السبت 19 يوليو 2025
المحرر العام
محمد الباز

«درويش شاعر القضية».. مخاطرة الاقتراب من النجم

درويش
درويش

- آثرنا تجنُب إحياء السجالات أو تقليب دفاتر الخصومة لنقترب فى المقابل من مسيرة درويش المعبرة عن هَم فردى وجماعى

- نجومية درويش تنبع من شعره الذى يجمع بين الانتماء الوطنى والحمولة الفلسفية والمعرفية

-ضيوف الفيلم أجمعوا على كون فترة القاهرة لحظة تحول حاسمة في مسيرة محمود درويش 

ثمة دومًا شعورٌ بالرهبة حين نقترب من شخصية أيقونية بحجم الشاعر الفلسطينى محمود درويش. ما الذى يمكن قوله، بعد كل ما قيل وكتب عنه؟ كل كلمةٍ جديدة تخشى ألا تُضيف شيئًا لمسيرة طويلة من الإبداع الشعرى والنثرى. 

كانت الخيارات مفتوحة وواسعة، فمحمود درويش صاحب سيرة غنية اشتبكت مع قضايا كبرى ومفصلية من تاريخ العالم العربى، ومع شخصيات ثقافية وسياسية مختلفة مع كل محطة حطّ رحاله فيها، وهو الشاعر الذى اعتبره الفلسطينيون صوتًا لهم منذ أن أطلق صيحة «سجل أنا عربى» فى واحدة من قصائده الأولى. 

بخلاف ذلك، كان من الممكن أن نسير خلف الانتقادات التى لازمت مسيرة درويش منذ انضمامه للحزب الشيوعى الإسرائيلى، والاتهامات له ببيع قضية وطنه، وهى تهمة تكررت فى مراحل لاحقة من حياته، حين أراد أن يتحرر بشعره من ثقل الشرط السياسى. أو ننجرف وراء علاقاته العاطفية فتُنئينا تفاصيلها عن التأمل فى قصائد تُلامس جوهر الوجود الإنسانى، وتغوص فى معانى الوطن والمنفى والحياة والموت. 

آثرنا تجنُب إحياء السجالات، أو تقليب دفاتر الخصومة في الفيلم الوثائقي «درويش شاعر القضية»، الذي أُذيع مؤخرًا على «القناة الوثائقية»، لنقترب فى المقابل من درويش الإنسان؛ ذاك الذى تألم وكتب، تبدّل وتمرّد، واختبر المنفى مرارًا، ولم يتوقف عن إعادة صياغته شعريًا بوصفه أفقًا للحياة، لا مجرد حدث فردى أو أزمة جمعية. اقتربنا من درويش ليس لنكشف أسرار حياته الخاصة، بل لنفهم كيف أسهمت هذه التجربة المعقدة والمتعددة الأوجه فى تشكيل الشاعر النجم، الذى لم تقتصر نجوميته على انتمائه لقضية وطنية فحسب مثلما يروج منتقدوه، بل لقدرته المستمرة على تطوير شعر يعبّر عن القلق الوجودى، وينضح بحمولة فلسفية ومعرفية ثرية، وتجربة حياتية متشابكة مع القضية الفلسطينية. 

اقتربنا من الإنسان الذى كتب نثرًا ينبض بالألم فى «يوميات الحزن العادى» و«ذاكرة للنسيان»، وشعرًا يعكس تجربة ذاتية تتجسد فى وجع جماعى. لم يكن محمود درويش شاعر قضية لمجرد رفع شعارات أو ترديد خطابات رنانة تلهب الحماس أو ترضى السياسيين، بل كان شاعر الأرض والوجدان، كما وصفه عبده وازن؛ صار هو القضية نفسها، تجاوزها وأصبح فى طليعتها، دون أن يتخلى عنها رغم الغربة والبعد، لتظل جوهر تجربته الإنسانية والشعرية.

فى سبيل ذلك، اخترنا أن يعكس المتحدثون هذا المزيج من السيرة والشعر والتواشج المترابط بينهما، فكان الحديث مع كُتّاب وأدباء اقتربوا من محمود درويش فى فترات مختلفة، وهم: الروائى الفلسطينى زياد عبدالفتاح الذى رافقه فى محطات مختلفة من حياته فى بيروت وتونس وباريس وغيرها، والشاعر أحمد الشهاوى الذى اقترب من درويش إنسانيًا وشعريًا، فعرفه عن قرب وقرأ قصائده قراءة فاحصة ناقدة، وكذلك الكاتب الصحفى سيد محمود الذى بذل جهدًا فى كتابه «المتن المجهول» لإضاءة الفترة القاهرية من حياة محمود درويش، والتى لم يولها النقاد والكتاب أهمية رغم تأثيرها عليه. 

تحدثنا كذلك مع نقاد تعاطوا مع قصيدة محمود درويش لا بأدوات تُخضع النص إلى نظريات جامدة بل بمحبة تليق بتذوق لا يخلو من إدراك لجماليات متعددة فى القصيدة، ومن هنا جاء الحديث الواعى لثلاثة من النقاد: حسين حمودة الذى كان على دراية واسعة بالتغيرات فى القصيدة الدرويشية من مرحلة إلى أخرى على مختلف المستويات، وهيثم الحاج على الذى تتبع فكرة تشكل وعى محمود درويش بناء على لحظات مفصلية فى حياته وتجلى ذلك فى شعره، وأخيرًا الناقد الأردنى بسام قطوس الذى توقف عند سؤال الفلسفة فى قصيدة محمود درويش. كما جاء الحديث مع الشاعر الفلسطينى ناصر عطاالله، والشاعر المصرى محمد هشام للاقتراب من تجربتى تلقٍ لمحمود درويش من أجيال مختلفة وخلفيات ثقافية متنوعة، كما كان الكاتب السياسى الفلسطينى عبدالمهدى مطاوع حاضرًا لإضاءة أبعاد المتغيرات السياسية التى مرّ بها درويش وتوضيح أثرها الفردى والجمعى.

ذاكرة الطفولة

كان لافتًا أن حديث محمود درويش عن الطفل الذى كانه وغادره فى لحظة صادمة لم ينقطع، بل ظل يتردد فى مقابلاته وأشعاره وكتاباته النثرية. فمع نكبة فلسطين اضطرت عائلته إلى الفرار، وهى تجربة قاسية ظلت محفورة فى ذاكرته، وظل يستعيدها، بوصفها انكسارًا مبكرًا فى وعيه بالزمان والمكان.

تمرّ العقود، ودرويش لا يكفّ عن استعادة أدقّ تفاصيل يوم النكبة، تلك اللحظة التى كانت فردية وجماعية فى آن. فى حوار قديم مع مجلة «الطريق» اللبنانية، يسترجع الحادثة كما لو أنها وقعت بالأمس: «الرصاص الذى انطلق فى تلك الليلة من صيف ١٩٤٨ فى سماء قرية هادئة، البروة، لم يميز بين أحد. رأيت نفسى أعدو فى اتجاه أحراش الزيتون السوداء، فالجبال الوعرة، مشيًا على الأقدام حينًا وزحفًا على البطون حينًا، وبعد ليلة دامية مليئة بالذعر والعطش، وجدنا أنفسنا فى بلد اسمه لبنان».

وفى حوار آخر، يضيف: «يخيّل إلىّ أن تلك الليلة وضعت حدًا لطفولتى بمنتهى العنف. ومنذ أن عشت فى لبنان بدأت أسمع كلمات جديدة: الوطن، الحرب، اللاجئون، الجيش، الحدود. ومن خلالها بدأت أتعلم وأفهم وضعًا جديدًا حرمنى طفولتى».

لكن صدمة الطفولة الكبرى لم تكن فى الخروج فقط، بل فى لحظة العودة؛ حين تسلّل سرًا إلى قريته البروة متحديًا التحذيرات، وجدها قد مُحيت من الوجود، هدمها الاحتلال وبدّل اسمها إلى «أحيهود». هنا وقف درويش أمام محاولة محو ذاكرة كاملة، ذاكرته هو، وذاكرة المكان.

فى كتابه النثرى «يوميات الحزن العادى» يقف محمود درويش متأملًا ذاته بعد كل هذه الخيبات الأولى، ويتساءل: «ما هو الوطن؟ الخريطة ليست إجابة. وشهادة الميلاد صارت تختلف. لم يواجه أحد هذا السؤال كما تواجهه أنت. منذ الآن، وإلى أن تموت، أو تتوب، أو تخون. قناعاتك لا تكفى، لأنها لا تغيّر ولا تفجّر، ولأن التيه كبير. ليست الصحراء أكبر من الزنزانة هنا».

ظل هذا الوعى الإشكالى بالوطن حاضرًا لدى محمود درويش طوال فترة إقامته غريبًا فى وطنه سواء فى قرية «دير الأسد»، أو «الجديدة»، وما زاد من هذا الإحساس بالغربة فى الوطن المسلوب تعرضه خلال عشر سنوات قضاها فى «حيفا» للسجن المتكرر وللإقامة الجبرية ولتضييقات مختلفة من المحتل. ومن هذا الوعى المتأجج انطلقت المرحلة الأولى من شعر محمود درويش فى فترة الستينيات، من ديوان «عصافير بلا أجنحة» مرورًا بـ«أوراق الزيتون» و«آخر الليل» وحتى ديوان «العصافير تموت فى الجليل». وفى هذه الفترة، عبّر بصراحة ووضوح عن المأساة الفلسطينية، وظهرت مشاعر الغضب والاحتجاج والثورة على الواقع.

هكذا، صارت التجارب الأولى وشمًا فى ذاكرة فلسطينى سيصير شاعرًا كبيرًا يستطيع بمفرداته أن يصوغ الألم الفردى والمحنة الجماعية. ومن هنا، تحدثنا مع الضيوف عن أثر هذه التجربة فى تكوين وعى درويش الشعرى والإنسانى، وكيف ترجمها فى شعره إلى حالات متعددة من الألم والحنين والتمرّد، ليصير الوطن بالنسبة له فكرة معقدة تحمل أبعادًا وجودية وفلسفية، تعبر عن قلق الإنسان الفلسطينى بكل ما يحمله من ألم وتطلعات.

مدن التيه والإلهام

من بلدٍ إلى آخر، ظل محمود درويش مرتحلًا، كأن الترحال قدرٌ يلاحق الفلسطينى حيثما ذهب. لكن درويش، بخلاف كثيرين، كان فى كل محطة مؤقتة يفتح لقصيدته أفقًا جديدًا. فى موسكو، حيث لم تطل الإقامة، تعرّف إلى شخصيات مؤثرة كان لبعضها دور لاحق فى محطات حياته، وهناك لمس عن قرب الفجوة بين النظرية والتطبيق، بين الحلم الشيوعى ومآلاته الواقعية، وهو وعى انتقل به إلى القاهرة، التى كانت، فيما يبدو، أول انفتاح عميق على ذاته الشعرية والإنسانية.

ومن الجدير بالذكر هنا أن الخطة الأولى من إعداد الفيلم كانت تقتصر على حديث أحمد الشهاوى وسيد محمود عن تجربة درويش القاهرية، لكن المفاجأة أن جُل الضيوف، دون طلب منا، أصروا على التوقف أمام محطة القاهرة بإجلال واضح، باعتبارها لحظة تحول حاسمة فى مسيرة محمود درويش. أجمع الضيوف على أن تلك الفترة، على قِصرها، شكّلت انتقالة كبرى فى وعى درويش الشعرى والشخصى على السواء. كانت المدينة تعج بالصحف والمجلات والصالونات، وتضج بأسماء كبار الكتّاب والمثقفين، ما أتاح لدرويش أن يرى صورته من زوايا جديدة، وأن يعيد تشكيل وعيه الشعرى فى ضوء جديد. 

ومن القاهرة إلى بيروت، واصلت القصيدة الدرويشية تحوّلاتها، متخلّصة شيئًا فشيئًا من وطأة الخطاب المباشر، ومنفتحة على آفاق جمالية وفكرية أرحب. رأى درويش فى بيروت ورشة حيّة لأفكاره، ومختبرًا تفاعليًا لتيارات الحداثة الشعرية ومجمل الحراك الثقافى العربى. هناك شعر بشىء من الاستقرار، بل بالانتماء، كما لو أن القصيدة وجدت فى بيروت وطنًا مؤقتًا آمنًا. لكن هذا الاستقرار لم يدم طويلًا؛ فقد أجهض القصف الإسرائيلى حلم السكينة، ومرة أخرى، لاحق الاحتلالُ الفلسطينى فى منفاه، دافعًا إياه إلى حمل وطنه مثل حقيبة.

كثيرًا ما سُئل محمود درويش عن السياسى وعلاقته بالشعرى فكان يُجيب بأن انشغال الشاعر بقضايا السياسة ليس ترفًا أو اختيارًا، وهذه القاعدة العامة كانت أشد التصاقًا بدرويش لأن مسيرة حياته كانت تفرض عليه هذا الانخراط، إذ كان جزءًا من الهيئة التأسيسية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وتولى أدوار ومسئوليات إدارية وتنظيمية فى المنظمة، كما كتب لياسر عرفات خطابات شهيرة، ومع ذلك، كان حريصًا على أن يستقل بالشعر من السياسة. كان يقول، حسبما يوضح زياد عبدالفتاح فى كتابه «صاقل الماس» عنه: «أنا شاعر، مهنتى هى الشعر، فلماذا يريدونى أن أشاركهم اقتسام الكعكة، سأتركها لهم كاملة لم يمسسها سوء، هناك من يستميتون للوصول لذلك، فلا يفتشون عنهم فىّ، أو يفتشون عنى فيهم». 

كان امتياز محمود درويش إذن أنه لم ينفصل يومًا عن قضايا وطنه، بل تجاوزها إلى أسئلة الإنسان الكبرى، وانشغل بإشكاليات العالم والوجود دون أن يختزل الشعر فى موقف سياسى أو بيان أيديولوجى. أدرك درويش مبكرًا أن على القصيدة أن تقيم فى فضائها الحر، أن تظل نافذة على الجمال، وعلى التأمل، وعلى ما يتجاوز اللحظة الآنية وضجيجها، وهذا ما توقف عنده عدد من ضيوفنا، لا سيما الشاعر والناقد الفرنسى جان ميشيل مولبوا، الذى قرأ أعمال درويش بالفرنسية وكتب عنه.

تحدث مولبوا عن أن درويش لم يعالج المنفى بوصفه حدثًا فلسطينيًا فحسب، بل حوله إلى رؤية كونية، تجربة وجودية تشغل الكائن فى علاقته بالمكان وبالآخر وبذاته المتشظية، هذا المنفى متعد الأوجه، بين الأرض واللغة والذات، هو ما شكّل لبّ التجربة الشعرية لديه. وتوقف مولبوا فى هذا الصدد عما يعنيه «الالتزام» عند درويش، مؤكدًا أن التزام درويش لم يكن دعائيًا مباشرًا، فدرويش حرص على دمج الألم بالأمل، والسياسى بالوجدانى، والجماعى بالذاتى، ليمنح القارئ مرآة يرى فيها مأساته الخاصة ضمن المأساة الأكبر.

شاعر الإنسانية

اعتبر درويش أن الفترة التى قضاها فى باريس هى الأهم فى حياته الشعرية، فقال: «هناك أتيحت لى فرصة التأمل والنظر إلى الوطن والعالم والأشياء من خلال مسافة، هى مسافة ضوء. فأنت عندما ترى من بُعد، ترى أفضل، وترى المشهد فى شموليته. علاوة على أن باريس جماليًا تحرّضك على الشعر والإبداع. كل ما فيها جميل. حتى مناخها جميل. أتاحت باريس لى فرصة التفرّغ أكثر للقراءة والكتابة. ولا أعرف فعلًا إن كانت باريس هى التى أصابتنى أم أن مرحلة نضج ما تمت فى باريس، أم أنه تطابق العنصرين بعضهما مع بعض؟».

فى باريس، شعر محمود درويش بشىء من التحرر، وقد تخلّص من كثير من الضغوط السياسية التى لازمته فى مراحل سابقة. أتاح له البعد الجغرافى عن مركز الصراع فسحةً للتأمل الأوسع، فتحت أمامه أفقًا جديدًا للتفكير فى الهوية باعتبارها معنى إنسانيًا مركّبًا، من هناك، بدأت النزعة الكونية تتبلور فى شعره، واتسعت لغته لتعبّر عن الألم البشرى العام، وتُجاوز حدود القضية دون أن تُغادرها.

وهنا تبرز أهمية النظرة القادمة من الخارج مرة أخرى، فى قراءة الشاعر والناقد الفرنسى جان ميشيل مولبوا، إذ رأى فى شعر محمود درويش انفتاحًا واسعًا على العالم، لا بوصفه مجرد صوت لجماعة أو قضية، بل باعتباره صوتًا يسائل العالم، ويخلط بين حالات متناقضة تجمع بين الفردى والجمعى، بين الحب والمنفى، بين الأرض واللغة. رأى مولبوا أن قصيدة درويش، خاصة فى مراحلها المتأخرة، اكتسبت أبعادًا إنسانية وكونية، نابعة من قدر من التحرر، ما جعلها قادرة على أن تُلامس التجربة البشرية فى جوهرها الأعمق.

فى سنواته الأخيرة، ما بين عمّان ورام الله، بلغت تجربة محمود درويش ذروتها الفلسفية. لم يعد المنفى مجرد جغرافيا بل صار شعورًا داخليًا يلازمه، ويقوده نحو تأملات فى معنى الوجود وحدود الحياة والموت. فبعد أن اقترب من الموت خلال واحدة من عمليتين جراحيتين نجا منهما، أصبحت فكرة الرحيل حاضرة فى خلفية قصائده، ظلًا يسير خلفه، وسؤالًا لا إجابة له. بدا وكأنه حين استقر جسديًا فى بيته، كانت روحه تتنقّل بين هاويات القلق الوجودى.

ولعل هذا التحوّل الفلسفى العميق هو ما التقطه الناقد الأردنى بسام قطوس فى كتابه «درويش على تخوم الفلسفة»، إذ يقول: «إذا أردنا رسم بورتريه للشاعر درويش فى فهمه ومفهمته، التى طرحتها أسئلته الفلسفية، على المستوى الفردى والجمعى بالنسبة للذات، وعلى آخره المتعدد الذى حاول امتحانه، لقلنا إنه نتاج تكوين متنوع الثقافات، متعدد المشارب المعرفية: أدبية وفلسفية ودينية وصوفية، ما جعله يتأرجح فى شعره بعامة، وأسئلته الفلسفية بخاصة، بين الشك واليقين، والوجود والعدم، والحياة والموت، والخفة والثقل، والحضور والغياب، برؤية قلقة متسائلة، ولكنها فى الوقت نفسه رؤية مبدعة فى تفكيكها تلك الثنائيات... أعتقد أن تاريخنا الشعرى سيسجل وبجدارة محكية أخرى لمحمود درويش، محكية شعرية وجمالية وإيتيقية، تقع على تخوم الفلسفة والفكر، تلكم هى مدونته الشعرية الخالدة، وهى محكية كل ذات مسكونة بالقلق الوجودى وساعية إلى الحق والحرية والجمال».

وقد تكون هذه الشهادة خير ختام لرحلتنا مع شاعر ترحّل بين أسئلة المعنى كما تغرّب بين الأمكنة، شاعر ترك لنا شعرًا يصلح أن يكون مرآة لكل من عبر دروب المنفى أو تأمل هشاشة الوجود.

شعر استطاع أن «يُخيّب ظن العدم»، بتعبيره الذى لامس القضية كما لامس الإنسان، وجمع بين الهمّ الفلسطينى والقلق الفردى، فصار نشيدًا وجوديًا لا يُنسى.