السبت 05 أكتوبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

أيمن الحكيم: رجاء النقاش «صاحب السر».. وخلطته السحرية لم يصل لها أحد

أيمن الحكيم
أيمن الحكيم

«جواهرجى يشتم رائحة الموهبة وينفض التراب عنها».. بهذه الكلمات وصف الناقد والكاتب الصحفى أيمن الحكيم أستاذه وشيخه كما وصفه الراحل رجاء النقاش، مشيرًا إلى أنه يُعد من عظماء النقد الفنى والأدبى فى مصر والعالم العربى.

عن علاقته بنزار قبانى وإنقاذه له من غضب جمال عبدالناصر، وحكايته مع الأديب الكبير نجيب محفوظ، يتحدث الكاتب الكبير أيمن الحكيم عن رجاء النقاش لـ«حرف». 

■ بيت أدبى وثقافى نشأ فيه رجاء النقاش.. كيف أثرت تلك النشأة فى تكوينه؟

- بالتأكيد كان لنشأة رجاء النقاش فى بيت يقوم على رعايته أب شاعر كلاسيكى مهم وهو المدرس الإلزامى رجاء عبدالمؤمن النقاش، بالغ الأثر فى تكوينه، حيث كان يمتلك والده موهبة شعرية كبيرة وله ديوان رائع مطبوع وهو ألحان الفجر، وكان يتمتع بحس ثقافى عالٍ للغاية، وامتلك مكتبة ثرية بالعديد من المؤلفات لكبار الكتاب، أسهمت تلك المكتبة بالتأكيد فى تشكيل وجدان رجاء النقاش، الذى كان يحلم بالعمل معيدًا فى كلية الآداب بجامعة القاهرة، إلا أن مرض والده ثم وفاته فى سن مبكرة دفعت رجاء للعمل من أجل مساعدة أسرته ماديًا بعد وفاة والده. 

■ معنى ذلك أن وفاة والده غيرت فى مسار حياته وحياة الأسرة؟

- لا شك فى ذلك، ولكن القدر كان له دور كبير فى مسار عائلة رجاء النقاش، حيث كانت عائلة تراجيدية لدرجة كبيرة، خاصة أن لرجاء شقيقين توفيا فى عُمر الشباب، بهاء وكان نابغة فى مجال النقد السينمائى، ووحيد وكان ناقدًا مسرحيًا كبيرًا، وبرغم الفجيعة بوفاتهما إلا أن العائلة قدمت للمجتمع رجاء النقاش وفريدة وأمينة النقاش الذين صاروا بعد ذلك من أقطاب الصحافة فى مصر، وهذا من وجهة نظرى يعود للمناخ الثقافى العظيم الذى نشأ فيه رجاء النقاش وأشقاؤه ما كان سببًا فى تكوين هذه العقول النابغة على كافة المستويات والمجالات الأدبية والثقافية.

رجاء النقاش وعادل امام

■ جمعتك بالراحل صداقة وعلاقة عمل استمرت لفترة طويلة.. كيف يمكنك وصف مسيرته؟ 

- من حسن حظى أن علاقتى بالراحل الكبير دامت حوالى ١٠ سنوات، كانت علاقة فارقة بشكل كبير فى حياتى تعلمت منه الكثير والكثير، ولكن من يريد تلخيص مسيرة رجاء النقاش يمكنه وصفه بـ«صاحب السر»، حيث امتلك سر المعادلة المستحيلة فى الكتابة النقدية بعد أن جمع بين العمق والبساطة فى النقد، ما جعله صاحب السر فى الوصول للمواطن العادى البسيط فى وقت كان النقاد الماركسيون يعتمدون فى كتاباتهم على العمق المفتعل ما جعل دائرتهم تقتصر على طبقات بعينها، على عكس رجاء النقاش الذى كان بمثابة ناقد ملك للجميع.

■ هل هذا الخلط بين العمق والبساطة من جعل النقاش يتربع على عرش مملكة النقاد؟

- بالتأكيد، حيث نجحت خلطته السحرية فى الجمع بين الجاذبية والعمق فى وضعه على مصاف كبار النقاد وجعلت المنصفين يعتبرونه أعظم صناع المجلات الأدبية والثقافية فى مصر والعالم العربى، سواء فى مرحلة مجلتى الكواكب والهلال أو رئاسته لتحرير مجلة الإذاعة والتليفزيون مرورًا بمجلة الدوحة التى جعلته ذائع الصيت على مستوى الوطن العربى بشكل عام.

■ هل كانت للراحل نصائح بعينها يوجهها لتلاميذه؟

- القراءة نصيحته طوال الوقت لجميع من حوله، وأتذكر فى بداية علاقتى به طالبنى بقراءة عشرة كتب لمجموعة من القامات الصحفية مثل كامل زهيرى ومحمد التابعى وإحسان عبدالقدوس ومحمد حسنين هيكل ونثر نزار قبانى. 

■ على ذكر نزار قبانى.. كانت للراحل واقعة جمعته بالشاعر الكبير هل يمكنك ذكر تفاصيلها؟

- نزار قبانى عقب نكسة ١٩٦٧ كتب قصيدة «هوامش على دفتر النكسة»، تلك القصيدة كانت بمثابة نزع لفتيل الحرب على نزار فى حملة شعواء قادها الشاعر صالح جودت، طالب فيها بمنع نزار قبانى من دخول مصر وحجب قصائده، ونظرًا لما كان يحمله رجاء النقاش من محبة وود لنزار قبانى، تبنى حملة للدفاع عنه وذهب للقائه فى بيروت وطالبه بكتابة رسالة للرئيس عبدالناصر يشرح فيها وجهة نظره التى دفعته لكتابة القصيدة وهو ما حدث بالفعل، وقام رجاء بتوصيلها للرئيس عبدالناصر عن طريق أحمد بهاء الدين، وحينها تراجع الرئيس جمال عبدالناصر عن موقفه تجاه نزار بعدما اعتبر القصيدة بمثابة صرخة غضب تجاه النكسة.

■ كيف كان رد فعل نزار قبانى حينها على موقف رجاء؟

- نزار قبانى اعتبر ما قام به رجاء النقاش بمثابة الفضائل التى لا تُنسى وكتب له «أنت يا أخى رجاء رصيدنا الذهبى الباقى وثروتنا النقدية الأخيرة»، فى رسالة تقدير عظيمة للراحل. 

■ الجدعنة من مميزات رجاء النقاش؟ 

- بالفعل، يستحق وبشدة هذا الوصف، ولكنه امتلك مواصفات عديدة أخرى، حيث كانت لديه نقطة ضعف حين يشتم رائحة الموهبة ويزكيها بل ويتكفل بها من جيبه الخاص، وينفض التراب من على المواهب الشابة مثلما حدث مع الشاعر الفلسطينى الكبير محمود درويش، والروائى السودانى الطيب صالح، كما كان له موقف منحاز بموهبة الأديب الكبير نجيب محفوظ. 

■ علاقته بنجيب محفوظ كانت ذات طبيعة خاصة.. حدثنا عن تقاصيلها؟ 

- رجاء النقاش انحاز لموهبة الأديب الكبير نجيب محفوظ، وكتب عنه الكثير وأهمها مذكرات أديب نوبل التى كانت توثيقًا دقيقًا لمسيرة الأديب الكبير، وعلى النقيض رفض رجاء النقاش الكتابة عن الروائى يوسف السباعى والذى كان يتولى منصبًا وزاريًا فى ذلك الوقت، وكان من الطبيعى والمنطقى أن يكتب عنه من باب المجاملات، إلا أن النقاش رفض ذلك واعتبر أن رواياته أغلب أحداثها متوقعة، ما اعتبره السباعى إهانة وتحديًا كبيرًا حينها.

■ هل ترى أن الكاتب الراحل نال التقدير الذى استحقه؟

- بالتأكيد، ومن ضمن البراهين على ذلك والتى رأيتها بعينىّ برقية عزاء كتبها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل فى رثاء الراحل وأرسلها لزوجته، قال فيها هيكل: رجاء النقاش رجل أدى دوره بامتياز وترك أثره باستحقاق واكتشف طرقًا ومسالك ودروبًا أطل عليها جميعًا بشعلة ضوء ستبقى.