روايات الثورة.. حرف تحاور كُتاب أبرز روايات ثورة المصريين لإسقاط «الإخوان»
الحب فى زمن الثورة.. هانى دعبس: «عمر وسمر» قصة حب حقيقية قُتلت برصاص «الإخوان»

- أحداث «محمد محمود» كانت أول دليل على خيانة «الإخوان»
- رأيت فى الثورة «العاشق الأعور» الذى يفعل المستحيل كى يفوز بحبيبته
- قتلة «الإخوان» هم «اللهو الخفى» الذى كان يصيد المتظاهرين ويلصقها بالأمن
- الجماعة أطلقت ميليشياتها على الثوار وقادتها تفرغوا لحصد مكاسب الانتخابات
فى الأحداث الكبرى من عمر الوطن تتداخل السياسة مع القصص الإنسانية والتفاصيل اليومية للبشر، فما بالك بثورة 30 يونيو التى شهدت تلاحم جميع فئات الشعب للخلاص من حكم الظلام؟
من هذا المنطلق يرسم الروائى والكاتب الصحفى هانى دعبس، فى روايته «الحب فى زمن الثورة»، لوحة إبداعية تجمع بين نبض القلب وصدى الشارع، من خلال قصة حب ملتهبة بطلاها «عمر وسمر»، والواقع المحيط بهما وهو «ثورة 30 يونيو» بكل ما شهدته من لحظات فارقة.
«حرف» التقت مدير تحرير «روزاليوسف»، فى حوارٍ شيق ناقش خلاله تفاصيل روايته، ورؤيته للأدب والصحافة، وكيفية توثيق اللحظات التاريخية عبر السرد الروائى، فإلى نص الحوار.

■ روايتك أرّخت لثورة ٣٠ يونيو ولإرهاب «الإخوان».. ما أبرز ملابسات كتابتها؟
- هذه الفكرة سيطرت على ذهنى لأشهر طويلة، عندما ترى الدماء تسيل فى ميادين مصر وشوارعها، وتكون على علم بالجانى، فلا بد أن تتحرك وتكشف جرائمه وترصدها.. فنحن كصحفيين لا نملك إلا حق نقل الوقائع دون إبداء الرأى إلا فى مكانه المخصص، والذى غالبًا لا يكفى لنقل ما تريد قوله جملة وتفصيلًا.. وكنت إبان الفترة ما بين ثورتى ٢٥ يناير و٣٠ يونيو أتشرف بالإشراف على تحرير الصفحة الأولى فى جريدة «روزاليوسف» بخلاف عملى الميدانى فى ذات الوقت ومشاركتى فى الأحداث التى كانت تتأجج فى الميادين يومًا بعد الآخر بصفتى الوطنية أولًا ثم الصحفية، لذلك أتيحت لى الفرصة لرؤية الأحداث عن كثب، والتعرف عن ماهية «اللهو الخفى» الذى كان يقتل المتظاهرين بالرصاص الحى من مسافات قريبة حتى يلصق فعل القتل بالأجهزة الأمنية وقتها، وهم بالطبع «قتلة الإخوان» الذين كانوا يندسون بين الشباب الثائر ليُسقطوا ما استطاعوا من القتلى حتى تشتعل الأحداث وتتفاقم الأزمات أمام المجلس العسكرى الذى كان يحكم زمام الأمور فى هذه الفترة، وبالتالى تتحقق أهداف الجماعة للوصول إلى السلطة.
كل هذا كان وراء قرار كتابتى الرواية، فعندما ترى أصدقاءك يتساقطون من حولك بالرصاص الغادر، ويرحلون واحدًا تلو الآخر وسط مئات الضحايا، لا بد أن تتحرك لتروى بطولاتهم وتشير إلى الجناة، وهذا ما لا تتسع له مساحتك الصحفية، لذلك وجدت أن الحل هو إصدار رواية تؤرخ هذه الفترة العصيبة فى التاريخ المصرى، وهى أقل ما يقدم للشباب الذين قدموا حياتهم من أجل غد أفضل لمصر، غد يخلو من «إرهاب الإخوان».
■ الرواية تحدثت عن قصة حب «عمر وسمر».. هل بنيت هذه القصة على وقائع حقيقية أم كانت مدخلًا للحديث عن الثورة؟
- قصة حب «عمر وسمر» لم تكن مدخلًا لبناء الرواية فقط، لكنها قصة حقيقية عشت تفاصيلها عن قرب، ورأيت كيف تحملت بطلتها بعد قتل حبيبها بالرصاص فى جمعة الخلاص من حكم الإخوان، ليلحق بعشرات الشهداء الذين سقطوا خلال الأحداث على يد شباب التنظيم الإرهابى، ورغم حزنها وألمها الشديد لم تستسلم هذه البطلة وظلت تكافح فى الميادين حتى سقوط الإخوان.
ولأن قصة الحب الحقيقية ولدت فى الأجواء الثورية بالفعل، وتحديدًا خلال أحداث شارع محمد محمود فى ٢٠ نوفمبر ٢٠١١، الذى يعتبر اليوم الأكثر دموية فى مواجهات ميدان التحرير، وهو اليوم الذى شهد أيضًا أول دليل على خيانة «الإخوان»، عندما أطلقوا ميليشياتهم لتطلق النار على الثوار، بينما تفرغت قيادات الجماعة للضغط على الحكومة لضمان إجراء الانتخابات البرلمانية فى موعدها ليحصل التنظيم على مكسبه الأول بضمان الجلوس تحت قبة البرلمان.
منذ هذا اليوم كشفت جماعة الإخوان عن وجهها الحقيقى، وتوالت جرائمهم الخسيسة التى كانت ترتكب بكل الوسائل، سواء بالقتل المباشر أو التحريض عليه، أملًا فى الوصول إلى غايتهم فى حكم البلاد، وهو ما تحقق على حساب الشهداء الذين خرجوا إلى الميادين بحثًا عن العيش والحرية والعدالة الاجتماعية.
وما بين لقاء «عمر وسمر»، وبداية قصة حبهما ونهايتها بقتل البطل بدم بارد، ورحيل «الإخوان» فى ٣٠ يونيو، عشرات الأحداث التى كان يلزم توثيقها، لهذا ركزت فى الرواية على تأريخ هذه الفترة بعين فاحصة للأحداث ومدققة فى المستفيد الأول منها.
■ تحدثت عن فظائع «الإخوان».. كيف ترى ثورة ٣٠ يونيو من واقع إلمامك بالمشهد؟
- «٣٠ يونيو» ثورة على القتلة، على جماعة اتخذت من الدين ستارًا ومن الدماء عقيدة ووسيلة للوصول إلى أهدافها.. ولا أعلم كيف تناسى الجميع بعد ٢٥ يناير التاريخ الدموى للإخوان، وكيف نسوا كلمات سيد قطب فى كتابه «معالم فى الطريق»، الذى يصم فيها المجتمع المصرى بوصمة المجتمعات الجاهلية، بل وينكر إسلام المصريين وإن صلوا وصاموا وحجوا البيت الحرام، ويطالب جماعته بهدم وتقويض تلك المجتمعات التى يصفها بالكافرة ليقيموا على أنقاضها المجتمع الإسلامى.
هذه الكلمات لم تكن مجرد دعوة للعنف، بل منهج سار عليه كل أعضاء التنظيم الإرهابى على مدار سنوات طويلة، منهج منح التكفيريين ساحة متسعة من التشدد الدموى بدعوى إقامة المجتمع الإسلامى، ليبذلوا ما أوتوا من فتاوى سوداء فى سبيل إلصاق الكفر بالمجتمع، واضعين البذرة الأولى للإرهاب فى مصر، والتى أخذوا يروونها إلى أن امتدت فروعها فى الزوايا الصغيرة بالمناطق العشوائية، لتبدأ فى جذب أعضاء جدد يهربون من الفقر والكبت إلى الجهاد المزعوم فى سبيل نصرة فكرهم المتشدد.
والمدقق فى المشهد يرى تفاصيل كارثية من خلال الربط بين الأحداث التى كانت تشتعل فى الميادين قبل وصول الجماعة إلى الحكم، والمكاسب التى كانت تحققها فى سبيل تحقيق غاياتها.
والحقيقة أن مكيدة «الإخوان» فى الثورة المصرية بدأت مبكرًا، وتحديدًا فى يوم ٢٨ يناير ٢٠١١، فلم يلتفت أحد وقتها إلى المخطط المحكم لاقتحام السجون، ولم يسأل أحد عن القوة الخفية التى استطاعت أن تخرج قيادات الجماعة الإرهابية من غياهب الزنازين المظلمة، ليعودوا إلى المشهد ويرتبوا أوراقهم ويبدأون ممارسة الضغط السياسى تزامنًا مع تحركهم على الأرض للحشد، ودس القتلة بين صفوف المتظاهرين، وفى الوقت ذاته بدأ مخططهم لاستغلال فقر البسطاء مع اقتراب الانتخابات البرلمانية؛ ليحصلوا على أصواتهم مقابل منحهم ما يسد أفواه أبنائهم الجائعة، فضلًا عن اتخاذهم الدين سبيلًا للوصول إلى غاياتهم؛ باللعب على النزعة الدينية التى تملأ نفوس المصريين، إلى أن تسلموا مقاليد الحكم لتذهب كل وعودهم سدى، ويبدأوا فى الكشف عن وجههم الحقيقى؛ الدموى والمستغل.
■ كنت شاهدًا على واقعة اغتيال صديقك الصحفى الحسينى أبوضيف.. كيف رأيت ذلك؟
- الحسينى أبوضيف ليس مجرد مصور أو ثائر، ربطتنى به صداقة وثيقة منذ بدايات عملى الصحفى حتى رأيته يسقط شهيدًا أمام عينى، فهو فكرة لا تموت، صوت للفن العاقل، وصورة للإنسان المثقف، وعنوان للشغف والدأب، والإخلاص فى عمله والتفانى فى مهنته؛ لهذا كان أول من أهديت إليه روايتى، ولا أبالغ أن للحسينى دورًا حاسمًا فى ثورة ٣٠ يونيو، رغم استشهاده قبل اندلاعها بنصف عام، فالفقيد كان رحيله مفجعًا وسط الأوساط الصحفية، ومؤثرًا فى قلوب فئات عديدة من المصريين الذين استوعبوا وقتها دموية الإخوان وبدأوا فى رؤية جرائمهم، وهو نفس السبب الذى كان وراء استشهاد «الحسينى»؛ عندما كان يوثق بعدسة الكاميرا جرائم الجماعة فى أحداث الاتحادية الأولى- ديسمبر ٢٠١٢- التى اندلعت على خلفية إعلان دستورى أصدره المعزول محمد مرسى، أو قل بالأحرى «انقلاب دستورى»، حيث أضفى «مرسى» بمقتضاه سمات الألوهية على قراراته، فأصبحت لا تقبل الطعن أو الوقف أو حتى الجدل فيها، وبسبب هذا الإعلان اشتعلت المظاهرات المناهضة لحكم الجماعة، وسقط ٧ شهداء بينهم «الحسينى» الذى سقط برصاصة غادرة أطلقتها «ميليشيات الإخوان» لتستقر فى رأسه، قبل أن يحطم القتلة كاميرا الشهيد، التى وثق بها جرائمهم.
وأهديت روايتى أيضًا لأرواح الشهداء عماد عفت ومحمد كريستى ومحمد الجندى، وهم رجال مخلصون لوطنهم قُتلوا غدرًا فى أحداث متفرقة برصاص «الإخوان». وأضفت فى إهدائى جملة «ومَن سبقوهم ومَن لحقوهم» لأن ضحايا التنظيم الإرهابى لا حصر واضحًا لهم حتى الآن؛ فلا أحد قادرًا على تتبع جرائمهم التى حدثت وسط اشتعال الأحداث، فضلًا عن نجاحهم فى إلصاق مسئولية تلك الجرائم بجهات عديدة خلال الفترة بين ٢٥ يناير حتى ثورة ٣٠ يونيو، لكننى من واقع تقارير الطب الشرعى التى صدرت فى تلك الفترة؛ أستطيع التأكيد أن هناك عشرات من الشهداء سقطوا على يد «ميليشيات الإخوان»، ومنهم مسئولو الصفحات المناهضة للجماعة على مواقع التواصل الإجتماعى، حيث سقطوا قتلى وسط المظاهرات المتفرقة بنفس الأسلوب، والدليل تقارير الطب الشرعى التى أرجعت سبب وفاتهم إلى اختراق الرصاص أو الخرطوش رءوسهم وصدروهم بعد إطلاقه من «مكان قريب»، ما يكشف عن أن المندسين من الإخوان كانوا يستهدفون مناهضى الجماعة خلال المظاهرات.

■ هل توثيق جرائم الجماعة كان الهدف الرئيسى من كتابة الرواية؟
- إذا كانت «الحب فى زمن الثورة» صنفت على أنها أول عمل أدبى يؤرخ للثورة المصرية، فلأن النواة الرئيسية للسرد كانت ذات خلفية حدثية ثورية من واقع ما شهدته الميادين، لكن تلك النواة اتسعت لتشمل عدة أبعاد تؤرخ للحياة فى مصر طوال الخمسة عقود السابقة للثورة، وما شهدته تلك الحقبة من أزمات مجتمعية أدت فى النهاية إلى الثورة.. فالرواية تُجسد أحداث الثورة المصرية من خلال مواقف جمعت الحبيبين، لكنها تمتد إلى جيل الآباء، حيث نرصد معاناة هذا الجيل لتحولات المجتمع بمرور كل عقد من السنوات، لهذا لم تخلُ الرواية من العمق التاريخى، حيث رصدت التغيرات التى طرأت على المجتمع منذ نكسة ١٩٦٧، فى محاولة لإيجاد الأسباب التى أدت للتراجع فى مجالى التعليم والصحة، وانتشار الفساد والفقر والمرض، واشتعال أزمة البطالة، وكذلك دور الجماعات المتطرفة فى استقطاب صغار السن لتربيتهم على الفكر المتشدد.
■ كيف يرى النقاد روايتك؟
- صنّف النقاد الرواية على أنها من روايات «الحب والحرب».. وهذا تصنيف يجعلنى أشعر بأننى قد أوصلت الرسالة التى أحملها بين سطور روايتى.. وهى أن الحب لا يموت بالحرب، فالحب الحقيقى لا يموت وسط الثورات والحروب والكوارث، ويظل أبطاله رمزًا لقصص تبدو أسطورية، لكنها واقعية، وقد يصادف الحظ البعض لرؤيتها عن قرب، وهذا ما حدث فى الثورة المصرية، فكم من امرأة فقدت زوجها لكنها ما زالت تعيش على ذكراه حتى الآن، هذه قصص ستظل باقية طوال الزمن لنرويها لأبنائنا جيلًا بعد جيل.
ورغم الرومانسية القائمة على فكرة الحنين والفقد فى الرواية، نجد نماذج أخرى لقصص حب كانت تبدو مستحيلة لكنها اكتملت رغم ما واجهته من مصاعب، فنجد العاشق الأعور الذى يفعل المستحيل كى يفوز بحبيبته، والفتاة الفاتنة التى ظلت ٢٥ عامًا تنادى بـ«أم أحمد»، رغم عدم زواجها من الأساس لكنها كانت على يقين من عودة حبيبها مهما طال انتظارها.
■ بما تصنفها أنت؟
- «الحب فى زمن الثورة» رواية تندرج تحت الواقعية التسجيلية، بمعنى أرشفة الفعل الثورى المضاد بكل بسالته وتضحياته، الموجّه نحو فترة الحكم الإخوانى بكل ما احتوت من تشوهات وتناقضات، حسب المنظور النصى والذهنى. وتصنيفها من روايات «الحرب والحب» جعل من اجتماع هذين الضدين سبيلًا لخلق سلسلة من المتواليات السريعة المتصارعة، لذلك كان لا بد من تصويرها نصيًا بطريقة تصل للقارئ كأنها كادرات بصرية، فالصراع هنا مقدس ومدنس أيضًا، وما بين المقدس والمدنس خيط واهن وتحولات زمنية لحظية، وحرصت على امتدادها تفصيلًا بالسرد لكشف حجم التنقل بين الزيف والوعى، وحقيقة اليقظة وتشوهات الحلم، واقتراب الفضيلة من الرذيلة حتى يصعب التمييز بينهما.

■ استخدمت «التقنية المشهدية».. هل كنت تقصد الكتابة بلغة السينما؟
- تلك التقنية المشهدية، بجانب استخدام «الفلاش باك»، ساهمت فى سهولة تنقل السرد من حقبة إلى أخرى، وزادت من التشويق للأحداث والفصل بين الشخصيات والأماكن، لهذا اعتمدت على بعض تقنيات السرد الحديثة من حيث القطع والاسترجاع والتداعى الحر، وتقسيم العمل إلى فصول، كل فصل له عنوان فرعى خاص يمثل أركان الرواية لكشف دلالات الشخوص والمكان والزمان، بلغة حاملة وناقلة، وبسيطة فى مواضع عديدة؛ قد لا تهتم كثيرًا بالاستعراض اللغوى الاستعارى والمجازى بقدر اهتمامها باستعراض الأحداث وأبطالها وتضحياتهم.. وهذا لا يفى بعضًا من حقهم.