«بوب فيكشن».. أحمد عبدالمجيد: الناشرون سطوا على أعمال أجاثا كريستى بـ«عناوين مبتذلة»

- نحن مدينون بشكل كبير إلى أحمد خالد توفيق ونبيل فاروق فى قراءاتنا
- بدأت كتابة «بوب فيكشن» فى 2020 لتهدئة أعصابى أثناء «كورونا»
- كنت أقضى أسابيع كاملة فى البحث وراء معلومة واحدة أضيفها إلى الكتاب
- كريستوفر نولان لم يسرق «Interstellar» من «ملف المستقبل»
قبل أسابيع، أصدر الكاتب أحمد عبدالمجيد كتابه الجديد «بوب فيكشن»، عن دار «الرواق» للنشر والتوزيع، والذى لاقى رواجًا كبيرًا، وكتب عنه كثيرون على صفحاتهم بمواقع التواصل الاجتماعى؛ لكونه يدور حول الـ«Pop Fiction»، التى تمثل بدايات القراءة بالنسبة لعدد كبير من مواليد سبعينيات وثمانينيات القرن الماضى. والـ«Pop Fiction» مصطلح فى سياق الأدب يشير إلى ما يعرف باسم «pocket novels» أو «روايات الجيب»، أو تلك القصص الشعبية ذات المطبوعات الخفيفة والقطع الشبيهة بالمجلات الصغيرة، والتى لها تأثير كبير على تشكيل الوعى والثقافة فى مرحلة مبكرة من عمر القارئ، وكانت بمثابة شغف لكثير من أبناء الثمانينيات والتسعينيات، وشكلت عوالمهم الخاصة مع القراءة. فى الكتاب الجديد، يتحدث «عبدالمجيد» عن أحمد خالد توفيق ونبيل فاروق ومحمود سالم وأجاثا كريستى وموريس لوبلان، وغيرهم من الكُتَّاب الذين حملوا على عاتقهم، دون أن يدروا، مهمة توجيه جيل كامل نحو القراءة، وهو ما نتعرف على تفاصيله كاملة، فى الحوار التالى مع مؤلف كتاب «بوب فيكشن».

■ مع «رجل المستحيل» و«ملف المستقبل» وغيرهما عاش جيل كامل مع «روايات الجيب» فى طفولته وصباه.. كيف جاءتك فكرة تقديم كتاب عن هذه الظاهرة؟
أعتقد أن تجربة قراءة «روايات الجيب» موجودة فى خلفية أذهان كثيرين ممن خاضوها فى طفولتهم وشبابهم، وهى تجربة مثيرة ومهمة، لكننا فى الغالب لا نتعرض لها، أو لا نجد المحفز الذى يجعلنا نعاود تذكرها، رغم أنها حدّدت جزءًا لا بأس به من رؤيتنا للحياة، حتى لو لم ندرك ذلك.
بالنسبة لى، كانت التجربة فى خلفية ذهنى إلى أن اضطررت لاستدعائها فى عام ٢٠٢٠، أثناء فترة الحظر بسبب انتشار فيروس «كورونا»، حينها عدت لتصفح العديد من السلاسل التى كنت أقرأها فى طفولتى، على سبيل تهدئة أعصابى، واستجلاب شعور الأمان الذى كنت أشعر به خلال هذه المرحلة من حياتى.
وأثناء قراءتى لهذه السلاسل أعدت النظر لتجربتى فى قراءة «روايات الجيب»، واكتشفتها بشكل مختلف، ربما لم يكن مُتاحًا لى فى طفولتى. من هنا جاءت فكرة تدوين خواطر حول التجربة، تحوّلت مع الوقت إلى كتاب «بوب فيكشن» فى شكله الحالى.

■ لماذا أهديت الكتاب إلى أحمد خالد توفيق ونبيل فارق ومحمود سالم؟
نحن مدينون بشكل كبير إلى أحمد خالد توفيق ونبيل فاروق فى قراءاتنا، فكلاهما شجعنا على القراءة بشكل كبير. نبيل فاروق من خلال سلاسله الكثيرة متعددة المواضيع، والتى غطت الكثير من احتياجاتنا فى القراءة، فمن يرغب فى قراءة أعمال جاسوسية، لديه سلسلة «رجل المستحيل»، ومن يرغب فى قراءة خيال علمى، لديه «ملف المستقبل» و«كوكتيل ٢٠٠٠»، ومن يرغب فى قراءة ألغاز بوليسية، لديه «ع×٢»، ومن يرغب فى قراءة أعمال تاريخية، لديه «فارس الأندلس».
أما أحمد خالد توفيق فكان دائم الحديث عن أعمال من الأدب العالمى، ويرشح لنا قراءة أدباء كبار تأثر بهم، مثل إدجار آلان بو وستيفن كينج وغيرهما. وفى ترجماته المختصرة بسلسلة «روايات عالمية للجيب»، كان يُقدّم لنا الكثير من الكُتَّاب والأعمال التى كنا نتعرف عليها معه لأول مرة.

■ ترى أن الـ«Pop Fiction» هو البوابة الأولى للقراءة.. هل تعتقد أن هذا هو التدرج الطبيعى للقراءة وفق المرحلة العمرية؟
تختلف تجربة القراءة من شخص إلى آخر، أعرف أشخاصًا بدأوا القراءة بأعمال كبار الكُتَّاب، لكن فى المجمل، أعتقد أن كل سن تحتاج إلى نوعية كتابات معينة تناسب مرحلتها الفكرية. فى السنين الأولى قد تكون قصص الأطفال مناسبة لأن يقرأها الأهل لأبنائهم، مثل أعمال كامل كيلانى. وفى مرحلة تالية قد ينجذب الطفل إلى المجلات المصورة، مثل «ميكى» و«سمير»، ثم تأتى مرحلة يتجاوز فيها المجلات المصورة ويحتاج قراءة أعمال أكثر نضجًا، لكنها فى ذات الوقت سهلة وبسيطة، وهنا تأتى أعمال الـ«Pop Fiction»، أو قصص المغامرات الموجهة للناشئة.

■ فى الكتاب عرجت على مؤلفى هذه الأعمال.. ومن بينهم محمود سالم.. فى رأيك، لماذا لم تهتم «دار الهلال» بإبراز اسمه كما حدث مع نبيل فاروق وخالد توفيق؟
فى الكتاب، ذكرت رحلتى مع القراءة من خلال عناوين الفصول، فبعدما بدأت القراءة بالمجلات المصورة مثل «ميكى» و«سمير» و«ماجد» و«باسم»، انتقلت إلى قراءة أعمال محمود سالم: «الشياطين الـ١٣» و«المغامرون الخمسة»، وكان هذا هو الفصل الأول.
بالتوازى مع ذلك بدأت أتعرف على أعمال أجاثا كريستى، وروايات أرسين لوبين وشِرلوك هولمز، وهو ما شكل مضمون الفصول الثانى والثالث والرابع، وأخيرًا وصلت إلى مرحلة قراءة «روايات مصرية للجيب»، خاصة أعمال نبيل فاروق وأحمد خالد توفيق، وهو ما شكل الفصلين الأخيرين من الكتاب.
أما بخصوص محمود سالم مقارنة بكل من نبيل فاروق وأحمد خالد توفيق، فأعتقد أنه ظهر فى فترة كانت دور النشر تحاول ربط القارئ بالسلسلة وأبطالها أكثر من مؤلفيها، لذا نجد أغلفة «الشياطين الـ١٣» و«المغامرون الخمسة» تخلو من اسم المؤلف، بعكس ما حدث مع «روايات مصرية للجيب»، الذى نظر للأمر بشكل مختلف، وبدأ يُسوّق للمؤلفين أنفسهم باعتبارهم نجومًا تجب متابعة أعمالهم وسلاسلهم المتعددة.

■ تطرقت أيضًا إلى «جرائم ترجمة» عند نقل أعمال أجاثا كريستى إلى العربية.. ما أبرزها.. وما الدافع وراءها؟
أعتقد أن الموضوع يعود إلى الرؤية التسويقية للمُترجِم ودار النشر، ففى فترة من الفترات كان بعض دور النشر يرى أن أعمال أن الـ«Pop Fiction» المُترجَمة يجب أن تظهر بعناوين براقة تجذب القارئ. ففى ظل غياب مفهوم حقوق الملكية الفكرية للعمل الأصلى، وترجمة أعمال أجاثا كريستى دون الحصول على إذن منها، أعطى المترجمون ودور النشر لأنفسهم الحق فى تغيير عناوين الأعمال إلى أخرى، قد نراها مبتذلة الآن، لكن فى وقتها ربما رأى الناشرون والمترجمون أنها جذابة للقراء.
هذا لم يحدث مع أجاثا كريستى وحدها، فأغلب الأعمال المترجمة وقتها كانت تخضع لنفس السياسة، فنجد عناوين مثل «جريمة امرأة» أو «جزيرة الموت» أو «جنون الانتقام»، وغيرها، رغم أن العناوين الأصلية ليست كذلك، إلى جانب ترجمة العمل بشكل مختصر ليصبح فى عدد صفحات تُناسب القُراء، فقد تكون الرواية الأصلية فى حدود ٤٠٠ صفحة، وتُختصَر إلى ١٥٠ صفحة فقط.

■ وماذا عن أهم المعلومات التى اكشتفتها بشأن الأعمال المصرية على وجه التحديد؟
فى الفصل الخاص بالكاتب محمود سالم، اكتشفت أن الجندى المجهول الذى كان يقف وراء إصدار سلسلتى «الشياطين الـ١٣» و«المغامرون الخمسة»، هى ناديا نشأت، حفيدة جرجى زيدان. ورغم الدور الكبير الذى لعبته فى الثقافة العربية، لأنها كذلك هى التى أنشأت مجلة «سمير» ثم مجلة «ميكى»، ورأست تحريرهما عدة سنوات قبل تأميم الصحافة فى الستينيات، وأصدرت فى لبنان مجلات «سوبر مان» و«الوطواط» و«طرزان» و«لولو الصغيرة»، بالإضافة إلى ألبومات «تان تان» و«أستريكس» و«لاكى لوك»، وغيرها، لا توجد تقريبًا أى معلومات عنها، لدرجة أنى لم أجد حتى تاريخى ميلادها ووفاتها!

وكمثال على المجهود البحثى الذى بذلته من أجل توثيق بعض المعلومات الواردة فى الكتاب، سأخبرك عما فعلته فى البحث عن تاريخ صدور أول ألغاز «المغامرون الخمسة». المعلومة الموجودة على شبكة الإنترنت، وذكرها محمود سالم نفسه، فى حواراته الأخيرة قبل وفاته، أن «المغامرين الخمسة» بدأ صدورها عام ١٩٦٨. ولما كنت أرغب فى معرفة تاريخ الشهر الذى صدر فيه اللغز الأول، عدت إلى أرشيف مجلتى «ميكى» و«سمير»، لأنى أعرف أن الأعمال الموجهة للأطفال والناشئة فى ذلك الوقت، كان يتم الإعلان عنها فى هاتين المجلتين.
بحثت فى سنة ١٩٦٨ بالكامل، عددًا عددًا، بحثًا عن إعلان صدور العدد الأول من «المغامرين الخمسة»، فلم أجد شيئًا! بحثت فى الأعداد الصادرة سنة ١٩٦٩، فى كلا المجلتين، فوجدت الإعلان موجودًا فى العددين اللذين صدرا فى بداية أغسطس.. هكذا عرفت أن اللغز الأول صدر فى أغسطس ١٩٦٩ وليس فى ١٩٦٨. هكذا كنت أبحث، أقضى أيامًا وأسابيع أبحث وراء معلومة واحدة أضيفها فى الكتاب، حتى ظهر على ما هو عليه الآن.

■ ذكرت فى كتابك أنه لم يحظ أحد من أصحاب دور النشر بمحبة القراء كما حظى حمدى مصطفى، صاحب مشروع «روايات مصرية للجيب».. ما تفسيرك لذلك؟
هذا صحيح تمامًا، والسبب فى ذلك أن نبيل فاروق وأحمد خالد توفيق كانا دائمى الكلام عن حمدى مصطفى، فى الأبواب التى خصصاها للحديث مع القراء: باب «عزيزى القارئ» عند نبيل فاروق، و«رفعت إسماعيل مع القراء» عند أحمد خالد توفيق. نبيل فاروق كتب عنه أكثر من مرة، كم ساعده ووقف بجانبه. وأحمد خالد توفيق تحدث كثيرًا عن مساعدته للمؤلفين ودعمه لهم.
لذا، صار حمدى مصطفى بالنسبة لنا نجمًا لا يقل شهرة عن المؤلفين أنفسهم. ليس حمدى مصطفى وحده، بل كل أبطال الكواليس فى مشروع «روايات مصرية للجيب»، مثل أحمد المقدم، مسئول التوزيع وقتها، وصبحى عبود، المسئول عن الإخراج الداخلى للكتيبات، وبالطبع الفنان إسماعيل دياب، رسام الأغلفة، التى كانت علامة مميزة للمشروع، ومن خلال رسوماته عرفنا أشكال «أدهم صبرى» و«نور» وفريقه و«رفعت إسماعيل» وغيرهم.

■ خصصت نصف مساحة الكتاب للحديث عن نبيل فاروق وأحمد خالد توفيق ومشروع حمدى مصطفى.. أين السلاسل الأخرى مثل «المكتب رقم ١٩» و«فلاش» للثنائى شريف شوقى وخالد الصفتى؟
تكلمت فى الكتاب عن الأعمال التى أثّرت فىّ بشكل شخصى، وأدت إلى تغييرات فى شخصيتى أو نظرتى للحياة، أو حتى دفعتنى إلى الكتابة، و«المكتب رقم ١٩» لم تكن من بينها، ربما لأن نجاح سلسلتى «رجل المستحيل» و«ملف المستقبل» غطى عليها، أو لأن السلسلة خلت من عوامل الجذب التى توافرت فى هاتين السلسلتين.
فـ«المكتب رقم ١٩» لم تكن الأحداث فيها متصلة كما فى «رجل المستحيل» مثلًا، ولم يكن بطل السلسلة «المقدم ممدوح عبدالوهاب» يواجه أعداء معينين يتكرر ظهورهم فى الأعداد، كما هو الحال مع «سونيا جراهام» و«موشى حاييم دزرائيلى» فى «رجل المستحيل»، ولم تكن هناك علاقة رومانسية تجذب القراء لمتابعة تطوراتها كما هو الحال فى علاقة «أدهم صبرى» بـ«منى توفيق» مثلًا.

باختصار، خلت السلسلة من العوامل الإنسانية التى كانت ذات تأثير كبير فى سلاسل أخرى.
أما بالنسبة لخالد الصفتى وسلسلته «فلاش»، فقد نحتاج إلى كتاب كامل للحديث عنه وعن تأثيره، فقد كان له سبق كبير فى «الكوميكس» العربى، من خلال خلق شخصيات مصرية صميمة شكلت عالمًا حميميًا جذب ملايين القراء إليه، لكن الكتاب ركز كلامه على أعمال الـ«Pop Fiction» وليس الـ«Comics».

■ هل صحيح أن هناك أعمالًا فنية أجنبية سرقت أفكارًا مما كتبه نبيل فاروق؟
لا أعتقد ذلك، لأن الجميع يأخذون من نبع الخيال الإنسانى. نبيل فاروق كان مُطلِعًا بشكل كبير على النظريات العلمية والخيال العلمى، وتصوّره للمستقبل فى سلسلة «ملف المستقبل»، تأثر فيه بتصوّر المستقبل القريب كما عرضته السينما والأدب فى الستينيات والسبعينيات.
لذا، عندما يتعرض كريستوفر نولان إلى فكرة ضياع شخص فى «اللازمان»، من خلال فيلمه الشهير «Interstellar»، ويتشابه ذلك مع ما كتبه نبيل فاروق فى التسعينيات عن ضياع «محمود»، عضو فريق «نور»، فى «نهر الزمن»، ضمن سلسلة «ملف المستقبل»، فأعتقد أن ذلك مرده إلى استقاء الاثنين من ذات النظرية العلمية حول الزمن.