سـطر مسلح.. محمود الشناوى: الراوية تحذر من مخطط حرق النيل كما احترق دجلة

- الرواية تنقل تحذيرًا من الدول المنهارة للمصريين: «شغلونا بالدم ويشغلونكم بالهم!»
- «سطر مسلح» تثبت أنه لولا الجيش كنا هنبقى زى العراق
- جيشنا «جيش وطن» وليس «جيش حاكم» وهو درع مصر مهما تغيرت الأنظمة
- الجيش منع تحول مصر إلى «ساحة حرب مفتوحة» برعاية جماعة «الإخوان»
حول تجربة الصحفى «يوسف» فى العراق، ثم سفره إلى مصر لمحاولة مقاومة ودفع الخطر الذى ينتظر الجميع، بعد علمه بما يُحاك ضد «أم الدنيا» من مؤامرات، خاصة خلال فترة حكم جماعة «الإخوان» الإرهابية، تدور أحداث رواية «سطر مسلح» للكاتب محمود الشناوى.
يعرج «الشناوى»، خلال أحداث الرواية على ثورة «30 يونيو»، مستعرضًا ما سبقها من أحداث، ومُقدمًا تصورًا مرعبًا لما كانت ستعانيه مصر لولا قيام هذه الحركة المباركة، التى هب فيها المصريون دفاعًا عن وطن علّم البشرية كلها كيف تكون الحضارة.
عما حدث فى العراق منذ سقوط بغداد، وصولًا إلى فترة حكم جماعة «الإخوان» فى مصر، ثم قيام ثورة 30 يونيو 2013، وغيرها مما تضمنته رواية «سطر مسلح»، يدور حوار «حرف» التالى مع الكاتب محمود الشناوى.

■ فى روايتك «سطر مسلح» شرحت باستفاضة حال مصر بين الفوضى والجماعات الدينية.. كيف ترى محاولات هذه الجماعات لاستغلال الفوضى لصالحها بالزيف والخداع؟
- المصالح والمال الحرام واستغلال النفوذ جمعت بين «الحكام الطارئين»، ومن يدين لهم بالولاء، فهؤلاء المتاجرون بالدماء والدين والتاريخ لا يقيمون أى وزن لأى قيمة إنسانية أو أخلاقية، لا يفهمون إلا لغة القوة والمصالح، يدوسون فى سبيل ذلك أى عائق، يحرقون أى أرض، يسفهون أى رمز، لو وقف الهرم فى طريقهم، هم مستعدون لتدميره بشتى الوسائل!
هكذا كان منطقهم الذى يتفاخرون به، هكذا كانوا يضحون بالغالى والنفيس لأجل البقاء مسيطرين نافذين، تستهويهم دموعُ المعذبين، تطربهم آنات المقهورين، تصعد بهم إلى سماوات شاسعة مفتوحة جراح المُغرَر بهم، تجمعهم الكوارث وتوحدهم المصائب، تصحو أيامهم على أنغام الجموح إلى الرذيلة، وتنتهى لياليهم بحسابات المكسب المتضخم من خسارة أرزاق وأرواح لأبرياء حالمين يريدون الهروب من مصير أيامهم الجرداء ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا.
بنوا أمجادهم فوق خرائب البلاد، وجمعوا ثرواتهم من بين جماجم العباد، لا قانون يحكمهم، لا شرع يخفض سقف طموحاتهم، لا وازع من أى نوع يكبح جماح شهوتهم نحو المال والنفوذ، يجوبون ساعات النهار يلتهمون كل ما تخرجه الأرض من رزق، يسهرون الليل يقضمون كل ما نهت عنه الرسالات من محرمات، ثم يصحو الناس على آثار جرائمهم شاخصة لتصبح مادة ثرية لحكايات ما قبل النوم، التى تتعدد مفرداتها لتصف مشاهد القبح والفساد والرذيلة.
■ تحدثت فى الرواية عن واقع العراق، بحكم التجربة الصحفية لبطلها «يوسف».. هل تعتقد أن الأجواء فى مصر مشابهة لما حدث فى العراق؟
- نعم. أذكر أننى التقيت ضابطًا عراقيًا شابًا من أهل الجنوب، فى الأسبوع الأول من مارس ٢٠٠٣، أى قبيل غزو العراق بنحو أسبوعين، خلال عودتى إلى بغداد قادمًا من الأردن، وسألته: «ما الذى ستفعله أنت ورفاقك عند بدء القتال؟»، وكانت إجابته واضحة صريحة صادمة، قال دون تفكير: «عندما تنطلق الرصاصة الأولى لن تجد من يرد عليها، لأننا سنخلع الزى العسكرى ونعود إلى أهالينا.. لن ندافع عن صدام حسين ونظامه، يكفى ما جرى لنا، سنتركه ليواجه مصيره ويدافع عن أملاكه. أما نحن فليس لنا فى العراق شىء ندافع عنه».
هذا الفارق الأساسى بين «جيش الوطن» و«جيش الحاكم»، فالجيش المصرى هو «جيش الوطن»، عماده ودرعه، مهما تغيرت الظروف أو انهار النظام. أما بعد انهيار الجيش العراقى الكبير، تبخرت تنظيماته وعناصره وقياداته، وتفشت موجة من الانفلات المصاحب لانهيار سلطة الدولة، أنتجت أنماطًا سلوكية ظهرت فى تصرفات قطاعات من الصبية وأجيال أخرى تعبر عن خروج فاضح عن أبسط الالتزامات والأخلاقيات التى تعارف عليها العراقيون، يرسم توجهاتها لصوص محترفون.
من هذه الممارسات الخطرة، ما قامت به جماعات من متعهدى «عمليات الحواسم»، من تجنيد لمجموعات الصبية المتشردين لتوكل إليها عمليات سرقة، ومن هنا تكررت حوادث تسلق هذه المجموعات أبراج الضغط العالى للخطوط الكهربائية، فى مناطق فقيرة تقع شرق العاصمة بغداد. كان هؤلاء الصبية يقطعون الأسلاك الكهربائية ويحملونها معهم، تاركين وراءهم الانقطاعات الكهربائية فى هذه المناطق.
أما فى مصر، فربما نذكر عمليات السلب والسرقات التى تعرضت لها مناطق شاسعة ومولات مشهورة، عقب الفوضى التى أعقبت أحداث ٢٥ يناير، لكن الجيش كان حائط الصد، فضلًا عن المجموعات الشبابية التى أطلقت على نفسها «اللجان الشعبية»، وتولت حماية المناطق المحلية.
لذا فإن الجيش المصرى العظيم كان وسيبقى الدرع والسند والراعى للمواطنين، وقبلهم الوطن، هو الذى حافظ على الوطن سالمًا موحدًا، رغم كل الخطط المرسومة لتحويل مصر إلى ساحة حرب مفتوحة، تتعدد فيها الولاءات وتفتتها الانتماءات، برعاية تنظيم «الإخوان» الإرهابى، حتى تكون لقمة سائغة يتم تجيير قرارها لصالح القوى الدولية.
هذا النفق المظلم الذى رسمه الأعداء المتربصون لنا، حتى نعيش كابوسًا لن ينتهى مهما جرت بحور الماء. ولولا قبول القائد عبدالفتاح السيسى التفويض الشعبى لوقف نزيف الخراب، ووأد خطط الإرهاب المتأسلم، وانبثاق فجر ٣٠ يونيو، لما بدأت مرحلة الخلاص من حكم جماعة «الإخوان» الإرهابية، التى اعتبرت الشعب والجيش والقيادة أعداءً يقفون فى خندق واحد.

■ «سطر مسلح» لم تكن مجرد رواية تمر على الأحداث بقدر ما تحللها.. هل قصدت التأريخ لما قبل وبعد الثورة وارتباط مخططات إنهاك واستعمار مصر بما حدث مع العراق؟
- نعم، أردت ذلك لأن بداية تخريب المنطقة بشكل عملى كانت من العراق، الذى كان ميدانًا جيدًا لتجريب ما يفيد لتفتيت الدول العربية، كل على حدة. لم يحدث أن انهارت دولة فى العصر الحديث كما انهارت الدولة العراقية. ربما حدث ذلك لأنها قبل الانهيار لم تكن دولة ذات أركان ثابتة تمنعها من الانهيار المدوى، الذى ربما لم يكن مفاجئًا للكثيرين.
ما حدث فى العراق يوم ٩ أبريل «سقوط بغداد» يشبه الزلزال المدمر الذى أتى على كل شىء: السياسة والأمن والاقتصاد والأخلاق، والنظام الاجتماعى. وجميع التداعيات التى شهدها العالم العربى بعد هذا التاريخ ما هو إلا هزات ارتدادية لزلزال انهيار الدولة، وتساقط منظوماتها وثوابتها طوال العقود المنصرمة.
كان سقوط تمثال صدام حسين، من فوق منصته فى ساحة «الفردوس» وسط العاصمة بغداد، مشهدًا هوليووديًا خُطط له بعناية، ونُفذ بأحدث التقنيات، كمؤشر على نهاية عصر بكل منظوماته وأبطاله ورموزه، وبداية عصر جديد مختلف فى كل شىء، عصر له قوانينه الخاصة التى لم يعدها أصحاب البلاد، ورموزه الخاصة التى انتصرت للطائفة والقومية، وكرست قاموسًا جديدًا يليق بالحكام الجدد.
خارطة العراق بمحافظاته ومدنه وأحيائه وشوارعه وأزقته بدت بحلة وأسماء وتفاصيل جديدة، شوارع ومناطق أُغلقت بالكامل، وأشهرها المنطقة التى كانت تضم القصور الرئاسية، والجسر المعلق فى الكرخ، وأطلق عليها الحكام الجدد «المنطقة الدولية»، أو كما هو معروف إعلاميًا بـ«المنطقة الخضراء». كما تم تغيير أسماء مناطق أخرى لتناسب نجوم العصر الجديد، مثل «مدينة صدام» أو«الثورة» التى صار اسمها «مدينة الصدر المنورة»، بعد أن أصبحت رمزًا لشيعة جنوب النازحين إلى بغداد إبان حكم الرئيس الأسبق عبد الكريم قاسم، ومعقلًا رئيسيًا لأنصار التيار الصدرى صاحب النفوذ الجارف، وجيشه الجرار «جيش المهدى».
كما تم كذلك تغيير أسماء مدارس أو شوارع أو مناطق أو أحياء كاملة، مثل حى «٧ نيسان» الذى يقع شرقى بغداد، وسُمى على تاريخ تأسيس حزب البعث العربى الاشتراكى، الذى كان يتزعمه صدام حسين، وحكم العراق لمدة ٣٥ سنة، ليصبح بعدها اسمه «٩ نيسان»، وهو يوم دخول القوات الأمريكية إلى قلب بغداد، والإعلان رسميًا عن انهيار نظام «صدام»، الذى يعتبره الشيعة العراقيون أو غالبيتهم عدوًا لدودًا استحق التخلص منه الاستعانة بالقوة الأجنبية، وتحويل العراق إلى بلد محتل، تمهيدًا لتغيير احتاج المزيد من الوقت حتى تتبلور صورته النهائية.
وللعلم، أورث ضعف العراق فى هذه الفترة دورًا مهمًا ومؤثرًا لإيران برعاية أمريكية. فى كل فشل أمريكى بالعراق، تنجح طهران ويكبر دورها وتزداد قوتها، وما يحدث اليوم ما هو إلا أحد تداعيات تغول الدور الإيرانى فى العراق والمنطقة.
■ أنهيت الرواية بالتزامن مع اندلاع ثورة «٣٠ يونيو».. هل قصدت أن الثورة هى بداية مرحلة جديدة، بعد القضاء على الجماعة الإرهابية؟
- قبل انطلاق ثورة ٣٠ يونيو، بدت الساحة مفتوحة أمام شهوة التغيير وفك قيد الوطن، ليبدأ عهد يعيد الحقوق وينهى كابوسًا كادت تفتك وقائعه بالجميع، يترقب حصاد النور وناتج جمع أرقام الخسارة وأصفار النهايات. كانت الملفات متخمة بالخرائب، ضمائر، ذمم، قلوب غاب عنها النبض، نفوس ضاعت منها الروح، رجفة الخلاص ليعود النبض إلى القلوب، أو ينتهى تدفق الدماء فتموت!
أصبح الباب مفتوحًا على مصراعيه لقنص رءوس الفساد التى حان وقت قطافها، التقت رغبة الشعب مع القيادة والجيش للتخلص من نظام «الإخوان» الإرهابى، وقامت الثورة ليحصد الناس ثمار الصبر والإخلاص للوطن والمبدأ والدين، بعد أن ظل التنظيم الإرهابى راكدًا على صدر الوطن، ثقيل اليد سليط اللسان على كل شريف، قبل أن تنهض عصابة الأخيار لتبنى هذا الوطن، بعد الإطاحة بعصابة الأشرار.
■ فى النهاية، كان «يوسف» نقطة النور التى تحاول إنقاذ العميان من مصير يعرفه، لم يستسلم للغواية، وكان طرفًا من خير فى المعادلة.. هل قصدت به أن الخير باقٍ رغم الشرور؟ وهل أنت «يوسف»؟
- نعم، أنا «يوسف» مع اختلاف بعض التفاصيل، أنا من الجيل الذى تربى على إعلام المسئولية الاجتماعية، درست فى كلية الإعلام بجامعة القاهرة على يد أساتذة كبار، علمونا أن الصحفى قائد رأى فى المجتمع، يمثل أحد أهم عناصر القوة الناعمة للدولة، تحميه وتفرد له مساحات من الحضور المؤثر، وتحجز له موقعًا متقدمًا فى معركة الوعى، وتمنحه من الأسلحة ما يمكنه ويساعده على القتال فى حروب الجيل الرابع الشرسة، فحروب اليوم بلا رصاص ولا دماء، لكنها أشد فتكًا من الحروب النووية.
المصريون أطواد شامخة وقواعد ثابتة وجسور خير تحمل للعالم كل قيم الإنسانية، وتحمل عن العالم كل مآسى المؤامرات، وتحارب الإرهاب بكل صوره نيابة عن العالم. وتاريخ مصر يكرس مبدأ الحماية باعتبارها الصخرة التى تحطمت وسوف تتحطم عليها كل المؤامرات، تتوقف عندها سيول الدمار، وتحالفات الغدر، وفلول الكراهية والحقد الأعمى، التى يمكن أن تدمر المنطقة والعالم إذا عبرت تلك الصخرة، منذ الحيثيين والهكسوس والمغول، وغيرهم من المعتدين بيننا وبين تجربة العراق وغيرها من الدول التى انهارت الجيش المصرى، فهذه المؤسسة المحمية برعاية الله وبركات اللحمة الوطنية مع الشعب، هى حائط الصد والسد المنيع والجدار الـأخير الذى يمنح المصريين قوة الصمود وبأس المواجهة ضد أى عدوان، أيًا كان مصدره او شكله أو آلياته.
تركيبة القوة السرمدية التى شكلها ذوبان الجيش والشعب والأرض فى شريان واحد ليس لها مثيل فى العالم، وما زالت قاعات الدرس ومراكز البحث عاجزة عن سر تلك التركيبة الصامدة منذ آلاف السنين، والتى تزداد قوتها وتتسع مساحتها يومًا بعد يوم.
■ أثناء عمل «يوسف.. بطل الرواية» فى العراق كصحفى قابل «الملا كاظم».. ودار بين الاثنين حوار ثرى.. ما كواليس هذه الشخصية؟
- «الملا كاظم» المقصود به الملا ناظم الجبورى، وهو الرجل الرابع فى تنظيم «داعش» الإرهابى، بعد أبى مصعب الزرقاوى، والحوار الذى دار معه فى الرواية جاء لبيان حقيقة ما يجرى ويتم التخطيط له، ليس للعراق فقط، ولكن لباقى المنطقة، بهدف إغراقها فى صراعات مسلحة تحت عناوين: «الدين» و«الطائفة» و«الحرية» و«الديمقراطية»، وما يمكن أن يستهوى الدول المجاورة من مسميات وعناوين تصلح لبسط نفوذ المجموعات الدينية والعرقية، ومد أجل الصراعات إلى ما لا نهاية، حتى يتم فناء العباد بعد تخريب البلاد.
قال الرجل لـ«يوسف» فى الرواية: «قريبًا سيحترق النيل كما احترق نهر دجلة. دخلوا إلينا كمجاهدين يسعون لمحاربة الاحتلال الأمريكى وقتل الصليبيين، ثم ما لبثوا أن أعملوا الذبح والقتل فينا، لا بلد بعيدًا عن المؤامرة، خدعونا بالجهاد، وسوف يخدعونكم بالحق والعدل والحرية»، قبل أن يضيف كلمته الأثيرة: «شغلونا بالدم.. وسوف يشغلونكم فى مصر بالهم!».