الخميس 31 يوليو 2025
المحرر العام
محمد الباز

يتامى أسيوط.. بعد 23 سنة ثقافة.. غلق نادى القصة بـ«جرة قلم»!

حرف

- «قصور الثقافة» تصفه بـ«غير الرسمى» وترفض تقنينه حتى لا تصرف عليه 100 جنيه أسبوعيًا!

- لماذا لا يُصرِّح المسئولون بالأسباب الحقيقية؟ هل هى توفير ثمن الكهرباء أم إيجار القاعة؟!

أثار قرار صادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، بتاريخ 13 يوليو الجارى، بشأن غلق ما وصفه بـ«الكيانات الثقافية الموازية»، حالة كبيرة من الجدل والغضب فى آنٍ واحد، خاصة أن القرار يغلق كيانات فاعلة تلعب دورًا كبيرًا فى الحياة الثقافية منذ 23 عامًا، مثل نادى القصة فى أسيوط.

جاء فى نص القرار، الذى حصلت «حرف» على نسخة منه، أن «إتاحة الفرصة لتشكيل كيان ثقافى موازٍ قد يخلق جوًا من المشاحنات، ويفتح بابًا لتشكيل كيانات أخرى موازية: نادى قصة، رابطة زجالين، نادى شعر، نادى ترجمة... وغيرها»، مشيرًا إلى أن اللائحة تنص على أن «نادى الأدب» هو الكيان التنظيمى الذى يُمارِس خلاله الأدباء وهواة الأدب فى كل موقع ثقافى بالهيئة نشاطهم.

ورفض أدباء أسيوط قرار الهيئة العامة لقصور الثقافة، خاصة أنه يعنى غلق نادى القصة فى أسيوط الذى يعمل منذ 2002... فإلى نص ما كتبوه لـ«حرف» عن هذه الأزمة.

سيد عبدالرازق: قرار يستدعى محاسبة كل قيادات قصور الثقافة منذ 2002

سيد عبدالرازق

خطاب محمد ناصف، نائب رئيس قصور الثقافة، الذى تضمن توجيهًا إداريًا رسميًا إلى الأقاليم الثقافية المختلفة، يمنع إنشاء كيانات أدبية أو ثقافية أضفى عليها صفة «عدم القانونية» و«عدم الرسمية»، ويحظر حتى إعطاءها مساحة زمنية لإقامة أنشطتها داخل أروقة الهيئة، وذلك تحت مبررات عديدة، تتعلّق بكون الأعضاء «الفعليين» فى هذه الكيانات هم أنفسهم أعضاء فى أندية الأدب الرسمية.

الخطاب ساق مبررات أخرى من بينها أن اللائحة الرسمية تتيح لهؤلاء الأعضاء ممارسة النشاط الأدبى فى أندية الأدب الرسمية دون تمييز، وأن السماح بكيانات موازية قد يفتح باب المشاحنات والانقسامات، وأن الكيان الرسمى الوحيد المعترف به هو نادى الأدب التابع للهيئة، وأن أى مخالفة تتحمل الفروع الإقليمية مسئوليتها القانونية.

رغم ما قد يبدو فى الظاهر من حرص على التنظيم والانضباط، أثار الخطاب داخلى أسئلة عديدة:

١- ألا يعد القرار إخلالًا بالحق الدستورى والقانونى فى حرية التنظيم والتعبير الثقافى؟ ألم يقرأ صانع القرار مثلًا المادة «٤٨» من الدستور، التى تنص على أن «الثقافة حق لكل مواطن، تكفله الدولة وتلتزم بدعمه، وبإتاحة المواد الثقافية بجميع أنواعها لمختلف فئات الشعب، دون تمييز بسبب القدرة المالية أو الموقع الجغرافى أو غير ذلك». هنا أسأل: هل هذا القرار الإدارى يعتبر التزامًا من الهيئة بدعم حق المواطن فى الثقافة، وهى تغلق كيانات ناجحة بجهود أبنائها، ومن تلك الكيانات نادى القصة فى أسيوط، المستمر منذ عام ٢٠٠٢ حتى تاريخه؟! هل هذا هو الدعم الذى تقدمه الهيئة لكيان أدبى ناجح؟!

٢- ألم يقرأ صناع هذا القرار المادة «٥٠» من الدستور، التى تنص على أن «تراث مصر الحضارى والثقافى المادى والمعنوى، بجميع تنوعاته ومراحله الكبرى، المصرية القديمة، والقبطية، والإسلامية، ثروة قومية وإنسانية، تلتزم الدولة بالحفاظ عليه وصيانته، وكذا الرصيد الثقافى المعاصر المعمارى والأدبى والفنى بمختلف تنوعاته، والاعتداء على أى من ذلك جريمة يعاقب عليها القانون»؟

٣- ألا يعد ناديًا مُقامًا من ٢٠٠٢، وقدم ١٠ مؤتمرات أدبية، و١٤ دورة لمسابقة قصصية، ودورتين لمسابقة شعرية، وكرَّم رموز الإبداع والنقد فى مصر، بحضور وزراء ونواب، وأنتج للعالم الأدبى أدباء لهم وزنهم فى الوطن العربى، حققوا إنجازات دولية ومحلية غنية عن التعريف، واكتشفوا شبابًا يتصدرون الآن المشهد المحلى والعربى، وتحدثت عنه الصحافة العربية والمحلية، وله جلسة أسبوعية برعاية الهيئة العامة لقصور الثقافة، بل افتتح إحدى دوراته وزير الثقافة الأسبق، حلمى النمنم، بحضور رئيس الهيئة، ألا يعد هذا النادى من «الرصيد الأدبى» الذى يجب أن نحافظ عليه ونصونه؟

٤- ألا يضفى كل الرصيد السابق، والدعم المالى الذى كانت تقدمه الهيئة لتلك الكيانات بمستندات رسمية، حضورًا لصفتها الرسمية واعترافًا بها؟

٥- ألم يقرأ صناع القرار المادة «٦٧» من الدستور، التى تنص على أن «حرية الإبداع الفنى والأدبى مكفولة، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك»؟ هل حظر نادى القصة والكيانات المشابهة يدخل فى باب رعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، والنهوض بالفنون والآداب، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك؟

٦- بناءً على كل ما سبق، ألا يمكننى اعتبار أن حظر الكيانات بدعوى غياب الصفة الرسمية غير مبرر؟ إذا كان وجود هذه الكيانات خاطئًا، ويريد السادة المسئولون الحاليون تصحيح الأوضاع، هل تدركون ما الذى يترتب على ذلك ماليًا وقانونيًا، على مدى سنوات عمر هذه الكيانات، تجاه كل السادة الوزراء ورؤساء الهيئات ومديرى الشئون الثقافية... إلخ، الذين عملت فى عهدهم تلك الكيانات داخل أروقة الهيئة؟!

مصطفى البلكى:  وزير الثقافة حضر مؤتمره السنوى

مصطفى البلكى

كل من جلس على كرسى وتولى أمرًا من أمور الثقافة، فى بلد يحتاج أساسًا إلى فتح شرفات أكثر للتنوير، يصبح هاجسه الأول الخروج بقرارات لا تراعى الوضع ولا المهمة ولا الفائدة التى تأتى من تلك الأماكن، وآخرها القرار المرفوع من مدير إدارة أندية الأدب، ومدير الإدارة العامة للثقافة العامة، ورئيس الإدارة المركزية للشئون الثقافية، بغلق الكيانات الموازية لأندية الأدب.

أخاطب هؤلاء جميعًا: لماذا هذا القرار؟ هل تعرفون أن هناك كيانات مثل نادى القصة فى أسيوط، من بداية تأسيسه وحتى الآن، حظى بدعم من قِبل كل مَن جلسوا على كرسى رئيس هيئة قصور الثقافة، بل وفى سنة من السنوات حضر وزير الثقافة بنفسه مؤتمره السنوى، الذى يُنظم بالجهود الذاتية لأعضاء النادى؟

هل يدركون أن النادى يضم فى عضويته العديد من الأسماء التى تسهم فى الحركة الثقافية المصرية والعربية بإبداعات تجد التقدير من الجميع؟ هل يدركون أنه بمثابة ورشة حقيقية لتنمية وصقل المواهب، ومنهم مَن استطاع الحصول على جوائز مرموقة مثل جوائز الدولة؟

أقولها وبصدق، فى سنوات غياب نادى القصة فى القاهرة عن ممارسة عمله كما يجب، كان نادى القصة فى أسيوط يؤدى دوره، ليس فى الصعيد بل فى مصر كلها، ويشهد على هذا الدور كل من شاركوا فى الندوات والمؤتمرات التى نظمها النادى. بعد كل هذا، هل يكون العقاب الحجب والمنع، أم التشجيع؟ النادى لم يخصم شيئًا من قدرات أندية الأدب، لذا القرار الأخير يطرح أسئلة عديدة، أهمها: لمصلحة مَنْ يصدر مثل هذا القرار؟

الحقيقة تتغلب فى النهاية، لا من اتخذ القرار ولا من وافق عليه، ولا من طالب بتعميمه، يعرف طبيعة الخريطة الثقافية فى مصر، ولا أين تستقر نقاط القوة فيها، ولا أين هى الشرفات الأكثر إشراقًا. لا يختلف هذا القرار عن سابقه بغلق بيوت الثقافة، ولا يدعم التنمية الثقافية، وقدرته على خلق الجدل والبحث عن المصلحة فيه، أكثر من قدرته على خلق صورة مفادها توحيد رواد قصور الثقافة تحت كيان واحد.

فاطمة الشريف:  خطوة «رجعية» تعيد زمن تهميش الأقاليم 

فاطمة الشريف

صدمنى بشدة قرار إيقاف نشاط نادى القصة فى أسيوط من قِبل الإدارة المركزية للشئون الثقافية، وأتساءل: لماذا كل هذا التحامل على النادى العريق، الذى دام أكثر من ٢٣ عامًا، ما بين مناقشات ومؤتمرات وورش نقد، وخرج منه أدباء يتصدرون المشهد الثقافى الآن بكل جدارة؟ كيف يصدر هذا القرار من نفس الهيئة التى لطالما دعمتنا وكانت حافزًا كبيرًا لنكمل المسيرة مع أدباء قادمون للحياة الثقافية؟

ليس من الصواب هدم كيان كبير يثمر مثل نادى القصة فى أسيوط. بالأمس القريب تم دعم نادى القصة فى القاهرة، وهذا شىء جيد أثلج صدورنا تمامًا، غير أن الموقف اليوم من نادى القصة فى أسيوط لا يشعرنى إلا بتهميش الأقاليم، وإن كان البعد الجغرافى قد تلاشى منذ زمن بعيد، بعد حدوث «العولمة» والتطورات والحداثية والتكنولوجيا، فلماذا المثقفون الأفاضل يأخذوننا إلى الرجعية من جديد؟ وإن لم يكن رجعية فماذا يكون؟!

أنا عضو دائم يعرفنى الجميع فى نادى القصة بأسيوط، وتوليت عضوية مجلس إدارته دورتين سابقتين، وكنت أوثق الندوات بنفسى وأرسلها للموظفين لإعلام الهيئة بنشاطه، وأقمنا ندوات وورشًا فى كل مجالات الثقافة من الرواية والشعر والقصة والمسرح، غير الندوات المتخصصة لمناقشات الكتب، وختمت الدورة بكل نجاح، وحضرت الدورة السابقة، وأتابع دائمًا النشاط مع الدكتور سعيد أبوضيف ومجلس إدارته المثقف من الأدباء والأساتذة، كانت دورة موفقة جدًا، وليس صحيحًا ما يُشاع عن ركود فى النادى.

تم انتخابى هذه الدورة عضو مجلس إدارة مع أستاذنا الدكتور ثروت عكاشة السنوسى، واجتمعت الجمعية العمومية، وتم الانتخاب بشفافية، وحضر أكثر من عدد النصاب القانونى للانتخابات، ولدينا خطة عمل جيدة للدورة الحالية، التى ستكون على أوسع نطاق جغرافى، وتعنى بتبادل الثقافة والمعرفة، لأن هدفنا من النشاط الثقافى هو النهوض بالحركة الأدبية والثقافية فى مصر كلها، من خلال مساهماتنا فى نادى القصة أو نادى الأدب.

أحمد مصطفى: لا يكلف الدولة مليمًا واحدًا

أحمد مصطفى

 

أدركُ أنَّ هدف وزارة الثقافة هو نشر الثقافة عربيًا، وتعزيز حضورها إقليميًا، وتفعيل دورها فى بناء الإنسان. يُفترَض أن تسعى إلى ذلك عبر مبادراتها وبرامجها المتنوعة، لكننا نفاجأ بين الفينة والأخرى بقراراتٍ غريبة، تارة بإغلاق المواقع الثقافية، واليوم بإغلاق الأندية ذات الطابع الخاص.

إحدى الفعاليات بنادى القصة فى أسيوط

المدهش أن الأندية التى قررت هيئة قصور الثقافة منع أنشطتها مؤخرًا تعمل بشكل تطوعى كامل، فهى لا تُكلِّف الدولة مليمًا واحدًا، ولا تتحمل هيئة قصور الثقافة سوى توفير قاعات لممارسة أنشطة هى من صميم عملها. تُبرر الهيئة، فى مذكرتها العاجلة، قرار المنع بأن هذه الكيانات «غير قانونية وغير رسمية»، وهذا تبرير يبعث على العجب الشديد، لأن الهيئة ذاتها هى التى ترفض تمويل هذه الكيانات، أو إضفاء الصفة الرسمية عليها، والسبب ببساطة هو عدم رغبتها فى تحمُّل متوسط ١٠٠ جنيه أسبوعيًا، أى نحو ٥ آلاف جنيه سنويًا فحسب!. ولا نريد هنا الخوض فى المبالغ الطائلة التى تُهدر فى مشاريع أخرى بلا طائل.

نادى القصة فى أسيوط مشهود له عربيًا ومحليًا، ومؤتمراته ذائعة الصيت، وحصد العديد من أعضائه جوائز مرموقة على المستوى العربى. كما يضم النادى سنويًا عددًا كبيرًا من المواهب الواعدة. حتى جوائز النادى نفسها تحظى بمصداقية تبعث على الفخر، وتحدث حراكًا على مستوى الجمهورية، وكثير من المكرمين من أبناء محافظات الوجه البحرى.. كذلك الحال مع الأندية الأخرى، مثل «رابطة الزجالين» و«نادى الشعر والترجمة»، فهى كيانات تنضح عناوينها برسائلها وأهدافها التى تتناغم مع جوهر رسالة وزارة الثقافة.

الغريب أن صياغة المذكرة توحى وكأن جريمة تُرتكب داخل المواقع الثقافية التى أتاحت لأدباء ممارسة إبداعهم! والحقيقة أن الجريمة الفعلية هى قتل المواهب، ومحاولة تضييق الخناق على سُبل تطوير العمل الثقافى، وإعاقة المشاركة التطوعية فيه، خاصةً إذا علمنا الصعوبات البالغة التى يواجهها أبناء الأقاليم وأصحاب المواهب فى هذه المجالات.

بصراحة تامة، قرأتُ المذكرة كما قرأها غيرى، وأنا فى حيرة من التبريرات الغريبة الواردة فيها، من أن هذه الأندية «ستُعطِّل نادى الأدب»، وأن بعض أعضائها منتسبون إليه أصلًا! لو ناقشنا الحجة السابقة، وقلنا لو أراد نادى الأدب تنفيذ نشاطين فى أسبوع، هل يعد ذلك جريمة؟ فما بالنا إذا وُجد ناد مستقل ينفذ النشاط الآخر؟ حينها سيبدو التبرير الرسمى فى حاجة هو نفسه إلى تبرير أو تفسير!

لماذا لا يُصرِّح المسئولون بالأسباب الحقيقية؟ هل هى توفير ثمن الكهرباء أم إيجار القاعة، مع أن استغلالها لا يتجاوز ساعتين أسبوعيًا؟! إذا كانت هذه الحقيقة، فستكون كارثة بكل المقاييس، لأن المسئول حينها إما أنه يتجاهل أهمية هذه الفنون، أو لا يدرك طبيعة المخاطر المحدقة فى عصر «الميديا» المفتوحة، ومخاوف استغلال الشباب، أو تآكل هويتهم.

أيمن رجب طاهر:النادى مثال للتعاون مع المؤسسة الرسمية

أيمن رجب طاهر

الدكتور أحمد هنو، وزير الثقافة، والأديب الكبير الأستاذ محمد عبدالحافظ ناصف، نائب رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، والشاعر الكبير الدكتور مسعود شومان، رئيس الإدارة المركزية للشئون الثقافية، والأديب الأستاذ عبده الزراع، مدير الإدارة العامة للثقافة العامة، والأستاذ وليد فؤاد، مدير إدارة المؤتمرات وأندية الأدب، أؤكد لحضراتكم جميعًا أن نادى القصة فى أسيوط لا يخلق أى جو من المشاحنات، ولا يؤثر على انعقاد الجمعيات العمومية لأندية الأدب، ولا يؤدى إلى تفتيتها. بل على العكس تمامًا، النادى منذ تأسيسه فى ٢٠٠٢ كان مثالًا للتعاون التام مع المؤسسة الثقافية الرسمية، ومشاركًا فى أى فعالية أدبية، سواء أنشطة وندوات أندية الأدب أو مهرجانات العروض المسرحية، بالتزامن مع ما يكتشفه من مواهب أدبية وتشجيعه لها.