روايات الثورة.. حرف تحاور كُتاب أبرز روايات ثورة المصريين لإسقاط «الإخوان»
مدن الياسمين.. أميرة بهى الدين: «الإخوان» بقايا الغزاة من الهكسوس والمغول والصليبيين

- الجماعة تجسيد للطمع الاستعمارى فى مصر والرغبة فى الانقضاض عليها
- أخطر شىء أن يلعب أحدهم فى دماغك وتهمل تاريخك وتنسى من أنت
- أثبتنا أن أى أحد سيدوس على طرف جلباب مصر سيُواجه بصرامة
- واجهنا تنظيمًا دمويًا مدعومًا من دول استعمارية وأجهزة مخابرات
وسط زخم الثورة والهتافات والتحولات التاريخية، تؤسس الخماسية الروائية «مدن الياسمين»، للكاتبة والمحامية والإعلامية أميرة بهى الدين، لنمط مختلف من السرد الروائى، يحمل عبق التاريخ وينطق بشهادة الزمن.
أميرة بهى الدين لم تكتف بالإشارة إلى ثورة 30 يونيو، بل خاضت فى تفاصيلها، لحظة بلحظة، مستعرضة الأحداث وأشهر الإرهاصات وما تلاها من تصدٍ بطولى لجماعة إرهابية أرادت النيل من الوطن، وجسدت صوتًا روائيًا مخلصًا للشهداء، كأنها ترد لهم جميلهم فى صفحات من نور ووفاء.
فى حوارها مع «حرف»، نفتح مع الروائية أميرة بهى الدين صفحات تلك التجربة؛ لنتعرف على دوافعها، ورؤيتها، وكيف مزجت بين العمل الأدبى والالتزام الوطنى، فى لحظة فارقة من تاريخ مصر الحديث.

■ قمت بالتأريخ لثورة ٣٠ يونيو من منطلق مغاير عن الروايات التى كتبت عن الثورة.. هل هذا لأن الثورة كانت لديك أساسًا وليس خلفية للبناء؟
- للإجابة عن هذا السؤال يجب أن أقول إن «برديات مدن الياسمين» جاءت على مستويين، الأول للأبطال من عام ١٩٤٧ إلى ما بعد ٣٠ يونيو، والآخر «فانتازى»، وهو عبارة عن «وش السعد» الذى يحكى عن تاريخ مصر القريب والبعيد، ومن هنا نقرأ عن الأبطال والحقيقة.
أنا أؤمن بأن تاريخ مصر مترابط وحى، ومصر ولادة بتاريخها وأبطالها، هم ليسوا مقاتلين شجعانًا فقط، وإنما تقول الرواية إنهم صنعوا التاريخ، ولذلك فأنا حين أنطلق من عام ١٩٤٧ وأختتم بأحمد منسى، فلا بد أن أمر على ثورة ٣٠ يونيو، كحدث فاعل ومهم ومصيرى، وصانع لتركيبته، ولبطولته، وهو جزء من فسيفساء البطولة.
«برديات مدن الياسمين» تتحدث عن ٥ مدن كبرى فى مصر، وعائلة البطل «المنسى» متشعبة فى جذور هذه المدن، يعنى الجدة من أسوان والأم من السويس والأب من الشرقية، فلأنهم من مدن مختلفة، حصل تراكم معرفى وتراثى وفولكلورى وتاريخى من كل مدينة شاركت فى صنع هذا البطل.
هذه هى الفكرة، ٣٠ يونيو لم تكن ثورة مكان ولا ثورة جيل، هى ثورة قام بها الشعب المصرى على تنوعه واختلافه، كل الروافد التاريخية شاركت فى صنع هذه الثورة، كانت ثورة للحفاظ على الهوية المصرية، الحفاظ على الشخصية المصرية، وأهل أسوان، وأهل السويس وأهل الإسكندرية كلهم شركاء فى هذه الهوية، فكل المدن انتفضت دفاعًا عن هويتها فصنعت هذا الحدث الكبير، ثورة ٣٠ يونيو تشبه زين المنسى، وزين المنسى يشبه ٣٠ يونيو، هو نتاج تاريخ الانتصار والبطولة والمعرفة والهوية.

■ فى الجزء الرابع «بردية التحدى» تحدثت عن اقتحام السجون، وتساءل شخوص الرواية عن الإرهابى اللبنانى الذى عاد إلى بيته بعد يومين من الاقتحام.. كل هذا يؤكد أن الأمر كان مؤامرة.. كيف ترين هذا؟
- هذا الإرهابى كان عضوًا فى «حزب الله»، وكان اسمه سامى شهاب الدين غالبًا، وكان محكومًا عليه وينفذ العقوبة فى سجن «أبوزعبل»، ثم فجأة وجدته فى لبنان مشاركًا فى مؤتمر صحفى، كانوا يحتفلون بإطلاق سراحه وتهريبه بعد اقتحام السجون، هذا حدث من وجهة نظرى يستحيل أن يكون عفويًا، نحن لدينا سجون فيها قتلة ولصوص، ولكن السجون التى فتحت كانت للإرهابيين، ثم خرجوا من السجن، والمسألة ليست فقط الخروج، فمن الممكن أن تخرج من السجن وتتوه تمامًا ولا تعرف إلى أين تذهب، إنما كان هناك تسهيل للأمور اللوجستية، بمعنى أن تخرج فتجد مَن هم فى انتظارك، وسيارة تنقلك وتعبر بك الحدود، فى مشوار طويل بدأ من «أبوزعبل» للقناة وإلى سيناء، هذا لا يمكن أن يكون حدثًا عفويًا، هذا عمل فيه مؤامرة.
وأنا كنت نشرت يوم ٥ فبراير ٢٠١١ فى مجلة «روزاليوسف» مقالة كبيرة قلت فيها من وجهة نظرى إن مصر تعرضت لمؤامرة عسكرية كبيرة لم يُفصح عنها حتى الآن. وما زلت مقتنعة أن مصر تعرضت لمؤامرة فى هذه الأثناء، ولم تفصح عنها الدولة المصرية لاعتبارات محل تقدير واحترام.
لكن تبين بعد ٢٠١١ وما بعد ٢٠١٣ أن هناك إمدادات وأسلحة ومؤامرات.. ولولا وقوف الجيش المصرى لحدث الكثير.. بالتأكيد تعرفين كل هذا.
فكرة تهريب الأسلحة والإرهابيين وما حدث فى سيناء وجبل الحلال استمر سنين كاملة، وقال خيرت الشاطر للرئيس السيسى عشية ٣٠ يونيو: «سيأتى مقاتلون من الشيشان وغيرها»، كل هذا يقول إن هناك قوى عسكرية كانت منظمة مدبرة للانقضاض على الشعب المصرى، لولا أن الجيش المصرى وزين المنسى تصديا لهذه المؤامرة الكبرى».
■ لماذا كانت الشخوص كلها فى المدن المختلفة فى الرواية محملة بالقلق؟
- حين أتحدث عن أبطال الرواية فى السويس لا أستطيع عزل التركيبة النفسية والشخصية والهم العام عند أبطال الرواية فى السويس عن مدينة السويس نفسها، المدينة الباسلة التى تعرضت لحصار الإسرائيليين فى ٧٣، المدينة التى عاشت حرب ٥٦، فى كل مدينة هناك جزء من الصراع دفاعًا عن مصر والانتصار لمصر.
هذا الجزء يبقى من الوجدان الشعبى، أغانى السمسمية فى مدن القناة لم تكن أغانى للترفيه، بل كانت جزءًا من نضال الشعب المصرى، إحدى الأدوات الواعية هى التى تجيش بها الناس فى لحظة تاريخية معينة دفاعًا عن مصر، فتغنى للبندقية وتغنى للأبطال، وهذه الأغانى جزء من وجدان المصريين، يترنمون بها حتى لو أنهم لم يعرفوا الرواية التاريخية لها، البرديات قالت شىء مهم أن ننتبه إليه، حين كان هناك سؤال يطرح نفسه، مَن هم الإرهابيون؟
الإرهابيون هم بقايا الجيوش الغازية، بقايا الهكسوس والحيثيين، هم امتداد لنفس المعركة التاريخية، الطمع فى مصر واستخدام أدوات مختلفة، ثم انتفاض الشعب المصرى، ثم انتصاره وهزيمة المؤامرة.
اليوم نواجه المغول، بعده نواجه الصليبيين، بعده نواجه الإرهابيين، هم جميعهم وجوه مختلفة لنفس المحتوى، الطمع الاستعمارى فى مصر والرغبة فى الانقضاض عليها ومحاولة تكسير يديها وقدميها لكى نستطيع سرقتها، سواء نسرق الهوية أو نسرق الشخصية أو نسرق قناة السويس، ثم ينتفض المصريون دفاعًا عن هذا.

■ فى «برديات مدن الياسمين» كان المصرى- عبر التاريخ- محملًا بالحماسة والوطنية والقدرة على الوقوف أمام الخطر.. هل كنت تقصدين أن هذا الانتماء للحضارة الواحدة والتاريخ الواحد جعل المصريين متشابهين عبر العصور؟
- نعم، هذا هو الدرس الذى تعلمناه من تاريخ مصر، ولهذا أقول لك إننى أرى أن تاريخ مصر تاريخ حى، هناك تعبير استخدم فى الرواية كثيرًا، يقول «الأرض تحارب مع أصحابها»، الأرض فكرة والمصرى محمل بها للدفاع عن مصر والانتصار لها منذ أن قبضنا على لويس التاسع فى «بيت ابن لقمان» فى المنصورة، منذ أن تصدينا للهكسوس، منذ المقاومة الشعبية فى بورسعيد، فى حصار السويس فى ٧٣، وحين حرقنا مكتب الإرشاد فى المقطم، هو الهم العام واحد، أن نحافظ على مصر، مصر الدولة الوطنية، نحافظ على الخريطة، ونحافظ على المضمون، على التاريخ، على التراث، على الشخصية، كلنا محملون وعبر التاريخ المصريون كانوا دائمًا فى المواجهة.
■ ذكرت أن الكثيرين ذهبوا لبيت الرئيس السيسى ووجدوا فيه الأمل الأخير للقضاء على الإرهاب.. كيف ترين هذا الاستدعاء؟
- أكتر ما يواجه المصريين، أخطر الأخطار علينا هو غياب الذاكرة المصرية والوعى المصرى، أن يلعب أحدهم فى دماغك، أن تتخبط، أن تنسى تاريخك، أن تنسى من أنت.
فحين أحكى عن ثورة ٣٠ يونيو، من الممكن بعد ٢٠ سنة أن يُكتب فى كتب التاريخ فى المدارس «خرج المصريون إلى الشوارع وانتصر لهم الجيش فكانت ثورة ٣٠ يونيو». وهى عبارات صحيحة بالمناسبة، ولكن هذه ليست فسيفساء الثورة، فسيفساء الثورة أن الناس ذهبت ووقفت ورفعت أعينها تحت باب وزارة الدفاع، وكان «السيسى» واقفًا من الشباك ينظر إليهم، يقولون «انزل يا سيسى»، فهذا الاستدعاء الوطنى والتاريخى مهم لأن يوثق فى الرواية، والسيدات خرجن يحملن حقائب بها «ساندويتشات»، وأكياس بها مياه مثلجة، ويأكل الشباب منها فى الشوارع، هذه هى الحالة المصرية التى صنعت هذه الثورة، مهم جدًا ألا ننسى تفاصيلها، لماذا؟ لأن هذه الحالة المصرية قابلة للاستدعاء دائمًا، بمعنى أن أى أحد سوف يضغط على طرف جلباب مصر، سيجد كل المصريين واقفين بما يحملونه من زاد، ودون شعارات سياسية هذه الثورة بها شىء عظيم والحقيقة أن معدن المصريين ظهر فى هذه الثورة، لا أحتاج لأن يكون معى دكتوراة ولا أتحدث ثلاث لغات ولا ذهبت لمنظمات دولية لكى أدرك حجم الخطر الذى يهدد بلدى، فأنزل وأجرى فى الشارع أدافع عن البلد، ومهم جدًا أن تبقى هذه الشعرة فى حياة المصريين، لأن هذا الاستدعاء سيتكرر كثيرًا، إن لزم الأمر، ممكن بعد ١٠٠ سنة، بعد ٣٠٠ سنة، إنما هذا الوجدان سيظل يستدعى هذه الحالة.
■ ذكرت الطرق التى سلكتها المسيرات وتفاصيلها.. هل قصدت التأريخ للثورة فى كل لحظاتها وما سبقها من إرهاصات؟
- طبعًا لسبب، حين نزل «الدكتور عزيز» إلى الشارع فى ليلة الثورة ومشى فى شوارع شهاب ومحيى الدين أبوالعز ومصدق ووجد الأعلام والرايات مدلاة من الشبابيك، والبنات تشترين «طُرح» حمراء وبيضاء بلون العلم، والناس قالت «كأننا فى ليلة العيد»، هنا أنت ترصد الحالة المصرية، نحن نزلنا لنواجه جماعة إرهابية دموية مدعومة بدول استعمارية وأجهزة مخابرات وتنظيم دولى وإرهابى، والمصريون يرسمون قلوبًا على وجوههم بعلم مصر، ومعهم أطفالهم يصفقون ويغنون ويبكون أيضًا: «انزل يا سيسى».
هذه الحالة كان من المهم رصدها، لأن بعض الأحداث الكبرى توصف بعبارات باردة تفرغها من مضمونها، بمعنى أننى عشت حرب ١٩٧٣ حين كنت فى المدرسة، وحين قامت الحرب رحنا نبحث عن البيانات العسكرية، وحين تم أسر عساف ياجورى، ورأيناه رحنا نبكى، فحين يقولون فى تلك اللحظة «عبر الجيش المصرى أكبر مانع مائى»، فحقيقى هى جملة أقل من الحدث نفسه.

■ ذكرت أيضًا حركة «تمرد» وأظهرت تخوف البعض منها فى البداية ولكن بسبب الجماعة وأفعالها انضم أبناء الشعب لها.. هل عنيتِ أن كثرة تعرض الشعب لمؤامرات جعل البعض يتخوف من أى شىء حتى ولو فى صالحه؟
- نعم، رصدت أقوال المصريين وقتها، كانوا يتساءلون، والحقيقة حين تشعر بأن هناك مؤامرات عليك من أناس يخفون وجوههم خلف أقنعة، فسوف تشك فى كل شىء، والشد مفيد أحيانًا، وما طمأن الجميع لهذه الحركة أنهم ضد الجماعة، وعدو عدوى صديقى، فمشينا معهم، فلذلك أنا عبرت عن رؤى أبطال الرواية فى المدن المختلفة، وستجد هذا التنوع الحضارى فى الشخوص، بمعنى أن الدكتورة عالمة المصريات تدافع بطريقتها عن البلد، و«الست عسلية» تدافع بطريقتها، لكن الاثنتين تتفقان فى النتيجة.

■ شخوص الرواية من طبقات اجتماعية مختلفة ولكن الكل تناسوا همومهم وهرعوا للوقوف يدًا بيد.. هل كنت تقصدين أن الهدف الأكبر أسمى من كل الأهداف الصغيرة؟
- المصريون ليسوا كتلة صماء، نحن نشبه بعضنا، كل مصرى جاء بخلفية ثقافية مختلفة، بمستوى اجتماعى مختلف، وهذا التباين يظهر فى كل شىء، ونحن أصحاب تنوع كبير جدًا، تنوعنا يشبه الأرض الزراعية، تجد فيها القطن بجوار القصب بجوار المانجو والذرة والجميز والصبار، نحن نشبه هذا التنوع، لكننا ننتمى لنفس الأرض، فشخوص الرواية بها هذا التنوع أيضًا، الخادمة التى تريد النزول للثورة لأنها صاحبة رؤية، الدكتورة وكل الشخوص تريد النزول لهدف أسمى من الأهداف الشخصية، هذه هى تركيبة المصريين، ولهذا أقول إن ثورة ٣٠ يونيو تشبه المصريين والمصريون يشبهون «٣٠ يونيو».

■ ذكرت فى النهاية قصيدة عظيمة فى حب مصر.. ماذا أردت أن تقولى من ورائها؟
- الإخوان يشبهون «سوس الخشب» الذى ينخر فى الكرسى ولا تراه، ثم ينهار الكرسى، هم تسللوا للنسيج المصرى، لكنهم لا يشبهوننا، وكانت هذه خطورة المواجهة، خطورة الرؤية، خطورة الانتباه، أنت تحارب عدوًا لا تراه، يتكلم بطريقتك، ويعبر كما تعبر، وجارك فى المنزل، وفى نفس الوقت يستخدم النزعة الدينية وحب الله عند المصريين، ورغم أدوات الخديعة لكن المصريين تأكدوا أن شرهم مطلق، وخافوا من يوم يستيقظون فلا يجدون مصر وقد نخرها السوس، ولهذا انتبه المصريون لهم بوعيهم الفطرى، بقلوبهم وثقافتهم، وإذا انتبه المصريون لعدوهم فلا تخف عليهم.