الأحد 17 أغسطس 2025
المحرر العام
محمد الباز

مسعود شومان: «شعراء الستيدج» حولوا الشاعر لـ«بلياتشو» و«ستاند أب كوميدى»

حرف

- كبار كُتاب التترات لم يمكنوا جيلى فجاء غير الموهوبين و«قعدوهم فى البيت»

- شعر العامية مظلوم من النقاد والجوائز والشعر شعر كان عامية أو فصحى

- جائزة التفوق جاءت وأنا فى أشد احتياج لاقتراب خروجى للتقاعد

لم يكن فوز الشاعر والباحث فى الأدب الشعبى مسعود شومان بجائزة الدولة للتفوق فى فرع الآداب حدثًا عاديًا، لذا قوبل بحالة احتفاء كبيرة من المثقفين وأبناء الجماعات الشعبية، كما يحب «شومان» أن يصفهم، والذين كتب كثير منهم أن هذا الفوز تأخر كثيرًا، لما لهذا الرجل من أبحاث ودراسات ودواوين فى شعر العامية.

ومسعود شومان له باع كبير فى القصيدة العامية، والبحث الميدانى فى تراث مصر الشعبى، وألف العديد من الكتب فى هذا المجال، إلى جانب كتابة تتر مسلسل «حضرة المحترم»، وأشعار الكثير من العروض المسرحية، طوال مسيرة تمتد على مدار 4 عقود. 

«حرف» التقت رئيس الإدارة المركزية للشئون الثقافية بالهيئة العامة لقصور الثقافة، للحديث عن كواليس فوزه بجائزة التفوق، بعد 17 عامًا كاملة من فوزه بجائزة الدولة التشجيعية، ورأيه فى وضع شعر العامية، إلى جانب كشف محطات من رحلته الطويلة فى جمع التراث الشعبى. 

■ فى التتر الذى كتبته لمسلسل «حضرة المحترم» قلت: «اطلع بقى يا نهار».. هل يمكن اعتبار الفوز بجائزة الدولة للتفوق ضمن «نهارات» مسعود شومان؟

- هناك «نهارات» كثيرة جدًا قابلتها فى حياتى، وهذه ليست أول جائزة، أنا فزت بعدة جوائز، كانت أولاها عام ١٩٨٨، حين تولى فاروق حسنى وزارة الثقافة، دشنت الوزارة جائزة كبرى باسم «نحو إبداع مصرى أصيل»، وفزت بها، وأنا لا زلت خريج جامعة حديثًا. 

كان من شروط هذه الجائزة أن أكون معهم فى الدورة الرابعة من مؤتمر أدباء الأقاليم، وبالفعل ذهبت معهم، وهناك عرفت لأول مرة الثقافة الجماهيرية، التى ربطتنى بها حتى صرت من عشاقها، وقابلت أساتذة أصبحوا أصدقاءً فيما بعد، منهم محمد مستجاب وأحمد مستجير وعفيفى مطر وسيد إمام.

وهناك جوائز أخرى بالطبع، منها جائزة قصور الثقافة، وجائزة أحمد فؤاد نجم، وصولًا إلى فوزى بجائزة التفوق، بعد ١٧ عامًا من نيلى جائزة الدولة التشجيعية.

■ تقدمت للجائزة ٤ مرات.. لماذا تم تجاهلك فى المرات السابقة؟

- ربما كان هناك منافسون يستحقون أكثر، ونتيجة ميل اللجنة نحو التنوع، أو أنهم رأوا أن هناك من هو أكبر منى سنًا وإنجازًا. الجوائز جزء من قدرك الأدبى، وهناك جوائز تأتى وأنت لست فى احتياج لها، لكن جائزة التفوق بالذات جاءت وأنا فى أشد الاحتياج لها، لأننى قاربت على الخروج للتقاعد.

أعتبر أن أى شىء جميل يحدث فى الحياة هو ضربة جزاء ضائعة، وسُجلت فى المرمى، وأنا طوال الوقت لا أعمل من أجل الجوائز، بل أجرى محاولات للتنبيه على أنى صاحب مشروع، فضلًا عن قراءة اللجنة لأعمالى، وهم من كبار الكُتّاب والمثقفين.

■ البعض عزا عدم فوزك طوال هذه الفترة لعملك فى قصور الثقافة.. ما تعليقك؟

- نعم، هذا يحدث غالبًا. وحقيقةً أنا لا أحسب نفسى على قصور الثقافة، وأتقدم كشاعر وباحث. هل مطلوب من العاملين فى وزارة الثقافة عدم التقدم؟ ما علاقة عمل المبدع الحقيقى بإبداعه؟ اللائحة المنظمة للجوائز لا تشترط عدم عمل المتقدم فى وزارة الثقافة، ثم إن هناك لجنة من كبار الكُتّاب للتحكيم، وقبلها لجنة لفحص الأعمال، بغض النظر عن اسم المتقدم.

معظم المتقدمين للجوائز يعملون فى وزارات وهيئات تابعة للدولة، فلماذا يُنظَر للمرشحين التابعين للثقافة هذه النظرة؟ المتقدم لا يتقدم بوصفه موظفًا فى الوزارة أو الجهة كذا، وإنما بصفته مبدعًا له إنتاج أدبى. لا أعرف لم هذه النظرة إلىّ الآن؟ وبالنسبة لى أنا من المثقفين وأبناء الجماعات الشعبية.

■ هذه نظرتك.. لكن نظرة الجميع تدين من يترشح للجائزة من وزارة الثقافة، أليس كذلك؟

- معظم المنتمين لوزارة الثقافة هم أدباء قبل أن يعملوا بها، ومن حق كل مبدع الترشح طالما إنتاجه يسمح بذلك، ينبغى أن ننظر للأمر نظرة موضوعية، وليست نظرة انتماء، ولعل هذه الموضوعية رأيتها فى احتفاء رواد مواقع التواصل الاجتماعى بفوزى، فقد كانت هناك مظاهرة حب عارمة لم أتوقعها من المثقفين وأبناء الجماعات الشعبية، وشعرت بأن هذه هى «جائزتى الكبرى».

بين المحتفين من قال: «فوزك بالجائزة تأخر كثيرًا». لكننى مقتنع بمقولة: «وقتما يجيئك الفرح افرح»، ولدى قصيدة تلخص هذه النظرة، أقول فى أحد أبياتها: «أنا كنت بسقى الورد علشان بحبه.. ومش طمعان فى رتبة جناينى».. فى العمل العام أسقى الورد دون انتظار رد الفعل، أو أن يقول أحدهم لى: «الله يا جناينى!».

■ ما الذى دفعك لدراسة الجماعة الشعبية حتى تحضير «ماجستير» و«دكتوراه» عنها إلى جانب كتابة شعر العامية أيضًا؟

- هناك مجموعة عوامل شكلت شخصيتى، أولها على الإطلاق أمى، فهى من حفظة التراث والموروث الشعبى، وكل ممارساتها متعلقة بالعادات والتقاليد، وملتزمة بما رسخته الجماعة الشعبية فى ذهنها، هى سيدة ذكية جدًا ربت ٩ بطون أنا أكبرهم، وطوال الوقت كانت «تُحصنّا».

العامل الثانى جدى لأمى، الذى كانت له خيمة فى الموالد، يستضيف فيها الناس ليأكلوا ويشربوا، ومن هنا تعاملت بشكل مباشر مع رواة السير والألوان والطبول، ورأيت الحرفيين والقماشين والنجارين والحدادين، وغيرها من مظاهر الموالد.

أنا ابن مدينة «متريفة» فى شبين القناطر، وإلى الأمس القريب كان هناك مولد «الولى الأكبر»، بما يتضمنه من «ليلة كبيرة» وتجار سلع مختلفة على عربات «كارو»، وهى مشاهد حُفظت فى وعيى، ورأيت أنها فى حاجة لمزيد من الفهم.

كل هذه دفعنى لمحاولة فك شفرة وغوامض هذه العناصر بطريقة علمية، ومن هنا دخلت إلى الكنز الأكبر: «الفلكلور» بكل ما يتضمنه من مظاهر، وبدأت أدرس «الأنثروبولوجى»، وحاولت أن أفهم الكثير من الأمور الغامضة بالعلم، وتكشفت لى العديد من الحقائق بالفعل.

■ معنى ذلك أن الدراسة جاءت بسبب رغبتك فى فهم ما هو غامض فى التراث الشعبى؟

- نعم، كانت هناك غوامض وشفرات وعناصر سحرية تحتاج لمزيد من المعرفة، لذا سافرت لجميع محافظات الجمهورية، وحفظت شوارع مصر بـ«السنتى»، ولعل ذلك ما يجعلنى أحلم دائمًا بإعادة «وصف مصر» من جديد، ليس عن طريق أبناء الحملة الفرنسية، بل من خلال أبناء مصر.

أتمنى أن تتبنى الدولة مشروعًا قوميًا لإعادة وصف مصر الآن، الأسواق والعمارة والفنانين الشعبيين والعادات والتقاليد، لأن هذا سيفيد الدولة فى رسم خططها التنموية، بعد أن تتعرف على منظومة القيم والعادات والتقاليد السائدة.

■ زرت المحافظات الحدودية وأجريت جولات ميدانية كثيرة.. ما الذى كونته من خلال أسفارك هذه؟

- أريد القول إنه كما توجد لدينا حدود جغرافية، توجد أيضًا حدود ثقافية، والحدود الثقافية هى التى تمنع كل مظاهر الغزو الثقافى من على الحدود، خاصة الغزو الثقافى المتمثل فى الفاشية الدينية، فإذا اهتممنا بـ«المُركَب الثقافى على الحدود»، سيُمثل هذا المُركَب سياجًا حاميًا لتلك الحدود، وسيكون خط الدفاع الأول عن حدودنا المصرية.

هذا الخط الثقافى عميق جدًا، ينبغى أن ننميه ونهتم به عند سكان الحدود، حتى ندعم حراس الهوية على حدودنا، فى حلايب وشلاتين وسيناء، وجنوب وشمال غرب وشمال شرق مصر، وهى المناطق التى لاقت النصيب الأكبر فى أبحاثى ودراساتى، وعلينا أن نعمق المعرفة بها وندعم تراثها لدعم الهوية.

■ هل هناك مشروعات معينة نفذتها فى إطار الحفاظ على تراث هذه المناطق؟

- مصر دولة عظيمة حافلة بكنوز من المبدعين والموارد والعناصر التراثية والحرف التقليدية، لذا كان علىّ الاهتمام بالهوامش، انطلاقًا من سؤال رئيسى لدى هو: كيف أحول الهامش إلى متن؟ لأنه كلما اهتممت بالهوامش تدخل فى اهتمام الدولة، التى لم تعد دولة مركزية، وإنما مهتمة بمواهبها على الأطراف.

حين ذهبت إلى أبى سمبل والعريش والوادى الجديد اكتشفنا مواهب متميزة جدًا، وأرى أنه لا يصح تنفيذ أنشطة تكرارية، بمعنى وضع نشاط معين وتنفيذه فى كل الأقاليم دون تمييز، وهذا خطأ، لأنه ينبغى أن يكون هناك نشاط منفرد يليق بطبيعة كل إقليم.

لو ذهبت إلى حلايب يجب أن تهتم بـ«الـباسنكوب»، وهى آلة موسيقية تشبه «السمسمية»، وفى أسوان تهتم بـ«النميم» والعادات والتقاليد، وهكذا كل إقليم بثقافته، ثقافة من الناس إلى الناس ونابعة من اهتماماتهم، دون أن تكون أنشطة فوقية.

■ فى قصور الثقافة لم تكتف باكتشاف المواهب فقط، بل عملت على رعايتها وتوظيفها.. هل تحدثنا عن ذلك؟

- طبعًا، المهم أن تجد لصاحب الموهبة مكانًا يساعده فى الاحتفاظ بموهبته، لذا نفذت برنامجين مهمين جدًا فى هذا السياق، الأول هو «مواهبنا مستقبلنا»، الذى يهدف لاكتشاف الموهبة ورعايتها، وذلك عبر فصول للموهوبين لمدة ٣ شهور، حتى تخرجهم فيها، ومن ثم إمداد الفرق الكبرى بهم، بما يضمن أيضًا استمرارية هذه الفرق، والثانى هو برنامج «مصر جميلة»، الذى نعيد فيه اكتشاف مصر، فنها والحرف التقليدية والرسم وغيرها.

■ تخرج على المعاش قريبًا.. هل هناك خطة لاستكمال مشاريع لم تكتمل؟

- نعم، لدى مشاريع كبيرة، منها «وصف مصر الآن»، الذى سبق أن بينت تفاصيله، ومشروع رسالتى للحصول على «الدكتوراه»، التى قدمتها عن ظاهرة مهمة فى المغرب هى «القناوة»، ومن المقرر أن أعيد كتابة الرسالة ونشرها فى كتابين، بما يسهم فى تعميق العلاقات بين مصر والمغرب، وتعريف القارئ ببعض المشتركات الثقافية بين البلدين.

كما أن لدى أكثر من ١٠٠٠ ساعة تسجيلات من الجمع الميدانى فى شرائط «كاسيت»، أعمل الآن على تحويلها إلى «ديجيتال»، ثم تفريغ ما بها وإصداره فى هيئة كُتب، وهى عن «الدوبيت» و«المجرودة» و«الشتاوة» وغيرها، فضلًا عن مشاريع تتعلق بحكايات الأولياء، وقرابة ٢٠ ديوانًا مكتوبًا لم تصدر بعد، إلى جانب مشروع كتاب أجمع فيه ما كتبه عنى النقاد.

■ لماذا توقفت عن كتابة «التترات» بعد تتر مسلسل «حضرة المحترم»؟

- أنا لم أتوقف، بدأت مبكرًا فى الـ٣٠ من عمرى، لكن هذه المساحة تحتاج إلى طاقة وقوة، وفى رأيى كتابة الأغنية صراع على كسب المال، وهذا الصراع يعنى الابتعاد عن الشعر، وكبار الشعراء من كُتاب «التترات» لم يُمكنوا جيلى تحديدًا من الكتابة، وكان هناك الكثير من المعوقات أمامنا، ما أدى إلى ظهور شعراء غير موهوبين احتلوا الساحة و«قعدوا حتى الشعراء الكبار فى البيت».

ما عوضنى كتابة الأغانى للمسرح، كتبت أغانى لـ٤٠ عرضًا مسرحيًا تقريبًا، لمسرح الثقافة الجماهيرية أو مسرح الدولة، إلى جانب المسرح الخاص، وهذا جعل لدى ثراء فى الكتابة، لأن المسرح يمنحك حرية أعلى، ولكل مسرحية طقسها وحكايتها الخاصة.

كنت آمل أن أكمل فى كتابة «التترات» للدراما التليفزيونية، لكن هذا المجال تحديدًا أصبح مرتبطًا بجهات الإنتاج، التى تُقصر تعاملها مع عدد معين من الكُتّاب المحتلين والمهيمنين على الساحة فى الوقت الحالى.

■ كيف ترى شعر العامية فى الوقت الحالى؟

- شعر العامية، بداية من «أحرار وراء القضبان» لفؤاد حداد وحتى الآن، حقق مساحات جمالية عظيمة، وما زال مظلومًا على مستوى الدرس الأكاديمى، فحتى هذه اللحظة ما زال النقاد يعتبرونه هامشًا من الإبداع، بل إن بعضهم يعتبرونه وعاءً من ورق لا يستوعب الفن الرفيع!

تخيل أنه لا توجد سوى رسالتين علميتين عن شعر العامية. كما أن كُتب شعر العامية محدودة، والبعض يراها لا ترقى إلى الدراسة الأكاديمية، لذا أعمل بشكل شخصى على إعداد وكتابة دراسات معمقة عن هذا النمط الشعرى، خاصة أن معظم النقاد يخافون شعر العامية، لأنه يحتاج مَلكات لا يمتلكونها.

كما أن معظم الأجيال الجديدة مشغولون بشعراء الـ«ستيدج»، الذين يجمعون نقودًا من وراء القصائد لجذب الجمهور العام، ليتحول الشاعر إلى «بلياتشو» أو «ستاند أب كوميدى»، ويتحدث عن أمور مباشرة، لدرجة أن بعضهم اقترب من الزجل.. كيف تمسك الجماليات وتصبح شاعرًا عميقًا وتحترم لغتك وخصوصيتك؟ وكيف تتواصل مع الجمهور؟.. هذه هى قضيتى.

■ هل نحتاج إلى جوائز أخرى تحفز شعراء العامية؟

- أنا ضد أن يكون هناك جائزة لشعر العامية، فالشعر هو شعر، سواء كان عاميًا أو فصيحًا، النص الجمالى معروف بغض النظر عن اللغة المستخدمة فيه. لكن لأن العامية مظلومة، يمكن اعتبار أن «جائزة نجم» أنصفت هذا النمط الشعرى،لكن هذه جائزة واحدة، مقابل كم جائزة للفصحى والرواية.

الرواية هى المهيمنة فى الوقت الحالى، وكذلك شعر الفصحى، لذا أرى أننا فى حاجة إلى آلية تنصف شعر العامية على مستويى الدرس الأكاديمى والجوائز، خاصة أن هناك عددًا محدودًا جدًا من الشعراء حصلوا على جوائز الدولة، مثل عبدالرحمن الأبنودى وسيد حجاب.