الجمعة 03 أكتوبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

اختراق المزورين.. محمد شوقى: مُزوّر كُتب أخبرنى أنه يبنى فيلا على فدان من أرباحه غير الشرعية!

محمد شوقى
محمد شوقى

- رئيس دار «عصير الكتب»: عصابات التزوير تدفع الناشرين الشرعيين إلى حدود الإفلاس

- أحد المزوّرين ربح 5 ملايين جنيه من «الحرافيش» وحدها فما بالك بآلاف الكتب غيرها؟!

- المُزوّرون لا يدفعون ضرائب ولا إيجارات ولا مصاريف إدارية أو رواتب

- مصر بها أكثر من 5000 «فَرْشة» لبيع الكتب المزوّرة! 

تواجه صناعة النشر فى مصر تحديات متزايدة لعل أخطرها، تزوير الكتب الذى يعتبر وباء ينخر فى جسد هذه الصناعة الحيوية، مهددًا جهود الناشرين والمبدعين على حد سواء. 

ورغم ما تبذله الدولة من جهود مضنية، بالتعاون مع اتحاد الناشرين المصريين، فإن هذا الجهد لم ينجح حتى الآن فى كبح جماح الظاهرة التى تتفاقم يومًا بعد يوم، ربما بسبب غياب قانون رادع، وربما نتيجة غياب آليات تنفيذية أكثر حزمًا وفاعلية. 

وفى الوقت الذى تكافح فيه دور النشر للبقاء وسط ارتفاع أسعار الورق وخامات الطباعة بشكل جنونى، يأتى التزوير ليضاعف من أوجاعها، ويضع مستقبل النشر فى مصر على المحك.

فى هذا السياق، التقت «حرف» الناشر محمد شوقى، رئيس مجلس إدارة دار «عصير الكتب» للنشر والتوزيع، ليكشف واقع صناعة النشر، ومخاطر التزوير، والحلول الممكنة لمواجهة الظاهرة.

■ لك باع كبير فى مقاومة تزوير الكتب.. ما تجربتك فى ذلك؟

- منذ سنة ٢٠١٠ بدأ ظهور جيل جديد من الناشرين المصريين، ومعهم ظهر جيل جديد من الكتّاب الشباب، وظهرت أنماط عديدة للكتابة التى جذبت ملايين القراء، ما أدى لانتعاش صناعة النشر. وككل صناعة رائجة تظهر سوق سوداء موازية تتسبب فى تدمير الصناعة. وهكذا ظهرت عصابات تزوير الكتب، التى تقوم بتزوير الكتب الأصلية وطرحها فى السوق بلا أى حقوق فكرية أو مادية. 

ومع السنوات تنامت تلك الخفافيش حتى أوشك الناشرون المصريون الشرعيون على الإفلاس، بل إن كثيرًا منهم بالفعل أعلن عن إفلاسه وإغلاق مشروعه، ومع كل يوم يزداد عدد الناشرين الخاسرين الذين يغلقون أبوابهم، ويغلقون معهم مئات من أبواب الرزق لآلاف العاملين فى تلك الصناعة.

■ حاولتم مقاومة التزوير بالطبعات الشعبية.. هل خفف من حجم الكارثة؟

- فى بداية نشأة دار «عصير الكتب» وبعد أن تعرضنا للتزوير أكثر من مرة قلت لصديقى عمر عباس: لماذا لا نغرد خارج الصندوق، ونعمل بمنطق «كُل نفسك قبل ما حد يأكلك»، المهم أننا قررنا الاجتماع مع أحد المزورين، وبعد أن شرحنا له أننا سنقوم بعمل طبعات شعبية قال لنا بالنص الواحد إننا سنحصل على جنيه واحد من كل نسخة يتم بيعها من إصدارات «عصير الكتب»، وإنه سيضمن ألا يقوم أحد بتزوير كتبنا، وأخبرنا أنه يقوم بتصدير كتبنا للسودان والمغرب وكل الدول العربية، الجنيه الذى كان يتحدث فيه المزور سيقسم على دار النشر والمؤلف وعدد كبير من العاملين على صناعة الكتاب، لكن ما استوقفنى وبشدة هو ذكره أنه يبيع مئات الألوف من النسخ المزورة، وأكمل المزور: «نحن شباب مثل بعضنا فلا بد أن تقف بجوارنا»، فقلت له: «بالتأكيد لا بد أن نقف بجوارك فنحن شباب وندعم الشباب».

وما فاجأنى أكثر هو معرفتى بكم الثروات التى تحصّل عليها المزورون، فالمزور أخبرنى بعد ذلك أنه يبنى فيلا على مساحة فدان كامل، وأن والده يريد حمام سباحة ملحقًا بالفيلا وإلا فلن يزوره فيها، وعند هذا الحد قلت لصديقى عمر عباس: هيا بنا، ومشينا.

■ هل هناك وقائع أخرى لكم مع مزورين؟

- نعم هناك واقعة حدثت فى معرض القاهرة الدولى للكتاب فى مدينة نصر قبل أن يتم نقله للتجمع الخامس، والذى حدث أننا كنا نمر فى جناح سور الأزبكية فأخبرنى أحد المزورين أن الشباب التابعين لدار نشر «عصير الكتب» مروا عليهم، وقاموا برفع كل كتاب عليه لوجو «عصير الكتب»، ففكرت فى باقى الناشرين المصريين، المهم أننا قمنا بعمل اتصالات مع الناشرين وجاء أصحاب دور النشر وبدأت مناوشات بين أصحاب الدور والمزورين، وفى غمرة المناوشات شاهدت أحد الموظفين العاملين فى إحدى دور النشر وهو يتلقى صفعة مؤلمة من أحد المزورين، وبدأ بلطجية المزورين فى استعراض أنفسهم داخل معرض الكتاب، المهم أننا رحنا نحاول فك المناوشات والعراك الخفيف وهدأت الدنيا تمامًا، لكننى فوجئت بأحد الضباط يلقى القبض علىّ فقلت له أنا متنازل عن محضر التزوير، لكنه فاجأنى: «تزوير إيه أنت نهارك أسود.. تعال معايا»، وذهبت معه بالفعل وفوجئت بفتاة بملابس ممزقة وحول يدها اليمنى جبيرة من الجبس، وأخبرونى أن هناك محضر اعتداء منى على هذه الفتاة، والحقيقة لا أنكر موقف الناشرين المصريين والتفافهم حولى وتوحدهم ودعمهم، ولكن فى النهاية تواصل معى عضو من اتحاد الناشرين المصريين وأخبرنى أن الموضوع انتهى وتم التنازل عن محضر التزوير أمام محضر الاعتداء على الفتاة، ولكن دُهشت بقوة حين عرفت أن المزورين لهم عدد كبير من الأصوات داخل اتحاد الناشرين نفسه، إذًا هم كتلة تصويتية تصلح كثيرًا فى انتخابات الاتحاد، ومن هنا فإن الاتحاد فى ورطة، هل يقف بجوار ناشر مثلى، أم بجوار من يمنحه صوته فى انتخابات الاتحاد؟

■ هل تريد القول إن مافيا التزوير أكبر بكثير من مجرد بائعين على السور؟

- بالطبع، مافيا التزوير أكبر من أن يحلّها ناشر وحده، التزوير يحتاج تشريعًا رادعًا وتنفيذًا على أرض الواقع، هل تتخيل أن مصر من أكثر بلدان العالم التى ينشط فيها التزوير، وأن فيها أكثر من ٥٠٠٠ فَرْشة تبيع كتبًا مقلدة؟ وهناك ما هو أسوأ، هل تتخيل أن أسأل ناشرًا صديقى: «ليه محضرتش المناسبة الفلانية؟» فيقول: «علشان مش معايا فلوس أجيب بدلة». فى المقابل المزورون لديهم قصور فعليًّا.

هل تتخيل دولة بحجم مصر تقوم بتصدير ٣٠ ألف كتاب سنويًا، وحجم هذه القوة الناعمة يذهب سدى فى الأرض بسبب البلطجية، الدولة لا تستفيد ولا تقوم بتحصيل ضرائب الكتب المبيعة، ولا صاحب الحق وهو الناشر يستفيد، وهناك من يلوم على دور النشر وإنتاجها الأدبى، الناشر يفعل، كما يقول المثل المصرى «يغزل برجل حمار»، لأن الكتاب لو اشتهر فسوف يتم تزويره، ولو فشل فسيتحمل الناشر المخاطرة كلها.

فى النهاية هل تتخيل أن عقوبة مزور قلَّد ١٠٠ ألف كتاب هى ٥ آلاف جنيه فقط، وبعد دفع الغرامة يمكنه أن يشترى النسخ المزورة حين تطرح فى المزاد ويقوم ببيعها مرة أخرى بعد أن يحصل على ورقة شرعية ببيع الكتب المزورة.

هل تتخيل عدد دور النشر والمؤلفين الذين يتوقفون عن الكتابة والنشر وهذه الصناعة، لأنهم ليسوا قادرين على الوفاء باحتياجاتهم.

■ هل قدمتم أى حلول أخرى بخلاف الطبعات الشعبية مثل الخصومات مثلًا أو أى شىء يمكن القارئ من شراء الكتاب الأصلى بديلًا عن المزور؟

- بينما يقدم الناشر خصومات كبيرة للمكتبات لتسهيل عملية البيع وتحقيق الربح لكل أطراف الصناعة، نجد أن المزورين يروجون الكتب المقلدة لتجار «فَرْشات الكتب» التى لا تتكلف دفع إيجارات ولا عمالة، وتقوم هذه الفَرْشات بتسويق النسخ المزورة، وقد بلغ عددها ما يفوق خمسة آلاف فرشة، حتى إن المكتبات التى تبيع الكتب الأصلية أصبحت تغلق أبوابها هى الأخرى، أمام ذلك الغول الذى ينافسها دون دفع ضرائب ولا إيجارات ولا مصاريف إدارية أو مرتبات عمالة. وللأسف أصبحت كثير من المكتبات، خاصة فى الأقاليم، تتعامل مباشرة مع المزورين، فلا تبيع من الكتب الأصلية إلا ما يقل عن ١٠٪، بينما تضع على أرففها ما يزيد عن ٩٠٪ من الكتب المزورة، ما زاد من مكاسب عصابات التزوير وأغلق الباب فى وجه الناشر الرسمى للعمل.

كذلك يستخدم المزورون فى تسويق الكتب المقلدة المعارض التى يقيمونها فى الجامعات والنوادى بل وداخل قصور الثقافة نفسها، فيعرضون الكتب المزورة فى أماكن رسمية تحت سمع وبصر المسئولين عن تلك الأماكن المحترمة!

■ طورت الدولة بعض منافذ بيع الكتب.. ألم يحد هذا من الكارثة؟

- قامت الدولة مشكورة بمحاولة حميدة لتحسين البيئة الثقافية، من خلال تطوير منافذ بيع الكتب القديمة مثل «سور الأزبكية» بالقاهرة. ومنطقة «النبى دانيال» بالإسكندرية، فخصصت لهم أماكن مميزة وقدمت لهم الدعم وأمدتهم بكل الوسائل التى تساعدهم على تحقيق تجارة بمقاييس عالية.. لكن للأسف هذه الخطوة الحميدة لم تصاحبها إجراءات تضمن حقوق الناشر والمؤلف والعاملين فى صناعة النشر عامةً، مثل وضع ضوابط تضمن عدم الاتجار فى الكتب المزورة، وعدم السماح ببيعها أو طباعتها. فكانت تلك التسهيلات سبيلًا لتغول تلك العصابات وتعظيم أرباحهم الخيالية من تجارة محرمة تدمر الصناعة وتهدد الاقتصاد والحقوق الملكية. 

■ قلت إن هناك مخاطر تقع على الدولة المصرية من التزوير بخلاف الناشرين.. ما هى؟

- تعد مصر من أوائل الدول الأعضاء فى منظمة التجارة العالمية، وبالتالى فإن مصر هى واحدة من الدول الموقعة على اتفاقية «TRIBS» وهى الاتفاقية الخاصة بحقول الملكية الفكرية، ونظرًا لأن صناعة النشر هى صناعة عالمية تمثل فيها مصر شراكة مع كثير من الدول، فإذا ثبت أن مصر لا تحمى حقوق الناشرين والمؤلفين، يمكن حينها لتلك الدول رفع شكاوى رسمية داخل منظمة التجارة العالمية، وهو ما يضر بالمصالح المصرية على الصعيد الدولى. ولذلك يجب الانتباه لمخاطر تلك العصابات على الاقتصاد المصرى فى بُعديه الداخلى والخارجى.

■ هل ترى أن غياب العقوبات الرادعة هو السبب أم أن هناك أسبابًا أخرى؟

- قانون ٨٢ لسنة ٢٠٠٢ والذى ينص على حماية حقوق الملكية الفكرية، يضع القانون عقوبة واحدة تتمثل فى غرامة خمسة آلاف جنيه لمن يقوم بعملية تزوير الكتب. يمكننا أن نتخيل أحد هؤلاء المزورين حين يطبع رواية خالدة مثل «الحرافيش» للأديب العظيم نجيب محفوظ، ويسوق منها خمسين طبعة بمعدل ربح لكل طبعة يتجاوز مئة ألف جنيه، فإنه يحصل على أرباح تزيد على خمسة ملايين جنيه من كتاب واحد، فما بالنا بأرباحه من مئات بل آلاف الكتب المزورة، فهل ستتوقف تلك العصابات عن عمليات التزوير خوفًا من غرامة تصل فى حدّها الأقصى إلى خمسة آلاف جنيه؟!

■ ما الحل لمواجهة هذه الأزمة؟

- الحل فى مواجهة تلك العصابات التى تهدد واحدة من أهم الصناعات فى مصر، وتهدد أحد أهم أوراق القوة الناعمة للدولة المصرية، وتهدد بجفاف نهر الإبداع لدى المواهب المصرية، هذا الحل يمكن تحقيقه من خلال عدة خطوات، وتضافر جهود العديد من المؤسسات والهيئات حتى نستطيع استئصال هذا السرطان الذى يضرب جسد الثقافة المصرية بأسرها، ويمكن تحقيق هذه الخطوات من خلال عدة مسارات: أولًا: تغيير قانون الملكية الفكرية، وتغليظ العقوبة برفع قيمة الغرامة وضرورة أن تقترن بالسجن دون الاكتفاء بتغريم المجرمين فقط. كما يجب سن قانون يمكن من مصادرة المطابع التى تسهم فى عملية التزوير ومصادرة جميع آليات تلك العملية.

ثانيًا: أن تقوم وزارة الثقافة والهيئات الإدارية فى الجامعات والنوادى وقصور الثقافة بوضع ضوابط تضمن عدم وجود الكتب المزورة فى معارضها. ورقابة اتحاد الناشرين لتلك المعارض حتى لا يتسلل المزورون إليها تحت أسماء دور نشر وهمية.

ثالثًا: اشتراط انضمام المكتبات إلى اتحاد الناشرين كعضو منتسب للحصول على رخصة مكتبة، لضمان رقابة الاتحاد على تلك المكتبات حتى لا تكون منافذ تسويق للمزورين.

رابعًا: رغم الجهود المشكورة للأستاذ فريد زهران رئيس اتحاد الناشرين ونائبته ضحى عاصى، حيث يسعيان منذ سنوات لسن قوانين صارمة تحمى صناعة النشر، إلا أننا نتوجه إلى رئيس الجمهورية بضم أحد الممثلين لاتحاد الناشرين ليكون ضمن أعضاء مجلس النواب المعينين، ليكون صوتًا لجميع الناشرين المصريين داخل البرلمان الموقر، ما يسهم فى سن قوانين تدعم الصناعة، وتجنبها الكوارث الناتجة عن أعمال التزوير.

■ كيف ترى صناعة النشر الآن؟

- صناعة النشر، ليست سلعة ترفيهية، بل واحدة من أهم قنوات صنع الوعى لدى الأجيال، ودعم القوة الناعمة لمصر العظيمة، التى تضمن لها الريادة المستحقة فى عالمنا، كما أنها واحدة من أهم قنوات دعم الاقتصاد المصرى، ولنا أن ننظر مثلًا لدولة مثل الولايات المتحدة التى يمثل المجال الثقافى فيها 4.2% من الناتج المحلى، وهو ما يساوى مليارات الدولارات. بينما صناعة النشر فى مصر وبسبب سرطان التزوير تتضاءل سنويًا حتى بلغت أدنى مستوياتها بنسبة 0.20% من الناتج المحلى. ما يفوّت على الاقتصاد المصرى كثير من المكاسب بسبب سوق التزوير التى لا تقدم ضرائب ولا توفر فرصًا للعمل، ناهيك بأنها تسلب الناشر والمؤلف وجميع العاملين فى النشر حقوقهم المشروعة. ولذلك علينا أن نتحرك جميعًا وبشكل فورى قبل أن يأتى هذا السرطان على جسد الثقافة بأكمله.