الخميس 10 أكتوبر 2024
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

الأبنودى.. أكثر من أيقونة

الأبنودى
الأبنودى

مرات قليلة جدًا اللى قابلت فيها عبدالرحمن الأبنودى، أو اتكلمنا فى التليفون، ودا له أسباب كتيرة أهمها حرصى على عدم الاقتراب. كل ما أحب الكاتب/ المبدع/ الفنان أكتر، بـ أتمنى إنى ما أعرفوش شخصيًا علشان الصورة اللى راسمها له ما تنخدش.

مش ضرورى الصورة تنخدش لـ تصرفات مشينة أو مسيئة، إنما حتى الأمور العادية والتصرفات اللى بـ تصدر من البشر ما تحبش تشوفها أو تقابلها عند شخص أيقونى بـ النسبة لك، تخيل مثلًا مثلًا يعنى إنك تشوف كاتبك المفضل وهو بـ يفاصل فى أجر حوار أو مقال. دا عادى، بس ساعتها مش هـ يكون عادى.

الأبنودى أكتر من أيقونة عندى، الأبنودى هو «الشاعر» فى العصر الحديث، ودا ممكن يكون رأى متطرف، فليكن! متطرف متطرف، بس دا رأيى، أو على الأدق ما أشعر به.

الشعر عندى لا يعنى إنه مشاعرك تكون طيبة، ولا إنك تكون بـ تعبر عنها بـ رص كلام جيد، ولا بـ تعرض أفكار نبيلة، كل دا له مجالاته. يعنى إنت لو بـ تحب، هـ تقولها يمين شمال، فوق تحت، بـ قوافى ولا سادة، فى النهاية هى هى «بحبك»، كذلك مشاعرك تجاه البلد/ الناس/ الليل/ النيل.. إلخ إلخ.

الشعر بـ أقيسه بـ قدرتك على استكشاف مناطق أعمق فى تعقيدات النفس البشرية بـ مدلولات لم يسبقك إليها أحد على الأقل فى جانب من جوانبها. هـ أديك مثال، لما يقول: «أمشى على الشوك وأدارى فى المديح خوفى». دا شعور مركب وجديد إنه حد يلتفت له، ومدهش، لكنه حاصل حواليك طول الوقت. البشر يخافوا من بعض فـ يمدحوا بعض، ويجاملوا بعض، اتقاء لـ شر بعض. مذهل.

فى بداياته، الأبنودى كان عنده هذه القدرة الفائقة على الإدهاش، ثم إنه لقى الدنيا ما ينفعش تتعاش بـ دا فقط، فـ عاشها بـ الطول والعرض والارتفاع والعمق، فى السياسة وتقلباتها، والأغانى واحترافها، والإعلام وأضواؤه، وكان بـ يعمل كل حاجة بـ ما تقتضيه، لكن الهاجس الأكبر عنده كان: ويروح فين الشاعر مع كل دا؟ لـ إن كل دا خطر.

الشاعر قبل ما يكون هو منتج القصائد، هو اللى بـ يشوف الحاجات أولًا بـ نظرة الشعر، حتى لو ما سجلهاش كتابة، بس بـ يكون عنده عين تانية، لو عطلت، بـ يموت، بـ يموت حتى وهو عايش.

المذهل فى الأبنودى إنه قدر يحافظ على الشاعر دا طول عمره، مهما كانت تجاربه فى الحياة مضادة، وتقديرى إنه أعنف فترة كان جواه صراع بين الشاعر والشخصية العامة كان النص التانى من التمانينات، لما كان بـ «يكتب» كتير كتير كتير، وما «بـ يكتبش» حاجة. كان بـ يكتب أغانى وقصايد ودواوين وأوبريتات ومقالات حتى ويعمل حوارات، لكن مفيش شعر، مجرد تعليقات على الأحداث الجارية، وتوجيه رسايل دعائية، حتى لو نبيلة المقصد.

فى الفترة دى، هو عبّر عن الصراع دا بـ قصيدة ما اهتمش بـ إنها تنتشر، إنما فى تقديرى هى الأعظم له، اسمها «الكتابة»، بـ يحاول يفهم هو ليه بطل «يكتب»، ومش عارف إزاى محدش خد باله من دا، لـ إنه الفترة اللى بـ يتكلم فيها عن تعطل الكتابة كانت هى الأغزر «إنتاجًا» فى مسيرته.

بعدها بـ شوية جمعنى بيه موقف شهير، عارضته فيه، وأنا كنت بقى شاب متحمس وواخدانى الجلالة، وحاجات كتير مغلوشة على الشاعر اللى جوايا، ورغم صخب الموقف ساعتها، لكنى شفت فى عينيه نظرة لا يمكن تروح من بالى، نظرة: «مسكين، بكرة يشوف، بس بعد ما يدفع تمن كبير»، وقد كان.