الجمعة 21 نوفمبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

هل يخاف محمد لطفى منصور على إمبراطورية العائلة؟!

محمد لطفى منصور
محمد لطفى منصور

وصلت إلى قناعة داخلية فور الانتهاء من قراءة مذكرات رجل الأعمال المعروف محمد لطفى منصور، أنه كان يحب اسمه، ويحب عائلته بشكل واقعى وإجرائى، هذا الحب جعله يفعل كل ما فعله، بل أن يكون مؤتمنًا بشكل حقيقى على ذلك الاسم، وعلى الأجيال التى تليه، وكل ما مر به، ينطلق بشكل أساسى من رغبته فى «الاعتمادية» العالمية لاسم لطفى حول العالم، رغم كل ما تعرض له من انتكاسات، منها إصابة وهو صغير فى السن جعلته يجلس فى المنزل لسنوات دون حركة، وكذلك إصابته بالسرطان، مرورًا بالإجراءات فى عهد الرئيس جمال عبدالناصر، التى جعلته يعمل لتوفير مصاريفه فى الخارج، وهى محطات كان يمكنها كسره، بل أقل منها كسر غيره، إلا أن وصفه لتلك المراحل، ودقته فى الوصف، تدل- يقينًا- أنه كان يعى قيمة تجاوزها، بل ووضع فى مخيلته مرحلة ما بعد المرور من تلك «المحبطات»، وجميعها سببها غيره، لكنه كان وحده قادرًا على تجاوزها، وهو يذكر فى إحدى فقرات مسيرته قولًا ذا مغزى «المسيرة تستحق أن تروى، ليس من باب الفخر، وإنما من باب نفع الناس، كل الناس، فكثيرًا ما تظل الإحباطات البشر، وكثيرًا ما يتحطم البعض عند صدمات الحياة، وقليلون هم من يحققون آمالهم فى تحويل محنهم إلى منح».

لا يمكن القول إن محمد لطفى منصور، كان عصاميًا بالمعنى التقليدى، أو كان من أسرة جعلته يشقى فى صغره، بل العكس، هو ابن رجل عرف يقينًا أنه شخص ذو مقومات مختلفة، وقدرة حقيقية على السير فى مواطن تجعله مميزًا، وفعل فى حياته، ما يجعله جديرًا بصدور «كتيب» عنه بمفرده، فلطفى منصور الأب، هو «المكون الأسرى» لكل ما فيه عائلة منصور الآن، ومع كل ما فيه من صفات وطموح، إلا أن محمد لطفى منصور لم يرتكن لذلك المسار واستسلم له، بل عمل على أن يكون له طريقه الخاص أيضًا، فتراه تارة يفاوض على شراء شركة بالسنوات حتى يحصل على توكيل، ثم إنه فى فترة من الفترات يقرر تنويع مصادر العمل فى عائلته، ويتذكر جيدًا أن تلك سياسة مغايرة لسياسة والده، لكنه يتذكر أيضًا أن سياسة والده قد سببت فى وقت من الأوقات انتكاسة صعبة للأسرة، كما أن محمد لطفى منصور سعى فى مسيرته، لترسيخ صورته الذهنية فى الداخل المصرى وفى كل مساحة تواجد فيها عالميًا، واعتمد جميع الأدوات المتاحة، كان من بينها، فى فترة من الفترات، التعاون مع نادى الأهلى، ولا شك أن التحاق شقيقه ياسين منصور الآن فى منصب نائب رئيس النادى، هو حلم من أحلام الأسرة، التى يدعم منظومتها الاقتصادية العاملة فى عدة مجالات، ربما أشهرها مجال السيارات، مع مجالات أخرى، ودول كبرى كان فيها اسم «شركات منصور» بمسمياتها المختلفة، عنوانًا للاعتمادية والطمأنينة، وذلك المسار التسويقى والدعائى للمجموعة، يؤكد أهمية التسويق كعنصر أساسى فى بناء أى سياق، ودعم أى مؤسسة.

فى مذكرات محمد لطفى منصور، التى كتبها بالإنجليزية، وحررها بالعربية، كثير من التفاصيل التى مر عليها بأمانة مطلقة، فكان يذكر الأسماء، والمواقف، والأشخاص، ويشكر من يستحق الشكر، معتمدًا أنه يشكر «الشطار»، وينفر كليًا من التواكل، والإهمال، وهى سمة تلاحظها فى كل ما عقده من صفقات، فهو شخص يبحث عن ضرورة الفوز، وليس الفوز فقط، الأمر الذى جعله يختار فريقًا للعمل معه أثناء توليه وزارة النقل ما قبل ٢٠١٠، وجعلته، كما يقول فى مذكراته، بعيدًا عن الشبهات أو الاتهام ما بعد ٢٠١١، وذلك لأنه قام بواجبه انطلاقًا من خلفيته الدءوبة، والتى تصر على النجاح دومًا، وكان حسب ما استنتجت يصرف من ماله الخاص على كثير من الأمور فى عمله، فقد سرد بعض تفاصيل شغله وزارة النقل، وقد واجه كثيرًا من «المواخير» التى حاولت تقويضه، بل ومحاولة دفعه لاتجاهات بعينها، وكان باستطاعته أن يواجه ذلك فى القطاع الخاص، لكنه فى الحكومة- للأسف- لم يستطع المقاومة أكثر من ٤ سنوات تقريبًا، خرج بعدها من وزارة النقل، بعد أن حاول وضع بصمته فى قطاع صعب للغاية.

محمد لطفى منصور فى مذكراته، حاول جاهدًا أن يحافظ على امبراطورية منصور، ويجعلها نموذجًا مصريًا بمواصفات ومعايير الاستدامة، والتى تضمن استمراريتها دون الارتباط بفرد أو بالجيل الأول، فيمكن الملاحظة أنه يحب كل نطاق يعمل فيه، فى مصر وإنجلترا، وفى نيجيريا، وغيرها من الدول، فهو يعمل من أجل أن يكون هناك سياق سليم يحمل اسم عائلة منصور، وفيها ياسين وإسماعيل ويوسف، وفيها جيل راوية التى مجرد ذكر اسمها فهو يعبر عن الجمال والرقى، وفى ذلك كان منزله الذى أحبه مثلما أحب عائلته، وجعله قبلة للعائلة، فيه ما يسرهم، وهو يقول ذلك بكل وضوح، غير عشرات القصص التى مر عليها متذكرًا ما تم فيها من تفاوض ومناورات، بل إنه كان يتذكر بعض الكلمات القصيرة التى كان يذكرها فى المقابلات وحققت أثرًا طيبًا فى النتيجة، وكان لها أثر طيب فى تطييب مناخ الصفقات.

فى تلك المذكرات كثير من العبر التى استخلصها صاحبها، وأتذكر منها ما قاله حول الوعد بالأقل، والوفاء بالأكثر، فهنا هو يضبط الميزان فى تنفيذ ما يتم الاتفاق حوله، بأن يعد الشخص بالأقل دومًا تحسبًا لأى طارئ، ويفى بالأكثر إكرامًا منه للطرف الذى يعده، وفى تلك الحالة يمكن معرفة أصل محمد لطفى منصور، الذى يؤسس لمنهج علمى مهم فى إدارة الإمبراطوريات العائلية، فيجب فيها تنويع مصادر العمل، بحيث لا يتأثر كليًا فى حالة الطوارئ، وكذلك فإنه يستثمر فى استثمار الفوائض فى مشروعات جديدة، وبذلك يتحقق النجاح المطلوب، كما أنه يؤكد فى أكثر من مساحة، ضرورة فهم العلاقة بين صاحب المال والأعمال، وبين العاملين معه، ووجوب أن تكون هناك تشاركية حقيقية بين صاحب العمل والعمال، لأنهم شركاء فى النجاح.