اللعب فى الممنوع.. صراع السياسة والمال فى الدراما التاريخية

شهدت الساحة الفنية غيابًا طويلًا لنوعية الدراما التاريخية ودراما السيرة الذاتية امتد لأكثر من عقد من الزمن، ويعود ذلك لعدة عوامل أبرزها التكلفة الإنتاجية المرتفعة لهذه الأعمال، وعدم جدواها الاقتصادية فى كثير من الأحيان.
وفى محاولة لإحياء هذا النوع الدرامى، اتجه صنّاع الدراما فى مصر والوطن العربى إلى تقديم عدد محدود من التجارب لاستكشاف إمكانية عودة الدراما التاريخية والسير الذاتية بعد هذه السنوات الطويلة من الغياب، وأسفرت هذه المحاولات عن نتائج متباينة، إذ حققت بعض الأعمال نجاحًا جماهيريًا ونقديًا ولقيت استحسانًا واسعًا، بينما تعرضت أعمال أخرى لانتقادات شديدة.
هذه النتائج المتفاوتة أوجدت حالة من التردد والجدل فى الوسط الفنى، بين فريق يطالب بالإكثار من هذه النوعية الدرامية نظرًا لأهميتها، وفريق آخر يرى ضرورة التوقف عن إنتاجها فى حال عدم القدرة على تقديمها بشكل يتناسب مع متطلبات العصر الحديث ويتوافق مع ذائقة الأجيال الجديدة.
وشهدت السنوات الأخيرة عودة جزئية للدراما التاريخية ودراما السير الذاتية فى العالم العربى، فقدمت مصر أعمالًا مثل «الحشاشين» و«رسالة الإمام» و«الضاحك الباكى»، وصولًا إلى «النص»، إلى جانب أعمال أخرى يمكن تصنيفها كفانتازيا تاريخية مثل «جودر».
بينما أسهمت السعودية فى إثراء هذا النوع الدرامى عبر أعمال مثل «ممالك النار» و«معاوية»، وقدمت الكويت مسلسل «فتح الأندلس»، وسوريا مسلسل «سمرقند»، إلى جانب بعض المحاولات العربية المحدودة الأخرى.
وفى تطور جديد، أعلن الكاتب الصحفى أحمد المسلمانى، رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، عن إنتاج مسلسل «طلعت حرب»، دون الكشف عن تفاصيله حتى الآن.
فى السطور التالية، تخوض «حرف» رحلة نقدية تحليلية تهدف إلى استكشاف مسارات تطور الدراما التاريخية ودراما السير الذاتية، من ماضيها إلى حاضرها، سعيًا لفهم متطلباتها وآليات تطويرها بما يضمن مستقبلًا أفضل لهذا النوع الدرامى المهم.

مارجو حداد: الحياد «وهم».. وينبغى التخلص من «الخطاب الرسمى»

رأت مارجو حداد، الناقدة الفنية، أن غياب الدراما التاريخية عن الساحة الفنية لسنوات يعكس تراجعًا فى الوعى الجمعى، وتهربًا من مواجهة الأسئلة الصعبة حول الهوية والذاكرة.
«الحشاشين» نجا من «فخ الأيديولوجيا» و«فتح الأندلس» أعاد إنتاج الأسطورة دون تفكيكها
وأضافت الناقدة الفنية: «التاريخ ليس مادة فنية محايدة، بل يمثل مجالًا شائكًا تتداخل فيه الاعتبارات الأيديولوجية والسياسية، ما دفع العديد من المنتجين إلى تجنب هذه النوعية من الأعمال، إما خوفًا من التبعات، أو انسياقًا مع متطلبات السوق التى تفضل أعمال الترفيه الخفيفة».
واعتبرت أن العودة الحديثة للدراما التاريخية جاءت استجابة لحاجة ثقافية لاستعادة الهوية فى ظل التحولات العالمية، لكنها عودة محتشمة تخضع لشروط جديدة، فالأعمال قليلة ومختارة بعناية، وتخضع فى الغالب لمنطق ترويجى أكثر من رؤية فنية جريئة. ورغم ذلك، ترى أن هذه المحاولات استطاعت كسر الصمت وإثارة أسئلة ظلت غائبة طويلًا.
وفى تقييمها للأعمال الأخيرة، تميز بين «الحشاشين»، الذى نجح فى تقديم سردية بصرية ممتعة وتجنب التبسيط الأيديولوجى، و«معاوية» الذى ظل حبيس الحذر السياسى، رغم تميز طاقمه التمثيلى، فضلًا عن معاناته من أخطاء فنية وضعف فى الاستغلال الأمثل لإمكانياته، مشددة على أن «الدراما التاريخية، رغم تحدياتها، تظل أداة مهمة للحوار مع الذات والماضى، وتحتاج إلى جرأة فنية مع الحرص على الدقة والعمق».
وفى تحليلها للدراما التاريخية المعاصرة، أشارت مارجو حداد إلى تباين واضح فى المقاربات الفنية، فمسلسل «رسالة الإمام» حافظ على الوقار الدينى، لكنه قصر عن الغوص فى أعماق الشخصية المحورية، بينما اكتفى «فتح الأندلس» بإعادة إنتاج النموذج التقليدى دون مساءلة الرواية التاريخية. أما «النص» فتميز بتحويل التاريخ إلى استعارة معاصرة، عبر تعبير شخصيات الماضى عن إشكاليات الحاضر ببراعة.
وكشفت عن تحول جذرى فى التعامل مع المادة التاريخية بين جيلين: القديم الذى قدم التاريخ كحقيقة مطلقة عبر لغة توثيقية جليلة لكنها أحادية، والجديد الذى يعامل التاريخ كفرضية قابلة للتأويل والتشكيك، فلم تعد الشخصيات التاريخية تماثيل مقدسة، بل تحولت إلى بشر يعانون التردد وتناقضات القرار.
ورأت أن هذه الأعمال، رغم تطورها، ما زالت حبيسة الخطاب الرسمى، تقدم يقينيات جاهزة بدل طرح تساؤلات نقدية، فالمخرجون المعاصرون وإن اقتربوا من الشخصيات التاريخية أكثر من سابقيهم، ما زالوا يخشون الخوض فى المناطق الرمادية التى تكشف عن هشاشة البطل وزوايا الظل فى القرار التاريخى.
واعتبرت أن هذا التحليل يكشف عن إشكالية عميقة فى تعامل الإبداع العربى مع التاريخ، إذ يظل الحوار بين الماضى والحاضر محكومًا بخطوط حمراء، رغم كل محاولات التحرر من النموذج التقليدى.
وشددت على أن الفارق الأهم ليس فقط فى التقنية، بل فى الجرأة، فاليوم، يتعامل صنّاع الدراما مع التاريخ كحقل للقراءة لا كوثيقة مقدسة، لكن هذا التحوّل رغم ثرائه، يفرض تحديًا أخلاقيًا وفنيًا: كيف نعيد كتابة شخصية دون أن نُلغِىَ حقيقتها؟ كيف نمسح الغبار دون أن نمحو الملامح؟
وأعطت مثالًا بالمخرج يوسف شاهين قائلة: «يوسف شاهين حين قدّم (المصير) لم يكن يوثق لابن رشد، كان يحاكم اللحظة التى اغتيل فيها العقل، كان يضع (ابن رشد) كمرآة، وننظر من خلالها إليه»، مضيفة: «الدراما التاريخية لا تُلزم نفسها بالحرف بل بالروح، لا تنقل الحدث بل تسائله، لذا فهى ليست إعادة للتاريخ، بل كشف عن التواطؤ معه أو التمرّد عليه».
ورأت أن المطالبة بحيادية الأعمال التاريخية ضرب من الوهم، فالتاريخ نفسه لم يكتب بموضوعية مطلقة، بل سُجل من وجهات نظر متحيزة، مؤكدة أن الدراما التاريخية حين تتبنى رؤية معينة، تفعل ذلك بصراحة الفن لا بزيف الحياد، والفارق الجوهرى يكمن فى أن الوثيقة التاريخية تسعى لإغلاق النقاش، بينما الفن الجيد يفتح أبواب التساؤل ويحرك المياه الراكدة.
وفى رؤيتها للمستقبل، دعت الناقدة إلى دراما تاريخية أكثر جرأة، قادرة على نسج حوار حى بين الماضى والحاضر، دراما تقدم الشخصيات التاريخية فى كامل تعقيدها الإنسانى، بعيدًا عن التبسيط أو التقديس، وتطرح الأسئلة المقلقة بدلًا من الإجابات الجاهزة، وتستفز وعى المشاهد بدلًا من إراحته.
أما عن علاقة الدراما بالتاريخ، فرأت أن الأعمال الدرامية ليست بديلًا عن الوثائق التاريخية، بل قراءة إبداعية للأحداث، تختار وتضخم وتؤول وفق رؤية المؤلف الفنية، وقد تحتوى على نواة تاريخية صحيحة، لكنها تظل فى النهاية عملًا فنيًا يخضع لمتطلبات السرد الدرامى والتأثير العاطفى، وليس بحثًا أكاديميًا محايدًا.

حمدى النبوى: لا يمكن تحقيق النجاح بالإمكانات الضخمة فقط

قال المخرج حمدى النبوى، الذى قدم العديد من الأعمال التاريخية فى قطاع الإنتاج، إن دراما التاريخ والسيرة الذاتية مهمة جدًا، لكن يجب أن تُقدَم فى إطار معاصر وحديث يتواكب مع التطور التكنولوجى فى هذا المجال.
وأضاف «النبوى»: «صناع الأعمال الدرامية قادرون على تطويع الذكاء الاصطناعى فى تقديم أعمال مميزة وجاذبة، مثلما حدث فى مسلسل (جودر) بجزئيه الأول والثانى»، معتبرًا فى الوقت ذاته أن «دراما السيرة الذاتية المباشرة لم تعد جاذبة، ولا يهتم بها الجمهور حاليًا».
السيرة الذاتية فقدت بريقها بسبب التكرار والتشبع الجماهيرى
وتوقع أن تشهد الفترة المقبلة منافسة قوية فى الدراما التاريخية، مشددًا على أنه «لا يمكن تحقيق النجاح بالمال وحده، فالمعالجة الدرامية هى الأساس، إلى جانب التدقيق والاختيار الجيد للموضوعات».
واستشهد على صحة حديثه بمسلسل «معاوية» قائلًا: «رغم الإنتاج الضخم والاستعانة بنجوم كبار، لم يقدم المسلسل أى جديد، وخرج بصورة باهتة لا تواكب الحداثة والتطور، على عكس أعمال أقل فى التكلفة الإنتاجية، لكنها حققت نجاحًا كبيرًا، لأنها قُدِمت بحرفية شديدة».

أيمن عبدالرحمن: المُشاهد «عايز يتبسط مش يتعلم تاريخ»

أشاد «عبدالرحمن» بمسلسل «رسالة الإمام»، الذى قُدم قبل عامين، قائلًا: «رغم أن الحوار كانت به لغة إنشائية ورسائل مباشرة، كان المسلسل جيدًا جدًا على مستوى الإخراج والتصوير والديكورات والملابس وأماكن التصوير».
وأثنى كذلك على مسلسل «الحشاشين»، الذى كان من الأعمال المميزة جدًا، ولاقى نجاحًا ورواجًا كبيرين، لأنه قُدم بطريقة حديثة تتناسب مع العصر، ولهجة قريبة إلى العامية الدارجة التى يتحدث بها الناس، لذا وصل إلى الجمهور بكل ما تضمنه من عناصر جذب.
وانتقل للحديث عن مسلسل «معاوية»، معتبرًا أن المشكلة ليست فى الشخصيات، بل فى طريقة المعالجة، خاصة أن معاوية شخص لديه أحداث درامية حقيقية، وبها صراع، لكن المسلسل خرج بشكل سيئ جدًا.
وأوضح أن «السرد ملىء بالأخطاء، والإخراج لا يحتوى على عناصر جذب، والمعالجة الدرامية بالكامل لم تتجاوز الزمن ولم تقدم أى جديد، بل إنها أخلت بالحقائق وتجاهلت الكثير من الرؤى حول هذه الحقبة الزمنية».
وأعرب الناقد والمخرج عن احترامه للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، التى رفضت فى مرحلة معينة عرض مسلسل «أحمس»، بعدما أثار جدلًا واسعًا فور طرح المواد الدعائية الخاصة به، مضيفًا: «الشركة تعاملت باحترافية وجرأة عندما رفضت عرض العمل، ولم تتجاهل الانتقادات الموجهة إليه، وهذا يعد جرأة والتزامًا مهنيًا وأخلاقيًا، فجهات إنتاجية أخرى لم تكن تتخذ قرارًا مثل هذا إطلاقًا».
وفيما يتعلق بدراما السيرة الذاتية، قال «عبدالرحمن»: «لو أنت عايز تعرف الناس بتاريخهم، اعمل أفلام وثائقية، حاجة احترافية مفيهاش خيال مؤلف يغيّر ويزود ويعمل دراما من فراغ، اعمل فيلم تسجيلى، وثائقى، لكن مسلسل.. ليه؟».
وأضاف: «أم كلثوم مثلًا، أنا شايفه مسلسل فاشل، لأنه تجاهل كل الحاجات السلبية فى حياتها، طلعها ملاك، وده مش حقيقى، هى بشر، الدراما الحقيقية تحكى الشخصية كما هى، بحلوها ومُرها».
واعتبر أن تقديم مسلسل عن طلعت حرب «فكرة فاشلة»، مضيفًا: «هذه الفكرة موجودة منذ أيام وزير الإعلام الأسبق، صفوت الشريف. إذا أردت أن تقدم معلومات عن شخصية تاريخية، يمكن فعل ذلك فى فيلم تسجيلى أو وثائقى، خاصة أن طلعت حرب لا توجد فى حياته أحداث درامية يمكن أن تجذب المشاهدين، خاصة الجيل الحالى».
ورأى أن «المشاهد لا يتابع الدراما من أجل الحصول على معلومة أو تعلم التاريخ، وهذا ليس دور الدراما، ولكن يتابعها من أجل المتعة»، مضيفًا: «الدراما التاريخية ودراما السيرة ماينفعش تتعمل إلا لو فيها جودة ومتعة، مفيش جودة؟ مفيش دراما، مفيش صراع؟ مفيش مشاهدة، يبقى تعمل ليه طلعت حرب؟ فين الحدث؟ فين الصراع؟».
وواصل: «يمكننا تقديم التاريخ فى دراما شيقة ومميزة وجاذبة مثلما حدث فى مسلسل (النُص)، فهو مأخوذ عن رواية ومن وحى خيال الكاتب، لكنه عمل جيد قدم نموذجًا مميزًا ووطنيًا وهادفًا، بجانب متعة المشاهدة والاهتمام بالتفاصيل».
وأكد، فى ختام حديثه، أنه لا يدعم فكرة عودة «ماسبيرو» إلى الإنتاج، خاصة فى ظل الظروف الصعبة التى يعانيها، والتغيرات التى حدثت فى سوق الدراما على المستويات، والتى ستجعل «ماسبيرو» غير قادر على المنافسة.

طارق الشناوى: كفى إظهار الأبطال وكأنهم قديسون

رأى طارق الشناوى، الناقد الفنى، أن الدراما التاريخية أصبحت نادرة بسبب ارتفاع تكاليف إنتاجها، والحاجة إلى دقة متناهية فى التنفيذ، بينما تتراجع أعمال السيرة الذاتية بسبب تشبع الجمهور من تكرار الشخصيات والأحداث.
وأوضح «الشناوى» أن تقديم عمل عن سعاد حسنى يستدعى ظهور شخصيات مثل أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب، وهى نفس الشخصيات التى تظهر عند تقديم عمل عن عبدالحليم حافظ، ما يخلق شعورًا بالملل لدى المشاهدين.
وأشاد بمسلسل «الحشاشين»، الذى حقق نجاحًا كبيرًا بفضل اختياره الموفق لشخصية تاريخية مؤثرة مثل حسن الصباح، وإتقانه للبحث التاريخى والدقة فى التنفيذ الفنى من حيث الديكورات والملابس واختيار الممثلين، معتبرًا أن هذا النجاح يفوق ما حققته أعمال أخرى تناولت نفس الحقبة الزمنية مثل المسلسل السورى «سمرقند».
وخلص إلى أن إحياء هذا النوع من الدراما يتطلب تجديدًا فى اختيار الشخصيات، وابتكارًا فى أساليب السرد، مع الحفاظ على الدقة التاريخية، بعيدًا عن النمطية التى أدت إلى تراجع الجمهور عن متابعته.
ورأى أن مسلسل «الريحانى» عانى من مشكلات فنية كبيرة على مستويى السيناريو والإخراج، مشيرًا إلى أن المخرج محمد فاضل، رغم مكانته الفنية الكبيرة وإنجازاته السابقة، لم يتمكن من مواكبة التطورات التقنية الحديثة فى الإخراج التليفزيونى.
وأضاف أن المخرج حاول فى البداية الدفاع عن العمل، ثم ألقى باللوم على نقص الميزانية، لكن المشكلة الحقيقية كانت فى عدم تحديث الأدوات الإخراجية بما يتناسب مع متطلبات العصر.
وانتقل «الشناوى» للحديث عن مسلسل «معاوية»، مشيرًا إلى أن الأخطاء الفنية فيه كانت واضحة للجمهور، حتى دون الحاجة إلى خبرة متخصصة، خاصة فى عنصرى الديكور والملابس اللذين أثرا سلبًا على مصداقية العمل.
وأكد أن المسلسل عانى من مشكلات إخراجية بسبب تعاقد المنتجين مع مخرجين مختلفين خلال مراحل الإنتاج، إذ بدأ المخرج طارق العريان العمل، ثم تمت الاستعانة بأحمد مدحت لإنهائه، ما أثر على تماسك العمل وتتابع أحداثه.
واعتبر أن هذه التجارب تثبت أن الأعمال التاريخية تحتاج إلى تحديث مستمر فى الأدوات الفنية والإخراجية، مع الحفاظ على الدقة فى التفاصيل، لأن الجمهور أصبح أكثر وعيًا وتمييزًا للأخطاء الفنية.
وأشار إلى مسألة الخيال فى دراما السيرة الذاتية، قائلًا: «حتى عند تقديم شخصيات دينية مثل الفاروق عمر أو معاوية، هناك مساحة للخيال الإبداعى، فالكثير من التفاصيل لم تُدون تاريخيًا، لكن على الكاتب الدرامى أن يعيد تصوير الزمن بمفرداته الاجتماعية والاقتصادية والنفسية واللغوية بدقة».
وعند مقارنته بين الدراما التاريخية قديمًا وحديثًا، قال: «أرفض فكرة تقسيم الأعمال إلى زمن جميل وزمن قبيح. كل عصر كانت به أعمال جيدة وأخرى سيئة، المراجعة الفنية المستمرة أمر طبيعى، لكن لا يصح تعميم أن فترة زمنية كانت مثالية وأخرى كانت رديئة».
وتطرق إلى موضوع اللغة فى الأعمال التاريخية، معتبرًا أن اللغة فى الدراما حالة افتراضية فنية، فهناك أعمال أمريكية تدور أحداثها فى فرنسا لكنها تقدم باللغة الإنجليزية، وهذا ما يسمى «الافتراض الفنى».
وأضاف: «للمخرج الحق فى اختيار اللهجة أو اللغة المناسبة للجمهور المعاصر، كما حدث فى مسلسل (الحشاشين)، الذى نجح رغم استخدامه اللغة العربية المعاصرة، دون أن يؤثر ذلك على مصداقيته التاريخية أو تماسك السيناريو»، معتبرًا أن «الدراما التاريخية الناجحة هى التى توازن بين متطلبات المضمون التاريخى واحتياجات الجمهور المعاصر، دون إخلال بالجوهر أو المصداقية».
وأعرب عن إعجابه بمسلسل «النص»، الذى يجمع بين الإطار التاريخى واللمسة الكوميدية، معتبرًا أن اختيار تقديم عمل درامى عن حقبة الثلاثينيات بهذا الأسلوب يمثل ذكاءً فنيًا.
ورأى أن المسلسل نجح فى تقديم مضمون تاريخى عبر حبكة درامية مشوقة، رغم اعتماده على مذكرات النشالين كمرجع أساسى، مشيرًا إلى أن «الأعمال التاريخية ليست ملزمة بالالتزام الحرفى بالوقائع، بل يمكنها استخدام الخيال لتعزيز التشويق والعمق الدرامى».
وحذر «الشناوى» من المبالغة فى التوقعات حول مسلسل «طلعت حرب» المزمع إنتاجه، لأن مجرد اختيار شخصية وطنية مرموقة لا يضمن نجاح العمل فنيًا، ورغم الأهمية التاريخية لطلعت حرب كرمز اقتصادى، تتحدد قيمة المسلسل بطريقة المعالجة الدرامية وليس بمجرد اختيار الشخصية».
ونبه إلى أن الصور الترويجية مع الكاتب لا تعكس بالضرورة جودة المنتج النهائى، داعيًا إلى الانتظار حتى يرى الجمهور كيف سيتم تقديم هذه الشخصية التاريخية على الشاشة.
وأفاد بأن دراما السيرة الذاتية لا تُقاس بأهمية الشخصية فقط، مستشهدًا بأعمال تناولت أسماء لامعة لكنها لم تحقق النجاح المنتظر: «عملنا قبل كده مسلسلات عن الدكتور مصطفى مشرفة وقاسم أمين، ومع ذلك كانت مسلسلات متواضعة، فى المقابل، مسلسل ريا وسكينة اللى اتكلم عن سفاحتين كسر الدنيا، فالمسألة مش فى القيمة الأدبية أو التاريخية للشخصية، ولكن فى طريقة التناول والمعالجة».
وتابع: «أتمنى طبعًا إن مسلسل طلعت حرب ينجح، لكن مش المفروض نتصور إن مجرد تنفيذه فى حد ذاته هو إنجاز، ده بيصدر للناس أحيانًا صورة غير دقيقة، والإعلام للأسف بيجرى ورا الجانب العاطفى عند الجمهور، وده بيخلق تصور خاطئ».
وشدد على أن الفن لا يبدأ بالسؤال: «ماذا نقدم؟» بل «كيف نقدم؟»، موضحًا: «السؤال الحقيقى مش هنعمل إيه، لكن إزاى هنعمله؟ إزاى نقدمه بشكل درامى جذاب وممتع؟ ودى أهم نقطة لازم نحط تحتها مليون خط».
وضرب مثالًا بسيرة كوكب الشرق قائلًا: «لما اتعمل مسلسل عن أم كلثوم نجح، لكن لما اتعمل فيلم فشل، وهى نفس الشخصية، معنى كده إن المعالجة هى الأساس، مش الموضوع نفسه، مش كفاية إنك تعمل عن أم كلثوم أو طلعت حرب، لكن المهم: إزاى؟».
واختتم تصريحاته بموقف واضح ضد التلميع المبالغ فيه فى أعمال السيرة الذاتية، قائلًا: «أنا ضد فكرة تقديم الجانب الإيجابى فقط، وده للأسف موجود فى أعمال كتير، لازم نشوف الإنسان كما هو، والشخصية بكل جوانبها».

لينا مظلوم: أعمال السيرة «بتطلع أبطالها ملايكة»

قالت الناقدة لينا مظلوم إنه فى فترات ازدهار الإنتاج داخل اتحاد الإذاعة والتليفزيون المصرى، شهدنا اهتمامًا بالغًا بالدراما التاريخية، ويكفى أن نشير إلى أن الفنان الكبير نور الشريف وحده قدّم ٣ شخصيات تاريخية بارزة فى أعماله: هارون الرشيد وعمرو بن العاص وعمر بن عبدالعزيز، ولاحقًا، تراجع هذا الاهتمام نوعًا ما، أو ربما جرى العزوف عن إنتاج هذا النوع من الدراما، فدخلت الدراما السورية على الخط.
وأضافت الناقدة الفنية: «الدراما السورية تميزت بثرائها، خاصة من خلال إنتاجات مشتركة مع دول الخليج، وقدمت بالفعل أعمالًا تاريخية لافتة، مثل مسلسل (الحجاج بن يوسف) من بطولة عابد فهد، وكذلك (صلاح الدين الأيوبى) الذى عُرض مؤخرًا، إلى جانب العديد من الأعمال الأخرى التى تطرقت للتاريخ الإسلامى والشخصيات المؤثرة فيه، حتى شخصية هارون الرشيد، التى سبق أن جسدها نور الشريف، قُدمت لاحقًا ضمن عمل سورى».
لا مبرر للامتناع عن الإنتاج لأسباب مادية فالجمهور موجود والمتابعة مضمونة
وواصلت: «لكن غياب الدراما المصرية عن هذا النوع لم يكن سببه الوحيد دخول الدراما السورية، فقبل نحو ٥ أو ٦ سنوات ظهر مسلسل (سمرقند)، الذى تناول حياة حسن الصباح، ثم جاء العام الماضى ليشهد عرض مسلسل (الحشّاشين)، الذى امتاز بعمق واضح وتركيز كبير على أهمية القضية التى يتناولها».
وأكملت: «فى (سمرقند)، كان أداء عابد فهد جيدًا، ولكن العمل تفرّع إلى مسارات كثيرة لم تحتمل ثقل الشخصية المحورية. أما (الحشّاشين)، فتميّز بإسقاطات ذكية، لا أقول ذلك من منطلق رأيى أو رأى أى ناقد، بل من خلال ما ورد فى أدبيات الجماعات الإرهابية. على سبيل المثال، فى مذكرات المستشار الدمرداش العقيلى، زوج خالة سيد قطب، يروى أن سيد قطب كان يمازح ابن شقيقته قائلًا له: (أخبار حسن عملت إيه؟ ماذا فعل بكم حسن الصباح بتاعكم؟). هذه العبارة وحدها تلخص الإسقاط الذى ورد فى العمل، وتُبرز كيف نجح المسلسل فى الربط بين جذور الإجرام التاريخية وتداعياتها الراهنة».
ورأت أن تكلفة إنتاج الدراما التاريخية عائق يحول دون تقديمها، مضيفة: «لكننى أعتقد أن هذه الذريعة يمكن تجاوزها، خاصة أن الدراما التاريخية لها جمهور وتأثير، ونحن فى مصر لدينا كيانات إنتاجية كبرى تستطيع دعم هذا النوع من الأعمال، وعلى رأسها الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، التى أرى أنها قادرة على كسر حاجز فكرة التكلفة العالية».
وأكدت أن هناك شخصيات تستحق التناول، ولدينا ممثلون أثبتوا خلال موسم رمضان الماضى أنهم قادرون على تجسيد هذه الشخصيات بكفاءة عالية، كما حدث فى «الحشّاشين» مثلًا، الذى حقق نسب مشاهدة مرتفعة، ما يؤكد أن الجمهور موجود، والمتابعة مضمونة، ولا مبرر للامتناع عن الإنتاج لأسباب مادية.
أما بالنسبة لدراما السير الذاتية، فهى تمثل تحديًا حقيقيًا لأى فنان، لأنه يخترق شخصية راسخة فى وجدان الناس، سواء كانت فنية أو علمية أو ثقافية، وفق الناقدة الفنية، مضيقة: «لدينا تجارب ناجحة، لكن فى المقابل هناك تجارب لم تحقق النجاح لأسباب متعددة، مثل سوء اختيار الأدوار».
وأعطت مثلًا بمسلسل «معاوية» الذى عُرض مؤخرًا، وقالت إنه لم يكن فى مستوى التوقعات، ولم يكن الحصان الأسود الذى انتظره المشاهد العربى، خاصة عند مقارنته بأعمال مثل «عمر بن الخطاب».
وأوضحت أن «أحد أسباب الجدل هو ذلك الربط الدائم بين الفن والدين، وهو ربط لا يخدم أيًا منهما، لذا أثار هذا المسلسل لغطًا واسعًا بين الطائفتين السنية والشيعية، ما دفع الشركة المنتجة إلى تأجيل عرضه لمدة عام كامل».
وأضافت: «بجانب الجدل الدينى، عانى (معاوية) من أخطاء جسيمة فى الديكور والتفاصيل، وهى أمور لم نكن نعتادها فى الدراما السورية، التى تميزت دائمًا بالاعتناء بأدق التفاصيل من ملابس إلى ديكورات وصورة، هذا التراجع كان واضحًا ومخيبًا».
وشددت على أن «الشخصية التاريخية يجب أن تُقدم بموضوعية كاملة، بلا شيطنة ولا تقديس. على سبيل المثال، مسلسل (أم كلثوم)، رغم نجاحه، تجاهل كثيرًا من جوانب حياتها الحقيقية، وقدمها فى صورة ملاك، وهو أمر غير واقعى، نحن نتحدث عن بشر، عن شخصيات إنسانية متكاملة».
وأضافت: «هنا لا بد من الإشارة إلى فرق كبير بين المتلقى العربى ونظيره الأوروبى. المشاهد العربى تحكمه العاطفة فى علاقته بالشخصيات التى أحبها أو ارتبط بها فنيًا، لذلك أى محاولة لتقديم صورة مخالفة للصورة المثالية التى كَوّنها عن شخصية مثل أم كلثوم أو عبدالحليم حافظ أو فريد الأطرش أو محمد عبدالوهاب، قد تُقابل بالرفض أو النفور، بعكس المتلقى الأوروبى، الذى يمكنه تقبّل الشخصيات بكل تناقضاتها وأخطائها، بينما المشاهد العربى لا يتعامل بهذه المرونة، بل يكون مرتبطًا وجدانيًا بالشخصية، لذا، صُنّاع الدراما يخشون تقديم الصورة الكاملة، خوفًا من الصدمة التى قد تُحدثها فى وجدان المشاهد».
وواصلت: «الأمر أكثر تعقيدًا عند الحديث عن شخصيات معاصرة عاشها الجمهور وتفاعل معها، ما يجعل الاقتراب منها دراميًا مهمة محفوفة بالمخاطر، لأن المساس بها يُعد مغامرة غير محسوبة، على عكس الشخصيات التاريخية التى قد تسمح بمساحة أوسع من التناول».
وتابعت: «فى هذا السياق، يجرى حاليًا التحضير لمسلسل عن شخصية طلعت حرب، وهناك جدل حول مدى جدوى تحويل حياته إلى مسلسل، وفى ظل اعتقاد البعض بأن حياته ليست غنية بالأحداث الدرامية، وربما من الأفضل أن تُقدَّم فى فيلم وثائقى، لكننى أرى أن أى قامة مصرية قدّمت إنجازات فى مجالات الاقتصاد والطب والعلوم الفن أو الثقافة، تستحق أن تُروى قصتها، والمهم هو كيف نروى القصة، وكيف نجعلها تصل إلى المتلقى بأسلوب مشوق وجاذب وليس مثل حصص التاريخ».
سامر المصرى: الحل فى تقديم التاريخ بطريقة عصرية

اعتبر النجم السورى سامر المصرى، الذى جسد شخصيات تاريخية مثل خالد بن الوليد، و«الفاروق عمر بن الخطاب» فى مسلسل «معاوية»، أن مشكلة الدراما التاريخية فى العالم العربى أنها أصبحت «أسيرة» الوثيقة التاريخية، مشيرًا إلى ضرورة تقديم التاريخ بطريقة معاصرة، مثلما حدث فى مسلسل «النُص»، الذى تابعه وأعجبه جدًا.
كيف يهتم الجمهور بأعمال تقدم ما يعرفه من معلومات؟
وأضاف «المصرى»: «هناك أسباب أخرى، منها مثلًا أن الأعمال التاريخية والسيرة تقدم للجمهور ما يعرفه من معلومات، لذا لا يهتم المشاهد بمتابعة أحداث وشخصيات يعرفها جيدًا وقرأها وسمع عنها كثيرًا، وللتغلب على ذلك، يجب أن نقدم الدراما التاريخية برؤية حديثة متطورة تتناسب مع العصر الحالى».
وواصل: «كما يجب أن نقدم حكايات وأحداثًا لا يعرفها المشاهد لتجذبه، لذا نحن بحاجة لكُتاب يعالجون التاريخ بوجهة نظر معاصرة، لأن الجمهور مل من التقليد والتكرار، وتقديم موضوعات مستهلكة ومعروفة. يجب أن يشاهد الجمهور على الشاشة تفاصيل جديدة لم يعرف عنها شيئًا فى الأحداث التاريخية».
وعن الانتقادات التى وُجهت لمسلسل «معاوية»، قال سامر المصرى: «هى انتقادات طبيعية ولا أختلف معها، وعلينا أن نتعلم منها فى المستقبل، ونراعيها ونستفيد منها».
وشدد على «أننا فى حاجة لأعمال تاريخية كبيرة، لأنها تحكى عنّا وعن هويتنا. صحيح أن التكلفة عالية، لكن العائد ليس فقط ماديًا، بل ثقافى وفكرى وتربوى، ومع التوزيع الجيد والتسويق، من الممكن أن يتم تعويض جزء كبير من التكلفة».
وواصل: «غياب هذا النوع من الدراما ترك فراغًا كبيرًا، وفتح المجال لثقافات وأفكار أخرى تأثر بها الجيل الجديد، لذا من الضرورى أن نُعيد تقديم تاريخنا بشكل جميل وقريب منهم حتى لا يبتعدوا عن جذورهم».
وتابع: «الخيال ممكن يكون موجود فى الدراما التاريخية، لكن فى الحدود المسموح بها، مثل الحوارات أو المواقف التى لم تُذكر بتفصيل كامل، المهم ألا نغيّر الحقائق أو نحرّف الأحداث، هناك فرق بين الإبداع والتزوير، والدراما يجب أن تحترم ذلك».