الثلاثاء 16 سبتمبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

تجريس رويترز.. فاليرى زينك: استقلت احتجاجًا على الإعلام الغربى الذى ينقل أكاذيب جيش الاحتلال دون تحقيق

فاليرى زينك
فاليرى زينك

- موت أنس الشريف «حطمنى».. وقصف مستشفى ناصر حسم قرارى

- تبرير قتل الصحفيين بـأنهم من «حماس» جعلنى لا أتصور نفسى أعمل معهم مرة أخرى

فى أواخر أغسطس الماضى، وبينما آلة الحرب الإسرائيلية مستمرة فى حصد أرواح الأبرياء، وقتل كل من يمسك كاميرا أو يلوح بقلم، أعلنت الصحفية والمصورة الكندية فاليرى زينك استقالتها من وكالة «رويترز»، بعد 8 أعوام من العمل مع الوكالة الأشهر كمصورة مستقلة. استقالة «فاليرى» جاءت احتجاجًا على التواطؤ الإعلامى مع آلة الحرب الإسرائيلية فى غزة، وفق ما صرحت به لمختلف وسائل الإعلام، وذلك عقب سلسلة من الأحداث المفصلية المتعلقة بالصحفيين فى غزة، أبرزها اغتيال الصحفى الفلسطينى أنس الشريف، وقصف مستشفى ناصر فى خان يونس، الذى أودى بحياة المصور حسام المصرى وعدد من زملائه الصحفيين. فاليرى زينك، التى عملت على مدار سنوات فى تغطية الأخبار المحلية غرب كندا، لم تكن مراسلة حروب ولا صحفية ميدانية فى غزة، لكن متابعتها الدقيقة للمجازر وتغطية الإعلام الغربى لها، جعلتاها تشعر بمسئولية أخلاقية تدفعها إلى اتخاذ موقف علنى، تمثل فى الاستقالة، معبرة عن رفضها الشديد «تبييض» الجرائم الإسرائيلية بحق الصحفيين، ومؤكدة أن الاستقالة هى أقل ما يمكن أن تفعله لإعلان التضامن مع زملائها فى فلسطين. 

وخلال حوارها التالى مع «حرف»، تحدثت «فاليرى» عن دوافعها للاستقالة بالتفصيل، ورؤيتها لتغطية الإعلام الغربى للإبادة الجماعية فى غزة، منتقدة إصرار الإعلام الغربى على تقديم كل جريمة ترتكبها إسرائيل على أنها رواية متناقضة، مع تجاهل الحقيقة نفسها. وشرحت الصحفية الكندية ما تفعله وسائل الإعلام الغربية فى هذا السياق، مستعينة بما قاله شريف عبدالقدوس، من «Drop Site News»: «إذا كنت جالسًا فى غرفة، وهناك شخصان يتناقشان حول الطقس، أحدهما يقول إن الجو ماطر والآخر يقول إنه غير ماطر، فمهمة الصحفى ليست أن ينشر التصريحين، بل أن ينظر من النافذة ثم يفضح من يكذب»، مضيفة: «هذا بالضبط ما شهدناه يوميًا طوال فترة الإبادة الجماعية. الإعلام الغربى يعرض كل جريمة على أنها مجرد روايتين متناقضتين، وكأن الوقائع الفعلية والحقيقة نفسها لا أهمية لها». واعتبرت المستقيلة من «رويترز» أن وسائل الإعلام الدولية منحت إسرائيل «صكًا إعلاميًا» لارتكاب الفظائع، ونزع الإنسانية عن الفلسطينيين، متابعة: «فى كل يوم من هذه الإبادة الجماعية، نظن أننا نرى أقصى درجات الوحشية التى يمكن تخيّلها، وفى كل يوم تزداد سوءًا. ومع ذلك، لا يزال الإعلام الغربى يواصل تضخيم دعاية إسرائيل وأكاذيبها، التى تهدف إلى تبرير التجويع الجماعى والتطهير العرقى والإبادة الجماعية».

■ بداية.. ما اللحظة الفاصلة التى جعلتكِ تقررين الاستقالة من« رويترز» بعد ٨ سنوات من العمل فى الوكالة الشهيرة؟

- كنت أنتقد تغطية «رويترز» علنًا طوال فترة الإبادة الجماعية، وكذلك تغطية الإعلام الغربى بشكل عام، لكن المنعطف الحاسم بالنسبة لى كان اغتيال أنس الشريف وكامل طاقم قناة «الجزيرة» فى مدينة غزة. 

تابعت: «أنس» طوال فترة الإبادة الجماعية شاهدته وهو يخلع سترته الصحفية، ويُرفع على أكتاف رفاقه عندما أُعلن عن وقف إطلاق النار، حين ظن أنه قد نجا. شاركت مناشدته طلب الحماية فى يوليو، بعدما وضعته القوات الإسرائيلية على قوائم الاغتيال. قرأت كلماته الأخيرة ووصيته التى كتبها عندما أدرك أنه سيموت. حطّمتنى هذه اللحظة دون أدنى شك.

رؤية «رويترز» وغيرها من وسائل الإعلام الغربية الكثيرة تُضفى الشرعية وتبرر ادعاء إسرائيل بأن هؤلاء الضحايا لم يكونوا صحفيين فى الواقع، بل أعضاء فى المقاومة، وبالتالى وجب قتلهم، جعلتنى غير قادرة على أن أتصوّر نفسى أقبل بأى مهمة أخرى معهم.

اتخذت قرارى عند تلك النقطة، وبدأت أفكر فى صياغة بيان استقالتى. وعندما قصفت إسرائيل مستشفى ناصر، واستهدفت ٥ صحفيين آخرين، لم أستطع الانتظار يومًا إضافيًا. وبصراحة، لم أكن أعتقد أن أحدًا سيلاحظ أو يهتم إذا غادرت «رويترز»، وإلا لكنت فعلت ذلك فى وقت مبكر عن هذا.

أنا صحفية مستقلة، أغطى قصصًا محلية فى سهول كندا، لستُ مراسلة حروب، ولا أغطى الأخبار فى غزة. العمل الذى أقوم به يبدو بعيدًا جدًا عمّا يحدث فى فلسطين. لكننى فكرتُ أنه إذا كان لهذا الفعل معنى كإشارة تضامن ورفض، فهو أقل ما يمكن أن أقدمه.

■ هل تشعرين بأن «رويترز» تواطأت فى جريمة إبادة جماعية عبر التغطية المنحازة.. وهل استقلتِ حتى لا تكونى شريكة فى الجريمة أم أن الأسباب أخلاقية فقط؟

طوال فترة الإبادة الجماعية رأينا وسائل الإعلام الغربية تنقل بيانات المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلى على أنها روايات موثوقة عمّا حدث، رغم انعدام الأدلة ومن دون أى تحقيق أو تدقيق، وكأن الأكاذيب المتكررة من جانب إسرائيل لا تغيّر شيئًا.

أعتقد أن شريف عبدالقدوس، من «Drop Site News»، عبّر عما يحدث بدقة حين قال: «إذا كنت جالسًا فى غرفة، وهناك شخصان يتناقشان حول الطقس، أحدهما يقول إن الجو ماطر والآخر يقول إنه غير ماطر، فمهمة الصحفى ليست أن ينشر التصريحين، بل أن ينظر من النافذة ثم يفضح من يكذب». لكن هذا بالضبط ما شهدناه يوميًا طوال فترة الإبادة الجماعية. الإعلام الغربى يعرض كل جريمة على أنها مجرد روايتين متناقضتين، وكأن الوقائع الفعلية والحقيقة نفسها لا أهمية لها.

نحن نشهد الآن نتائج الصك الإعلامى الذى منحته وسائل الإعلام الدولية لإسرائيل لارتكاب الفظائع، والحدّ الذى بلغته عملية نزع الإنسانية عن الفلسطينيين التى غذّتها تلك التغطية. ففى كل يوم من هذه الإبادة الجماعية نظن أننا نرى أقصى درجات الوحشية التى يمكن تخيّلها، وفى كل يوم تزداد سوءًا. ومع ذلك، لا يزال الإعلام الغربى يواصل تضخيم دعاية إسرائيل وأكاذيبها، التى تهدف إلى تبرير التجويع الجماعى والتطهير العرقى والإبادة الجماعية.

■ أيمكن اعتبار أن كل صحفى ما زال يعمل فى «رويترز» اليوم شريكًا فى التستر على جرائم إسرائيل؟

- كان بيانى موجهًا إلى «رويترز» كمؤسسة وليس إلى الصحفيين كأفراد، فكثير منهم يبذلون قصارى جهدهم لنقل ما يحدث بأمانة، ويقاومون السياسات التحريرية التى تتحكم فى طريقة تغطية «رويترز» للأخبار فى فلسطين.

■ هل شعرتِ يومًا بضغوط مباشرة من المحررين لحذف أو إعادة صياغة محتوى يكشف جرائم إسرائيل؟

- اقتصر عملى مع «رويترز» على تغطية الأخبار المحلية فى غرب كندا فقط، ولا أستطيع أن أتحدث عن الضغوط التى قد يتعرض لها الصحفيون الذين يغطون الأخبار فى فلسطين. لكن هناك كثير من الصحفيين الذين خرجوا للعلن خلال العامين الماضيين، من مؤسسات إعلامية مختلفة، وأوضحوا طبيعة الضغوط المفروضة عليهم، والسياسات المعمول بها، مثل منع استخدام كلمة «فلسطين» على سبيل المثال.

■ كيف تشعرين عندما ترين «رويترز» تكرر رواية إسرائيل بأن صحفيين مثل أنس الشريف هم «عناصر فى حماس»..بينما تعلم أن ذلك مجرد ذريعة لقتلهم؟

- هذه الادعاءات تثير غضبى بشدة، فهى بالضبط الرواية التى تمكّن إسرائيل من الاستمرار فى اغتيال الصحفيين. هذه جرائم حرب، والإعلام الغربى متواطئ بشكل مباشر فى تلميعها والتطبيع معها، وتهيئة الظروف لاستمرارها خلال الفترة المقبلة.

■ هل كان اغتيال مصوّر« رويترز» حسام المصرى فى غزة عاملًا إضافيًا فى قرار الاستقالة؟

- كنتُ قد اتخذت قرارى بالفعل فى ذلك الوقت، لكن عندما قُصف مستشفى ناصر، وقُتل «حسام» وزملاؤه، أدركت أننى لم أعد أستطيع الانتظار أكثر لتنفيذ قرارى والتصريح به علنًا.