الحيطة المايلة.. «ثورة» شعراء العامية على الاستبعاد من جوائز الدولة: «لسنا درجة ثانية»

- التدوير بينه وبين الفصحى يحرم جيلًا كاملًا من حقه فى الحصول على الجائزة
- إلغاء فرع إبداعى رئيسى دليل واضح على طغيان الروتين والركود الفكرى
أثار استبعاد شعر العامية من جوائز الدولة هذا العام غضب الكثير من الشعراء المصريين، خاصة أن هذا النمط الأدبى ليس له الكثير من الجوائز الملموسة مثل شعر الفصحى، فضلًا عما يكرسه من اعتبار شعر العامية فى درجة أدنى من شعر الفصحى لدى البعض.
ورغم إصدار وزارة الثقافة بيانًا، أكدت فيه أن استبعاد شعر العامية من جوائز الدولة هذا العام، يأتى فى إطار ما وصفته بـ«تدوير» الجوائز بين أفرع الإبداع المختلفة، أكد عدد من شعراء العامية أن هذا «التدوير» لا يصح أن يكون مع هذا النمط الشعرى، الذى يتغنى به الفنانون فى كل المحافل الوطنية، ويعد المُعبِر الحقيقى عن حال البلد فى أوقاتها كافة.
«حرف» توجهت بالسؤال إلى 5 من شعراء العامية، وسألتهم عن رأيهم فى قرار وزارة الثقافة، فكانت هذه إجاباتهم.
أشرف البولاقى: انعكاس لما نعيشه من «سلفية ثقافية»

غياب شعر العامية عن جوائز الدولة هذا العام، وعكس ما يتصور كثيرون، لا يكشف عن نظرة الدولة أو المؤسسة الثقافية الرسمية لهذه النوعية من الشعر، ولا عن ذائقة ما، بل يكشف عن حالة التراجع والتردّى التى تمر بها الثقافة.
أتعجب واندهش كثيرًا من تلك الكتابات التى راحت تنثال، فى بعض الصحف وعلى كثير من مواقع التواصل الاجتماعى، حول قيمة شعر العامية، ومُنجز روّاده، وهو ردّ فِعل كارثى فى تصورى؛ لأنه يكرّس للعود إلى البديهيات، إذ كيف يُتصوّر أننا مضطرون، الآن، وفى هذه اللحظة التاريخية، إلى الدفاع عن شعر العامية باعتباره فنًا من الفنون أو نوعًا من التعبير الأدبى؟!.
كيف يُتصَور أن نضطر للتذكير أو الإشارة إلى فؤاد حدّاد أو بيرم التونسى أو صلاح جاهين أو عبدالرحمن الأبنودى أو أحمد فؤاد نجم أو سيد حجاب؟! هل يُعقَل هذا؟!.
والحق أن الثقافة المصرية التى تهتم بالفصحى، بصفتها الممثل الشرعى لفنون القول، ربما كانت لا تهتم بالفصحى نفسها، بقدر ما تهتم بفكرة المحافَظة والثبات، بفكرة التقليد نفسها، وهو ربما ما بدا عند كثيرين ممن راحوا يدافعون عن قرار المجلس الأعلى للثقافة، وهم يزعمون أن للفصحى أسسًا وقواعد، وأنها لها منجز نقدى، وبلاغة تراثية، الأمر الذى يكشف عن حجم التصورات الثقافية السائدة فى مجتمعنا، والتى لا يلتفت إليها أحد فى حمّى المؤتمرات والمهرجانات والصخب والضجيج الحادث والمعارك الجانبية.
الخلل موجود فى عمق الثقافة المصرية نفسها، التى تنحو، منذ فترة ليست قصيرة، نحو «السلفية الثقافية»، ومن ثم لا عجب أن يرى بعض ممثليها أن شعر العامية شعر من «الدرجة الثانية!»، خاصة أن تلك النظرة قديمة، ولا تزال مناهج التربية والتعليم تنفر تمامًا، ليس فقط من وضع نصوص العامية فى مقرراتها، بل من الحديث عن أىٍّ من روّادها بأى شكل.
الأجواء لا تبشر بخير، بعد أن سيطر وهْم كبير منذ سنوات، أننا تجاوزنا تلك النظرة الضيقة للفنون والإبداع، لكن الحقيقة أننا ماضون إلى الوراء بقوة وبسرعة!.
سعيد شحاته: سلب للاحتفاء بـ«عصارة بلاغة الشارع»

جوائز الدولة المصرية بالنسبة للمبدع أمر مهم واختبار حقيقى، وتتويج لمسيرته، أو حافز لإنتاج أكثر عمقًا وتأثيرًا. أما بالنسبة لشاعر العامية خاصةً فهى هدف وغاية وحلم، خاصة أن هذا الشاعر لا يُحتفَى به إلا هنا.
هذا الشاعر لن يُدعى للمشاركة فى المحافل الدولية باعتباره شاعر عامية، ولن يُكرَم خارج حدود هذا الوطن لأنه شاعر عامية، ولن يُترجَم لأنه شاعر عامية، ولن يُطبَع له فى الخارج لأنه شاعر عامية، ولن يشارك فى المسابقات العربية والعالمية لأنه شاعر عامية.
على الرغم من طليعيته واختلاف قصيدته وتميزها وتفوقها فنيًّا، لن يخرج هذا الشاعر من هنا إلا إذا تم تغيير صفته الشاعرية من شاعر عامية إلى شاعر أى لون آخر، وإذا طبع فى الخارج، لن يُكتب على ديوانه ديوان عامية، بل سيُكتَب شىء آخر.
هذا مصير وجزاء العامية المصرية وقدرها، كمصطلح ومسمى له خصوصيته الشديدة، لأنها لون فنى رجح كفة البسطاء والعامة، واشتغل من أجلهم، وكتب لهم وغنى تراثهم، واستطعم كلامهم وتراكيبهم وصورهم الشعرية واستعذبها. لذا، هذه القصيدة لن تُكرَم إلا هنا، وتكريمها يبدأ بالطباعة والنشر والتوزيع والتسويق، والجوائز، خاصة جوائز الدولة.
جائزة الدولة التشجيعية لا بد أن تستمر لهذا اللون، ولا تتوقف أو تؤجل أو يتم تبادلها مع الفصحى، لأن هذا التبادل يوقفها سنة، وفى هذه السنة يكون جيل كامل برؤاه وإبداعه ودواوينه قد تخطى حاجز الـ٤٠ بيوم أو يومين، فيُحرم هذا الجيل من هذه الجائزة.
أنا على المستوى الشخصى عانيت من هذا الأمر، فبعد تأجيلها سنة لصالح الفصحى من قبل، ذهبت إلى التقديم، فقال لى الموظف: لقد تجاوزت الـ٤٠ بشهرين، فنزلت درج السلم حزينًا، ووقفت أوزع ديوانى على المارة، ومضيت.. لذا، أرجو الاهتمام بشعر وشعراء العامية لأنهم عصارة بلاغة هذا الشارع العظيم!
محمد فرغلى: الخبر نزل علينا كالصاعقة

بعد فوزى بجائزة الدولة التشجيعية سنة ٢٠٢٣، أصبحت أنتظر كل عام البيان الخاص بمسابقات الدولة لكى أنشره عبر صفحتى الشخصية لكى يستعد أصدقائى الشعراء للتقديم.
ولم أقرأ البيان الخاص بجوائز الدولة لـ٢٠٢٥ كاملًا وقمت بإعادة نشره دون النظر لأى تفاصيل لأتفاجأ بعدها بتعليقات الأصدقاء «وفين العامية؟»، فأخذت بالتدقيق فى البيان وهنا كانت الصاعقة بغياب فرع العامية هذا العام.
وبشكل تلقائى رددت عليهم بأن هذا لا بد أنه خطأ أو سهو ممن قام بنشره عبر صفحة وزارة الثقافة أو المجلس الأعلى للثقافة، وتوالت الرسائل للتأكيد والاستفسار حول الموضوع من العديد من الشعراء المهتمين بشعر العامية وممن ينتظرون بدء التقديم لأقوم بدورى بالاتصال بأحد المسئولين فى المجلس لمعرفة إن كان هذا خطأ فى البيان أم لا ليكون الرد كالتالى:
«يأتى شعر العامية ضمن خطة فروع جوائز الدولة التشجيعية للعام القادم بإذن الله، وذلك وفقًا للخطة التى تُعَدّ مسبقًا كل ثلاث سنوات».
وتتضمن جوائز الدولة التشجيعية هذا العام ثمانى جوائز فى مجال الآداب، من بينها جائزتان فى مجال الشعر: الأولى: ديوان شعر الفصحى، والثانية: النص المسرحى الشعرى «فصحى أو عامية»، إذن لم يكن خطأ بل خطة، وحتى هذه اللحظة ننتظر وزير الثقافة نفسه ليرد على هذا الأمر ولماذا شعر العامية دون غيره؟.
وكمدير نشر لسلسلة ديوان الشعر العامى بالهيئة المصرية العامة للكتاب أتضامن مع كل الشعراء الذين تعجبوا من القرار خصوصًا أن مبلغ الجائزة أصبح تقريبًا بعد خصم الضرائب مساويًا للشعراء الفائزين بالقائمة القصيرة لجائزة أحمد فؤاد نجم هذا العام بعد أن قام رجل الأعمال نجيب ساويرس بزيادة قيمتها.
فهل القطاع الثقافى الخاص أصبح أكثر غيرة على شعر العامية المصرية وتراثها من وزارة الثقافة؟ أم هل هناك توجه ما جديد لتهميش العامية؟ كلها تساؤلات نبحث جميعًا عن رد مقنع عنها، خصوصًا أن العامية تشهد طفرة كبيرة فى عدد الشعراء المتحققين وأصحاب التجارب المتفردة.
وهناك العديد من الدراسات النقدية الحديثة التى توازى هذا التعدد الجمالى وتقوم برصده وتحليله، لأن شعر العامية المصرية له خصوصيته عند المصريين بل أصبح يُسمى بالشعر المصرى نظرًا لأنه تعدى مجرد كونه لهجة خاصة، الانتصار دائمًا للشاعر المتحقق الموهوب.
أحمد خطاب: الغضب من الإلغاء ليس بسبب القيمة المادية

شاعر العامية فى مصر يبحث عن تقدير لما يكتبه، ويحبذ أن يكون هذا التقدير من وطنه الذى ينشغل به دائمًا ويحمل هَم قضاياه فى كتابته. وكان من الأجدر أن توسع وزارة الثقافة العمل على إظهار تجارب الشعراء الذين يكتبون بلغة الشعب، ولغة الشارع، ولغة البسطاء.
اللهجة العامية هى أعظم اللهجات العربية، وكل شعوب الدول العربية تفهمها وتتأثر بها وتحب جمالياتها.
ماذا فعلت وزارة الثقافة فى استثمار دولية اللهجة العامية المصرية؟ هناك أفكار كثيرة لاستثمار شعراء العامية الموهوبين فى مصر، وتقديمهم عربيًا وليس محليًا فقط، فإذا كانت وزارة الثقافة تفتقر إلى كوادر فى القيادة الثقافية فلتبلغنا نحن الذين نعمل متطوعين فى العمل الثقافى منذ أكثر من خمسة عشر عامًا ولنرشدهم كيف يخططون وينفذون، إن كان الحل لديهم هو إلغاء فرع من جائزة الدولة لينوب عنه فرع آخر فى مجال آخر، فأنت بذلك يحكمك الروتين والركود الفكرى.
أنا أتعجب من تهميش شعر العامية بإقصائه من جائزة الدولة التشجيعية؟، كيف تكون تشجيعية ويتم إلغاؤها ولو لدورة واحدة، أين التشجيع فى ذلك؟، هناك دعوات ظهرت لجمع مبلغ الجائزة وعمل جائزة موازية هذا العام، وهناك دور نشر تطوعت بنشر أعمال لشعراء عامية متميزين بسبب هذا القرار، فالأمر لم يكن فى قيمة الجائزة، بل فى رمزيتها الوطنية.
ومن المؤكد أن الجائزة سنويًا تذهب لشاعر واحد فقط، فالغضب فى الوسط الأدبى ليس غضبًا لنيل الجائزة بالتأكيد، فقد يغضب شاعر لم يتقدم للجائزة من الأساس، أو يغضب كاتب رواية أو قصة قصيرة أو شاعر فصحى، فالغضب يأتى من إلغاء رمزية الجائزة التى تمنحها الدولة المصرية.
والواقع الشعرى المصرى دائمًا يتصدر المشهد من العمل الثقافى الفردى مع الأسف، فمعظم الفعاليات التابعة لوزارة الثقافة أو اتحاد الكُتّاب أو حتى أندية الأدب يصيبها الروتين الثقافى المُمل، ونجد عادة أن الحدث الثقافى الذى ينظمه المبدع لنفسه بجهوده الذاتية يلقى جدية فى التنظيم والإدارة والحضور أكثر من دعوته لأى كيانات ثقافية يصيبها الروتين، مع الاعتراف أننا لا نرفض المشاركة فى فعاليات وزارة الثقافة أملًا أن نرى فيها ما يرضى ذائقتنا وما يخدم وطننا الحبيب.
وختامًا فإن العامية المصرية لها شعراء يدافعون عنها بكتابتهم، ويؤرخون تاريخ هذه الفترة التى يعيشونها، من معجم لغوى وبنية شعرية وسردية ستساعد من سيأتى من بعدنا، كما أسهم روادها من قبل.
ريم المنجى: الإقصاء ثغرة فى نقل الواقع الإبداعى

فى رأيى أن إقصاء جائزة الدولة التشجيعية فى فرع العامية المصرية هو تراجع فى تقدير شعراء العامية الجديرين بالحفاوة والتشجيع.
والعامية المصرية مكون رئيسى فى المشهد الثقافى وناقل موضوعى ووثائقى للمجريات اليومية التى يعيشها المجتمع المصرى، بل هى الأكثر قدرة على التعبير عن طبقات الشعب كافة ولا تقل أهمية عن الفصحى فى نقل الرؤى الاجتماعية والسياسية والثقافية.
وأعتبر أيضًا أن المسرح الشعرى غاية فى الأهمية، لأنه ينقل هوية بصرية وسمعية للمتلقى وتأثير المسرح طاغٍ، فلذلك إقصاء أى فرع من فروع الآداب يسبب ثغرة فى الإلمام بكل الزوايا.
وشعر العامية يعكس حياة البسطاء وتجاربهم فى الحروب والانتصارات، وكانت الأغنية الوطنية المكتوبة باللهجة العامية لها قدرة فائقة على تحريك حماس الشعب وتهدئته وبرغم اختلاف المحافظات واختلاف لهجات الناس بين بحرى وقبلى، إلا أن جميع أقطار الجمهورية تفهم النص العامى، وهى الغاية الأولى من الكتابة.
لذلك على مؤسسات الدولة أو المؤسسات الخاصة الاهتمام بشعر العامية ومريديه، لأنه يعكس ثقافة خاصة بالشعب المصرى ويرسخ هويته، ويحافظ على تراثه فى الفترات الزمنية المختلفة.