الأربعاء 15 أكتوبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

Alchemised.. رواية انتظرها القُراء أكثر من يوم زفافهم!

حرف

- تجسيد لظاهرة الـ«Fanfiction» التى يستلهمها المعجبون من أعمال أصلية شهيرة

- مستوحاة من «هارى بوتر» و«حكاية الخادمة» وتنتهى بقُرائها بالبكاء على «تيك توك»!

أثارت رواية «Alchemised» أو «المصنوع بالخيمياء»، من تأليف الكاتبة الأمريكية ذات الأصول الآسيوية سين لين يو، جدلًا واسعًا بعد صدورها مؤخرًا، لتتحول رواية الفانتازيا السوداوية التى يتجاوز عدد صفحاتها الـ1000 إلى أكثر الكتب مبيعًا لدى دار «بنجوين» الشهيرة، وفى طريقها للتحول إلى فيلم سينمائى جديد.

وأجرت صحيفة «الجارديان» البريطانية حوارًا مع الكاتبة الأمريكية، عن بداياتها فى كتابة الـ««Fanfiction، التى يقصد بها الأعمال الخيالية التى يكتبها المعجبون، ويستخدمون فيها شخصيات وأماكن أو قصصًا من أعمال أصلية موجودة مثل الكتب والأفلام والمسلسلات وألعاب الفيديو، وكيف حوّل شغفها هذا إلى واحدة من أبرز ظواهر النشر العالمية اليوم.

فى السطور التالية، تترجم «حرف» الحوار مع مؤلفة رواية «المصنوع بالخيمياء».

12 تحذيرًا

خلال الأيام الأخيرة، تصدّر اسم رواية جديدة أحاديث مُحبّى الكتب على منصات مثل «تيك توك» و«إنستجرام»، حيث لم يتوقف المستخدمون عن مشاركة حماسهم لصدورها، حتى إن إحدى صانعات المحتوى قالت: «انتظرت هذا اليوم أكثر مما انتظرت يوم زفافى»، وهى تلوّح أمام الكاميرا بنسخة ضخمة من الرواية التى يتجاوز عدد صفحاتها الـ١٠٠٠ صفحة.

الرواية تحمل عنوان «Alchemised» (المصنوع بالخيمياء)، وأصبحت بالفعل الكتاب الأكثر طلبًا مُسبقًا لدى دار النشر العالمية «بنجوين» خلال العام الجارى، مع تحقيقها صفقة ضخمة لتحويلها إلى فيلم سينمائى قد تصل قيمتها إلى ملايين الدولارات.

لكن مَن يقف وراء هذه الضجة الأدبية؟ إنها الكاتبة الأمريكية ذات الأصول الآسيوية سين لين يو، البالغة ٣٤ عامًا، والتى بدأت مسيرتها بكتابة ما يُعرف بـ«Fanfiction»، أو القصص التى يبتكرها المعجبون استنادًا إلى عوالم وشخصيات مأخوذة من أعمال أدبية شهيرة.

خلال فترة الجائحة، حققت قصصها على الإنترنت انتشارًا واسعًا، وصل إلى أكثر من ٢٠ مليون عملية تنزيل، وهو ما فتح لها الباب أمام النشر الاحترافى.

أشهر أعمالها فى هذا المجال كانت قصة بعنوان «درامايون»، وفيها تتخيل علاقة عاطفية بين شخصيتى «دراكو» و«هرميون» بطلة عالم «هارى بوتر»، استوحتها بشكل كبير من رواية «The Handmaid’s Tale» أو «حكاية الخادمة» للكاتبة مارجريت أتوود.

ومع مرور الوقت، أعادت سين لين يو صياغة العمل، وحذفت كل العناصر المرتبطة بحقوق ملكية الغير، لتصدره فى نسخة مستقلة تمامًا تحت عنوان «Alchemised» (المصنوع بالخيمياء)، وهى الرواية التى تشغل اليوم اهتمام القراء وتتصدر قوائم المبيعات.

فى بداية الرواية التى صدرت خلال سبتمبر الماضى، نتعرف على «هيلينا مارينو»، أسيرة حرب محتجزة فى قصر مهمل يعود إلى زميل دراسة سابق يُدعى «كاين فيرون»، المكلّف بالتنقيب فى ذاكرتها بحثًا عن ذكريات مفقودة. 

فى عالم تحكمه الـ«نيكرومانسى» أو «سحر استحضار الموتى والكيمياء»، تتبع الرواية التى تنقسم إلى ٣ أجزاء، العلاقة المعقدة والهوسية بين الشخصيتين، وتستكشف صدمات الحرب، وتفكك الحدود بين الخير والشر. 

وتصنيف الرواية كـ«فانتازيا سوداوية» ليس مبالغة، فالموقع الرسمى للكاتبة يسرد ١٢ تحذيرًا لمحتوى الرواية، تتضمن: تجارب بشرية، وتعذيبًا طبيًا، وتحسين النسل، وأكل لحوم البشر، والـ«نيكروفيليا» أو «مضاجعة الموتى»، وهو ما تقول عنه: «لم أرد أن أكتب علاقة يُفترض أن تكون مثالية»!

وعلى الرغم من أن وسائل إعلام وضعت «Alchemised» تحت تصنيف «رومانسى فانتازى»، تقول سين لين يو: «لا تظن أبدًا أن هذه رواية رومانسية أو رومانسى فانتازى. من يعتقدون برومانسية هذه الرواية لم يقرأوا الكثير من الأدب الرومانسى، لأن هذا النوع غالبًا ما يميل إلى قصص مثالية».

وتضيف: «لم أرد أبدًا أن أكتب عن علاقة يُفترض أن تكون نموذجًا مثاليًا يُحتذى به»، لتتحول محاولتها إقناع الناس بالتوقف عن وصف «Alchemised» كعمل «رومانسى فانتازى» إلى معركة لا تنتهى، فكلما أوضحت موقفها لجمهور أو ناقد، ظهر آخر يؤكد أن العمل فى جوهره قصة حب!

فانتازى على الورق

عن النظرة المتعالية تجاه الـ«Fanfiction»، ترى الكاتبة الأمريكية من أصول آسيوية أن الخلط بين الأنواع الفرعية لـ«الفانتازيا» يشبه إلى حد كبير النظرة الثقافية الضيقة تجاه هذا النمط الأدبى، الذى غالبًا ما يُربط بالمشاهد المثيرة فقط.

وتوضح: «الناس يميلون إلى أخذ أكثر ما هو فاضح أو مثير للجدل فى الـFanfiction ويركزون عليه، أو يعتبرونه تافهًا ويتهمون كاتبيه بأنهم بلا أفكار أصلية»، مضيفة: «الأعمال التى تعيد سرد الأساطير اليونانية، مثل (سيرسى) و(صمت الفتيات) و(أغنية أخيل)، لم تتعرض لنفس الانتقاد، رغم أنها مبنية على المبدأ ذاته لهذا النمط الأدبى.. هذا التناقض يثير سخريتى!».

وترى أن النقد يزداد حدة «كلما كان الأمر مرتبطًا بما تفعله النساء»، متابعة: «الرجال لديهم ألعاب مثل Fantasy Football، أو تكوين فرق كرة قدم خيالية على الورق، ومتابعة نتائجها بحسب أداء اللاعبين الحقيقيين، ولا أحد يقول لهم، كم هى لعبة سخيفة، بل تُعامل بجدية ويناقشونها فى أماكن العمل».

رغم انجذابها الدائم إلى «الفانتازيا»، نشأت «سين» فى عائلة «محافظة» و«متدينة جدًا» بشمال غرب الولايات المتحدة، حيث كان يُنظر إلى هذا النوع الأدبى بشك. كانت تقرأ كتبًا لمؤلفين مسيحيين مثل «سجلات نارنيا» و«سيد الخواتم»، لكن غيرها من أعمال «الفانتازيا» لم تكن موجودة فى بيتها.

أجّلت الكتابة الجادة لاعتقادها أنها بحاجة إلى خبرة حياتية أكبر، لكنها فى أواخر العشرينيات، وبعد إنجاب طفلين، أدركت أنها قد «تموت وهى تنتظر المزيد من الخبرة».

بدأت كتابة روايتها «Manacled»، على تطبيق الملاحظات فى هاتفها أثناء قيلولة طفلها. جذبها الـ«Fanfiction» كصيغة لأنه سمح لها بالنشر تحت اسم مستعار، الاسم الذى احتفظت به لاحقًا فى «Alchemised»، وفى الوقت نفسه كان هناك مستوى من الالتزام تجاه القراء:

«إذا قلت إننى سأحدث ما أكتب يوم الخميس، وبما أننى شخص يحرص على إرضاء الآخرين، وكمالِىّ، وطفلة كانت تنهى واجباتها المدرسية قبل أسبوع خوفًا من التأخر، فسألتزم بإنهاء الفصل فعلًا لأننى وعدت القراء».

بدأت «سين» إعادة كتابة رواية «Manacled» فى عيد الميلاد ٢٠٢٢، ومع اقترابها من إنهائها، تواصلت معها وكالة أدبية. لكن إزالة كل الإشارات إلى «هارى بوتر» و«حكاية الخادمة» لم يكن «أمرًا ممتعًا على الإطلاق»، بل تجربة تصفها بـ«المرعبة».

كتبت لمتابعيها على تطبيق «تمبلر»: «كان ذلك شيئًا قاسيًا جدًا بالنسبة لى». وشبهت العملية بمحاولة تركيب «بازل» كل منهما من ٥٠٠٠ قطعة لتشكيل صورة جديدة مفهومة. وأضافت: «لا أنصح بها أبدًا. كان علىّ أيضًا أن أعيد ابتكار نظام علاجى وطبى جديد بالكامل، وكان الأمر حرفيًا صادمًا».

الحرب

الحرب موضوع رئيسى فى الرواية، مستوحى جزئيًا من تاريخ عائلة الكاتبة، فقد نشأت فى بيئة «تقليدية»، سمعت فيها روايات محددة جدًا عن الحرب العالمية الثانية ودور الولايات المتحدة فيها. 

لكنها، ولأنها نصف يابانية، عرفت أن «جدتها لوالدتها وكل عائلتها الكبيرة وُضعوا فى معسكرات اعتقال خلال الحرب العالمية الثانية لأنهم يابانيون». أرادت «سين» أن تستكشف تلك الأجزاء من التاريخ التى «يتم حذفها لتصوير القصة فى ثنائيات مبسطة: هؤلاء هم الأخيار، وهؤلاء هم الأشرار».

تأثرت أيضًا بكتب فى التاريخ النسوى مثل «الوجه غير الأنثوى للحرب» لـ«سفيتلانا ألكسيفيتش»، الذى يوثق شهادات النساء السوفيتيات فى الحرب العالمية الثانية، و«مَن طبخ عشاء آدم سميث؟» للكاتبة كاترين كيلوس. 

كتبت: «كان هناك الكثير من النساء فى المقاومة. لم يكن كثيرات منهن فى القتال، لكنهن كنّ موجودات فى كل شىء آخر: عملن فى المستشفيات، ذهبن إلى الجبهة كممرضات، سحبن الجرحى إلى بر الأمان، أَدرن أجهزة الراديو ونقلن الرسائل، غسَلن وأصلحن الملابس العسكرية، وطبخن الطعام. كل تلك المهام اليومية التى لا تنتهى».

كان العديد من معجبى «سين» متحمسين للغاية لرؤية «Manacled»، وقد تحولت إلى عمل منشور بشكل تقليدى. وقبل صدور «Alchemised»، قالت الكاتبة إنها شعرت «وكأنها زجاجة شمبانيا على وشك الانفجار».

والآن، بدأ القراء يعيشون التجربة العاطفية للرواية، ويتشاركون ردود أفعالهم على «تيك توك». أحدهم نشر مقطعًا يظهره مبتسمًا وهو يحمل الكتاب قائلًا: «هذا أنا قبل قراءة Alchemised»، ثم يتحول للقطات له وهو يبكى بحرقة بعد الانتهاء. وقال ثانى: «أشعر بفقد لم أشعر به من قبل. لا أعرف كيف سأكمل بعد هذا!».