خليك لطيف.. هل يمكن أن ننقذ العالم بـ«الحنية»؟

- الشعور بالغير يمكن تطبيقه فى أى مكان.. من الأسرة حتى الجيش
نعيش الآن فى عالم ممزق، تغيب فيه مشاعر مهمة مثل التعاطف والحنان والثقة، والتى أصبحت شحيحة جدًا، سواء على مستوى الأفراد، أو حتى نطاق أكبر من الدول والحكومات والشركات، حيث نكافح كأفراد وشعوب لفهم من يختلفون عنّا، ما يجعل كراهية الغير هو الخيار الأسهل!
وتُظهر دراسات علمية موثقة أن الناس فى مختلف دول العالم، أصبحوا أقل شعورًا مما كانوا عليه قبل 40 عامًا، وهو الأمر الذى أصبح أكثر سوءًا فى عصر الرئيس الأمريكى الحالى، دونالد ترامب، خاصة مع تصاعد حركته «لنجعل أمريكا عظيمة مرةً أخرى»، التى تُروّج بقوة للقسوة، والهجوم على التعاطف والحكمة والثقة واللطف وكل المبادئ الإنسانية.
يتزامن ذلك مع مشاهد يومية من استنزاف أو منع المساعدات المنقذة لحياة الفقراء والمرضى، والقمع العنيف للمهاجرين، وتجاهل معاناة قطاع غزة، والضغط على الفئات الضعيفة لأقصى مدى ممكن.
وفى هذا العالم الذى تتراجع فيه كل المشاعر النبيلة بسبب الأنانية والمصالح التى تعمى الناس عن مشاعر واحتياجات الآخرين، بالإضافة إلى تأثير التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعى، والعزلة المجتمعية، والضغوط الاقتصادية وغياب التواصل الإنسانى، تركز بعض الكتب الصادرة حديثًا على تطوير السلوك الاجتماعى الإيجابى، والدعم المتبادل، سواء تجاه الفرد أو الجماعة.. فما أبرز ما جاء فيها؟
أرض صلبة.. «كتالوج» تدريب «عضلة» التعاطف مع الآخرين!

يصل كتاب «أرض صلبة: دروس القيادة الجريئة، ومثابرة المفارقة، وحكمة الروح البشرية»، عن دار النشر ذائعة الصيت «راندوم هاوس»، إلى أرفف المكتبات، خلال الأيام القليلة المقبلة، من تأليف برينيه براون، الأستاذة فى جامعة «هيوستن» مؤلفة «نيويورك تايمز» الأكثر مبيعًا، والتى توجه من خلال الكتاب دعوة عاجلة لإعادة تصور أساسيات ما يُعرف بـ«القيادة المتعاطفة».
وبرينيه براون معروفة بتخصصها فى شرح المشاعر الإنسانية خاصةً تلك المتعلقة بالخجل والضعف، مستفيدة فى ذلك من عملها كمستشارة قيادة تُقدم هذه الأفكار إلى أماكن عمل مختلفة، من دورى كرة القدم الأمريكية إلى الجيش، وصولًا إلى الشركات العملاقة، كاشفة كيف يرتبط اللين والضعف بروح القيادة، سواء على مستوى الأفراد أو الشركات أو الدول.
وفى وقتٍ يسود فيه عدم اليقين، ويُنظر فيه إلى التفاخر والغطرسة والقسوة على أنها قيادة مقبولة، تُقدم «براون» رؤى عملية وقابلة للتنفيذ، تُلقى الضوء على العقليات والمهارات الأساسية لاستعادة الحكمة والحنان واللين والثقة المتبادلة التى نحتاجها للمضى قدمًا، بما فى ذلك القدرة على إجراء محادثات محترمة وصعبة مع الطرف الآخر.
تقول «براون» صاحبة المحاضرة الشهيرة التى حملت عنوان «قوة الضعف»، فى كتابها المكون من ٤٥٠ صفحة: «يبنى الأفراد والمؤسسات قوى جديدة، لذا فإن إيجاد أرضية صلبة هو الشىء الوحيد الذى يُمكن أن يوفر لنا استقرارًا راسخًا فى خضمّ دوامة من عدم اليقين، ومنصةً للتغيير السريع والمتفجر الذى يتطلبه العالم».
وتضيف: «عندما تدرس تقاطع العاطفة والسلوك والتفكير، يمكن تطبيقه فى أى مكان تقريبًا، حتى فى داخل الجيش، فالقيادة لا تعنى أن تكون قاسيًا، بل إن القيادة الحقيقية هى اللطف والتعاطف والرحمة»، مشيرة إلى أن «التعاطف والضعف يجعلان من البشر نسخًا أفضل، وأيضًا يجعلان من القادة نسخًا أفضل».
وتواصل: «القيادة بالخوف والقسوة كمحفز ليست فاعلة، لأن الخوف قصير العمر، لذا فإن الحفاظ على الخوف والقسوة كأدوات قيادية، سواء داخل الشركات أو الدول أو بين بعضها البعض، لا يفيد، بل يضر بشكل كبير على المدى البعيد».
وتشدد على أن «التعاطف واللين والإنسانية، فى أصعب اللحظات، صفات تبدو الأكثر نفعًا للقيادة، ومنع تحولها إلى صراع، لأنه عندها لا يُحب الناس بعضهم البعض، ويلومون بعضهم البعض، يبدأ التمزق، فى وقت يعانى فيه الجميع من التمزق، أفرادًا وشعوبًا ودولًا»، مشيرة إلى أن التعاطف شهد رحلةً غريبةً على مدار العقد الماضى، فقد هوجم بشتّى الطرق، ووُصف بأنه ضيق الأفق وعشوائى وضعيف.
ولا يعد «أرض صلبة» للكاتبة برينيه براون هو الأول من نوعه حول أهمية التعاطف فى السياسة أو الاقتصاد أو على مستوى الدول، فلكلمة «التعاطف» فى حد ذاتها، على المستويين الإنسانى والسياسى، تاريخ مثير للاهتمام.

ظهر «التعاطف» لأول مرة فى اللغة الإنجليزية عام ١٩٠٨، كترجمةٍ لكلمة «Einfühlung»، التى تعنى «الشعور» أو «الانغماس»، وهى مصطلح مشتق من علم الجمال الألمانى، لكن الفكرة التى تُعبّر عنها عادةً، وهى تخيل الذات فى مشاعر شخصٍ آخر، كانت متداولةً بالفعل، فى القرن الـ١٨.
فى هذا القرن استخدم آدم سميث كلمة «التعاطف» للإشارة إلى القدرة على التفكير فى شخصٍ آخر، والشعور به إلى حد ما، ومن ثم تكوين فكرة عن أحاسيسه، بل والشعور بشىء، وإن كان أضعف درجة، إلا أنه ليس مختلفًا عنه تمامًا.
وقدّم ديفيد هيوم تعريفًا مشابهًا. وكذلك فعل جميل زكى، عالم النفس فى جامعة «ستانفورد»، على صفحات كتابه «النضال من أجل اللطف: بناء التعاطف فى عالم ممزق»، الصادر عام ٢٠١٩، ويقول فيه: «التعاطف ليس سمة ثابتة، بل يمكن ممارسته وتدريبه، مثل العضلة».
ونبه «زكى» إلى تصريح للرئيس الأمريكى الأسبق، باراك أوباما، قبل أن يصل إلى البيت الأبيض، عندما كان نائبًا فى الكونجرس، عام ٢٠٠٧، قال فيه: «الولايات المتحدة تعانى من نقص فى التعاطف»، مضيفًا: «منذ ذلك الحين، يبدو أن الأمور ازدادت سوءًا».
ويُقدّم عالم النفس فى جامعة «ستانفورد» منظورًا ثوريًا حول التعاطف، معتبرًا أنه يمكن تطوير التعاطف، وعندما يحدث ذلك، يتغير الناس والعلاقات والمؤسسات والثقافات، قبل أن يدعو إلى تضافر الجهود لبناء التعاطف، فى عالم مُمزّق ومُهدد بتصاعد النزعة القبلية والقسوة والعزلة.
الحنان الخفى.. «تيك توكر» يكافئ المحسنين: «خيرًا تعمل.. حِلمًا تلقى»

يصدر كتاب «الحنان الخفى: قل نعم للحب، لا للخوف، واحتضان قوة الكرم العادى المُغيّرة للحياة»، فى أكتوبر المقبل، عن دار نشر «كونفيرجنت بوكس»، من تأليف جيمى دارتس، المؤثر الأمريكى فى عالم التواصل الاجتماعى، الذى اشتهر بفيديوهاته المؤثرة حول الحنان ونشر الإيجابية، والتى تُلهم أكثر من 20 مليون متابع حول العالم.
يقول «دارتس»، فى كتابه الذى يضم ٢٥٦ صفحة، إن «شرارة حنان واحدة قد تُغيّر كل شىء»، مضيفًا: «أمتع ما يمكن أن يستمتع به المرء هو نشر الفرح والحنان واللطف دون تردد، حتى لو كانت تلك المشاعر لغريبٍ عابر، لأنها مشاعر تعلى من روح الإنسانية، ونجعل الحياة ممتعة وغير متوقعة ومؤثرة فى آن واحد».
يتحدث الشاب البالغ من العمر ٢٦ عامًا هنا عن روح التعاطف والحنان والكرم بين الأفراد بعضهم البعض، مستفيدًا من تقديمه لبرنامج على وسائل التواصل الاجتماعى يروج فيه لكل هذه المبادئ المهمة، فى زمن نفتقر إليها بشكل كبير. وهو يجوب المتاجر ومغاسل الملابس وأزقة الشوارع ومحال البقالة، باحثًا عن الأشخاص الذين يمكن أن يسعدهم الآخرون القادرون.
فى كتابه، يأخذ «دارتس» القراء وراء كواليس حياته غير التقليدية، التى تزخر بكل أعمال الكرم، من مساعدة الغرباء إلى جمع التبرعات، وخوض المغامرات، وتكوين صداقات، وإدراك أن العالم مكان ألطف مما يعتقد الناس عادةً.
ويتضمن الكتاب مزيجًا من القصص التى لا تُنسى، والتأملات العميقة، والاكتشافات التى تتجاوز المشاهد القصيرة المعروضة فى مقاطع الفيديو، ما قد يساعد القراء على إعادة إحياء أملهم فى الإنسانية، واكتشاف أن حياة التعاطف مع الآخرين والكرم يمكن أن تكون ممتعة ومريحة، مذّكِرًا الجميع بأن أكثر لحظات المرء العادية قد تُصبح معجزة لشخص آخر، وأن الحب قادر على تغيير الحياة.
ويكشف المؤلف، الذى اقتبس عنوان كتابه من اسم برنامجه على وسائل التواصل الاجتماعى «الحنان الخفى»، عن بعض القصص التى تتدفق فيها الدموع والعناق والرقص، عندما يُكافئ ويساعد الملايين من المحتاجين، مؤكدًا أن الأمر لا يتطلب سوى ثانية واحدة ليكون الشخص حنونًا.

ويشير إلى أن فيديوهاته المبهجة على تطبيق «تيك توك» حسّنت حياة العشرات، ورسمت البسمة ودموع الفرح على وجوه الملايين، ولا يتطلب ذلك منه سوى استخدام هاتفه المحمول لتصوير نفسه، ثم يطلب من شخص غريب خدمة صغيرة، مثل إحضار وجبة طعام، أو مال لغسل الملابس أو لتمويل أمنية غريبة، مثل ركوب فيل صغير، ويقول إنه ليس من المستغرب أن يرفض معظم الناس طلبه، ويتجاهلونه بنظرة استنكار، وهزّة رأس، ونظرة ازدراء بين الحين والآخر.
لكن عندما يلتقى «دارتس» بذلك الشخص طيب القلب، الذى لا يتردد فى مساعدة غريب محتاج، يكافئه بحفنة من المال. وفى بعض الحالات بسيارات وسكن ووظيفة، قائلًا لفاعلى الخير: «أنتم رائعون!»، بعدما كانوا أول من استجاب لطلبه للمساعدة فى ذلك اليوم. بعدها، يصبح العناق ودموع الفرح والرقص من العناصر الأساسية المحبوبة فى مقاطع الفيديو المؤثرة الخاصة به، وهو ما جعله نجمًا على «تيك توك»، بجمهور ضخم يبلغ ٨.٣ مليون متابع، و٢١٤.٩ مليون إعجاب.
ويقول «دارتس»، فى كتابه، إن الناس فى وضع مالى سيئ للغاية حاليًا، لذا فإن حصولهم على بضعة دولارات للوقود أو أى شىء آخر، يُعد أمرًا بالغ الأهمية. علمًا بأنه يمنحهم أكثر من مجرد بضعة دولارات، بفضل متابعيه السخيين والعطوفين.
ويضيف: «عندما يشاهد ١٠ ملايين شخص شيئًا ما، ويسهم كل شخص بدولارين أو ٣ دولارات، فيمكن حقًا تغيير حياة الناس»، واصفًا جميع فاعلى الخير وأعمال الكرم والتعاطف بأنهم «أبطال خارقون».
ويؤكد أن مُعظم مَن يطلب منهم المساعدة، بالكاد يملكون ما يقدمونه، لكنهم يقدمون على أى حال، ما يحفزه على مساعدة المزيد من الناس، وهو يحب ذلك، لأنه عادةً ما تكون هذه ليست المرة الأولى التى يقدم فيها شخص ما معروفًا، أو يُظهر لطفه وتعاطفه ويُكافئ عليه، فلقد فعلوا ذلك طوال حياتهم، لكن لم يُلاحظه أحد، لم يُكافأوا عليه قط، فتكون هذه لحظتهم للاحتفال.
اللطف يولد اللطف.. جانيس لاندرى: ابتسامة عابرة قادرة على إنقاذ إنسان محطم

صدر كتاب «الثقة» عن مطبعة جامعة «جونز هوبكنز» العريقة، فى أبريل 2025، تأليف الباحث الدنماركى جيرت تينجارد سفيندسن، أستاذ العلوم السياسية فى جامعة «آرهوس»، والذى يشرح فيه كيفية تنمية هذا الشعور المراوغ، ولماذا يُعدّ بناء الثقة أمرًا بالغ الأهمية ليس للفرد فقط ولكن للحفاظ على مجتمع سعيد ومستقر وسليم.
تقول المؤلفة إنه فى عال م مزدحم تمطرنا فيه الأخبار جميعًا بأخبار سيئة من جميع أنحاء العالم، هناك شعاع من نور حقيقى، من رسالة تشجيعية مكتوبة بخط اليد عمرها خمسون عامًا، إلى مجموعة من الأشخاص المحسنين الذين يرممون أوجاع أحبابهم، وأشخاص يفتحون منازلهم فى أوقات الكوارث الطبيعية، وغيرهم الكثير، وهى تأخذ القراء معها فى رحلة من التعاطف والإيثار واستعادة الإيمان بالإنسانية مرة أخرى.
وتشرح كيف يمكن للطف أن يكون مُعديًا، وكيف يمكن حتى لأفعال اللطف الصغيرة أن تثير شعورًا بالرضا وتشجع على المعاملة بالمثل، فليس بالضرورة أن تكون لفتات عظيمة، بل على العكس، يمكن أن تكون ابتسامة، أو إيماءة، أو فنجان قهوة، أو غداءً مُعدًا لشخص مشغول.
وترى أن إظهار اللطف والتعاطف داخل بيئات العمل يمكن أن يحدث تحولًا جذريًا فى ثقافتها، خاصة عندما تنتهجه القيادة كنموذجٍ يُحتذى به، فالقادة الشاملون لا يبنون ثقافةً إيجابية فحسب، بل يحفزون الآخرين أيضًا على تبنى سلوكيات مماثلة عندما يجدونها أمامهم.
وتقول إن الفكرة المحورية هنا هى أن اللطف يولد اللطف؛ فهو بمثابة عدوى اجتماعية إيجابية ذات تأثير مضاعف، قادرة على تغيير الحياة نحو الأفضل، وتختتم مبينة أن أفعال اللطف والتعاطف ليست نادرة، بل هى موجودة فى كل مكان، مستشهدةً بمقولة الأديب الألمانى يوهان فولفجانج فون جوته التى وصف فيها اللطف بأنه «السلسلة الذهبية التى يترابط بها المجتمع».

وتكشف أنها أهدت الكتاب لزوجها «روب» وابنتها «لورا»، اللذين كانا سندها فى أصعب لحظات حياتها، ومن خلال هذه التجربة، تستكشف كيف يمكن للتصرفات البسيطة، التى غالبًا ما تستلهم من واقعنا الشخصى، أن تكون حافزًا قويًا للتعاطف وبناء مجتمعٍ أكثر ترابطًا عبر أفعال اللطف اليومية.
وتعدد فى كتابها أفعال اللطف والتعاطف الصغيرة، مثل الإطراء أو الشكر أو مد يد العون، وعلى الرغم من بساطتها إلا أنها قوية ويمكن أن تُغير شخصًا ما وتمنحه الأمل، وتُحدث تأثيرًا إيجابيًا يعزز الروابط الاجتماعية ويعزز مجتمعًا أكثر لطفًا ودعمًا.
وتسلط الضوء أيضًا على كيف يُمكن للأفعال الصغيرة أن تُؤثر بشكل كبير على حياة الآخرين، وغالبًا ما تُوفر لحظات من الراحة والتواصل، وتروى قصصًا مؤثرة تُظهر كيف يُبنى اللطف الثقة والانتماء والتفاهم المشترك بين الناس، والاحتفاء بهؤلاء الأشخاص المتعاطفين كل يوم، وتعرض قصصًا عن أفرادٍ مختلفين يُجسّدون اللطف، من الممرضات والمعلمين إلى المتطوعين وفرق الاستجابة الأولية.
وتقول إنه عندما يُظهر الناس اللطف باستمرار، فإنه يُهيئ بيئةً اجتماعيةً أكثر إيجابيةً ودعمًا، مع تأثير متواصل من حسن النية والمعاملة بالمثل، وتعزيز العلاقات إذ تُساعد الأعمال الصغيرة والمدروسة على بناء روابط قوية ودائمة بين الناس والحفاظ عليها، بالإضافة إلى بث الأمل، ففى لحظات الضيق، يُمكن لعملٍ لطيفٍ صغير أن يُذكّر المرء بأن هناك خيرًا فى العالم وأنه ليس وحيدًا.

معيار السعادة.. جيرت تينجارد: ارتفاع مستوى الثقة يدعم ازدهار الشعوب

صدر كتاب «كل شىء بسيط: كيف تُحدث أعمال اللطف الصغيرة تأثيرًا كبيرًا؟»، فى أبريل 2025، عن دار النشر «بوتيرزفيلد»، تأليف الكاتبة الصحفية الكندية جانيس لاندرى، الحائزة على 4 جوائز وطنية تقديرًا لمجمل أعمالها وكتاباتها.
ونسجت الكاتبة كتابها المكون من 128 صفحة، بقصص مؤثرة عن التواصل وأعمال اللطف والتعاطف والحنان، مرسلة تقديرها للمساعدين، والحرفيين، والممرضين، والمعلمين، والطلاب، وعلماء النفس، والعاملين والمتطوعين فى مجال الإغاثة.
يرصد المؤلف كيف تزداد العلاقات والمجتمعات فسادًا بدون الثقة؟ وما الذى يجعل الثقة أساس السعادة؟ ويوضح أنه إذا أراد المرء بناء الثقة، فيجب عليه تقليل السيطرة، حيث تُترجم مستويات الثقة العالية إلى مزيد من التعاون والمسئولية الاجتماعية، والاستقرار سواء للأشخاص أو الدول.
ويقدم جيرت تينجارد سفيندسن، فى كتابه القصير المكون من ٦٠ صفحة، رؤية جديدة لفوائد الثقة ليس على المستوى الإنسانى فقط ولكن على المستوى الاقتصادى، إذ يشرح كيفية تحقيق الثقة تجاه الآليات الاقتصادية، كاشفًا أنه ألّف هذا الكتاب لأنه كان فى حيرة من أمره بشأن سبب ثراء الدنمارك.

ويقول المؤلف إنه عند تحليل ثروة أى بلد بناءً على عوامل الإنتاج التقليدية، نجد أن التعليم يُفسّر ما يقرب من نصفها، بينما يُعزى ربعها إلى رأس المال المادى مثل نفط بحر الشمال والمصانع والجسور، ورغم أن مصدر الربع المتبقى يظل غامضًا ويصعب تفسيره، فإنه لفهم سرّ ثراء الدنمارك، يجب البحث عن عوامل تتجاوز تلك التقليدية، وهنا تبرز الثقة كعامل حاسم بديهى.
ويؤكد أن الثقة تولّد منافع اقتصادية ملموسة؛ فوفقًا للدراسات، تُعدّ محفزًا للنمو الاقتصادى. فوجود مستويات عالية من الثقة يقلل من التكاليف ويُسرّع إنجاز المعاملات، حيث تغنى الاتفاقات الشفهية البسيطة عن العقود المكتوبة المعقدة والمكلفة.
ويضيف أنه يمكن الجزم بأن ارتفاع مستوى الثقة يُسهّل التعاون ويُقلل من مخاطر الاحتيال أو الغش، وتتميز الدول الأسكندنافية بأعلى مستويات الثقة فى العالم، مما يمنحها ميزة اقتصادية كبيرة تدعم ازدهارها.
ويشير إلى أن هذا المستوى العالى من الثقة يسمح أيضًا بدولة رفاه عالمية، مثل تلك الموجودة فى الدنمارك، معتبرًا أن الشرط الوحيد لتحقيق ذلك هو وجود مستوى معين من الثقة، إذ يجب أن يكون المرء قادرًا على الإيمان بأنه ليس الوحيد الذى يعمل ويدفع الضرائب ويسهم فى المجتمع، بل إن زملاءه المواطنين يفعلون ذلك أيضًا إن استطاعوا.
وتابع: «الشرط المسبق الآخر هو أن يكون المرء قادرًا على الثقة بأن السلطات تنفق أموال الضرائب المدفوعة بحكمة، وأن ترد للمواطنين الضرائب التى دفعوها بالفعل فى مجالات التعليم والرعاية الصحية والطرق والجسور».
لكنه يرى أن العيش فى مجتمع دنماركى تسوده الثقة له عيوبه، ولأن الدولة تقدم مزايا ضمان اجتماعى عالية، فإن نظام الرعاية الاجتماعية يشجع على الغش بشدة، إذ قد تكون استراتيجية عقلانية تمامًا أن يكتفى المواطنون بالتراجع ويكونون متلقين سلبيين لأنواع مختلفة من إعانات الرعاية الاجتماعية.

ويؤكد المؤلف على أهمية عمل السياسيين على ضمان إبقاء عدد الأشخاص الذين يتصرفون بحرية عند الحد الأدنى، فإذا زاد عددهم بشكل مفرط فى المجتمع، يُصبح تمويل الرعاية الاجتماعية مشكلة، ولتجنب الغش، يرى الباحثون أنه من المهم ضمان الوصول الجيد إلى سوق العمل الدنماركى، وحتى للأشخاص ذوى المهارات المحدودة والمهاجرين، يجب أن يكون العمل بالنسبة لهم مربحًا، ولا ينبغى أن تكون استحقاقات الضمان الاجتماعى مرتفعةً جدًا مقارنةً بما يمكن كسبه، ويجب تصميم النظام بطريقة تُكافئ الناس على فعل الصواب.
ويلفت المؤلف إلى أن أحد الجوانب المحورية لمستقبل دولة الرفاهية هو ألا تطغى آليات السيطرة والرقابة على الثقة، بل يجب أن تتعايش معها، ويوضح أنه على الرغم من أن المجتمع الدنماركى يعيش فى
ويرى أنه عندما يشعر الناس بعدم الثقة، يُفرزون هرمون التستوستيرون العدوانى، وهذا يؤدى إلى رغبة فى الانتقام، وقد يؤدى هذا إلى تقليص فترة عمل الموظفين لساعات أقل، ويضطرهم لأخذ جميع الإجازات المرضية المستحقة لهم، وتقليل العمل قدر الإمكان، مبينًا أنه إذا كان الموظف يستمتع بعمله ويحظى بالثقة، فسيرغب فى تحسين أدائه.