صفحات من مذكراتهم
منير مطاوع فى حديث الذكريات: قصة رفض يوسف إدريس لـ«نوبل» بسبب فلسطين حقيقية

- أول أجر في الصحافة كان 5 جنيهات في السويس.. وأول حواراتى كان مع محافظ السويس
- أصبحت سكرتيرا للتحرير بعد رفع أجري ثلاثة أضعاف.. ودرّبت عماد الدين أديب وعمرو عبد السميع
- نجيب محفوظ يكتب الرواية بخصائصها.. وإحسان عبد القدوس الأقرب للشارع
- السادات منع النشر لـ100 مثقف بسبب مطالبتهم بالحرب ضد إسرائيل
-أول رواية لي ظهرت فجأة.. واهتمامي بأدب الطفل لم أكمله
- سأفصح عن سر رواية «الأحدب» فى معرض الكتاب.. وكتبت «سندريلا تتكلم» بناء على طلب القراء
من السويس إلى لندن، ومن الصحافة الإقليمية إلى صدارة المشهد الثقافى، تنقل الكاتب الصحفى الكبير منير مطاوع، راسمًا مسيرة استثنائية بدأت وهو فى الثالثة عشرة من عمره، ولم تتوقف عن العطاء والإبهار.
تدرّج فى بلاط صاحبة الجلالة حتى بلغ موقع سكرتير التحرير فى مجلة «صباح الخير»، ولم يكن مجرد محرر بل كان مُشرفًا ومُعلّمًا لأجيال من الصحفيين، كثير منهم أصبحوا من الأسماء اللامعة فى الصحافة المصرية.
فى رحلته، لم يكن «مطاوع» مجرد شاهد على العصر، بل كان جزءًا من نبضه، صديقًا مقربًا لكبار الأدباء مثل نجيب محفوظ ويوسف إدريس ويحيى الطاهر عبدالله وإبراهيم أصلان. كما كان رفيقًا لفنانات تركن بصمة لا تُنسى مثل سعاد حسنى ونادية لطفى.
لم يتردد فى الدفاع عن القيم التى يؤمن بها، فكان من أوائل من استنكروا استخدام بعض الصحفيين الرجال لاسم مستعار نسائى فى الكتابة الصحفية، معتبرًا ذلك إساءة للمرأة وتزييفًا للهوية.
فى حواره التالى مع «حرف»، يفتح منير مطاوع خزائن ذكرياته، فيحكى لنا عن أبرز محطات حياته، من شوارع السويس إلى مقاهى لندن، مرورًا بكواليس الصحافة وأسرار الصداقة مع رموز الثقافة والفن.

5 جنيهات أول أجرى فى الصحافة.. وحاورت محافظ السويس وأنا فى إعدادى
قال الكاتب الصحفى منير مطاوع إن بدايته مع عالم الصحافة انطلقت من محافظة السويس، حيث نشأ فى بيت يضم مكتبة ضخمة يمتلكها والده، الذى وصفه بأنه «رجل متفتح» حرص على تهيئته مبكرًا لهذا العالم الذى اختاره له.
وأضاف «مطاوع»: «كنت أول أبناء العائلة (البِكرى)، ووالدى كان أيضًا أول أبناء جدى، وكان يهتم بى اهتمامًا خاصًا، فتعلمت القراءة والكتابة والخط العربى قبل أن ألتحق بالمدرسة الابتدائية».
مكتبته المنزلية كانت تحتل ٣ جدران من البيت، ما جعله على تماس يومى مع الكتب والمجلات، لذا يعتبر أن «التعرض اليومى للكتاب يجعلك حتمًا تمسك به وتقرأه»، ومن هنا نشأت علاقته الوطيدة بالقراءة، ثم بالصحافة.
وواصل: «حين كنت أدرس فى المرحلة الابتدائية، اشترك والدى فى مجلة (البعكوكة)، وكتب عنوان الاستلام باسم المدرسة، فكانت النسخة تصلنا أسبوعيًا هناك»، موضحا أن «البعكوكة» كانت مجلة فكاهية تصدر بورق ملون، وتضم أزجالًا وكاريكاتير وأشعارًا ساخرة تنتقد المجتمع بأسلوب ساخر.
وبيَن أن هذه المجلة لعبت دورًا محوريًا فى تشكيل وعيه الصحفى المبكر، قائلًا: «كل يوم اثنين كانت تصل المجلة إلى المدرسة، فنقرأها جميعًا، وكان الأساتذة يجلسون معنا ويشاركوننا القراءة، وهذا ما جعلنى أحب الكاريكاتير والسخرية، وأتعلق بالصحافة منذ الصغر».
وأكمل: «أبى قام بتنشئتى بطريقة خاصة، فقد كانت هناك سبورة فى بيتنا نذاكر ونكتب عليها باستمرار، وكان والدى يمتحننى أيضًا، وطوال عمرى لم تكن لى هواية سوى الكتابة، لا ألعب كرة القدم ولا أمارس ما يفعله أقرانى، بل كنت أصعد يوميًا إلى الأرفف الكبيرة فى المكتبة، وأظل أبحث فى الكتب وأقرأ».
فى المرحلة الإعدادية، بدأ منير مطاوع يخطو خطواته الأولى نحو الصحافة، ليتمرّس مبكرًا ويعرف طريقه إلى الكلمة المكتوبة. يقول: «فى الإعدادية كانت هناك مجلة لمدرسة السويس الإعدادية للبنين، مجلة مطبوعة، فنشرت فيها موضوعًا عن تاريخ السويس».
وأضاف: «تعجب الكثيرون من كتابتى فى هذه السن عن تاريخ المدينة، وفوجئت بنشر المقال فى مجلة السويس (الأمانى القومية)، ذهبت إلى صاحب المجلة وطالبت بأجر عن المقالة، فاضطر لدفع ٥ جنيهات، كانت أول أجر لى فى الصحافة».
وواصل: «حين تولى محمود طلعت منصب محافظ السويس، أجريت معه حديثًا لصالح المجلة، وكان هذا أول حديث لى مع شخصية كبيرة. وبعد تولى شعراوى جمعة مسئولية المحافظة، ذهبت إليه مع وفد، وطلبت منه إصدار مجلة تُعنى بشئون أبناء السويس فقبل طلبى».
وأكمل: «نشرت فى المجلة الجديدة موضوعًا بعنوان «إخوانى الطلبة.. لا تذهبوا إلى مدارسكم»، وشرحت فيه كيف أن القراءة مهمة إلى جانب التعليم، ففوجئت بالمحافظة ترسل لى سيارة إلى المدرسة، فركبت مع مندوبها وذهبت إلى شعراوى جمعة».
وتابع: «قال لى إن ما كتبته هو ما ينوهون عنه دائمًا. لكن مدير التربية والتعليم أخبره بأن هناك من يكتب لتحريض التلاميذ على عدم الذهاب للمدارس، فذهبنا معًا وقرأنا ما كتبته ووجدا أن ما قلته صحيح، لينظر إلىّ شعراوى جمعة، ويقول: هذا هو دور الصحافة».

فتحى غانم قدمّنى لـ«إحسان عبدالقدوس» وقال: «هذا أصغر صحفى فى مصر»
واصل الكاتب الكبير سرد بدايات مشواره فى عالم الصحافة، كاشفا أن والده، فى المرحلة الثانوية، كان يرى أنه موهوب صحفيًا، لكنه لم يدرس الصحافة بشكل أكاديمى، مضيفًا: «فى ذلك الوقت، كان هناك معهد فى القاهرة يقدم كورسات صحفية بالمراسلة، فقرر والدى أن يقدم لى فيه». وواصل: «مدير المعهد وقتها كان فايق الجوهرى، مدير تحرير مجلة (الكتب للجميع)، والذى رفض انضمامى بسبب صغر سنى، إذ كنت فى السادسة عشرة، بينما يشترط المعهد أن يكون الطالب فى الثامنة عشرة على الأقل».
يضحك «مطاوع» وهو يسترجع الموقف: «ما كان من والدى إلا أن تقدم باسمه هو، وسجل فى المعهد باسم محمد أحمد مطاوع، وبدأت المحاضرات تصل إلى عنوان بيتنا، فكنا نقرأها سويًا، وكان والدى يمتحننى فى كل حلقة، وفى الامتحان النهائى،طلب منى أن أجيب عن الأسئلة، ثم أرسل نموذج الإجابة إلى المعهد، وبعد فترة، وصلت شهادة الدبلومة باسم والدى».
ويشير إلى أن مجلة الحائط «صوت عتاقة» كانت مدخله الحقيقى إلى عالم الصحافة الكبيرة، معقبًا: «لكن السبب المباشر وراء دخولى مجلة «صباح الخير» كان مقالًا كتبته فى مجلة الحائط بالمدرسة الثانوية».
يشرح «مطاوع» تفاصيل تلك اللحظة الفارقة: «أُقيم معرض لمجلات الحائط على مستوى الجمهورية، فى منطقة المنيرة بالقاهرة، وكنت أقف أمام مجلتى التى نُشر فيها مقالى، وكان مشرفى فى ذلك الوقت هو الأستاذ رجب البنا، الذى أصبح لاحقًا رئيس مؤسسة دار المعارف ورئيس تحرير مجلة أكتوبر».
ويضيف: «مر أحد الزوار بالمعرض، نظر إلى المجلة وقرأ المقال، ثم سأل: من كتب هذا الموضوع؟ فأجبته: أنا. فقال لى: هل تستطيع كتابته على ورقة وتحضره لى؟ ثم عرفنى بنفسه قائلًا: أنا فتحى غانم، رئيس تحرير مجلة صباح الخير»، متابعًا: «كان ذلك عام ١٩٦١، وعنوان المقال (الصحافة اختراع فرعونى)، وتناول كيف أن الفراعنة كتبوا الأخبار على أوراق البردى وجدران المعابد».
يسترجع اللحظة التى غيّرت مسار حياته قائلًا: «ذهبت بعدها إلى مجلة (صباح الخير)، وقابلت فتحى غانم، فقدمّنى إلى إحسان عبدالقدوس قائلًا: (هذا أصغر صحفى فى مصر.. عمره ١٦ سنة)، وبعد نشر المقال فى المجلة باسمى، شعرت بأن مستقبلى الحقيقى هو فى (صباح الخير)».
ويكمل حديثه: «لا أنسى كيف كانت مجلة الحائط، التى كنت أصدرها يوميًا خلال مشاركتى فى معسكر العمل الوطنى بوادى النطرون، سببًا مباشرًا لاختيارى ضمن وفد الشباب المصرى الذى دعاه الرئيس اليوغوسلافى جوزيف تيتو لقضاء شهر فى بلاده عام ١٩٦٣».
ويستعيد تفاصيل تلك الرحلة قائلًا: «قبل وصولنا إلى العاصمة اليوغوسلافية بلجراد، أمضينا أسبوعًا فى العاصمة اليونانية أثينا، وهناك شهدنا حدثًا تاريخيًا لا يُنسى: دخلنا اليونان وهى مملكة، وخرجنا منها بعد انقلاب تحولت فيه إلى جمهورية».
ويضيف: «كنت أصغر أعضاء الوفد سنًا، لم أكن قد تجاوزت الثامنة عشرة، وقد اختارنى لهذه المهمة واحد من أنبل من عرفت، هو الأستاذ عادل طاهر، سكرتير عام المجلس الأعلى لرعاية الشباب».
كتبت نصًا افتتاحيًا على الكمبيوتر فتخيلته رواية وقلت: «لماذا لا أكمل»
يكشف منير مطاوع عن طبيعة علاقته بالأديب والصحفى الكبير صبرى موسى، والتى كان لها تأثيرات كبيرة على حياته ورحلته، قائلًا: «عدت من رحلة إلى الوادى الجديد، وكتبت موضوعين عن الحياة هناك، فرفض رئيس التحرير نشر أحدهما، قائلًا إن الإيقاع بطىء جدًا. فقلت له: الحياة نفسها بطيئة فى الوادى الجديد».
ويضيف: «كان صبرى موسى حاضرًا، سألنى عن الموضوع، قرأه، ثم قال لى: «يا منير، اكتب أدب. أسلوبك أدبى جميل، اكتب روايات وقصص»، وكانت تلك الكلمات بعد ٦ سنوات من عملى فى المجلة، لكنها ظلت ترن فى أذنى، ولم تتحقق أحلامى الأدبية إلا بعد ٢٠ عامًا».
ويواصل بابتسامة: صبرى موسى كان كريمًا فى تشجيعه، وأيضًا فى اعترافه بالموهبة. بعد أن نُشرت روايته البديعة «فساد الأمكنة» مسلسلة فى «صباح الخير»، أحضر لى نسخة منها. قرأتها بتمعّن، وكتبت ملاحظات وأفكار نقدية على هامش الرواية. وبينما كنت أكتب، مرّ وأخذ ما كتبت، واختفى.
ويُكمل: بعد أيام، عاد ومعه نسخة من مجلة «الأقلام» العراقية، ونُشرت فيها ملاحظاتى كاملة، ومعها مبلغ مالى كمقابل للمقال، كانت تلك لحظة اعتراف ضمنى،لا تُنسى، من أديب كبير بموهبة شاب كان لا يزال يخطو خطواته الأولى فى النقد الأدبى».
وعن تجربته المتأخرة فى كتابة الرواية، يقول: «تأخرت فى نشر الرواية، هذا صحيح، لكنها جاءت بالصدفة البحتة، ففى عام ٢٠٠٩، وبينما كنت أكتب على الكمبيوتر، فوجئت بأننى أكتب نصًا افتتاحيًا لرواية، كان عمرى وقتها ٦٤ عامًا، وجاءتنى رغبة أدبية كبيرة فى استكمال النص».
ويضيف: مشيت وراء ما كتبت، فخرجت رواية اسمها «سابع سماء»، وفى عام ٢٠١٠، كتبت رواية «سبع جنات»، وفيها تنبأت بثورة ٢٥ يناير قبل وقوعها، ونشرت الرواية فى مجلة «صباح الخير» على حلقات، ثم صدرت فى كتاب عن دار الهلال. كما أصدرت رواية أخرى عن هيئة الكتاب، ليصبح لدىّ ٥ روايات، كانت آخرها «الطير المعلق»، التى ترجمت إلى الإنجليزية قبل أن تُنشر بالعربية».
ويؤكد انشغاله العميق بقضية المرأة، قائلًا: الحقيقة أننى مشغول بوضع المرأة فى المجتمع، وكيف أن هذا الوضع مهين، حتى فى بريطانيا التى يُنظر إليها كرمز للحداثة، لا تزال المرأة تُعامل بدونية، وكأنها أداة جنسية، هذا الأمر يؤرقنى، وكتبت فيه روايتين، إحداهما «الطير المعلق»، وتحكى قصة فتاة اسمها «أمل»، وُلدت فقام أهلها بتزوير أوراقها الثبوتية لتُسجّل كولد، فعاشت حياتها تعامل كذكر، والرواية تصور كيف خرجت من الأسر الجينى للذكورة.
ويضيف: «سمع بهذه الرواية جار لى فى لندن، وكان يعمل فى دار نشر كبيرة، فطلب منى النص ليعرضه على ناشره، وبالفعل، طلب الناشر الرواية وترجمها إلى الإنجليزية، وطُبعت بطباعة أنيقة وفاخرة، وطرحت على موقع (أمازون). المفارقة أننى ربحت منها ما يعادل أجرى من عام ١٩٩٤ حتى الآن! لأن النشر فى لندن صناعة لها قوانين ونظام ومهنية، لا احتيال فيها، الناشر يمنحك مقدمًا وعددًا من النسخ، ويقوم بحملة دعائية واسعة، ويمنحك نصيبك السنوى من الأرباح».
ويضحك وهو يسترجع موقفًا طريفًا: «عرضت الرواية نفسها على ٤ ناشرين مصريين وعرب، فرفضوها جميعًا دون إبداء أسباب. ثم جاءتنى فرصة نشرها فى لندن، وكأنها كانت تنتظر أن تُقرأ بلغتها الثانية أولًا».
.. ومع أحمد زكى وماجدة الخطيب

أنا أول من كتب عن أحمد زكى وماجدة الخطيب
يسترجع منير مطاوع محطة مفصلية فى مسيرته، وتحديدًا عام ١٩٦٨، حين ذهب إلى المركز الثقافى التشيكى، فى شارع ٢٦ يوليو، حيث كان يُقام ما يُعرف بـ«مسرح المائة كرسى»، وأجرى أول حوار صحفى مع الفنانين أحمد زكى وماجدة الخطيب، وهى المرة الأولى التى يُنشر فيها اسماهما فى الصحافة المصرية.
ويضيف «مطاوع»: «بعدها بعام، أطلقت سلسلة من ٤٠ حوارا مع الموهوبين فى مختلف المجالات، تحت عنوان (نجوم عام القمر)، احتفاءً بعام ١٩٦٩ الذى شهد صعود الإنسان إلى القمر، وكنت وقتها فى روسيا، لكننى حرصت على أن تكون هذه السلسلة نافذة لاكتشاف جيل جديد من المبدعين».
ويواصل: «من بين الذين حاورتهم فى تلك السلسلة أسماء أصبحت لاحقًا من رموز الثقافة والفن، مثل جمال الغيطانى وعفاف راضى وخيرى بشارة وبهيج إسماعيل ومحمد منير».
ويستعيد لحظة اكتشاف صوت محمد منير قائلًا: «أذكر أن الشاعر عبدالرحيم منصور جاء إلى المجلة بصحبة منير، الذى كان وقتها طالبًا فى كلية الفنون التطبيقية. قال لى: (هذا الولد موهوب جدًا). استمعنا إليه، وتأكد لى صدق كلام عبدالرحيم، فكتبت صفحة كاملة عنه، وكانت تلك أول مرة يرى فيها (منير) اسمه مطبوعًا فى الصحافة المصرية».
ويُكمل: «بعد تلك السلسلة، ارتفع أجرى ٣ أضعاف، وتوليت منصب سكرتير التحرير، ومن بين من درّبتهم لاحقًا كان عماد الدين أديب وعمرو عبدالسميع، اللذين أصبحا من أبرز الأسماء فى الصحافة المصرية».
ويحكى عن تجربته فى سكرتارية التحرير قائلًا: سكرتارية التحرير فى «صباح الخير» كانت مسألة عجيبة، بدأت حين كنت أقضى فترة الصيف فى الإسكندرية لتغطية الأنشطة والفعاليات، وفقًا لاتفاق مسبق مع رئيس التحرير آنذاك حسن فؤاد.
ويضيف: «كنت أحضر ندوة لتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ، وهناك جاء حسن فؤاد بصحبة وفد من المجلة، وأخبرنى مدير مكتب الإسكندرية بأن رئيس التحرير يبحث عنى. فى تلك الفترة، كان لويس جريس قد تولى منصب مدير مؤسسة روز اليوسف، وطلب منى أن أتولى سكرتارية التحرير خلفًا لمنير عامر ومحمد قناوى».
ويواصل: «قلت لهما: لا أريد أن أكون سكرتير تحرير، أنا أريد أن أغرق فى حياة مصر. لكنهم قالوا لى إنها عملية إنقاذ للمجلة، وبعد سكرتارية التحرير ستكون مديرًا للتحرير، ثم رئيسًا للتحرير. سألنى لويس جريس عن راتبى، فقلت له: ٥٠ جنيهًا. فقال: سأعطيك ١٥٠ جنيهًا. فصُدمت، ووافقت بالطبع».
ويُكمل عن مهامه التحريرية: «من ضمن أعمال سكرتير التحرير استقبال وتدريب دفعات كلية الإعلام. وكان من بين المتدربين آنذاك عماد الدين أديب وعمرو عبدالسميع وعزت الشامى ورشاد كامل، وغيرهم. امتد عملى فى تدريب الدفعات من عام ١٩٧٤ حتى ١٩٨٠، ودرّبت أكثر من ١٠٠ شاب وفتاة، بعضهم تم تعيينه لاحقًا فى المجلة، مثل رشاد كامل وسهام ذهنى وسلوى الخطيب وعزت الشامى».
ولم تخل مسيرة منير مطاوع من الاضطهاد داخل الوسط الصحفى. يقول عن ذلك: فى عهد أحد رؤساء التحرير، تعرضت لاضطهاد مبالغ فيه، بدأ الأمر حين تولى هذا الشخص رئاسة تحرير «صباح الخير»، فدعا إلى اجتماع ضمّنى مع الزملاء: مدحت السباعى وماجدة الجندى وكريمة كمال، وطلب منا تقديم رؤيتنا لمستقبل المجلة.
ويضيف: «تحدث الجميع وقدموا اقتراحات لموضوعات، أما أنا فلم أتحدث، وحين سألنى، قلت له إن اقتراح الموضوعات يتم فى اجتماع التحرير، لكن هذا الاجتماع مخصص لمناقشة مستقبل المجلة، وليس لإعداد العدد القادم».
ويواصل: «قدّمت ملاحظاتى بصراحة، وقلت له: نحن منذ عشرين عامًا لم نعيّن شبابًا جددًا، وكل من يكتب فى المجلة تجاوز سن الشباب. كيف تكون مجلة للقلوب الشابة والعقول المتحررة ولا يكتب فيها شباب؟ هذا تناقض مع شعارها».
ويُكمل: «ثم تحدثت عن مفيد فوزى،الذى كان يكتب باسم امرأة هى «نادية عابد»، وقلت إن لدينا صحفيات كثيرات، فلماذا يكتب رجل باسم امرأة؟ هذه إهانة للمرأة، التى أصبحت فى هذا الزمن وزيرة وعميدة جامعية وسيدة مجتمع».
ويُتابع: «فجأة، قطع رئيس التحرير الاجتماع، ومنذ تلك اللحظة اعتبرنى خطرًا يجب التخلص منه، وتعرضت منه لـ٥ محاولات إقصاء على الأقل، منها رفضه ذهابى لتغطية أوضاع الجبهة فى السويس عام ١٩٦٧».

قصة رفض يوسف إدريس لـ«نوبل» بسبب فلسطين حقيقية
من نجيب محفوظ إلى يوسف إدريس، الذى تعرف عليه فى مقهى «إيزافيتش» بميدان التحرير فى وسط القاهرة.
وقال منير مطاوع: بعد دخولى كلية الفنون الجميلة عام ١٩٦٤، كونت شلة أصدقاء من السينمائيين والأدباء، وكنا نجلس على مقهى «إيزافيتش» فى ميدان التحرير، والتى أصبحت الآن فرعًا لأحد أشهر مطاعم الوجبات السريعة على مستوى العالم، وهناك تعرفت على كاتب القصة الموهوب يوسف إدريس. قلت له أنا صحفى، لكنى لا أريد التعامل معك كذلك، فأنا أحب أدبك وأتعلم منك وأستفيد، فأصبحنا أصدقاء دون أى أحاديث صحفية أو أخبار».
فى إحدى المرات سأله «مطاوع»: «أنت مشهور بشجاعتك وإبداعك فى القصة القصيرة، بصراحة ما الذى خفت من كتابته أو تناوله فى أعمالك؟»، فرد عليه قائلًا: «أعرف معلومات كثيرة عن ظاهرة اجتماعية فاسدة، وهى العلاقات المحرمة بين أبناء العائلة الواحدة وبعضهم البعض، وهذا أخاف أن أكتب عنه، أخاف من المجتمع نفسه وتعاطيه مع هذه الكتابة. كما أخاف أيضًا من التعرض إلى أمور دينية فيطاردنى المشايخ».
وتطرق منير مطاوع بعدها إلى غضب يوسف إدريس من فوز نجيب محفوظ بجائزة «نوبل» فقال: بعدما فاز نجيب محفوظ بجائزة نوبل، هاج يوسف إدريس، وقال: «عُرضِت علىّ هذه الجائزة ورفضتها، وأنا أحق بها»، ما جعل الرأى العام كله بالأدباء والصحفيين يقفون ضده ويعارضون ما قاله.
سأله «مطاوع» عما أثاره حول عرض الجائزة عليه قبل «محفوظ» فقال: «قبل ٤ سنوات من فوز نجيب محفوظ بالجائزة، أى فى عام ١٩٨٤، مسئول عن الجائزة تواصل معى، وقال لى اخترناك للفوز بها رفقة كاتب إسرائيلى آخر، فرفضت رفضًا قاطعًا»، مضيفًا بصرامة: «فلسطين قضية عمرى».
بعدها، أُلغى منح الجائزة لـ«إدريس» والكاتب الإسرائيلى، ولم يكن أحد يعرف هذه الحكاية غير يوسف إدريس فقط، ولا يملك دليلًا عليها، وفق منير مطاوع، الذى أضاف: «عاش يوسف إدريس ومات وهو مجروح من اعتقاد الناس أن الغيظ من نجيب محفوظ وفوزه هو السبب فى ثورته تلك».
وأضاف: بعد ٩ سنوات من موت يوسف إدريس، احتفلت جائزة نوبل بمرور ١٠٠ عام على تأسيسها، وكتبت مديرة الجائزة كتابًا ذكرت فيه مجموعة من الأسرار، من ضمنها حكاية يوسف إدريس، ورفضه الحصول على الجائزة مناصفة مع الكاتب الإسرائيلى. جاء فى هذا الكتاب بالنص: «تواصلنا مع الكاتب المصرى يوسف إدريس، وذكرنا له أنه سيفوز بجائزة نوبل رفقة كاتب إسرائيلى، فهاج وماج وشتمنا وقال: «أنا مع فلسطين».
وبعيدًا عن «نوبل»، كشف «مطاوع» عن تفاصيل عمل يوسف إدريس مع محمد حسنين هيكل فى «الأهرام»، قائلًا: هيكل كان يخطف البارزين فى أى مكان، وحدث أنه أحضر صلاح جاهين وحجازى ويوسف ويوسف فرنسيس، فذهبت إلى يوسف إدريس فى «الأهرام» وقلت له: «اصطادك هيكل لحظيرته»، فقال لى: «إنت فاهم غلط، لدى تليفون دولى تحت يدى، وكافيتريا الأهرام بجوارى، ولو أردت طبع أى شىء أطبعه، ولا أحد يتدخل فى كتابتى، وبالتالى لا حظيرة ولا أى شىء».
وأشار إلى حكاية إنسانية بطلها يوسف إدريس: «قلت له إننى سأهاجر من مصر إلى لندن عام ١٩٨٠، فكتب لى خطابًا بالإنجليزية، وطلب منى ان أذهب إلى مكان معين فى العاصمة البريطانية، وأقابل سيدة لمنحها هذا الخطاب لو احتجت أى عمل».

سعاد حسنى حاربت «حجاب الفنانين»
اختتم منير مطاوع حواره مع «حرف» بالحديث عن كتابه «سندريلا تتكلم»، الذى يدور حول حوار طويل جرى بينه وبين الفنانة الراحلة سعاد حسنى، قائلًا إنه كان يعمل على توصيل الناس بالنجمة التى يحبونها أثناء تلقيها العلاج، ونشر حلقات عنها فى «صباح الخير»، فجاءت رسائل من قراء يقولون إن هناك حلقات لم يقرأوها، لذا أصدر هذا الكتاب بناءً على طلب محبى سعاد حسنى.
وأضاف «مطاوع»: «الكتاب طُبعت منه ٥٠ ألف نسخة، والناشر وزعه فى الكثير من معارض الكتب فى البلاد العربية، بالتزامن مع حالة هياج عاطفى حبًا فى السندريلا آنذاك، والى الآن الكتاب يتعرض للقرصنة والتزوير، ولو كتبت اسمه على محرك البحث «جوجل» ستجد ألفًا يعرضون بيعه من خلف الناشر، ولا أحد يستفيد من ذلك»، مشيرًا إلى وجود ناشرين للكتاب، هما الدار المصرية اللبنانية، التى طبعت ٥ طبعات، ومؤسسة روز اليوسف، التى طبعت طبعتين، وتعد لطبعة ثالثة تصدر قريبًا.
وواصل: «سعاد حسنى، فى حياة جيلين أو ثلاثة، كانت نموذجًا عاليًا جدًا يتطلعون إليه، قدمت صورة المرأة وهى تتحرر وتشارك فى المجتمع، بشكل لطيف وظريف وخفة دم ورقص وغناء، وهذا متع الناس ونور لهم حياتهم.. قدمت صورة المرأة بعيدًا عن الحجاب الذى يلتف حول رقبتها».
وأكمل: «سعاد حسنى حاربت ظاهرة اتجاه الفنانات إلى ارتداء الحجاب بكفاءة شديدة، قاومت بشكل بطولى، رغم كل الضغوط وابتعاد كثيرين عنها، مقابل فنانات كبار استجبن لهذه المؤامرة.. فاتن حمامة مورس عليها نفس الضغوط، لكنها لم تتحمل وهربت خارج مصر، بينما سعاد لم تستسلم».
وتابع: بعض الفنانات شعرن بأنهن كبرن فى السن، وأنهن لسن مناسبات للظهور، وهو ما رفضته سعاد حسنى، لكنها قالت برقة معهودة: «أعذر الذين انسحبوا»، معتبرًا أن ما حدث يأتى فى إطار «ضرب منظومتى الثقافة والفنون فى مصر، ضمن مشروع صُرفت عليه مليارات».
وشرح: «كان هناك مخطط لتخريب مصر من خلال الثقافة والفن، لكن مصر أقوى من أى مؤامرات، وهى التى أسست كل الفكر الإنسانى، العمارة والموسيقى والأدب. أساس أى حضارة هو مصر، وهذه الحضارة لا تنتهى ولا تموت، مهما فرضت عليها من تضييق».
وعن قوله فى مقال سابق: «دم سعاد حسنى فى رقابنا جميعًا»، قال «مطاوع»: «الفنان الكبير رمز وطنى وثروة قومية، وكذلك الكاتب والعالِم والباحث، كل هؤلاء ثروة قومية يجب الحفاظ عليها، وهو ما أدركه الدكتور كمال الجنزورى،الذى قرر أن يكون علاج السندريلا فى لندن على نفقة الدولة، قبل أن يأتى عاطف عبيد ويلغى هذا القرار، بالتالى، نعم، نحن أخطانا فى حقها، وتجاهلنا مراعاتها فى أزمتها الصحية، رغم كل ما قدمته لمصر».

سر «أول رواية لنجيب محفوظ» فى معرض الكتاب المقبل
انتقل الكاتب الصحفى منير مطاوع للحديث عن مخطوط رواية «الأحدب»، التى اكتشفها ونشر قصتها فى مجلة «صباح الخير» مؤخرًا، ووصفت بأنها «أول رواية كتبها نجيب محفوظ»، مؤكدًا أنه سيفصح عن أسرارها كاملة فى الدورة المقبلة من معرض القاهرة الدولى للكتاب.
وقال «مطاوع»: فى الحقيقة هذا موضوع لا أستطيع حرقه الآن. أنا أحضر معرض الكتاب كل عام منذ تأسيسه فى ١٩٦٩، وفى الدورة المقبلة لعام ٢٠٢٦ سأعقد ندوة عن نجيب محفوظ، اتحدث فيها عن مخطوط رواية «الأحدب»، وكيف عثرت عليه، مضيفًا: «لا أريد حرق الحكاية، هى حكاية طريفة، وأفضل أن تُذاع فى مكان رسمى مثل معرض الكتاب».
وعما إذا كان يملك مخطوطات لأعمال أخرى تخص «أديب نوبل»، قال: «لا أملك مخطوطات أخرى. أنا عشت ١٨ عامًا بالقرب من نجيب محفوظ. لكننى لم التصق به مثل آخرين فعلوا هذا. أنا أحترم نفسى، وأرانى مهمًا كما أرى نجيب محفوظ مهمًا. عرفته طوال هذه السنوات، ولم أنشغل يومًا بفكرة كيف استفيد منه أو من علاقتى به».
وأضاف: «على أية حال، أنا اكتشفت أننى جار له فى العجوزة، حيث كان يستيقظ مبكرًا، ويمشى من العجوزة إلى ميدان التحرير، وتحديدًا إلى مقهى «على بابا»، وكان صاحب المقهى يحترمه ويحبه، حتى إنه خصص الطابق الثانى بالكامل له فى الصباح، فكان يقضى ساعات كاملة هناك، يشرب قهوته ويظل يفكر، وأحيانًا كنت أصعد إليه وأظل معه قليلًا، ثم أتركه وأمضى».
وواصل: «رغم أننى لم أكن مشغولًا بالالتصاق به، كنت دارسًا لأدبه وشخصه فى حدود علمى، وأعتقد أنه عبقرية مصرية أضافت بأفكارها ورؤيتها وفلسفتها وضميرها الحى إلى كل الأدب العربى والعالمى، خاصة بعد جائزة نوبل، التى ساهمت فى انتشار كتبه بلغات أخرى».
ورأى «أننا مُهملون فى التعامل مع هذه العبقرية، وفهم الرسالة التى قدمها»، مضيفًا: «فى بلادنا لم نحتف بهذا العبقرى، وفى بلاد أخرى مثل بريطانيا مثلًا يأخذون صورة كاتبهم الوطنى تشارلز ديكنز، ويضعونها على الأوراق المالية، فلماذا لا نفعل ذلك مع محفوظ وغيره؟ هناك أعلام مصرية كثيرة تستحق ذلك».
وانتقد كذلك الحديث عن نجيب محفوظ دون أن ندرس أعماله، مضيفًا: «فى بريطانيا والولايات المتحدة هناك مراكز بحثية تنظم احتفالات سنوية لدراسة إنتاج تشارلز ديكنز، وخلال هذه الاحتفالات، يتم الإشارة إلى إضافات لم ينتبه لها أحد، علمًا بأن هذه المراكز نشاطات أهلية لا تتدخل فيها الحكومات، والقراء والنقاد يشتركون فيها ويمولونها.. لماذا لا نفعل مثلهم؟».

حوارى مع «أديب نوبل» مُنع بقرار السادات
كشف منير مطاوع أن أهم الحوارات التى أجراها ولم تُنشر، كان مع الأديب العالمى نجيب محفوظ، مشيرًا إلى أنه أجرى هذا الحوار بعد فترة طويلة من دراسته لـ«محفوظ»، مستفيدًا من حضوره لندوته الأسبوعية لمدة ٨ سنوات كاملة.
وقال «مطاوع»: «فى عام ١٩٧٢ عرضت فكرة الحوار على نجيب محفوظ، وكانت عبارة عن محاكمة، مجموعة من الملاحظات والاتهامات بشأنه، رصدتها وأردت سؤاله عنها، فقال لى إن الفكرة أعجبتنى، وقبل بإجراء الحوار»، موضحًا أن من بين هذه الاتهامات: «ممالئ للسلطة»، و«أغلق الطريق أمام الأجيال الجيدة من الكُتاب» و«كتب الثلاثية بلغة القرن الـ١٩»، وغيرها.
وعن سبب منع نشر الحوار، قال الكاتب الصحفى: «وقتها كنا نجمع توقيعات لمطالبة السادات بالحرب ضد الكيان الصهيونى المغتصب، واستعادة سيناء وإزالة اثار العدوان، وحين قلنا لتوفيق الحكيم رحب بالفكرة، وقال: أنا سأكتب ديباجة للعريضة، ووقع عليها إلى جانب نجيب محفوظ ويوسف إدريس و١٠٠ من أهم المثقفين».
وأضاف: «كنا نريد إرسال هذه العريضة إلى السادات، وأحمد عبدالمعطى حجازى تطوع وقال إنه سيسلمها بنفسه لوزارة الثقافة، والتى بدورها سترسلها إلى الرئيس السادات، والذى غضب بشدة بعد أن قرأ العريضة، ووجه تعليمات فورية للصحافة بعدم نشر أسماء الموقعين المئة فى أى صحيفة، حتى فى صفحة الوفيات، وبالتالى تم منع نشر حوارى مع نجيب محفوظ».
وواصل: «لم يقتصر الأمر على منع نشر أسماء المئة، بل تم أيضًا طرد بعضهم من أماكن عملهم، ومن بينهم يوسف إدريس، الذى تم فصله من جريدة الأهرام»، مشيرًا إلى أن منع نشر أسماء الموقعين استمر حتى غطى بنفسه ندوة لنجيب محفوظ ووتوفيق الحكيم، داخل محل ومطعم الخواجة اليونانى «بترو» بالإسكندرية.
وأكمل: «ذهبت لتصوير الندوة ومحاولة نشرها، قلت محاولة ويمكن أن تنجح، رغم قرار منع نشر الأسماء. قررت أن يكون الموضوع بالصور، وكان معى للتصوير أهم مصور فى مصر وقتها، أنور سعيد. بالفعل صورنا الندوة وكتبت عنها، وكانت المفاجأة أنها نُشرت كاملة بالاتفاق مع الرقيب، وبعد النشر أصبح من المسموح به نشر أسماء مثل توفيق الحكيم ونجيب محفوظ فى الصحف بصورهما، فقال لى توفيق الحكيم عن ذلك: «إنها عودة الروح».
إحسان عبدالقدوس «أكثر روائى مؤثر فى حياة المصريين»
نفى الكاتب الصحفى منير مطاوع وصفه للأديب إحسان عبدالقدوس بأنه «أهم من نجيب محفوظ»، قائلًا: «لم أقل إنه أهم، لكن إحسان عبدالقدوس استطاع بأعماله أن يحقق تغييرًا اجتماعيًا، ويتواصل مع قطاع كبير من القراء».
وأضاف: «إحسان كان يتميز بلغته العادية، التى تظن منها أنه يحكى لك شفهيًا، بعيدًا عن أى اعتبارات أخرى. أما نجيب فيمكن اعتباره كاتب الأدب الرسمى، الأدب الذى يحتاج خصائص معينة، لذا، أعتقد أن إحسان عبدالقدوس كان أكثر حضورًا وتغييرًا فى المجتمع، لأنه تناول قضايا هذا المجتمع بشكل مباشر».
وواصل: «ربما إحسان عبدالقدوس تمكن من ذلك لكونه فى الأساس صحفيًا، ويضع يده فى قلب المجتمع وقاعه وقمته، فالصحفى الحقيقى هو الذى يعيش فى كتلة المجتمع كلها»، معتقدًا أن «النقاد فى زمن إحسان اضطهدوه واستخفوا بأعماله لأنه صحفى، بعضهم كان يعتقد أنها ليست أعمالًا أدبية، لكن كُتّابًا ونُقادًا آخرين وضعوه فى مكانه كأكثر كاتب روائى مؤثر فى حياة المصريين».
وأكمل: «نجيب محفوظ عبقرى، أنشأ وأسس ونظم وطور النص الروائى، وجعله فى مستوى رفيع، ويعتبر إلى حد كبير مؤرخًا للحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية والفكرية فى مصر خلال العقود الطويلة التى غطاها فى كتاباته. لكنه فى كل الأحوال كان يكتب لقارئ يشاهد، فقارئ محفوظ لا يشترك فى اللعبة، أما قارئ إحسان فيشترك ويغير».