الذى احتل المرتبة الثالثة بقائمة أحسن فيلم فى تاريخ السينما الأمريكية، وليُرشح كل من روبرت دينيرو وآل باتشينو لجائزة أحسن ممثل، ويقتنصها دينيرو، رغم أن دور آل باتشينو كان الأكثر تأثيرًا على الجمهور، وصاحبته تغييرات كثيرة فى شخصية مايكل كورليونى، ليدور السؤال: لماذا فاز دينيرو بالجائزة، ولم يفز بها آل باتشينو؟

قدم روبرت دينيرو فى هذا الفيلم درسًا فى فن التمثيل من الممكن ألا يلفت انتباه المشاهد العادى، الذى تفاعل أكثر مع شخص مايكل كورليونى، والذى يمكن اعتباره امتدادًا لفكرة البطل التراجيدى، ولكن هذه المرة فى السينما، حيث تؤدى كل الطرق به إلى أخذ طريق آخر لتصبح حياته مجموعة من المآسى المتكررة حتى وإن تظاهر بالقوة اللانهائية.

ممثلو هوليوود وأغلب الممثلين فى العالم يعتمدون على مدرسة الأداء الحركى

فى الجزء الأول قدم مارلون براندو شخصية فيتو كورليونى فى أواخر سنوات حياته، بأداء صوتى بارع، ولغة جسد توضح تاريخ الشخصية، ومدى نفوذها وقوتها، وهنا كان التحدى الأكبر لروبرت دينيرو، كيفية تقديم شخصية فيتو كورليونى الشاب دون أن يقلد مارلون براندو، حيث فخ التقليد منصوب طوال الوقت، بالإضافة لبناء الشخصية وأدائها الحركى الذى يصل به لأن تكون النهاية هى ما قام به براندو فى الجزء الأول.

ممثلو هوليوود وأغلب الممثلين فى العالم يعتمدون على مدرسة الأداء الحركى للشخصية، فلغة الجسد هى الأساس، وهى ما يراه المشاهد على الشاشة، أما الانفعالات الداخلية فلا يعلم عنها المشاهد شيئًا، ففكرة التقمص التى بُنى عليها التمثيل فى فترات سابقة لم تعد مستخدمة، فهى فكرة غير احترافية مع تطور فن التمثيل.

فوز روبرت دينيرو بجائزة الأوسكار الذى أثار العديد من التساؤلات عن كيف يفوز بها، ولا يفوز بها آل باتشينو، يضعنا على المحك مع فكرة اختلاف زوايا الرؤية، بمعنى آخر المعايير التى تُبنى عليها مساحات القبول للأعمال الفنية، ومصادر هذه المعايير، ومن ثم فإننا أمام مصدرين وزاويتين للرؤية، أحدها آراء الجمهور وهى مهمة بالطبع لكن فى غير مجال الجوائز، لأن الرؤى النقدية الموضوعية لنقد الفن الحقيقى تعتمد على معايير تم وضعها عبر الزمن، وهى بعيدة عن فكرة الذائقة المجردة، تلك التى تُعجب بعمل فنى ما، على الرغم من وجود نقاط ضعف عديدة، ولا تتقبل عملًا فنيًا آخر يحقق كل المعايير الفنية.