الإثنين 02 يونيو 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

محسن عبدالغنى: حوّلنا 200 صفحة «مادة علمية دسمة» إلى «حدوتة» تلمس قلوب المشاهدين

من كواليس تصوير الفيلم
من كواليس تصوير الفيلم

- عملت على جذب الشباب بـ«اللوكيشن الموحد» و«المقاهى الأوروبية»

- مواجهته مع العقاد لحظة جوهرية.. وأبكى المصورين بقصيدته عن وفاة عبدالناصر

- استخدمت موسيقى تصويرية تدعم القصة دون أن تسرق منها انتباه المشاهد

أشاد محسن عبدالغنى، مخرج فيلم «عمر من الشعر.. سيرة أحمد عبدالمعطى حجازى وشهادته»، بالمادة النصية التى قدمتها الدكتورة صفاء النجار، مُشبهًا إياها بـ«سيناريو فيلم روائى»، وهو ما ساعده فى تقديم رؤيته للفيلم، القائمة على شعور الجمهور بأنه داخل لحظة حية، وليس يشاهد مادة أرشيفية.

وكشف «عبدالغنى»، فى حواره التالى مع «حرف»، كيف عمل صناع الفيلم على تحويل 200 صفحة من المادة العلمية إلى «حدوتة» تلمس قلوب المشاهدين، خاصة من فئة الشباب، والذى استهدف جذبهم من خلال «اللوكيشن الموحد» والمقاهى الحديثة على الطراز الأوروبى.

وتحدث كذلك عن أبرز اللحظات والمشاهد المفصلية فى الفيلم، وعلى رأسها لحظة إلقاء قصيدته عن وفاة الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، مؤكدًا أن هذا المشهد أبكى عددًا من أفراد طاقم العمل الشباب.

■ بداية.. كيف جاءت فكرة تقديم فيلم وثائقى عن الشاعر أحمد عبدالمعطى حجازى؟

- فكرة تقديم فيلم عن الشاعر الكبير أحمد عبدالمعطى حجازى بدأت كمبادرة من الدكتورة صفاء النجار، فهى صاحبة الفكرة الأولى، وعندما جلست معها وتناقشنا فى الموضوع شعرت بأننا متفقون تمامًا على أهمية تقديم سيرة الشاعر الكبير بكل ما تحتويه من أبعاد وتفاصيل غنية.

انجذبت إلى الفكرة لعدة أسباب، أولها البطل الذى يدور حوله العمل نفسه، فأحمد عبدالمعطى حجازى واحد من أهم الشعراء فى مصر والعالم العربى، ليس فقط بسبب قيمته الأدبية، بل أيضًا لكونه نموذجًا نادرًا من الشعراء الذين امتلكوا الجرأة والخيال والطموح لتغيير قواعد الفن الذى يُبدع فيه، وإضافة بصمة جديدة إليه.

■ كيف استطعت أن تبنى فيلمًا عن شاعر بهذا الكم من الأحداث والتفاصيل؟

- هذا واحد من أكبر التحديات التى واجهتنا. فى الفيلم الروائى يكون لديك سيناريو واضح مكتوب بعناية، يمتلك وصفًا للمشاهد كبداية ووسط ونهاية، والكاتب يقدم مجهودًا كبيرًا فى المادة قبل أن تصل لك، وأنت كمخرج تعمل على رؤيتك وبصمتك الخاصة. لكن فى الفيلم التسجيلى الوضع مختلف تمامًا، لأنك تتسلم مادة خامًا.

كانت لدينا مادة بحثية عن الأستاذ «حجازى» تقارب ٢٠٠ صفحة أو أكثر، وبطبيعتها هى مادة أكاديمية دسمة وثقيلة لدرجة يمكن أن تجعل القارئ العادى يشعر بالملل، فكانت المهمة الحقيقية هنا كمخرج أن تبحث داخل هذه المادة عن «الحدوتة» والدراما والبطل، عن اللحظة التى تبدأ منها وتحكى، لحظة «الذروة» التى يمكن للجمهور أن يتعلق بها ويشعر بأنها تلمسه.

هذا تحدٍ ليس بسيطًا. لكنه كان ممتعًا جدًا بالنسبة لى. مخرج الأفلام التسجيلية يكون مثل «المُنقب»، يبحث دائمًا على جوهرة فى جبل صخرى. تكون أمامه مادة بحثية طويلة، فيبدأ فى البحث عن التفاصيل واللحظات والقرارات والصراعات، وغيرها مما يحول سيرة شخص إلى فيلم وثائقى.

■ كيف أسهم وجود الدكتورة صفاء النجار فى تقديم الفيلم بهذه الصورة المميزة؟

- بالتأكيد وجود الدكتورة صفاء النجار سهل كثيرًا من خطوات العمل، خاصة بعدما انتهت من كتابة المادة بالكامل، والنص كان قريبًا جدًا فى بنائه من «الحدوتة السينمائية»، لذا كان الأمر أشبه باستلامى سيناريو فيلم روائى جاهز من حيث التماسك والمضمون. التحدى الحقيقى ظهر فى مرحلة النقاش حول طريقة السرد: هل نحكى القصة بهذا الشكل أم نعيد ترتيبها؟ أى تفاصيل تستحق أن تتصدر المشهد؟ هنا كان التعاون بيننا مهمًا، وأتاح لنا الوصول إلى رؤية موحدة توازن بين المحتوى الثقافى العميق والطرح البصرى الجاذب.

■ كيف رأيت مشهد مواجهة أحمد عبدالمعطى حجازى مع العقاد؟

- مواجهة «حجازى» مع «العقاد» لحظة جوهرية بالنسبة لى فى الفيلم، فهو مشهد يعكس قوة الشاعر الكبير فى مواجهة التحديات، وكيف كان يقف بثبات أمام أى صراع أو معارضة. الفيلم قارن أيضًا بين طريقة «حجازى» فى مواجهة التحديات خلال فترة شبابه، ثم تعامله مع المواقف المختلفة فى مراحل حياته اللاحقة، والذى لم يعكس نضج أفكاره فحسب، بل استمراره كذلك فى الدفاع عن معتقداته ومواجهة أى ظلم أو تهديد. 

■ هل يمكن مقارنة تأثير «حجازى» على التيار الأدبى بما فعل «العقاد» فى زمانه؟

- كلاهما قدم رؤى ثقافية وفكرية جديدة عما كان سائدًا فى عصريهما. لكن على عكس ما فعل «العقاد» عندما رفض تفعيلة الشعر فى عصره، عندما بدأ «حجازى» هجومه على «قصيدة النثر» فى بداياته، من خلال مجلة «إبداع»، لم يقتصر على الرفض فقط، بل سمح لهذه القصيدة بالظهور فى مجلته، وكتب مقالات نقد عديدة عنها. هنا تكمن عظمته لأنه انتقد مع ترك مساحة للاختلاف. «حجازى» لم يكن مجرد ناقد فحسب، بل كان مشاركًا فى خلق الأفكار الجديدة، مع تمكنه أيضًا من الحفاظ على خصوصيته الثقافية وسط هذا التحول السريع فى الفكر الأدبى.

■ إلقاء أحمد عبدالمعطى حجازى قصيدته عن وفاة جمال عبدالناصر مشهد مؤثر للغاية.. كيف تعاملتم معه؟

- قصيدة وفاة جمال عبدالناصر التى ألقاها أحمد عبدالمعطى حجازى تركت تأثيرًا عميقًا فى نفوس فريق العمل الشاب، الذين لم يعاصروا هذه الحقبة التاريخية. عندما ألقى «حجازى» القصيدة فى موقع التصوير كان المشهد مليئًا بالتأثر العاطفى الشديد، وفور انتهائه منها ساد صمت طويل بين الحضور، وشعر الجميع بحالة من التأمل العميق، حتى إن الكثير منهم لم يتمكن من إمساك دموعه، ما يعكس القوة العاطفية الكبيرة التى حملتها كلمات «حجازى» ونبرته الصوتية.

مصور شاب، لم يكن يعرف الكثير عن جمال عبدالناصر، عبر عن تأثره الشديد بالقصيدة، قائلًا إنه لم يشعر بتأثر مشابه عندما سمع عن وفاة أى شخصية أخرى، وكأنه يعيش اللحظة بكل ما فيها من مشاعر وأحداث، وهو ما يعكس تأثير «حجازى»، والقوة العاطفية الكبيرة التى نقلها من خلال أدائه وطريقة إلقائه.

■ كيف اخترتم موقع التصوير.. ولماذا فضلتم موقعًا موحدًا؟

- كان لدى تحدٍ لإيصال الفيلم إلى شريحة واسعة من الجمهور، خاصة الأجيال الشابة. كنت أتخيل دائمًا شابًا عمره ١٨ أو ١٩ سنة يشاهد التليفزيون، ويمر على الفيلم بالصدفة، كيف ينجذب ويستمر فى المشاهدة، لذا قررت أن أصور كل المقابلات فى مكان واحد كى أحافظ على الشعور بالترابط والاستمرارية.

حرصت على أن يشعر المشاهد بأن القصة كلها تُروى من مكان واحد، كأن الموقع مساحة واحدة تجمع الحكاية كلها، ما ساعد فى تعزيز الإحساس بالوحدة والتواصل فى الفيلم. كما أردت أن تكون الصورة مليئة بالحيوية والطاقة، ورأيت أن التصوير فى أماكن متفرقة ومتنوعة يؤدى إلى نوع من التشتت، وإبعادنا عن الهدف الأساسى، لذا قررت تقديم العمل داخل بيئة تصوير دافئة نابضة بالحياة، وبها ألوان تلامس ذوق واهتمامات الشباب.

بناءً على ذلك، اخترت أماكن تشبه المقاهى الحديثة الموجودة فى أوروبا، أماكن فيها طابع عصرى حيوى يمثل روح الشباب، وهذه ليست مجرد خلفية، بل عنصر فعال يضيف للفيلم طاقة بصرية، ويجعل المشاهد يشعر بأنه داخل مشهد حى، وبالتالى جذب الجمهور ودفعه للتفاعل مع الفيلم بشكل أكبر.

وللعلم، أخذت رأى ابنتىّ اللتين يتراوح عمراهما بين ١٢ و١٤ سنة وقت العمل على الفيلم، وجعلتهما تشاهدان مقاطع منه، فوجدتهما متحمستين من البداية. كانت لدىّ بعض الشكوك، وعندما رأيت حماسهما وتركيزهما فى العمل، تأكدت أننى على الطريق الصحيح، وأننى أقدم فيلمًا قادرًا على جذب الجميع، بمن فيهم الشباب.

■ ماذا عن الموسيقى التصويرية للفيلم؟

- الهدف من الموسيقى التصويرية هو أن تتناغم مع اللحظات التى يشعر فيها المشاهد بتجربة فكرية، وليس مجرد مشاهدة مشهد بصرى، لذا اخترنا أن تكون الموسيقى خفيفة، بحيث تواكب الجو العام للفيلم، والزمان والمكان الذى يتحدث عنه الضيوف، مع استخدام موسيقى غربية عندما يكون الحديث عن أحداث خارج مصر، وموسيقى شرقية مصرية مختلفة حسب الزمان، عند عرض أحداث داخل مصر.

الموسيقى أداة قوية لخلق الإحساس بالمكان والزمان، وإعطاء الفيلم الطبقات العاطفية التى يفتقر إليها العمل فى حال غيابها. لكن من المهم أن تكون الموسيقى داعمة للأحداث دون أن تطغى عليها. لا يجب أن تكون فى الصدارة، بل فى الخلفية، تدعم القصة دون أن تسرق منها. 

فى مشهد قصيدة وفاة عبدالناصر على سبيل المثال، كانت الموسيقى أداة لإيصال أجواء التأمل والحزن، لكن دون أن تصبح فوضوية أو صاخبة، بل تظل متناغمة مع اللحظة. كذلك فى المشاهد التى كان «حجازى» يكتب فيها أو يقرأ، كانت الموسيقى أداة بسيطة، لكنها فعالة فى تعزيز الأجواء. الهدف كان أن تبقى الموسيقى تحت سيطرة الرسالة الأساسية للفيلم، بحيث لا تسرق الانتباه، وتبقى القصص والرسائل هى المهيمنة.

■ بصفة عامة.. كيف تُقيم تجربتك الشخصية مع العمل؟

- كانت تجربة مميزة جدًا بالنسبة لى. فى البداية كنت متأثرًا بشخصية الأستاذ أحمد عبدالمعطى حجازى بشكل كبير، فهو نموذج فريد فى الدفاع عن حقه فى التعبير عن نفسه، وهذه قضية مهمة بالنسبة لى، خاصة مع الشباب والمراهقين الذين يواجهون صعوبة فى التعبير عن آرائهم بطريقة مختلفة، رغم الحاجة المُلحة لذلك.

جذبنى فى «حجازى» شجاعته فى مواجهة الصراعات، والوقوف ضد الآراء السائدة، والحفاظ على حقه فى التعبير، حتى لو كان هذا يقتضى أن يتحدى الجميع، فقد كان دائمًا فى موقف الدفاع عن نفسه ليبقى موجودًا فى الساحة الفنية والمجتمعية، وهذا كان مؤثرًا جدًا بالنسبة لى.

أعتقد أن نضاله للحفاظ على هويته الشخصية والفنية فى مواجهة الضغوط المجتمعية، هو الذى جعلنى أرغب فى أن أروى قصته، خاصة أننى من محبى الشعر والأدب منذ الصغر، وكنت أعلم الكثير عن الأستاذ أحمد عبدالمعطى حجازى، قبل بدء العمل فى هذا المشروع الوثائقى.

■ ما العنصر الذى يميز الفيلم بشكل عام من وجهة نظرك؟

- أعتقد أن ما جذب الجمهور هو الروح التى كانت تحرك الفيلم، فـ«حجازى» ليس مجرد شخصية تاريخية بل شخص يحمل رسالة قوية جدًا حول حرية التعبير، وحق الفرد فى أن يكون مختلفًا. وأعتقد أن طريقة عرضنا للقصة هى ما أعطى الفيلم دفئًا وحياة، والجمهور يستطيع أن يشعر بهذه الروح ويتواصل معها بصورة أكبر من مجرد تفاصيل العمل الفنى. حاولت الحفاظ على تلك الروح الحقيقية لشخصية «حجازى»، وعندما تكون هذه الروح موجودة، لا يهم إذا كان الفيلم وثائقيًا أو روائيًا، فالقوة تكمن فى الرسالة التى تنقلها القصة بشكل صادق وأصيل.