الثلاثاء 14 أكتوبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

سر معلن... نبيه سرحان.. الجاسوس الإسرائيلى الذى خدع صلاح جاهين

حرف

- أستاذنا جاهين تعاطف مع ذلك الثعبان الذى ذهب إليه فى مجلة «صباح الخير»

كانت حركة شعر العامية المصرية فى عقدى الخمسينيات والستينيات قد وقفت بقوة على قدميها لكى تستطيع منافسة شعر الفصحى، وربما تجاوزته كذلك، فرغم المساحة العظيمة التى كان يشغلها بيرم التونسى، وبديع خيرى فى عقود سابقة منذ عشرينيات القرن الماضى، وترديد كل طوائف وطبقات الشعب لما يكتبه «بديع والتونسى»، ومعهما حفنة من زجالى ذلك الزمان من طراز محمد عبدالمنعم «أبوبثينة»، وحسين شفيق المصرى، وغيرهم، إلا أنهم جميعًا لم يحققوا ذلك الذيوع والانتشار الذى حققه صلاح جاهين وفؤاد حداد.

كانت الذائقة فى مصر فى عقود ما قبل الخمسينيات، مرتبطة بشكل كبير بشعراء فصحى مثل حافظ إبراهيم، وأحمد شوقى «أمير الشعراء»، ثم إبراهيم ناجى «شاعر الأطلال»، ثم على محمود طه «شاعر الجندول»، وغيرهم من شعراء، ولكن عندما ظهرت ظاهرة «حداد وجاهين» فى الخمسينيات، وارتبطا أكثر بفنون الأغنية السياسية التى اهتمت بها السلطة السياسية النابعة من ثورة يوليو، ولم يتوقف الأمر عند أم كلثوم وعبدالوهاب، ومنذ أواخر عام ١٩٥٥، وصدور ديوان «كلمة سلام» للشاعر الشعبى - كما كان يطلق عليه - صلاح جاهين، حدثت ثورة فى الشعر المكتوب بلغة الشعب الدارجة، وانقلبت المعادلة، إذ إن شعر صلاح جاهين على وجه الخصوص، كانت تعرفه الجماهير أكثر من شعر صلاح عبدالصبور، وأحمد عبدالمعطى حجازى، وهذا أحدث طفرة فى إبداع الجيل التالى الذى أتى بدفعة قوية من شعراء شباب مثل عبدالرحمن الأبنودى، وسيد حجاب، وفؤاد قاعود، ومجدى نجيب، وفؤاد بدوى «قبل أن يتحول إلى كتابة الفصحى»، وفريدة إلهامى التى كتبت لها النهاية فور بدايتها، وهكذا أصبح لشعراء العامية أكثر من شكل للحضور، إذ لم يقتصروا على وجودهم كشعراء فقط، بل أصبحوا فرسانًا فى الأغنية، وفى مسلسلات إذاعية، وفى أشعار مسرحيات، فضلًا عن قصائدهم التى انتشرت انتشارًا واسعًا، بعد صدور ديوان «الأرض والعيال» للأبنودى، مع مقدمة للناقد سيد خميس، وديوان «صياد وجنية» لسيد حجاب، كلمة نقدية للشاعر عبدالوهاب البياتى، ثم ديوان «صهد الشتا» لمجدى نجيب، مع مقدمة نقدية رصينة للشاعر مجاهد عبدالمنعم مجاهد، وقبل ذلك كان صلاح جاهين قد قدم هؤلاء الشعراء فى بابه الشهير «شاعر يعجبنى» بمجلة «صباح الخير»، وكان فؤاد قاعود قد تم تعيينه كشاعر - وهذه كانت إحدى العجائب - فى المجلة، وراح يتحفنا كل عدد من المجلة بروائعه الشعرية التى شقّت طريقها إلى كل قرّاء المجلة، وأصبح حضور هؤلاء الشعراء «أبناء صلاح جاهين» قويًا بدرجة أخافت السلطة السياسية آنذاك، لذلك تم القبض على سيد حجاب، والأبنودى، وسيد حجاب فى أكتوبر عام ١٩٦٦ مع حشد من المثقفين الطليعيين فى ذلك الوقت.

فى ذلك الوقت الذى كانت هناك أزمة بدأت تأخذ مسارات حادة بين مصر والكيان الصهيونى، ظهر شاعر غامض اسمه نبيه سرحان، وراح يعمل على التقرب من المثقفين والمبدعين فى مصر، دون أن يستجيب له أحد، حيث إننى لم أجد أى ذكر له فى أى كتابة نقدية عند أى أحد من معاصرى تلك الفترة، لكن ظهور ذلك الشاعر جاء من خلال تردده على الفنانة والمخرجة عطيات الأبنودى، وذكرت ذلك أكثر من مرة فى كتابها «أيام لم تكن معه»، فوصفته باللزوجة والسخافة، وكان يعرض عليها مساعداته الغامضة، ثم يحاول أن يمدها بالأموال، فلم تجد أى طريقة للتخلص منه سوى أن تطرده، ما عدا ذلك لم يرد اسمه- فى حدود علمى- فى كتابة أو نقد أو دراسة، على كثرة ما كتب الشعراء والنقاد والباحثون والصحفيون على وجه الإطلاق فى تلك الفترة، ولكن محاولات سرحان لم تنقطع عن التنطع على مثقفى ومبدعى وكُتّاب الأعمدة لكى يصنع له حضورًا ملحوظًا، الغريب أنه كان مجندًا فى القوات المسلحة كما تقول متابعات صحفية أو تحقيقات ظهرت فيما بعد.

لكن الظهور الأقوى الذى سعى إليه سرحان وحاول أن يحققه وسط ذلك الحصار، هو الذهاب إلى الرجل الطيب الذى تبنى كل هؤلاء الشعراء الشباب، وقد اعتبرهم الأبناء الشرعيين له، والامتداد الطبيعى لمسيرته، وكانت حجته معه، إذ إنه كان يقرض شعر العامية مثل الأبنودى وحجاب وغيرهما، وأعطى بعض الأوراق لعمنا صلاح جاهين، ولم تكن تلك الأوراق إلا أنها الديوان الأول لذلك الشاعر الغامض «نبيه سرحان»، وطلب من الأب الحنون العاطفى الطيب، وكم تكون تلك الطيبة مدخلًا ملكيًا لمرور هؤلاء الشياطين، واستطاع ذلك «السرحان» أن يقنع صلاح جاهين بكتابة مقدمة لتلك الأوراق التى أسماها ديوانًا عنوانه «مدد يا بت.. مدد يا واد»، ولم يستطع صلاح جاهين أن يتأخر، ورغم أن الوقت كان حرجًا على المستوى السياسى، إلا أن أستاذنا جاهين تعاطف مع ذلك الثعبان، الذى ذهب إليه فى مجلة «صباح الخير»، حيث إنه كان الشاعر الكبير رئيسًا لتحريرها، وأمهله وقتًا قليلًا، ثم كتب له مقدمة سريعة، وفى الحقيقة لم تكن المقدمة قراءة بأى شكل من الأشكال لشعر ذلك الشيطان، ولكنها كانت تكفى لتدشنه بين زملائه فى تلك اللحظة الخطيرة، ويكفى أن تكون المقدمة لصلاح جاهين، حتى يستطيع ذلك المدعو نبيه سرحان أن يحصل على جواز مرور فى الحياة الثقافية، وجاءت المقدمة لقراءة سريعة وعاجلة لشعر المرحلة، والتى رأى صلاح جاهين أن نبيه سرحان واحد من شعراء تلك الموجة الجديدة.

كتب جاهين فى مقدمته الرصينة: «يصدر هذا الديوان فى ربيع ١٩٦٧، عشرون عامًا مضت على ظهور حركة شعر العامية المصرية الجديدة، منذ أن بدأ فؤاد حداد عام ١٩٤٧، يحاول أن يجند الكلمة العامية المنظومة، فى معركة الجلاء، تحت راية (اللجنة الوطنية للعمال والطلبة)، تلك الظاهرة السياسية، التى كانت شكلًا مبكرًا من أشكال اتحاد الشعب العامل مع طليعته من المثقفين الثوريين.. عشرون عامًا مضت، وها هو شعر العامية المصرية، لا يزال يعبّر عن ذلك الاتحاد العظيم، اتحاد قوى الشعب العامل، مع طليعته من المثقفين الثوريين، تحت راية الميثاق... وما شعراء العامية المصرية الذين ظهروا بعد فؤاد حداد، وقبل صاحب هذا الديوان نبيه سرحان إلا أدلة أخرى، ونماذج أخرى من هذا المزيج الخاص الذى يجمع بين روح الشعب الكادح، ومطالب الشعب الكادح، ووجدان الشعب الكادح، وبين إرادة الثورة، وفكرة التقدم، وروح القرن العشرين التى يعبر عنها المثقف الثورى... صلاح جاهين، عبدالرحمن الأبنودى، عبدالرحيم منصور، مجدى نجيب، كرم شلبى، كل هؤلاء وغيرهم، نجد فى إنتاجهم الأدبى هذين القطبين بنسب متفاوتة، ولكن مهما تفاوتت النسب، فإنهما موجودان، والآن ها هو ذا ديوان جديد يحمل عنصرى حركة شعر العامية المصرى»، ويستطرد صلاح جاهين فى بقية المقدمة، لكى يتحدث عن عنصرى «الشعبية»، و«روح المثقف الثورى»، ويستفيض فى تعميقهما عند ذلك الشاعر الذى حملت سيرته بعد ذلك أعنف المفاجآت، وينهى جاهين مقدمته قائلًا: «.. وأخيرًا.. مرحبًا بنبيه سرحان شاعرًا من شعراء العامية المصرية، ومرحبًا بديوانه الأول (مدد يا بت.. مدد يا واد)، والتوقيع: صلاح جاهين فى ٢ أبريل ١٩٦٧، أى قبل كارثة النكسة بشهرين».

إذن ماذا كان يريد ذلك النبيه سرحان أكثر من ذلك، أكثر من وضعه فى صف سيد حجاب والأبنودى ومجدى نجيب، وكذلك فى طليعة شعراء الأمة، الذين يحملون عناصر الشعبية وروح المثقف الثورى، وأعتقد أن أى كاتب، أو مثقف، أو مبدع، قد أبدى ارتيابه من ذلك الشخص، سيقال له على الفور: «يا عم إنت بتقول إيه، ده صلاح جاهين كتب له مقدمة، وقال عنه كذا وكيت، وحطه جنب شعراء الوطن»، وهكذا يستطيع أى عابر سبيل أن يخرس أى أحد يقول عن نبيه سرحان، وبعيدًا عن مقدمة صلاح جاهين، وهى جواز المرور الأصلى لذلك الشاعر الغامض، من الممكن أن تضاف إلى سيرته الذاتية أشياء وأشياء، فطالما أن جاهين نفسه قال عنه ذلك الكلام، لأن قلبه طيب وعاطفى، ويعتبر أن كل هؤلاء، أولاده، فليس بعيدًا أن «نبيه سرحان» يكون انضم إلى جميع المنظمات الثورية، وقاد حملات من التمرد، وذلك لأن عفوية صلاح جاهين، وتعاطفه المطلق مع الحركة الشعرية وضعت ذلك النبيه سرحان فى صف شعراء الوطن الثوريين.

جدير بالذكر أن «نبيه سرحان» رغم ركاكة كثير من قصائده، إلا أنها كانت تصرخ بالوطن والغلابة والقضية الوطنية، ففى قصيدة له عنوانها «بالهداوة» يقول: 

(لسه الغلابة الفلاحين.. بيعرقوا

ولسه ما تمدش قوى اللبلاب..

علشان يغطى كل بيت عريان..

لسه السنابل حزينة حبتين

ولسه حبة دمع..

مقيده الرمشين

يا كاتب الموال..

خطاوينا رايحة لفين

دى الكلمة..

لو تتقال صريحة..

فى القلوب تتشال

غنوة لكل حزين

للحى قبل الميتين)

والأدهى من ذلك يكتب قصيدة فى صلاح حسين شهيد قرية كمشيش، وعنوان القصيدة «مين؟»، يبدأها قائلًا:

(مش اتقتل؟

أيوه اتقتل..

لكن بطل..

زرع الأمل..

وعمره أطول م الأجل..

كما عمر شعب..

عنيد..

شديد.

كسر على إيديه ..

الحديد..

وشال على كتافه..

الجبل..

فايت على كمشيش..

ورافع إيدى يا بلادى..

وقلبى بيجرى قدامى..

ف نعش الظلم..

ويطحن لحمه..

مع العضمات..

يقيد شمعات...

كما النجمات

تحكى عن بطل

وشهيد

مد الخطاوى

من أجل الرغفان والهدمات).

وتسير القصيدة على ذلك النهج المدائحى والتمجيدى، ولولا أن طاقة الموهبة أقل كثيرًا من طاقة شعراء مثل حجاب والأبنودى ونجيب ومنصور، لاعتبره القراء والمتابعون، ولكنه كان حريصًا على اللهث خلف القضايا المثيرة اجتماعيًا وسياسيًا، واستطاع أن يخدع بها الشاعر الطيب صلاح جاهين، لكى يحصل على خاتم وجواز المرور، وأصدر ديوانه الأول قبل كارثة ١٩٦٧، أو فى ربيع ١٩٦٧ كما كتب جاهين فى المقدمة، ويبدو أن ذلك الخاتم لم يعطِ نبيه تلك الشرعية التى كان يحلم بها، ولذلك وصفته المخرجة عطيات بـ«اللزج والمريب والغامض»، لكنه لم يصمت، فأصدر ديوانه الثانى بعد كارثة ١٩٦٧، أو قاصمة الظهر كما كان يطلق عليها أستاذنا الناقد فاروق عبدالقادر، وعنوان الديوان الذى صدر عام ١٩٦٨ «بدون عنوان»، والنسخة التى تحت يدى مهداة إلى شخص يدعى «شكرى عبدالخالق البحيرى»، وتاريخها ٢٠/٥/١٩٦٨، أى أنه حتى ذلك الوقت، لم يكن قد غادر مصر، وفى ذلك الديوان كتب نبيه قصائد فى مديح المقاومة الفيتنامية، وفى هجاء الصهاينة، وكتب قصيدة بمثابة رسالة من الجبهة إلى شقيقه قائلًا:

(إزيك يا أحمد؟

وإزى الأبطال..

إخواتك جنبك؟

والنبى لا تبوسلى إيديهم يا أحمد

سلامى.. نسمة عنديكم..

كما نجمة تنور لياليكم..

الشعب بيسألنى عليكم..

بيحييكم..

وبيعمل عرقه.. سلاح ليكم..

مع إن دموعه ما جفّتش..

ومشاويره.. لسه ما خلصتش..

ومسلمشى..

علشانك عمّال يجهز..

للخطوة الجايه ويمهّد..

باحلف بكتاب الله يا أحمد..

وباقول لك إيه!!

زعلان من أخوك

قول: آه

علشان محضرش يوم فرحى..

ما أنت يا أحمد عارف جرحى..

على كفى.. زرعت الصبار..

وف قلبى ورجليه يا خويا...

قول ألف.. وميت طلقة..

فى المستشفى... شفت بعينك)

وتسير القصيدة على ذلك النهج الحوارى الطويل، ولكنه ينهيها بفقرة لافتة، ولها معنى سياسى، يؤكد على إصراره لكى يحصل على جواز المرور السياسى، بعد أن حصل على جواز مرور شعرى وفنى، فتأتى النهاية كاشفة، إذ يقول:

مشواري.. لازم أمشيه

وورا الريس دايمًا يا أحمد 

وختامًا يا أحمد..

مش عارف..

أكتب إيه..

الريس بيمد ف قلبه..

وإحنا اللى بناخد بإيديه.. أخوك نبيه..

تحريرًا فى عشرين أبريل).

يكفى أن يصدر له ديوانان فى فترة حرجة وحسّاسة، قلبت كل موازين المنطقة على المستوى السياسى والفكرى والاقتصادى والاجتناعى، ما زلنا نعيش آثاره إلى اليوم، وقصائد تصرخ بالوطن والفقراء والعدل، ومديح فيتنام، وهجاء أمريكا والصهيونية، وكذلك مقدمة من أمير شعراء العامية المصرية صلاح جاهين - كما وصفه لويس عوض- مقدمات تكفى لكى يدخل نبيه سرحان كل منتديات الثورة من أوسع الأبواب، مقدمات صارخة، وفارقة، لكن النهايات كانت صارخة أيضًا، ولكن عكس مضمون المقدمات، إذ تكون المفاجأة أن يظهر نبيه سرحان «ابن شبرا» فى إذاعة تل أبيب «شخصيًا»، لكى يخاطب الشعب المصرى من هناك، ويبث فى قلوب المصريين وعقولهم كل السموم التى تعمل على تقليبهم على القيادة المصرية فى ظل مرحلة يحاول المصريون أن «يتعافوا» من الهزيمة، ويعاد تشكيل جميع الأمور السياسية فى الحياة المصرية، فجأة يعمل ذلك النبيه الشيطان على تأليب المصريين على القيادة التى تعمل على تجاوز كل آثار النكسة، ذلك النبيه المصرى الذى تم تدشينه بكل ألوان الزينات الثورية، أصبح إسرائيليًا، وهناك كثير من الخيالات التى دبجها كثيرون لحكاية هروبه من مصر، إلى ليبيا، ثم إلى أثينا، وهناك يلتقطه السفير الإسرائيلى، والذى ينتمى إلى أصول مصرية قديمة، ويرسله السفير إلى تل أبيب، ليعمل على تشويه كل ما تسعى إليه مصر التى بدأت بالفعل فى وقت قياسى لإنهاض كل ما قد لحقته الهزيمة، خيالات الصحفيين والبلوجرز الذين استثمروا قصة نبيه سرحان، لكى يصوروا لنا أن نبيه سرحان هاجر أو ترك مصر بعد أن تم اضطهاده من شعراوى جمعة وزير الداخلية «بذات نفسه»، أى أن السلطة المصرية آنذاك هى المسئولة عن تهجير وتكفير نبيه سرحان، بالتالى عن «خيانته» العظمى، وهذا الأمر الخبيث الذى يمر من خلال هواة وخياليين، نسوا أن الأبنودى كتب أعظم أغانى الوطنية إبان كارثة ١٩٦٧، وحدث ذلك بعد أن عانى ستة شهور فى المعتقل، لكنه عندما ناداه الوطن، لبى، وعندما كان الوطن فى أزمة محدقة وخطيرة، استجاب، ولم يهن، ولم يخن، رغم أنه لم ينسَ، ولكنه كتب أجمل ما صدح به عبدالحليم حافظ، وكذلك فعل سيد حجاب وسيد خميس وصبرى حافظ، وكلهم كانوا قيد السجن قبل النكسة أو الهزيمة - لا فارق عندى - لمدة ستة شهور عجاف، خرجوا وكتبوا وهتفوا للوطن بأعلى ما يملكون من أصوات.

قصة نبيه سرحان من أخطر قصص الجاسوسية، فهى نختلف عن قصة الكاتب المسرحى على سالم الذى ذهب إلى إسرائيل فى ظروف مختلفة، وتختلف عن قصة أمين المهدى الذى كان ينتمى إلى الماركسيين وإلى القوميين العرب فى لحظة أخرى، هؤلاء لم يخونوا، لكنهم فى ظنى أنهم انحرفوا انحرافات حادة ومارقة، وكل تلك القصص وغيرها تحتاج إلى قراءات ومراجعات عميقة وواعية ومخلصة، ونحن بصدد قصة شائكة من ذلك النوع فى تلك اللحظة التى تمر بها مصر، ومن الممكن أن يضفى كثير من العاطفيين، كثيرًا من الورد الثورى، على جسد كله أشواك وخناجر.