الجمعة 21 نوفمبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

أزمة رجولة.. هل يعيش العالم «زمن التوكسيك»؟

حرف

- الغضب المَرَضى والجشع والفردية والسمية الشديدة تتصدر العلاقات مع النساء حاليًا

- الخيانة وأزمة منتصف العمر والطلاق المتكرر والرغبة فى إذلال المرأة عرض مستمر

- قواعد الرجولة بدأت تتغير منذ الثمانينيات: «رجل العائلة الصالح المحترم لم يعد مهمًا»

- الغريزة الأولى للرجل الحقيقى هى الحماية لا السيطرة أو العدوان 

فى روايتها «نسيان» الصادرة فى عام 2013، لفتت الروائية الجزائرية أحلام مستغانمى إلى أزمة الرجولة قائلة: «أيها الرجال، سنصلى لله طويلًا كى يملأ بفصيلتكم مجددًا هذا العالم!». وفى كل حقبة زمنية، وفى جميع أنحاء العالم، اهتم الباحثون والفلاسفة والكتّاب اهتمامًا بالغًا بفهم معنى أن يكون الرجال «رجالًا».

إجابات بعضهم كانت أن الرجولة تُكتَسب حدسيًا من خلال مراقبة أقرانهم ومرشديهم. بينما عُلّمت جوانب أخرى من الرجولة ونُقلت إليهم عمدًا، مثلما كان يحدث فى العصور البدائية، حيث المعرفة الحقيقية للرجولة تُنقل من الكبار إلى الصبية، فى احتفالات مُعقدة بمناسبة بلوغهم سن الرشد.

وفى العصور القديمة، تأمل الفلاسفة فى الفضائل والصفات التى تُشكل بلوغ الصبى مرحلة الرجولة. لكن فى عصرنا، نادرًا ما يختبر الرجال طقوس العبور لنقل المعرفة، ونادرًا ما يُناقش فلاسفة اليوم معنى الرجولة. وللأسف الشديد، غالبًا ما تكون ماهية الرجولة البديهية، وتلك العلاقات التى تُتيح فرصة تعلّم الرجولة بالقدوة، مقطوعة أو معدومة.

نتيجةً لذلك، يجهل الكثير من الرجال معنى أن يكونوا رجالًا، وكيف يختلفون عن النساء، ولماذا يتصرفون أحيانًا بهذه الطريقة، وما أنواع الفضائل والسلوكيات التى يحتاجون إلى تنميتها فى حياتهم لفهم ذواتهم، وما الرجولة من الأساس؟ ومن أين تأتى؟ 

وفى عصرٍ غالبًا ما تكون فيه مفاهيم الرجولة غامضة أو متناقضة، إن وُجدت، ومع وجود أزمة فى الرجولة ربما تصل إلى حد الاندثار، وتتجلى بشكل واضح فى اتخاذ صور كثيرة من عدم احترام الرجال للنساء، وتخليهم عن المسئولية والقوامة الحميدة، بالإضافة إلى انتشار العلاقات المؤذية والسامة، حاولت كتب كثيرة إبراز تلك الأزمة والحديث عنها، وهو ما تسلط «حرف» الضوء عليه فى السطور التالية.

Nontoxic Masculinity 12 .. نصيحة للوصول إلى «الرجولة الصحية»

صدر كتاب «Nontoxic Masculinity: A Celebration of Good Men/ الرجولة غير السامة: احتفاء بالرجال الصالحين»، فى أغسطس الماضى، عن دار النشر «جاردن فاريتى»، من تأليف مؤسستها جيسيكا تشاستين، الكاتبة والباحثة المتخصصة فى علم النفس والتنمية الشخصية.

تسلط المؤلفة، فى كتابها القصير المكون من ١٥٠ صفحة، الضوء على ١٢ جانبًا لما تسميه «الرجولة الصحية»، معتبرة أن حل «أزمة الرجولة» هو إعادة بناء الرجال، فالآن يُوصف الذكور غالبًا بأنهم «توكسيك» دون أن يُقدّم لهم توصيات للسلوك الصحى.

وتضيف أن «أزمة الرجولة» بدأت خلال التحول الثقافى نحو مساواة المرأة، وهو أمر ضرورى، لكنه ترك، دون قصد، العديد من الرجال يشعرون بالضياع والتشويه، ويفتقرون إلى خارطة طريق لما ستكون عليه الرجولة الصحية فى ظل متغيرات الزمن.

ويُوسّع كتاب «الرجولة غير السامة» النماذج الأصلية الأربعة للرجولة عند كارل يونج، عالم النفس السويسرى، وهى النماذج التى كانت أكثر ارتباطًا بالذكور الناضجين، وهى: «الملك والمحارب والساحر والمحب»، وكانت على النحو التالى: 

الملك: يمثل السلطة والنظام والاستقرار.

المحارب: يمثل القوة والإقدام والانضباط.

الساحر: يمثل الحكمة والمعرفة والفهم العميق.

المحب: يمثل العاطفة والحب والتقدير للجمال.

ووسعتها الكاتبة إلى ١٢ نموذجًا شاملًا لـ«الرجولة الصحية»، لكل منها تعبيرات ناضجة ونابضة بالحياة، موضحة نقاط القوة والصراعات والرذائل والفضائل لدى الرجال عبر التاريخ.

والجدل المتصاعد حول أزمة الرجولة فى العصر الحديث، لم يقتصر على العام الجارى، الذى شهد إصدار الكثير من الإصدارات التى تناولت هذا الموضوع من زوايا متعددة، بعضها نقدى، وبعضها تأملى، فهناك الكثير من الإصدارات السابقة التى تناولت الموضوع ذاته.

جيسيكا تشاستين

من بين الأعمال التى تستعيد حضورها فى هذا السياق، كتاب «The Code of Man/ شفرة الرجل»، الذى صدر فى عام ٢٠٠٣، لمؤلفه والر نيويل، أستاذ العلوم السياسية والفلسفة فى جامعة «كارلتون»، عضو الفريق الانتقالى للرئيس الأمريكى الأسبق، رونالد ريجان.

ويقول المؤلف، فى هذا الكتاب، إن رجال العصر الحديث فقدوا الصلة بالقيم والفضائل التى عرّفت الرجولة لآلاف السنين، ونتيجةً لذلك، يشعر العديد من الرجال بالضياع والارتباك والغضب، معتبرًا أن طريق التعافى يمر عبر المسارات الخمسة المؤدية إلى: الرجولة والحب والشجاعة والفخر والأهل والوطن.

ويُعدّ الكتاب تأملًا فى الفضائل والصفات المرتبطة بالرجولة الحقيقية، إذ يشق المؤلف طريقه عبر الفلسفة الغربية والأدب والتاريخ، وحتى الثقافة الشعبية، ليُعيد اكتشاف بوصلةٍ موثوقةٍ لاستعادة المعنى الحقيقى للرجولة، مستعينًا بكُتّاب ومفكرين غربيين مثل أرسطو وأفلاطون، فى محاولة لإرشاد الرجال إلى طريق تحقيق «قلب رجولى».

ويكشف المؤلف أنه فى مرحلة ما على مر العقود، ضاعت صورة «القلب الرجولى» التقليدية، ولجأ الرجال إلى ذكورية معادية للنساء، وسلوك عنيف بلا معنى لإثبات رجولتهم، مشيرًا إلى أن الرجال يتخبطون الآن فى مجتمع لا يستطيع أن يقرر ما إذا كان يريدهم أن يكونوا جبناء بلا مبادئ أم أناسًا متوحشين.

ويوضح فى كتابه أن الرجل الحقيقى هو الرحيم المهذب، الفاضل واللطيف مع الآخرين، والذى لن ينحدر إلى سلوك سيئ، ولن يُهين نفسه بالتصرف بقسوة، ولا يسعى إلى القتال إلا فى حالة واحدة وهى حماية وطنه وأحبائه، مشددًا على أنه يجب أن يسترجع المرء الماضى ليتعلم كيف يكون رجلًا، وأن نسيان أخلاق الماضى هو سبب معاناة الرجولة الحالية.

وبالمثل، قدم كتاب «The Way of Men/ طريق الرجال»، الذى صدر فى عام ٢٠١٢، من تأليف جاك دونوفان، نفس الأفكار. ويُمكن القول إنه الكتاب الكلاسيكى الحديث عن الرجولة، ويعمل على تجريد جميع التعريفات النسبية للرجولة، للوصول إلى جوهر ما يجعل الذكور رجالًا، ويُطلق على هذه الجوهريات اسم «الفضائل التكتيكية»، وتشمل: القوة والشجاعة والإتقان والشرف.

ويتيح كتاب «طريق الرجال» للقارئ فهم جوهر الرجولة، مع تركيزه على السمات والفضائل الأساسية والفطرية للرجل، والتى حظيت بتقدير الرجال على مر العصور. ويُجيد «دونوفان» تلخيص الفضائل التى يعيش بها الرجال، ويُحكم عليهم بأنهم رجال صالحون، ويستكشف جوانبَ عديدةً من ماهية الرجل الحقيقية، وما خُلِقَ له أن يكون، ورسالته السامية.

What Is Wrong with Men.. الذكور المعاصرون «أكثر كراهية للنساء» وغالبية علاقاتهم «سامة» 

صدر كتاب «What Is Wrong with Men: The Crisis of Masculinity/ ما خطب الرجال؟: أزمة رجولة»، فى يونيو الماضى، عن دار النشر الأمريكية «بانثيون» التابعة لـ«بنجوين راندوم هاوس» ذائعة الصيت، من تأليف الكاتبة والصحفية جيسا كريسبين، مؤسسة موقع «بوكس لات»، أحد أوائل وأهم المواقع الأدبية حاليًا.

الكتاب مكون من ٢٨٨ صفحة، ويدور حول «أزمة الرجولة» فى الولايات المتحدة، وهو ما أرجعت المؤلفة الحديث عنه إلى أن «الأنوثة مُصممة ومُنظّرة ومُكتوب عنها منذ أكثر من قرن. أما الرجولة، فليست كذلك».

عنوان الكتاب «ما خطب الرجال؟» ليس سؤالًا، بل تأكيدًا صارخًا على أزمة الرجولة، وتأثيرها على العالم اليوم، إذ تتناول المؤلفة بشكل فكاهى وطموح نقدًا ثقافيًا لاذعًا، يتتبع جذور أزمة الرجولة فى الوقت الحاضر.

وتقول المؤلفة إنه فى ثمانينيات القرن الماضى، بدأت قواعد الرجولة تتغير، فلم يعد الهدف أن يكون المرء رجل عائلة صالحًا ومحترمًا، ولم يكن الأمر عارضًا فحسب، بل ازداد صعوبةً بسبب التحولات الاقتصادية والسياسية.

وتضيف: «(كيف تكون رجلًا؟)، هذا السؤال، وكل القلق والغضب والاستياء الذى يثيره، هو نقطة البداية لأزمة فى الرجولة، تتجلى اليوم فى كراهية النساء، والنزعة السامة، وتؤدى إلى ظهور ظاهرة العُزّاب غير المتزوجين، ومرتكبى جرائم إطلاق النار الجماعى، إلى جانب ذعر بشأن حقوق المرأة والأقليات»، معتبرة أن «هذا السؤال هو الأهم فى عصرنا، وقد نجد إجابته فى مكان غير متوقع: أفلام مايكل دوجلاس».

تشرح المؤلفة: «تتبع أفلام النجم مايكل دوجلاس، فى الثمانينيات والتسعينيات، يُقدم نوعًا من خريطة طريق لأزمة الرجولة الحالية، فهو يقدم أدوارًا مختلفة عما قدمه والده كيرك، الذى يمكن أن تجده إلهًا ومحاربًا وفنانًا وقدوة، فـ(مايكل)، فى (جاذبية قاتلة) و(وول ستريت) و(غريزة أساسية) و(السقوط) و(اللعبة) و(حرب الورود)، كان رمزًا لكيفية تدهور كل شىء بشكل رهيب بالنسبة للرجال فى عصرنا الحالى».

وتواصل: «كانت هذه الأدوار ناقوس خطر مُبكرًا لانهيار الرجولة التقليدية، فقد أفرغت الرأسمالية العالمية المثل الأعلى للرجولة الحقيقية»، مشيرة إلى أن «السمة المميزة لشخصيات دوجلاس الأكثر رسوخًا هى مرضٌ تاريخىٌ يُعزى للنساء فقط: الهستيريا».

جيسا كريسبين

وباستخدام «فيلموغرافيا» مايكل دوجلاس كمرجع، فعلت مؤلفة الكتاب ما عجز عنه العديد من علماء الاجتماع وعلماء النفس وغيرهم من الخبراء: تحديد أصول «أزمة الرجولة» المستمرة، بوضوح وذكاء، فى أدوار «دوجلاس» المشهورة، بعدما وجدت جدولًا زمنيًا لعملية الإغراء والتبديل التى أفرغت الرجولة الأمريكية، تاركةً المثل القديمة دون أى عودة.

وكما كشفت المؤلفة، فى كتاب سابق لها يحمل عنوان «لماذا لستُ نسوية؟»، عن عيوب النسوية البرجوازية المعاصرة، تكشف عن عيوب الرجال فى كتابها الجديد، مستعرضةً بذكاءٍ تحولات الرجولة واندثارها، من خلال الأدوار السينمائية لمايكل دوجلاس.

وتشير المؤلفة إلى أن الشخصيات التى جسّدها مايكل دوجلاس، خلال الثمانينيات والتسعينيات، تعكس «رجولة جديدة» تسعى إلى إيجاد موطئ قدم فى أعقاب تحرر المرأة، بالإضافة إلى التحولات التى طرأت على الموقف العالمى لأمريكا فى نهاية «الحرب الباردة».

وتضيف: «لقد حققت النساء، وإن كان ذلك بشكل غير كامل، حريات جديدة، وبنين شبكات مجتمعية ومناصرة فعّالة. أما الرجال، فقد تعثروا فى مواجهة ما يُنظر إليه على أنه عدم تمكين. وبفشلهم فى تمييز نموذج جديد للرجولة فى عالمهم المتغير، أصبحوا متفاعلين، بشكل ضيق بل وخطير، مصوغين الرجولة إلى شىء يتميز بالغضب المَرَضى والجشع والفردية القاسية، والسمية الشديدة فى العلاقات مع الجنس الآخر».

استعانت المؤلفة بأفلام «دوجلاس» لأنها تقدم أمثلةً تُمكّنها من مناقشة الصور الحالية للرجل، مثل: الخيانة وأزمة منتصف العمر والطلاق المتكرر والرغبة فى إذلال المرأة، وعدم أداء أدوارهم الطبيعية تجاهها كسند وحام ومعيل. وكلها أمور تُفسح المجال للارتباك والإنكار، وفى نهاية المطاف، للشكوى التى تُغذى نقاشًا واسع النطاق حول «فشل الرجال» اليوم. 

الكتاب يُركّز بشدة أيضًا على رسم أوجه التشابه بين مايكل دوجلاس، المولود عام ١٩٤٤، وبيل كلينتون، الأصغر منه بسنتين، وكلاهما بلغ سن الرشد خلال ما يُزعم أنه «ذروة أمريكا». وتعكس الشخصيات التى جسّدها «دوجلاس»، فى الأربعينيات والخمسينيات من عمره، والتى كانت تعجّ بالارتباك والعنف، ونكوص الرجل إلى طفل هستيرى، وأزمة منتصف العمر والخيانة والتلاعب بالنساء، والجشع، التحولات التى حدثت للرجال من أشخاص «أسوياء» إلى «سامين» أو «توكسيك».

وتُظهر المؤلفة كيف تُفرغ شخصيات «دوجلاس»، التى أداها فى أفلام الثمانينيات والتسعينيات، غضبها ومرضها النفسى على النساء، مؤكدة أن «محاولة الهروب من الذكورة السامة فى مجتمع اليوم تشبه مغامرة مجنونة، فمهما كان القرار أو أى صفحة يقلبها الشخص، ينتهى به الأمر بالسقوط فى فوهة بركان».

وفى الكتاب، تتبع المؤلفة كيف شكّلت الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية تعريف الرجولة، وتحول الرجال إلى أطفال ضائعين دون نموذج جيد للرجولة، ضاربة مثالًا من فيلم «وول ستريت» عام ١٩٨٧، حيث ملأ «جوردون جيكو»، الذى جسده «دوجلاس»، فراغ عدم وجود نموذج للرجولة، فهو الشرير الأعظم، لكنه أيضًا رابح، ومن لا يرغب بالفوز؟ فقد جسّد «جيكو» فصل القيم الذكورية عن الأفعال الذكورية، ليشير بذلك إلى تغيير منهجى أوسع، وهو التحدث عن قيم الرجولة وليس العمل بها، لتصبح الرجولة أقوالًا لا أفعال.

وترى المؤلفة أن أداء «دوجلاس» المتكرر لـ«الأذى» و«القمع» و«الارتباك»، فى أدواره خلال فترة الثمانينيات والتسعينيات، يُمثل حالة جيل بأكمله، وانتشارًا لـ«الخيال الذكورى المحتضر»، وعدم تنظيم الرجل علاقاته مع النساء سوى بالتلاعب والنرجسية والسمية الشديدة، وهو «ارتداد فى الرجولة» عزته إلى الارتباك والذعر اللذين شعر بهما الرجال فى مواجهة التغيرات الاجتماعية المحيطة بهم.

وتشرح المؤلفة أن فكرة اعتمادها على أفلام مايكل دوجلاس كمرجع على تراجع الرجولة فى كتابها، قفزت فى ذهنها خلال جائحة فيروس «كورونا»، ومكوثها فى المنزل بسبب القيود. وقتها بدأتُ بمشاهدة أفلام مايكل دوجلاس، وفى الوقت نفسه، كانت وسائل التواصل الاجتماعى تعجّ بحركة «أنا أيضًا» بما فيها من «ذكورة سامة». 

وبدلًا من أن تكون أفلام مايكل دوجلاس مهربًا لها خلال فترة الإغلاق وعدم الاختلاط أثناء الجائحة، بدأت تساعدها على التفكير بشكل مختلف، فما عُرض على الشاشة، فى أفلام «دوجلاس» كان بوضوح مثالًا واضحًا على «الذكورة السامة»، وفق المؤلفة.

وتناقش المؤلفة عن كثب ٩ أفلام لمايكل دوجلاس، لتطوير نظرياتها حول: «ماذا حدث للرجال فى العصر الحديث؟»، والتى طبعت كراهية النساء الصارخة، وتطبيع الاعتداء الجنسى، مؤكدة أنه «ليس من الصعب إرجاع أسلوب الاضطراب الذكورى السام اليوم إلى الحالة الاقتصادية الصعبة التى يعيشها العالم الآن».

وترى المؤلفة أن فترة ما قبل الحرب العالمية الثانية، وأثناءها وبعدها، كانت «العصر الذهبى للرجولة»، وهو أيضًا ما تجلى فى أفلام تلك الفترة، التى كان الرجال فيها أشبه بأبطال حقيقيين، حيث يعملون بجد ويتمسكون بمبادئهم، ويحمون أحباءهم وبلدهم، ويدافعون عن أوطانهم، ويوفون بوعودهم بالعودة إلى نسائهم، ولا يخلفون وعودهم أبدًا إلا فى حالة الموت فقط.

وتضيف: «لم يعد الهدف الآن أن يكون الرجال صالحين ومحترمين»، مشددة على أن «العالم فى أمسّ الحاجة إلى مناشدة الرجولة الفطرية للرجال العاديين، فالرجولة شىء متأصل فى الرجال منذ ولادتهم، هم بطبيعتهم حماة، ويسعون إلى الشرف فى الدفاع عن عائلاتهم وبلدانهم وقبائلهم، ويكرهون المتنمرين ويحمون الضعفاء، لكن ماذا حدث للرجولة فى الوقت الحاضر؟ يظل سؤالًا بلا إجابة».

وترى أن شخصيات مايكل دوجلاس قد لا تكون نموذجًا سينمائيًا أفضل للعصر الحالى، بل الروبوت «ريك ديكارد»، الذى جسده هاريسون فورد فى فيلم الخيال العلمى الكلاسيكى «بليد رانر» عام ١٩٨٢، فـ«ديكارد»، وهو إنسان آلى مُهندَس وراثيًا، أكثر رجولة وإنسانية من البشر. هذا الإنسان الآلى أشبه برجل حقيقى، رومانسى، ويمثل آخر معاقل الشرف الذكورى، وهذا يُفسر لماذا، فى نهاية فيلم «بليد رانر»، يقول ضابط شرطة له: «لقد أديت واجبك كرجل!».

Notes on Being a Man.. الرجال الحقيقيون لا يبدأون الشجارات بل يفضّونها

فى ٤ نوفمبر الجارى، صدر كتاب «Notes on Being a Man/ إيضاحات حول أن تكون رجلًا»، عن دار النشر الكبرى «سايمون آند شوستر»، للكاتب سكوت جالاوى، المؤلف الأكثر مبيعًا، الأستاذ فى جامعة نيويورك، مقدم بودكاست «بيفوت»، والذى يتناول أزمة الرجولة فى العصر الحديث، ويطرح تساؤلات جوهرية حول ما يعنيه أن يكون المرء رجلًا فى أمريكا اليوم.

الكتاب تصدّر قائمة الأكثر مبيعًا على موقع «أمازون»، خلال أيام من صدوره، وهو يستعرض رحلة المؤلف الشخصية من الطفولة إلى الرجولة، ويقدّم مجموعة من النصائح العملية التى يرى أنها تشكّل جوهر الرجولة السليمة، مثل أهمية اللطف باعتباره مفتاح النجاح فى العلاقات، والسعى لأن يكون الرجل ذا قيمة مضافة فى محيطه، إلى جانب دوره كأب صالح، مؤكدًا ضرورة امتلاك القوة العقلية والانفتاح العاطفى، باعتبارهما من سمات الرجولة المتزنة فى زمن تتغير فيه المفاهيم التقليدية بسرعة.

ولطالما دقّ الكاتب والإعلامى سكوت جالاوى ناقوس الخطر بشأن أزمة الرجولة فى العصر الحديث، وهى القضية التى تتصدر كتابه الجديد، الواقع فى نحو ٣٠٥ صفحات. ويقول إن ما استرعى انتباهه هو الحالة المقلقة التى يعيشها الشباب والرجال اليوم، إذ يواجهون أزمة حقيقية قلّما شهد العالم مثيلًا لها من حيث سرعة التراجع وحدّته. 

ويشير إلى أن أدمغة الذكور تنضج متأخرة عن الإناث، ما يجعلهم يتخلفون عن زميلاتهم منذ المراحل الأولى، ويُضاف إلى ذلك غياب القدوة الذكورية فى حياة كثيرين، حتى فى المؤسسات التعليمية، حيث يقل عدد المعلمين الذكور من الروضة حتى الصف الثانى عشر عن عدد النساء العاملات فى مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.

ويحاول سكوت جالاوى أن يقدّم خريطة طريق للذكور كى يصبحوا رجالًا أفضل فى عالم مضطرب المعايير، وينطلق من قناعة بأن الرجولة ليست صفة بيولوجية، بل مسئولية أخلاقية وسلوكية، ويقترح ٣ ركائز أساسية تشكّل جوهر الرجولة السليمة فى القرن الحادى والعشرين، هى الحماية، والقوامة، والإنجاب.

ويرى أن الغريزة الأولى للرجل الحقيقى هى الحماية، لا السيطرة أو العدوان، فالرجل العادل، الصادق، الشريف، هو من يضحى من أجل ما هو أكبر من ذاته، ويهتم بعائلته ومجتمعه، لا من يضايق الضعفاء أو يستعرض قوته على حساب الآخرين، ويؤكد أن «الرجال الحقيقيين لا يبدأون الشجارات بل يفضّونها، ولا ينشرون الكراهية بل يدافعون عن وطنهم وأحبائهم»، محذرًا من الخلط بين الرجولة والفظاظة أو التنمر أو إساءة استخدام السلطة، فذلك فى رأيه «نقيض الرجولة».

سكوت جالاوى

فى المحور الثانى، يستعيد «جالاوى» مفهوم القوامة بوصفه التزامًا لا امتيازًا، فالرجل، كما يقول، يجب أن يفترض أنه مسئول اقتصاديًا عمن يحب، لا فقط لتأمين احتياجاتهم، بل لبناء احترامه لذاته، وتوفير الاستقرار والدعم والثقة لنفسه ولمن حوله، والقوامة هنا ليست تسلطًا، بل رعاية نابعة من الوعى والدور المجتمعى.

أما الركيزة الثالثة، فهى الإنجاب، لا بمعناه الحرفى، بل كرمز لاستمرار النوع الإنسانى، فحتى من لا ينجبون، يمكنهم أن يكونوا أعمامًا، مرشدين، أصدقاء، يسهمون فى بناء الأجيال، و«هذا هو سبب وجود الرجال والنساء على الأرض»، كما يكتب «جالاوى»، مؤكدًا أن الرجولة الحقيقية تُقاس بما يتركه الرجل من أثر، لا بما يملكه من سلطة.

ويشير «جالاوى» إلى أن الركائز الثلاث التى طرحها تتضافر لتشكّل الهدف الأسمى للرجولة السليمة، وهو الانتقال من الأخذ إلى العطاء، ويستشهد فى هذا السياق برؤية الكاتب ريتشارد ريفز، مؤلف كتاب «عن الأولاد والرجال»، الذى يرى أن معظم الذكور دون سن الثامنة عشرة لديهم قيمة سلبية، أى أنهم يأخذون أكثر مما يقدمون، ما يجعل الرجولة الحقيقية مرادفة للعطاء غير المشروط، ولمنح الآخرين حبًا أكبر مما تلقّاه الرجل نفسه.

ويؤكد «جالاوى» أن هناك أدلة متزايدة على تراجع موقع الرجال فى المجتمع، رغم احتدام الخطاب حول الرجولة فى السنوات الأخيرة، إلا أن معظم هذا الخطاب، فى رأيه، غير فعّال أو غير مجدٍ فى أحسن الأحوال، ويشير إلى أن «الذكورة السامة» باتت تمثّل مشكلة حقيقية، إذ فشل كثير من الرجال فى أداء دورهم الأساسى فى حماية النساء والمجتمع من حولهم.

فى المقابل، يطرح مفهوم «الذكورة الصحية» بوصفها نموذجًا بديلًا، يقوم على أن يكون الرجل مُعيلًا مسئولًا، ومتابعًا فى علاقاته العاطفية، وحاميًا لمن يحب، فالرجل، كما يراه «جالاوى»، لا يُقاس بقوته الجسدية أو سلطته، بل بقدرته على تقديم الحب، وتحمل المسئولية، وبناء الاستقرار فى محيطه. ويشدد على أن الرجولة، كما تُمارَس اليوم، تحتاج إلى إعادة تعريف جذرية، إذ يرى أن كثيرًا من الرجال فقدوا بوصلتهم، بينما تظهر نساء كثيرات صفات رجولية أكثر من بعض الذكور أنفسهم.